﷽
اَلْقُدْوَةُ اَلْحَسَنَةُ
الْحَمْدُ لِلَّهِ ذِي الْفَضْلِ وَالْإِحْسَانِ، وَالْكَرَمِ وَالِامْتِنَانِ، اصْطَفَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى جَمِيعِ بَنِي الْإِنْسَانِ، وَأَدَّبَهُ فَأَحْسَنَ تَأْدِيبَهُ فَكَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ.
وَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ فِي أُلُوهِيَّتِهِ وَرُبُوبِيَّتِهِ وَأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ الْحِسَانِ. وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، بُعِثَ بِمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَأَتَمِّ الْأَدْيَانِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ فَيَا عِبَادَ اللَّهِ:
اتَّقُوا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بِفِعْلِ أَوَامِرِهِ، وَبِالْبُعْدِ عَنْ مَا نَهَاكُمْ عَنْهُ، جَعَلَنِي اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ مِنْ عِبَادِهِ الْمُتَّقِينَ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ .
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْمُؤْمِنُونَ: مَا أَحْوَجَنَا لِمَعْرِفَةِ شَيْءٍ مِنْ أَخْلَاقِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ! فَهُوَ الْقُدْوَةُ الْحَسَنَةُ الْمُزَكَّى مِنْ قِبَلِ رَبِّنَا مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَاوَاتِهِ، زَكَّى خُلُقَهُ فَقَالَ: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾، وَزَكَّى لِسَانَهُ فَقَالَ: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى﴾، وَزَكَّى عَقْلَهُ فَقَالَ: ﴿وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ﴾، فَقَدْ ضَلَّ -وَاللهِ- مَنْ جَعَلَ لَهُ قُدْوَةً غَيْرَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فَأَنْتُ أَخِي التَّاجِرَ، أَنْتَ يَا صَاحِبَ الْأَمْوَالِ الْكَثِيرَةِ، عَلَيْكَ أَنْ تَقْتَدِيَ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَمَا كَانَ تَاجِرًا يَسِيرُ بِسِلَعِهِ بَيْنَ الْحِجَازِ وَالشَّامِ، وَعِنْدَمَا مَلَكَ خَزَائِنَ الْبَحْرَيْنِ.
وَأَنْتَ أَيُّهَا الْفَقِيرُ، هُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُسْوَةٌ لَكَ، فَقَدْ حُوصِرَ فِي شِعْبِ أَبِي طَالِبٍ حَتَّى أَكَلَ أَصْحَابُهُ وَرَقَ الشَّجَرِ، وَصَارَ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ يَضَعُ كَمَا تَضَعُ الشَّاةُ، وَهَاجَرَ عَنْ مَوْطِنِهِ، وَجَاءَ إِلَى الْمَدِينَةِ، لَا يَمْلِكُ مِنَ الدُّنْيَا شَيْئًا.
وَأَنْتَ أَيُّهَا الزَّوْجُ اقْرَأْ سِيرَتَهُ مَعَ خَدِيجَةَ وَعَائِشَةَ، وَإِنْ كُنْتَ أَبًا، فَاطَّلِعْ عَلَى مُعَامَلَتِهِ لِفَاطِمَةَ، وَحُبُّهُ لِلْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ.
وَصَدَقَ اللَّهُ الْعَظِيمُ: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾ .
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الْمُؤْمِنُونَ: فَتَأَمَّلُوا كَيْفَ كَانَ نَبِيُّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ! كَانَ صَلَوَاتُ رَبِّي وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ كَثِيرَ الشُّكْرِ لِلَّهِ، كَثِيرَ التَّوْبَةِ دَائِمَ الِاسْتِغْفَارِ، يَقُومُ اللَّيْلَ حَتَّى تَوَرَّمَتْ وَتَفَطَّرَتْ قَدَمَاهُ، وَلَمَّا سُئِلَ عَنْ سَبَبِ ذَلِكَ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا؟!».
