الاستغفار
للميت بعد الدفن
إِنَّ الحَمدَ للهِ، نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ
وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعوذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا،
مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ
أَنْ لا إلهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ
وَرَسُولُهُ، صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً.
أمّا بعد،
عبادَ الله: اتقوا اللهَ تعالى وراقِبُوه,
وتَذَكَرُوا أنَّ مَرَدَّكُم إلى الله, وإياكُم والغَفْلَةَ عن ذلك, كَيْ لا
تَرْكَنُوا إلى الدنيا الفانِيَةِ الزَّائِلَةِ, التي لا تَزِنُ عند اللهِ جَناحَ
بَعُوضَة. واجْعَلُوها مَطِيَّةً لِما أَمَامَكُم وما يَنْتَظِرُكُم بَعْدَ
المَوْت.
وأَوَّلُ مَنْزِلٍ سَتَزُورُونَه: هو
القَبْرُ, أَوَّلُ مَنازِلِ الآخِرة.
وأَوَّلُ أَمْرٍ يَنْتَظِرُكُم في هذا
القَبْرِ: هو ضَمَّتُه, وإِقعادُ صاحِبِه, مِن أجْلِ السُّؤال. ولذلك كان رسولُ
اللهِ صلى الله عليه وسلم إذا فَرَغَ مِن دَفْنِ المَيِّتْ, وَقَفَ عليه وقال: (
اسْتَغْفِرُوا لِأخيكم واسأَلُوا له التَّثْبِيتَ فإنه الآنَ يُسْأَل ).
اسْتَغْفِرُوا لأخِيكُم, لأنَ عَمَلَه الآن انقَطَعَ, فَهُوَ بِحاجَةٍ إلى الدعاءِ
والاستِغْفارِ له. فإنَّ المَيِّتَ بِحاجَةٍ إلى دُعاءِ الحَيِّ ونَفْعِ الحَيِّ,
ولَيْسَ العَكْس. فَيُؤْخَذُ مِن هذا الحديثِ مَشْرُوعِيَّةُ الوُقُوفِ عِنْدَ
القَبْرِ بَعْدَ الفَراغِ من الدَّفْنِ, وقَوْلُ: اللّهم اغْفِرْ له, اللّهُم
ثَبِّتْه بِالقَوْلِ الثابِتِ, اللَّهُم لَقِّنْهُ حَجَتَه عِنْدَ السُّؤَال,
وغَيْرُ ذلك مِن الأدْعِيَةِ التي تَتَناسَبُ مَعَ المَقام.
وفي هذا الحديثِ مِن الفَوائِدِ أيضاً:
إثْباتُ الأُخُوةِ الإيمانِيَّةِ, وعَدَمُ انقِطاعِها بالمَوْت, وأنَّها أَقْوَى
أَواصِرِ الأُخُوَّةِ وأَوثَقُها. وأمَّا الكافِرُ فلا يُسْتَغْفَرُ له, بَلْ لا
يَجُوز, لقولِه تعالى: ( مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ
يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا
تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ ). ولذلك نُهِيَ إبراهيمُ عليه
السلامُ عن الاستِغْفارِ لِأبيه, وكذلكَ نُهِيَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن
الاستِغْفارِ لِعَمِّه.
وفي الحديثِ أيضاً دليلٌ على إثْباتِ حياةِ
البَرْزَخِ, وهي حياةٌ خاصَّةٌ لا يَعْلَمُ كَيْفيَّتَها إلا اللهُ, لِقَوْلِ
النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ( فإِنَّه الآنَ يُسْأَل ).
