حسنُ
السؤالِ عن الإسلام
قصةُ
ضِمامُ بنُ ثعلبةَ رضي الله عنه
إنَّ
الحمدَ للهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ ونَسْتغفرُهُ، ونَعوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنا،
وسَيِّئَاتِ أعْمَالِنا، مَنْ يهدِهِ اللهُ فلا مُضِلَّ لَهُ، ومَنْ يُضْلِلْ فَلا
هَادِيَ لَه، وأشْهَدُ ألَّا إِلهَ إلا اللهُ وَحْدَهُ لا شرِيكَ له، وأشْهَدُ
أنَّ مُحمَّداً عَبْدُهُ ورَسُولُه، صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ
تَسْلِيماً كثيراً.
أَمَّا
بَعْدُ، فـ ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ))
فإنَّ
أحْسَنَ الحديثِ كتابُ اللهِ، وأحْسَنَ الهديِ هدْيُ مُحمدٍ صلى اللهُ عليهِ وسلم،
وشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثاتُها، وكلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعةٌ، وكلَّ بِدْعةٍ
ضَلَالَة.
عِبَادَ
اللهِ:
لَمَّا نَصَرَ اللهُ نَبِيَّهُ مُحَمَّداً ﷺ وَالْمُؤْمِنِينَ مَعَهُ عَلَى
قُرَيْشٍ، وَفَتَحَ اللهُ لِلْمُؤْمِنِينَ مَكَّةَ، عَامَ ثَمَانٍ مِنَ
الْهِجْرَةِ، وَالَّذِي سُمِّيَ بَعْدَ ذَلِكَ "عَامَ الْفَتْحِ"،
لَمَّا وَقَعَ النَّصْرُ وَالْفَتْحُ الْأَكْبَرُ لِلنَّبِيِّ ﷺ وَالْمُؤْمِنِينَ،
عَلِمَتِ الْعَرَبُ كُلُّهَا وَأَيْقَنَتْ أَنَّ مُحَمَّداً نَبِيٌّ صَادِقٌ
مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ حَقّاً، فَدَخَلُوا فِي دِينِ اللهِ أَفْوَاجاً، فَبَدَأَتْ
وُفُودُ قَبَائِلِ الْعَرَبِ تَقْدِمُ عَلَى الْمَدِينَةِ لِتُعْلِنَ
إِسْلَامَهَا، وَتُبَايِعَ رَسُولَ اللهِ ﷺ عَلَى الْإِسْلَامِ، حَتَّى سُمِّيَ
الْعَامُ التَّاسِعُ مِنَ الْهِجْرَةِ "عَامَ الْوُفُودِ"، فَلَمْ
يَبْقَ أَحَدٌ مِنْ عَرَبِ الْجَزِيرَةِ إِلَّا وَدَخَلَ فِي الْإِسْلَامِ.
وَسَأَذْكُرُ
لَكُمْ قِصَّةَ وَافِدٍ أَعْرَابِيٍّ عَاقِلٍ، وَفَدَ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ
نِيَابَةً عَنْ قَوْمِهِ، جَاءَتْ قِصَّتُهُ فِي "الصَّحِيحَيْنِ"
وَغَيْرِهِمَا.
إِنَّهُ
وَافِدُ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ، الْقَوْمُ الَّذِينَ مِنْهُمْ مُرْضِعَةُ
النَّبِيِّ ﷺ (حَلِيمَةُ السَّعْدِيَّةُ) رَضِيَ اللهُ عَنْهَا،
الْقَوْمُ الَّذِينَ عَاشَ النَّبِيُّ ﷺ فِي دِيَارِهِمْ زَمَنَ طُفُولَتِهِ
أَرْبَعَ سِنِينَ، عِنْدَمَا كَانَ مُسْتَرْضَعاً فِيهِمْ.
وَافِدُهُمْ
وَمَبْعُوثُهُمْ هُوَ ضِمَامُ بْنُ ثَعْلَبَةَ رَضِيَ
اللهُ عَنْهُ.