خَيَّرَهُ رَبُّهُ عَزَّ وَجَلَّ، بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا نَبِيًّا، أَوْ مَلِكًا نَبِيًّا، فَاخْتَارَ الْعُبُودِيَّةَ وَالنُّبُوَّةَ، وَقَالَ: «لَا، بَلْ أَكُونُ عَبْدًا نَبِيًّا»، وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إلَيْهِ فِي الْيَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّهُ»، وَكَانَ أَشَدَّ النَّاسِ خَوْفًا مِنَ اللَّهِ، كَانَ إذَا صَلَّى سُمِعَ لِصَدْرِهِ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ الْمِرْجَلِ مِنَ الْبُكَاءِ، وَإِذَا رَأَى غَيْمًا أَوْ رِيحًا عُرِفَ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ، سَأَلَتْهُ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، النَّاسُ يَفْرَحُونَ رَجَاءَ الْمَطَرِ، وَأَنْتَ تُعْرَفُ الْكَرَاهِيَةَ فِي وَجْهِكَ! فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا عَائِشَةُ، وَمَا يُؤْمِنُنِي أَنْ يَكُونَ فِيهِ عَذَابٌ! قَدْ عُذِّبَ قَوْمٌ بِالرِّيحِ».
وَكَانَ مَعَ ذَلِكَ يَا عِبَادَ اللَّهِ أَعْظَمَ النَّاسِ شَجَاعَةً وَأَشَدَّهُمْ بَأْسًا؛ فَزِعَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ ذَاتَ لَيْلَةٍ مِنْ صَوْتٍ شَدِيدٍ سَمِعُوهُ، فَانْطَلَقَ النَّاسُ قِبَلَ الصَّوْتِ، فَتَلَقَّاهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَاجِعًا، وَقَدْ سَبَقَهُمْ وَاسْتَبْرَأَ الْخَبَرَ عَلَى فَرَسٍ لِأَبِي طَلْحَةَ عُرْيٍ؛ أَيْ: لَيْسَ عَلَى ظَهْرِهِ شَيْءٌ، اسْتَقْبَلَ النَّاسَ وَفِي عُنُقِهِ السَّيْفُ وَهُوَ يَقُولُ: «لَمْ تُرَاعُوا، لَمْ تُرَاعُوا».
وَأَمَّا هَذِهِ الدُّنْيَا الَّتِي تَعَلَّقَتْ بِهَا بَعْضُ النُّفُوسِ، وَتَمَكَّنَتْ مِنْ بَعْضِ الْقُلُوبِ، وَجَرَى حُبُّهَا مَعَ مَجْرَى الدَّمِ فِي بَعْضِ الْعُرُوقِ، لَمْ تَكُنْ تُمَثِّلُ عِنْدَهُ شَيْئًا ، إِذَا أَعْجَبَهُ مِنْهَا شَيْءٌ قَالَ: «اللَّهُمَّ لَا عَيْشَ إِلَّا عَيْشُ الْآخِرَةِ»، وَحُفِظَ عَنْهُ قَوْلُهُ: «مَا لِي وَلِلدُّنْيَا، مَا أَنَا وَالدُّنْيَا إِلَّا كَرَاكِبٍ اسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا». رَآهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مُضْطَجِعًا عَلَى حَصِيرٍ أَثَّرَ فِي جَنْبِهِ، نَبِيُّ الْأُمَّةِ الَّذِي يَنْزِلُ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ مِنَ السَّمَاءِ، يَنَامُ عَلَى حَصِيرٍ يُؤَثِّرُ فِي جَنْبِهِ، وَلِهَذَا لَمَّا رَآهُ عُمَرُ هَمَلَتْ عَيْنَاهُ، فَلَمَّا رَآهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَهُ: «مَا لَكَ يَا عُمَرُ؟»فَقَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ أَنْتَ صَفْوَةُ اللَّهِ مَنْ خَلْقِهِ، وَكِسْرَى وَقَيْصَرُ فِيمَا هُمْ فِيهِ -يَعْنِي مِنَ النَّعِيمِ-، فَاحْمَرَّ وَجْهُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: «أَوَفِي شَكٍّ أَنْتَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ؟» ثُمَّ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أُولَئِكَ قَوْمٌ عُجِّلْتَ لَهُمْ طَيِّبَاتُهُمْ فِي حَيَاتِهِمُ الدُّنْيَا».