وَما الذي يُسْأَلُ عنه الْمَقْبُور؟
هَلْ يُسْألُ عن حَسَبِهِ, أو نَسَبِهِ, أو
جاهِهِ, أو مَنْصِبِه, أو أَرْصِدَتِهِ, أو عَدَدِ أولادِهِ, أو مُخْتَرعاتِهِ, أو
شهاداتِه؟
عبادَ الله: كُلُّ الناسِ بِلا اسْتِثْناء,
خُلِقُوا مِنْ أَجْلِ أَمْرٍ واحدٍ, أَوْجَدَهُم اللهُ في هذِه الدنيا مِنْ
أَجْلِه, لَيْسَ هُناك سَبَبٌ غَيْرُه. هُوَ الذي يُسْأَلُونَ عنه في قُبُورِهِم,
وبَعْدَ بَعْثِهِم مِن قُبُورِهِم, لأنَّ الغايةَ مُحْصُورةٌ فيه. فَيَنْبَغِي أنْ
لا يَغِيبَ عَنّا هذا الشُّعُورُ, لأنّ ذلكَ يَجْعَلُنا لا نُعْطِي الدنيا
اهتِمامَنا, ولا نَحْزَنُ على فواتِ الفُرَصِ فيها. فالجَمِيعُ مَرَدُّهُم إلى
الله: ( المُؤْمِنُ والكافِرُ, والأميرُ والوزيرُ, والرَّئِيسُ والمُرْؤُوسُ,
والخادِمُ والمَخْدُوم, والغَنِيُّ والفقيرُ, والجاهِلُ والمُتَعَلِّمُ,
والمُهَنْدِسُ والمُخْتَرِعُ, والطَّبيبُ والمَريضُ, والذَّكَرُ والأُنْثَى
". كُلُّهُم سَيُفارِقُون الدنيا, وكُلُّهُم سَيُسْأَلُون في القَبْرِ
السُّؤالَ المُشارَ إليه في الحديثِ بِقَولِه: ( فَإنَّه الآنَ يُسْأَل ),
يُسْأَلُون عن التَّوحيدِ, والإتِّباعِ, والعَمَلِ بالإسلام. حَيْثُ يُقالُ
لِكُلِّ مَقْبُورٍ: " مَنْ رَبُّكَ, ومَن نَبِيُّكَ, وما دِينُك؟ ".
فاحْرِصْ على أَنْ تَعِيشَ طِيلَةَ حِياتِك مُسْتَعِدًّا لِلجوابِ على هذهِ
الأسْئِلَة عِنْدَما تُوضَعُ في قَبْرِك.
واللهِ لَوْ بَلَغْتَ أعْلَى المَناصِبِ,
ونِلْتَ أعْلَى الشهادات, وأصْبَحْتَ مِمَّن يُشارُ إليهِ بِالبَنان, فإنَّ ذلكَ
لا يُعَدُّ نَجَاحاً, إذا كُنْتَ مُضَيِّعاً لِعَقِيدَتِك, ومُفَرِّطاً في جَنْبِ
الله. وكُلُّ عِلْمٍ وعَمَلٍ يَصْدُرُ مِنْكَ, فإنه هَبَاءٌ. حَتَّى تَتَعَلَّمَ
هذه الأُصُولَ الثلاثة, وتُؤْمِنَ بِها, وتَعْمَلَ بِمَدْلُولِها. فإنَّ المُرادَ
بِقَوْلِ المَلَكَيْنِ مَن رَبُّكَ: هُوَ التوحيدُ وإفرادُ اللهِ بالعبادَةِ.
والمُرادَ بِقَوْلِ المَلَكَينِ مَنْ نَبِيُّكَ: هو تَصْديقُ الرَّسُولِ صلى الله
عليه وسلم ومَحَبَّتُه واتِّباعُه. والمُرادَ بِقَولِ المَلَكَين ما دِينُك: هو
العَمَلُ بالإسلامِ, والرِّضا بِهِ, واعْتِقادُ بُطْلانِ كُلِّ دينٍ سواه ( وَمَنْ
يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ
مِنَ الْخَاسِرِينَ ).
باركَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ
الْعَظِيم، وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ
الْحَكِيم، أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ
الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ
عَلى إِحسانِهِ، وَالشكرُ لَهُ عَلى تَوفِيقِهِ وَامتِنَانِهِ، وَأشهدُ أن لا إله إلا
اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ تَعْظِيماً لِشَأَنِهِ، وَأشهدُ أنَّ مُحمّداً عَبدُهُ
وَرسولُهُ، صلى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلمَ تسليماً كثيراً . أَمّا بَعدُ
أيُّها المُسْلِمُون: إنَّ كُلَّ عِبادَةٍ
يَقُومُ بِها العَبْدُ, لابُدَّ وأنْ تَتَضَمَّنَها هذِه الأصُولُ الثلاثة, لأنَّ
مَدارَ العَمَلِ والتَّعَبُّدِ عَلَيها:
فَلَوْ نَظَرْنا على سبِيلِ المِثالِ إلى
الصلاةِ:
لابُدَّ وأَنْ تَكُونَ خالِصَةً لِوَجْهِ
اللهِ, سالِمَةً مِن الرياءِ وأَيِّ صُورَةٍ مِن صُوَرِ الشِّرْك, وهذا داخِلٌ
تَحْتَ الأَصْلِ الأَوَّلِ – مَنْ ربُّك؟ – أي: مَن هو مَعْبُودُك؟.
ثُمَّ إن هذه الصلاةَ لابُدَّ أن تكون على
السُّنَّةِ, وهذا داخِلٌ تَحْتَ الأصْلِ الثاني – مَن نبِيُّك؟ -.
وكذلك هذه الصَّلاةُ رُكْنٌ مِن أركان
الإسلامِ, ومِن شَعائِرِ الإسلامِ الظاهِرَة, وهذا داخِلٌ تحت الأصْلِ الثالث – ما
دِينُك؟ -.
اللهم ثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا
وفي الآخرة، اللهم ىتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، اللهم
أَلِّفْ بينَ قُلُوبِنا وأصلِحْ ذاتَ بينِنا واهدنا سُبُلَ السلام, ونَجَّنا من
الظُّلُماتِ إلى النُّور يا ذا الجلال والإكرام، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو
عصمت أمرنا وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا،
واجعل الدنيا زيادة لنا في كل خير والموت راحة لنا من كل شر، اللهم
آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليّها ومولاها، اللهم أصلح أحوال
المسلمين حكاماً ومحكومين، اللهم أرهم الحق حقاً وارزقهم اتباعه وأرهم الباطل
باطلاً وارزقهم اجتنابه، وولّ عليهم خيارهم، واجعل ولايتهم فيمن خافك واتقاك واتبع
رضاك، اللهم اجمع كلمة المسلمين على كتابك وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم،
واجعلهم يداً واحدةً على من سواهم، ولا تجعل لأعدائهم منةً عليهم يا رب العالمين، اللهم
احفظ لبلادنا أمنها، واحفظها ممن يكيد لها، وأصلح أهلها وحكامها يا أرحم الراحمين.
اللهم
أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث واجعل ما أنزلت
لنا قوةً ومتاعاً إلى حين، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء
أنزل علينا الغيث واجعل ما أنزلت لنا قوةً ومتاعاً إلى حين، اللهم أنت الله لا إله
إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث واجعل ما أنزلت لنا قوةً
ومتاعاً إلى حين، اللهم أغثنا، غيثاً مغيثاً، هنيئاً مريئاً، سحاً غدقاً، نافعاً
غير ضار، عاجلاً غير آجل، اللهم اسق بلادك وعبادك وبهائمك، وانشر رحمتك وأحيي بلدك
الميت، اللهم أنزل علينا من السماء ماء مباركاً تُغيث به البلاد والعباد وتعُمَّ
به الحاضر والباد، اللهم إنا نستغفرك ونتوب إليك، اللهم إنا نستغفرك ونتوب إليك من
جميع ذنوبنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا اللهم صلِّ وسلم على نبينا
محمد .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ أحمد العتيق تجدها
هنا :
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=119 |