يَرْوِي لَنَا
قِصَّةَ هَذَا الْوَافِدِ الْمُبَارَكِ، الصَّحَابِيُّ الْجَلِيلُ أَنَسُ بْنُ
مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، حَيْثُ يَقُولُ:
((نُهِينَا فِي
الْقُرْآنِ أَنْ نَسْأَلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ
شَيْءٍ، فَكَانَ يُعْجِبُنَا أَنْ يَجِيءَ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ
الْعَاقِلُ، فَيَسْأَلَهُ، وَنَحْنُ نَسْمَعُ، فبَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ مَعَ
النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ.
جَاءَ رَجُلٌ
مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ عَلَى جَمَلٍ، فدَخَلَ بِجَمَلِهِ فَأَنَاخَهُ فِي الْمَسْجِدِ
ثُمَّ عَقَلَهُ/
ثُمَّ
قَالَ لَهُمْ: أَيُّكُمْ مُحَمَّدٌ؟ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مُتَّكِئٌ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ،
فَقُلْنَا:
هَذَا الرَّجُلُ الأَبْيَضُ الْمُتَّكِئُ،
فَقَالَ
لَهُ الرَّجُلُ: يَا ابْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ،
فَقَالَ
لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قَدْ أَجَبْتُكَ»،
قَالَ
الرَّجُلُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي سَائِلُكَ
فَمُشَدِّدٌ عَلَيْكَ ومُغْلِظٌ فِي الْمَسْأَلَةِ، فَلَا تَجِدْ عَلَيَّ فِي
نَفْسِكَ؟،
فَقَالَ
عليه الصلاة والسلام: «لَا أَجِدُ فِي نَفْسِي، فَسَلْ عَمَّا بَدَا لَكَ»
قَالَ
الرجلُ: يَا مُحَمَّدُ، أَتَانَا رَسُولُكَ فَزَعَمَ لَنَا أَنَّكَ تَزْعُمُ أَنَّ
اللهَ أَرْسَلَكَ،
قَالَ:
صَدَقَ
قَالَ
الرجُلُ: فَمَنْ خَلَقَ السَّمَاءَ؟
قَالَ
النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللهُ»،
قَالَ:
فَمَنْ خَلَقَ الْأَرْضَ؟
قَالَ:
«اللهُ»،
قَالَ:
فَمَنْ نَصَبَ هَذِهِ الْجِبَالَ، وَجَعَلَ فِيهَا مَا جَعَلَ؟
قَالَ:
«اللهُ»،
قَالَ
الرجلُ: فَبِالَّذِي خَلَقَ السَّمَاءَ، وَخَلَقَ الْأَرْضَ، وَنَصَبَ هَذِهِ
الْجِبَالَ، أَسْأَلُكَ بِرَبِّكَ وَرَبِّ مَنْ قَبْلَكَ، آللَّهُ أَرْسَلَكَ
إِلَى النَّاسِ كُلِّهِمْ؟
فَقَالَ
النبيُّ عليه الصلاة والسلام: «اللَّهُمَّ نَعَمْ».
قَالَ:
أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ الَّذِي أَرْسَلَكَ، آللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ نُصَلِّيَ
الصَّلَوَاتِ الخَمْسَ فِي اليَوْمِ وَاللَّيْلَةِ؟
قَالَ:
«اللَّهُمَّ نَعَمْ».
قَالَ:
أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ الَّذِي أَرْسَلَكَ، آللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ نَصُومَ هَذَا
الشَّهْرَ مِنَ السَّنَةِ؟
قَالَ:
«اللَّهُمَّ نَعَمْ».
قَالَ:
أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ الَّذِي أَرْسَلَكَ، آللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ تَأْخُذَ هَذِهِ
الصَّدَقَةَ مِنْ أَغْنِيَائِنَا فَتَقْسِمَهَا عَلَى فُقَرَائِنَا؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«اللَّهُمَّ نَعَمْ»،
قَالَ:
أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ الَّذِي أَرْسَلَكَ، آللَّهُ أَمَرَكَ أَنَّ نحَجَّ
الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا؟
فَقَالَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ نَعَمْ».