وَيَرْوِي أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَيَقُولُ: وَالَّذِي نَفْسُ أَبِي هُرَيْرَةَ بِيَدِهِ، مَا شَبِعَ نَبِيُّ اللَّهِ وَأَهْلُهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ تِبَاعًا مِنْ خُبْزِ حِنْطَةٍ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا. حَجَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّةَ الْوَدَاعِ وَالْمُسْلِمُونَ مَعَهُ مَدَّ الْبَصَرِ، وَالْجَزِيرَةُ بِأَسْرِهَا خَاضِعَةٌ لَهُ، وَلَكِنَّهُ عَلَى رَحْلٍ رَثٍّ، عَلَيْهِ قَطِيفَةٌ لَا تُسَاوِي أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ، وَمَعَ ذَلِكَ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ حَجًّا لَا رِيَاءَ فِيهِ وَلَا سُمْعَةَ».
هَذِهِ حَالُ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ لَوْ أَرَادَ الدُّنْيَا بِذَهَبِهَا وَخَزَائِنِهَا لَأَتَتْهُ رَاغِمَةً، وَلَكِنْ لَا إرَادَةَ لَهُ فِيهَا، فَهِيَ عِنْدَهُ دَارُ مَمَرٍّ لَا دَارُ مَقَرٍّ، أَلَيْسَ هُوَ الْقَائِلُ: «مَا يَسُرُّنِي أَنَّ عِنْدِي مِثْلَ أُحُدٍ هَذَا ذَهَبًا، تَمْضِي عَلَيَّ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَعِنْدِي مِنْهُ دِينَارٌ، إلَّا شَيْءٌ أَرْصُدُهُ لِدَيْنٍ، إِلَّا أَنْ أَقُولَ بِهِ فِي عِبَادِ اللَّهِ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا» أَيْ: يُوَزِّعُهُ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ وَخَلْفِهِ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ قَوْلًا فَقَطْ، بَلْ كَانَ حَقِيقَةً ثَابِتَةً عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
أَتَاهُ رَجُلٌ فَسَأَلَهُ فَأَعْطَاهُ غَنْمًا بَيْنَ جَبَلَيْنِ، فَرَجَعَ الرَّجُلُ إِلَى قَوْمِهِ، وَقَالَ : أَسْلِمُوا؛ فَإِنَّ مُحَمَّدًا يُعْطِي عَطَاءَ مَنْ لَا يَخْشَى فَاقَةً. وَقَدْ صَدَقَ وَاللَّهِ، حُمِلَ إِلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِسْعُونَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، فَوُضِعَتْ عَلَى حَصِيرٍ، ثُمَّ قَامَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَسِّمُهَا، فَمَا رَدَّ سَائِلًا حَتَّى فَرَغَ مِنْهَا، وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ كَانَ أَزْهَدَ النَّاسِ فِي الدُّنْيَا، تَلَوَّى مِنَ الْجُوعِ، بَلْ وَرَبَطَ عَلَى بَطْنِهِ الْحَجَرَ وَالْحَجَرَيْنِ مِنْ شِدَّتِهِ ، مَاتَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُخَلِّفْ دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا وَلَا شَاةً وَلَا بَعِيرًا وَلَا قَصْرًا وَلَا مَزْرَعَةً، إنَّمَا خَلَّفَ سِلَاحَهُ وَبَغْلَتَهُ، وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ عِنْدَ يَهُودِيٍّ بِشَعِيرٍ ابْتَاعَهُ لِأَهْلِهِ.
فَاللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَيْهِ عَدَدَ مَا ذَكَرَهُ الذَّاكِرُونَ الْأَبْرَارُ، وَعَدَدَ مَا اخْتَلَفَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا اتِّبَاعَهُ، وَوَفِّقْنَا إلَى طَاعَتِهِ وَأَوْرِدْنَا حَوْضَهُ، وَارْزُقْنَا شَفَاعَتَهُ، إنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَبِالْإِجَابَةِ جَدِيرٌ.
