الذين
هم عن صلاتهم ساهون
إِنَّ الْحَمدَ للهِ، نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ
وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعوذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا،
مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ
أَنْ لا إلهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ
وَرَسُولُهُ، صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً.
أمّا بعد،
عباد الله: اتقوا اللهَ تعالى، واجتهِدُوا في
صَلاحِ قُلوبِكُم وأعمالِكم، واعلمُوا أَنَّ الصلاةَ شأنُها عظيم، وأَنَّ تعظيمَ
قَدْرِها مِنْ علاماتِ الإيمان. ولِذلكَ أَمَرَ اللهُ بِإِقامَتِها ونَهى عن
التساهُلِ في شَأْنِها، وتَوَعَّدَ مَنْ ضَيَّعَ حُقُوقَها الْمَفْرُوضَةَ
بالعَذابِ الشديدِ فقال سبحانَه: ( فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ
صَلاتِهِمْ سَاهُونَ ). فَتَوَعَّدَ هؤُلاءِ المُصَلِّين بِوَيْل، وَوَيل:
كَلِمَةُ وَعِيدٍ تَتَكَرَّرُ في القرآنِ كثيراً، والمَقْصُودُ منها الوَعِيدُ
الشَّدِيدُ على هؤلاء، ( الذين هُمْ عن صلاتِهم ساهُون ) فَأَخْبَرَ اللهُ تعالى
أَنَّهُم يُصَلُّون، سَواءً كانوا يُصَلُّونَ مع الناسِ أو أفراداً، لكنهم ( عَنْ
صَلاتِهِمْ سَاهُونَ ). لأنَّ السَّهْوَ عن الصلاةِ، هو الذي يَسْتَحِقُّ صاحِبُهُ
الذَّمَّ واللَّوْمَ، بِخِلافِ السهْوِ في الصلاةِ، فإنه يَقَعُ مِنْ كُلِّ أَحَد.
ولِهذا وَقَعَ السَّهْوُ مِن رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم، وهو أشدُّ الناسِ
إقبالاً على صلاتِه.
والسَّهْوُ عنِ الصلاةِ يا عبادَ الله يكونُ
في أُمُور:
أَوَّلُها: عَدَمُ إقامَةِ شُرُوطِها وما
فَرَضَ اللهُ فيها على عبادِه، كَمَنْ يُصَلِّي وطهارتُه ناقصة، أوْ يَتَيَمَّمُ
مَعْ وُجودِ الْماءِ والقُدْرَةِ عليه، أو لا يَطْمَئِنُّ في صلاتِه، فلا يُتِمُّ
الركوعَ والسُّجود، أو يَنْقُرُ الصلاةَ نَقراً. فَقَدْ ثبتَ في الصحيحين أن رجلاً
دَخلَ المسجدَ وَصَلَّى فلما فَرَغَ من صلاتِه، قال له رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه
وسلم: ( ارْجِعْ فَصَلِّ فإنك لَمْ تُصَلِّ ). وكان سببُ ذلك هو تركَ
الطُّمَأنينةِ في الصلاة. ولذلك قال أبو هريرةَ رضي اللهُ عنه: ( إنَّ الرَّجُلَ
لَيُصَلِّي سِتِّينَ سَنَةً مَا تُقْبَلُ لَهُ صَلاَةٌ، لَعَلَّهُ يُتِمُّ
الرُّكُوعَ، وَلاَ يُتِمُّ السُّجُودَ، وَيُتِمُّ السُّجُودَ، وَلاَ يُتِمُّ
الرُّكُوعَ ). ورأى حُذَيفَةُ بنُ اليمانِ رجلاً قَدْ خَفَّفَ فِي الصلاةِ فَقَالَ
لَهُ: " مُنْذُ كَمْ هَذِهِ
صَلاتُكَ؟ " قَالَ: مُنْذُ أَرْبَعِينَ سَنَةً، قَالَ : " مَا صَلَّيْتَ
مُنْذُ أَرْبَعِينَ سَنَةً ".
فيا عَبْدَ الله: اتَّقِ اللهَ في صلاتِك، واحذَرْ من مُبطِلاتِها، وتعلَّم كيف تؤدِّيها، ولا تَتَساهَلْ في ذلك، فإنه
يُلاحَظُ على بعضِ الْمُصَلِّين هداهُمُ اللهُ، التساهُلُ في صلاتِهِم. مَعَ
العلم، أَنَّ تَعَلُّمَ أحكامِها سهلٌ ولله الْحمد، خصوصاً في زمانِنا هذا مع
تَوَفُّرِ سُبُلِ العلم. فَلَوْ أنَّ الرجلَ في بيتِه مع زوجتِهِ وأولادِه، إذا
اجتمعُوا خَصَّصُوا شيئاً من وقتِهِم لِتَعَلُّمِ صِفةِ الصلاة، وغيرِها مما يجبُ
على المسلم. وهكذا لو فعَلَه الشخصُ مع جلَسائِهِ وزملائه، بدَلاً من ضياعِ الوقتِ
فيما لا يفيد. وهكذا الْمُعَلِّمُ معَ طُلابِه في حِصَصِ الفراغ. فإنَّ ذلك من
أعظمِ صُوَرِ التعاونِ على البِرِّ والتقوى الذي أَمَرَنا اللهُ به.