حَتَّى إِذَا فَرَغَ الرَّجُلُ قَالَ: آمَنْتُ بِمَا جِئْتَ بِهِ، وإِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا
إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَوَالَّذِي
بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، سَأُؤَدِّي هَذِهِ الْفَرَائِضَ، ولَا أَزِيدُ عَلَيْهِنَّ،
وَلَا أَنْقُصُ مِنْهُنَّ، وَأَنَا رَسُولُ مَنْ وَرَائِي مِنْ قَوْمِي، وَأَنَا ضِمَامُ
بْنُ ثَعْلَبَةَ أَخُو بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ))
قَالَ: ثُمَّ
وَلَّى الرَّجُلُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَئِنْ صَدَقَ لَيَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ».
ثُمَّ انْصَرَفَ
الرَّجُلُ فَأَتَى بَعِيرَهُ فَأَطْلَقَ عِقَالَهُ، ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى قَدِمَ
عَلَى قَوْمِهِ، فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ، فَكَانَ أَوَّلَ مَا تَكَلَّمَ بِهِ أَنْ
قَالَ: بِئْسَتِ اللَّاتُ وَالْعُزَّى، فَقَالُوا: مَهْ يَا ضِمَامُ اتَّقِ
الْبَرَصَ، اتَّقِ الْجُذَامَ، اتَّقِ الْجُنُونَ، فَقَالَ: وَيْلَكُمْ،
إِنَّهُمَا وَاللَّهِ لَا يَضُرَّانِ وَلَا يَنْفَعَانِ، إِنَّ اللَّهَ قَدْ
بَعَثَ رَسُولًا، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ كِتَابًا اسْتَنْقَذَكُمْ بِهِ مِمَّا
كُنْتُمْ فِيهِ، وَإِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا
شَرِيكَ لَهُ، وَأَنْ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَقَدْ جِئْتُكُمْ مِنْ
عِنْدِهِ بِمَا أَمَرَكُمْ بِهِ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ.
قَالَ:
فَوَاللَّهِ مَا أَمْسَى مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَفِي حَاضِرِهِ رَجُلٌ وَلَا
امْرَأَةٌ إِلَّا مُسْلِمًا»
اللهُ
أَكْبَرُ! يَا لَهَا مِنْ أَسْئِلَةٍ مَا أَحْسَنَهَا، وَمِنْ مُنَاشَدَةٍ مَا
أَبْلَغَهَا وَأَغْلَظَهَا، وَيَا لَهَا مِنْ وِفَادَةٍ مَا أَبْرَكَهَا!
كَانَ عُمَرُ
بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَقُولُ: «مَا
رَأَيْتُ أَحْسَنَ مَسْأَلَةً، وَلَا أَوْجَزَ مِنْ ضِمَامٍ». وَيَقُولُ
عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: «مَا
سَمِعْنَا بِوَافِدِ قَوْمٍ كَانَ أَفْضَلَ مِنْ ضِمَامِ بْنِ ثَعْلَبَةَ».
بارَكَ
اللّٰهُ لِي وَلَكُمْ فِي الكِتابِ وَالسُنَّةِ، وَنَفَعَنِي وَإِيّاكُمْ بِما
فِيهِما مِنْ الْمَواعِظِ وَالحِكْمَةِ ، وَأَسْتَغْفِرُ اللّٰهَ لِي وَلَكُمْ
إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَحِيمُ.
الخطبة
الثانية:
الحمدُ
للهِ ربِّ العَالَمِين، الرَّحمنِ الرَّحِيم، مَالكِ يومِ الدِّين، وأشهدُ أن لا
إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُهُ ورسولُه، صلّى
اللهُ عليه وسلّمَ وباركَ على آلِهِ وصحبِهِ أجمعين، أمّا بعدُ:
عِبادُ
اللّٰهِ: كَفَى بِرِوايَةِ القِصَّةِ عِبْرَةً.