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ، إنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إلَى رِضْوَانِهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَنَجْعَلُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَنَا قُدْوَةً؛ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» وَلِأَنَّهُ اجْتَمَعَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَارِمُ الْأَخْلَاقِ وَالشَّجَاعَةُ وَالْكَرَمُ، وَلِأَنَّهُ بَلَّغَ الرِّسَالَةَ وَأَدَّى الْأَمَانَةَ وَنَصَحَ الْأُمَّةَ وَجَمَعَ الْكَلِمَةَ. حَتَّى وَصَلَ لَنَا هَذَا الدِّينُ كَامِلًا خَالِيًا مِنَ الْبِدَعِ وَالْخُرَافَاتِ، لَا يَحْتَاجُ إلَى زِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ، يَقُولُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا﴾، وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ».
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الْمُؤْمِنُونَ: تَخَلَّقُوا بِأَخْلَاقِ رَسُولِكُمْ، تَمَسَّكُوا بِهَا لِتَكُونُوا مُحِبِّينَ صَادِقِينَ، وَاعْلَمُوا يَا عِبَادَ اللَّهِ أَنَّ الْحُبَّ الصَّادِقَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ يَتَطَلَّبُ الْعَمَلَ بِكِتَابِ اللَّهِ وَأَحَادِيثِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالِاحْتِكَامَ إِلَيْهِمَا، وَمَحَبَّةَ التَّوْحِيدِ الَّذِي دَعَا إِلَيْهِ وَتَطْبِيقَهُ، وَعَدَمَ تَقْدِيمِ حُكْمٍ أَوْ قَوْلِ أَحَدٍ عَلَيْهِمَا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾.
وَمِنْ عَلَامَاتِ حُبِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حُبُّ التَّوْحِيدِ الَّذِي دَعَا إِلَيْهِ وَتَطْبِيقُهُ، وَحُبُّ مَنْ يَدْعُو إلَيْهِ مِنَ الدُّعَاةِ، وَعَدَمُ نَبْزِهِمْ بِالْأَلْقَابِ الْمُنَفِّرَةِ وَغَيْرِهَا.
اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا حُبَّهُ وَاتِّبَاعَهُ وَشَفَاعَتَهُ وَالتَّخَلُّقَ بِأَخْلَاقِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
اللَّهُمَّ إنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ سُوءِ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، اللَّهُمَّ أَحْيِنَا حَيَاةَ السُّعَدَاءِ، وَتَوَفَّنَا وَفَاةَ الشُّهَدَاءِ، وَاحْشُرْنَا فِي زُمْرَةِ الْأَتْقِيَاءِ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ نَصْرَ الْإِسْلَامِ وَعِزَّ الْمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ انْصُرِ الْإِسْلَامَ وَأَعِزَّ الْمُسْلِمِينَ، وَاحْمِ حَوْزَةَ الدِّينِ، وَاجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا مُطْمَئِنًّا وَسَائِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا وَاسْتَعْمِلْ عَلَيْنَا خِيَارَنَا، وَاجْعَلْ وِلَايَتَنَا فِي عَهْدِ مَنْ خَافَكَ وَاتَّقَاكَ وَاتَّبَعَ رِضَاكَ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.
اللَّهُمَّ أَيِّدْ إِمَامَنَا خَادِمَ الْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ بِتَأْيِيدِكَ، اللَّهُمَّ انْصُرْ بِهِ دِينَكَ وَكِتَابَكَ وَسُنَّةَ نَبِيِّكَ، اللَّهُمَّ وَفِّقْهُ لِهُدَاكَ، وَاجْعَلْ عَمَلَهُ فِي رِضَاكَ، وَارْزُقْهُ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ، وَأَبْعِدْ عَنْهُ بِطَانَةَ السُّوءِ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ. اللَّهُمَّ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
عِبَادَ اللَّهِ: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾، فَاذْكُرُوا اللَّهَ الْعَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.