الثاني: فيما يَتَعلَّقُ بالسَّهْوِ عن
الصلاة، تأخيرُها عن وقتِها، قال سعدُ بنُ أبي وقاصٍ رضي اللهُ عنه في تفسير قوله
تعالى: ( الذينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ ): هو تأخيرُها عن وقتِها. كَمَنْ
يُصَلِّي الفجرَ بعدَ طلوعِ الشمسِ، أو العصرَ بَعْدَ غروبِ الشمس، أو العشاءَ
بعدَ منتصفِ الليل. ويَكْثُرُ هذا عندَ بعضِ الْمُصَلِّين في صَلاتَي الفجرِ
والعصرِ مع الأسف. وقد قال النبيُّ صلى اللهُ عليه وسلم في شأنِ هاتَيْنِ
الصلاتَيْن: ( مَنْ صَلَّى البَرْدَين, دَخَلَ الجنة ).
وَبَعْضُ
النساءِ يتساهَلْنَ في صلاةِ العشاءِ عندما تكونُ هناك مناسبة، فَيُؤَخِّرْنَ
العشاءَ إلى حينِ عودتِهِنّ، فلا يُصلِّينَها إلا بعد مُنْتَصَفِ الليل، فَيَجِبُ
تَنْبِيهُهُن على ذلك.
باركَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم،
وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ الْحَكِيم، أَقُولُ
مَا تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ
كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ
للهِ عَلى إِحسانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوفِيقِهِ وَامتِنَانِهِ، وَأشهدُ أن
لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ تَعْظِيماً لِشَأَنِهِ، وَأشهدُ أنَّ مُحمّداً
عَبدُهُ وَرسولُهُ، صلى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلمَ تسليماً كثيراً . أَمّا
بَعدُ
عباد الله: الثالث: فيما يتعلقُ بالسَّهْوِ
عنِ الصلاة: هو عَدَمُ الإخلاصِ فيها، كَمَن يُصلِّي خوفاً مِن ذَمِّ الناسِ، أو
مُجامَلَةً، أو رجاءَ مَدْحِ الآخرِين، أو مَصْلَحةً يرجُوها منهم، أو غيرَ ذلك
مِن الْمقاصِد نعوذُ بالله. وهذا الصِّنْفُ من الْمصلِّين، يَفتَضِحُ أَمْرُهُ على
رؤوسِ الأشهادِ يومَ القيامة، كما في تفسيرِ قوله تعالى: ( يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ
سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ * خَاشِعَةً
أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلِّـةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ
وَهُمْ سَالِمُونَ ). حيث قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم, في تفسير هذه الآية: (
فيَسْجُدُ لَهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ، وَيَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ رِيَاءً
وَسُمْعَةً. فَيَذْهَبُ كَيْمَا يَسْجُدُ فَيَعُودُ ظَهْرُهُ طَبَقًا وَاحِدًا ).
فاتقوا الله أيها المؤمنون، وأخلِصوا لله
نياتِكم، وقَوِّمُوا على السُّنَّةِ أعمالَكُم، فإنه لا يُقْبَلُ مِنَ الأعمالِ
إلا ما كان خالِصاً لله، وموافِقاً لِسُنَّةِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم.
اللهم
أعِنّا على ذِكرِك وشكرك وحُسْنِ عبادتِك، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما
علمتنا وفقهنا في دينك يا ذا الجلال والإكرام، اللهم أصلح قلوبنا وأعمالنا
وأحوالنا، واستعملنا في طاعتك، وأحسن لنا الختام، اللهم خلّصنا من حقوق خلقك،
وبارك لنا في الحلال من رزقك، اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل,
ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل، اللهم آتِ نفوسنا تقواها وزكّها أنت
خير من زكاها, أنت وليّها ومولاها، اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة
وقنا عذاب النار، اللهم احفظنا بالإسلام قائمين واحفظنا بالإسلام قاعدين واحفظنا
بالإسلام راقدين ولا تُشمت بنا أعداء ولا حاسدين، اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين
وأذلَّ الشرك والمشركين واحمِ حوزةَ الدين، وانصر عبادك المؤمنين في كل مكان،
اللهم أصلح أحوال المسلمين حكاما ومحكومين، اللهم أنزل على المسلمين رحمةً عامة
وهدايةً عامةً يا ذا الجلال والإكرام، اللهم اجمع كلمة المسلمين على الكتاب
والسنة، واجعلهم يداً واحدةً على من سواهم، ولا تجعل لعدوهم منةً عليهم يا ذا
الجلال والإكرام، اللهم احفظ بلادنا ممن
يكيد لها، اللهم احفظ بلادنا ممن يكيد لها، اللهم أصلح أهلها وحكامها يا أرحم
الراحمين، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم
والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات، ( وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ
تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ
يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ) .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ أحمد العتيق تجدها
هنا :
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=119 |