غَيْرَ
أَنَّ فِي فَوائِدِها وَدُرُوسِها، ما يَسْتَحِقُّ أَنْ يَتَأَمَّلَ وَيُوقِفَ
عِنْدَهُ، أَقِفُ وَإِيّاكُمْ مَعَ أَبْرَزِها:
فَأَوَّلُ
الدُرُوسِ: أَنَّ الْمُؤْمِنَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ
يُطْلَبَ لِإِيمانِهِ اليَقِينَ، وَيُطْلُبَ لِدِينِهِ التَوَثُّقَ ... بِوَسائِلِ
التَوَثُّقِ وَوَسائِلِ تَقْوِيَةِ اليَقِينِ، وَالَّتِي مِنْها: السُؤالُ
الحَسَنُ عَنْ دَلائِلِ الإِيمانِ وَبَراهِينِهِ، وَدَلائِلِ الإِسْلامِ، سُؤالُ
العُلَماءِ الأَثْباتُ وَرَثَةُ النَبِيِّ عَلَيْهِ الصَلاةُ وَالسَلامُ فِي
الهُدَى وَالعِلْمِ.
فَسُنَّةُ
النَبِيِّ صَلَّى اللّٰهُ عَلَيْهِ سَلَّمَ وَشَرِيعَتُهُ مَبْثُوثَةً بَيْنَنا،
وَعُلَماءُ السُنَّةِ الكِبارِ وارِثُوا العِلْمَ وَالهُدَى مُتَوافِرُونَ فِينا،
وَلِلّٰهِ الحَمْدُ وَالْمِنَّةُ، وَلَدَيْنا مِنْ دَلائِلِ النُبُوَّةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ
ما يُوصِلُنا إِلَى دَرَجَةِ اليَقِينِ، لَوْ تَعَلَّمْنا وَتَفَقَّهْنا،
وَعِنْدَنا مِنْ وَسائِلِ التَعَلُّمِ ما لَمْ يَتَيَسَّرْ لِغَيْرِنا، مِمّا
يَجْعَلُ الجاهِلَ لا يَكادُ يُعَذَرُ بِجَهْلِهِ، لِتَيَسُّرِ العِلْمِ
وَتَنَوُّعِ وَسائِلِ طَلَبِهِ.
فَيا
عِبادَ اللّٰهِ، أَحْسِنُوا السُؤالَ عَنْ دِينِكُمْ،
وَتَوَثَّقُوا مِنْ عَقِيدَتِكُمْ وَشَرِيعَتِكُمْ، وَاِعْرِفُوا عَمَّنْ
تَأْخُذُونَ العِلْمَ، وَمَنْ تَسْأَلُونَ، فَأَشْباهُ العُلَماءِ وَأَنْصافُ الْمُتَعَلِّمِينَ
كَثِيرُونَ فِي زَمانِنا، مِمّا يَسْتَوْجِبُ الحَذَرَ وَالتَحَرِّيَ.
وَلَيْسَ كُلُّ
سُؤالٍ يُطْرَحُ، فَالصَحابَةُ رَضِيَ اللّٰهُ عَنْهُمْ، نَهَّوْا عَنْ السُؤالِ
عَمّا لا حاجَةَ لِلسُؤالِ عَنْهُ، فَاِمْتَنَعُوا رِضْوانَ اللّٰهِ عَلَيْهِمْ.
فَحُسْنُ
السُؤالِ وَحُسنُ القَصْدِ فِيهِ، طَرِيقٌ لِبِرْكَةِ الجَوابِ، وَحُصُولِ
العِلْمِ النافِعِ بِهِ
ثانِي
الدُرُوسِ: أَنَّ العَرَبَ الَّذِينَ بَعَثَ
فِيهِمْ النَبِيُّ صَلَّى اللّٰهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كانُوا يُؤْمِنُونَ
بِرُبُوبِيَّةِ اللّٰهِ، وَيُقِرُّونَ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي خَلَقَهُمْ، وَخَلَقَ
السَمَواتِ وَالأَرْضَ وَالجِبالَ، لِذا كانُوا يَعْبُدُونَ اللّٰهَ، وَلٰكِنَّهُمْ
أَشْرَكُوا مَعَهُ فِي عِبادَتِهِ غَيْرَهُ، فَكانَتْ دَعْوَةُ النَبِيِّ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللّٰهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَغَيْرِهِ مِنْ الأَنْبِياءِ،
دَعاهُمْ لِعِبادَةِ اللّٰهِ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَتَرَكِ عِبادَةِ ما
سِواهُ، دَعاهُمْ إِلَى شَهادَةِ أَلا إِلٰهَ إِلّا اللّٰهُ الَّتِي مَعْناها
وَحَقِيقَتَها: لا مَعْبُودَ بِحَقٍّ إِلّا اللّٰهُ، وَرَكَنَها إِبْطالُ عِبادَةٍ
ما سِواهُ.
ثالِثُ
الدُرُوسِ: أَنَّ الإِسْلامَ واضِحُ الْمَعالِمِ
وَالأَرْكانِ، فَأَرْكانُهُ هِيَ الخَمْسَةُ الَّتِي سَأَلَ عَنْها ضِمامٌ، وَهِيَ
الَّتِي يَنْبَغِي أَنْ تَدُورَ دَعْوَةُ الدُعاةِ عَلَيْها، فَمَنْ اِلْتَزَمَها،
لِيَدْخُلَنَّ الجَنَّةَ، حَتَّى وَلَوْ لَمْ يَزِدْ عَلَيْها شَيْئاً.
وَعَدَمُ
الزِيادَةِ كُلٌّ يَسْتَطِيعُهُ، وَرُبَّما تَنْشُطُ النَفْسُ لَهُ وَتُرِيدُهُ،
وَلٰكِنَّ الشَأْنَ كُلَّ الشَأْنِ فِي عَدَمِ النُقْصانِ مِنْها، فَهُوَ
الثَقِيلُ الَّذِي يَتَطَلَّبُ مُجاهَدَةً لِلنَفْسِ، فَالحِفاظُ عَلَى الإِيمانِ
يَحْتاجُ لِمُجاهَدَةٍ، وَكَذٰلِكَ الْمُداوَمَةُ عَلَى إِتْمامِ الصَلاةِ
وَإِقامَةِ شُرُوطِها وَأَرْكانِها وَواجِباتِها وَخُشُوعِها، وَإِخْراجِ الزَكاةِ
وافِيَةً وَإِعْطاؤُها لِأَهْلِها، وَإِتْمامِ الصِيامِ، وَأَداءِ فَرِيضَةِ
الحَجِّ مَعَ مُجانَبَةِ الرَفَثِ وَالفُسُوقِ وَالجِدالِ كَذٰلِكَ.
فَأَكْمَلُوا
فَرائِضَكُمْ رَحِمَكُمْ اللّٰهُ ما اِسْتَطَعْتُمْ، وَأَبْشِرُوا بِفَضْلِ
رَبِّكُمْ وَرَحْمَتِهِ وَجْنَتِهِ، فَمَنْ اِسْتَطاعَ الاِلْتِزامَ بِـ (لا
أَزِيدُ وَلا أَنْقُصُ) لِيَدْخُلْنَّ الجَنَّةَ.
رابِعُ
الدُرُوسَ: قَبُولُ خَبَرِ الواحِدِ فِي مَسائِلِ
الدِينِ كُلِّها، فَضِمامُ رَجُلٍ واحِدٍ وَلَمّا رَجَعَ إِلَى قَوْمِهِ قَبِلُوا
مِنْهُ خَبَرَهُ وَآمَنُوا عَلَى قَوْلِهِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ خَبَرُ الواحِدِ
مَقْبُولاً لَما أَرْسَلَ النَبِيُّ صَلَّى اللّٰهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْرادَ
أَصْحابِهِ لِدَعْوَةِ الناسِ.
فَيا مَنْ
تَسْلَبُونَ مِنْ الأَحادِيثِ الصَحِيحَةِ الآحادِيَّةِ حُجِّيَّتَها، اِتَّقُوا
اللّٰهَ فَإِنَّ الأَحادِيثَ الآحادِيَّةَ تُمَثِّلُ أَكْثَرَ سُنَةَ نَبِيِّكُمْ
صَلَّى اللّٰهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المَرْوِيَّةِ، فَبَرْدُها وَعَدَمُ
الاِحْتِجاجِ بِها يُهْدِمُ شَيْءٌ كَثِيرٌ مِنْ أَحْكامِ دِينِكُمْ وَأَخْبارِهِ.
فَاللّٰهُمَّ
يا ذا الجَلالِ وَالإِكْرامِ اِجْعَلْنا هَداةً مُهْتَدِّينَ غَيْرَ ضالِّينَ وَلا
مُضَلِّينَ، اللّٰهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنا الإِيمانَ وَزَيِّنْهُ فِي قُلُوبِنا،
وَكُرِهَ إِلَيْنا الكُفْرَ وَالفُسُوقَ وَالعِصْيانَ وَاِجْعَلْنا مِنْ
الراشِدِينَ. اللّٰهُمَّ إِنّا نَسْأَلُكَ الهُدَى وَاِلْتَقَى وَالعَفافَ
وَالغِنَى. اللّٰهُمَّ إِنّا نَسْأَلُكَ الثَباتَ فِي الأَمْرِ، وَالعَزِيمَةَ
عَلَى الرُشْدِ، وَنَسْأَلُكَ مُوجِباتِ رَحْمَتِكَ، وَعَزائِمَ مَغْفِرَتَكَ،
وَنَسْأَلُكَ شُكْرَ نِعْمَتِكَ، وَحُسْنَ عِبادَتِكَ، وَنَسْأَلُكَ قُلُوباً
سَلِيمَةً، وَأَلَسْنا صادِقَةً، وَنَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ ما تَعْلَّمَ،
وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ ما تَعْلَمُ، وَنَسْتَغْفِرُكَ لِما تَعْلَمُ، إِنَّكَ
أَنْتَ عَلامَ الغُيُوبِ.
اللّٰهُمَّ
آمَناً فِي أَوْطانِنا وَدَوْرِنا، اللّٰهُمَّ أَصْلِحْ أَئِمَّتَنا وَوُلاةَ
أُمُورِنا، اللّٰهُمَّ وَفِقْهُمْ لِما تُحِبُّ وَتَرْضَى وَخُذْ بِنَواصِيهِمْ
لِلبَرِّ وَالتَقْوَى وَبَصَرِهِمْ بِأَعْدائِهِمْ وَالْمُتَرَبِّصِينَ بِهِمْ،
واجِزُهُمْ خَيْرُ الجَزاءِ عَلَى ما يَقُومُونَ بِهِ مِنْ خِدْمَةٍ لِلحَرَمَيْنِ
الشَرِيفَيْنِ وَنُصْرَةِ الإِسْلامِ وَالْمُسْلِمِينَ يا ذا الجَلالِ
وَالإِكْرامِ
رَبَّنا
ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمُنا لِنَكُونَنَّ مِنْ
الخاسِرِينَ، رَبُّنا آتِنا فِي الدُنْيا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً
وَقْناً عَذابَ النارِ. رَبُّنا اِغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنا الَّذِينَ سَبَقُونا
بِالإِيمانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا
إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ. رَبُّنا اِغْفِرْ لَنا وَلِوالِدَيْنا وَلِلمُسْلِمِينَ
وَالْمُسَلَّماتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ الأَحْياءِ مِنْهُمْ
وَالأَمْواتِ إِنَّكَ قَرِيبٌ مُجِيبُ الدَعَواتِ.
عِبادُ
اللّٰهِ: اُذْكُرُوا اللّٰهَ يَذْكُرُكُمْ وَاُشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ
يَزِدْكُمْ، وَلِذِكْرِ اللّٰهِ أَكْبَرُ وَاللّٰهُ يَعْلَمُ ما تُصْنَعُونَ.
وللمزيد
من الخطب السابقة للشيخ صلاح العريفي حفظه الله تعالى:
http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=121