إِذَا أَسَأْتَ
فَأَحْسِنْ
23-شوال-1442
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه،
ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا؛ من يهده اللهُ فلا مضلَّ له، ومن يضلل
فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده
ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم تسليماً كثيراً.
أمَّا
بعد أيها المؤمنون: اتقوا الله حيثما كنتم،
وراقبوه في جميع أحوالكم؛ فربكم يسمعُكم ويراكم، ويطلع على سركم ونجواكم (الَّذِي
يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ وَتَقَلُّبَكَ فِي
السَّاجِدِينَ )، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ
نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا
تَعْمَلُونَ).
عباد
الله:
قاعدة من قواعد السير إلى الله والدار الآخرة، إن طبقها المؤمن، قرب من
الجنة، وتباعد عن النار.
القاعدة تقول: (إذا أسأت فأحسن)، إذا عملت سيئةً، صغيرةً كانت أو كبيرةً، فاعمل بعدها
مباشرة حسنةً، وقد جاءتنا البشرى من ربنا أن الحسنة تمحو السيئة.
فمن تعاهد نفسه بذلك فسيبقى نقياً من السيئات، وسيقدم على ربه برصيد كبير
من الحسنات لأن الحسنة بعشر أمثالها.
جاءت الوصية بهذه القاعدة عن رسول الله صلى الله عليه وسلَّم في أكثر من
حديث، منها:
حديث عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عَمْرِوٍ رضي الله عنه: «أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ أَرَادَ سَفَرًا،
فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوْصِنِي قَالَ: اعْبُدِ اللَّهَ، وَلَا تُشْرِكْ
بِهِ شَيْئًا " قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ زِدْنِي، قَالَ: (إِذَا
أَسَأْتَ فَأَحْسِنْ). خَرَّجَه الطَّبَرَانِيُّ وَالْحَاكِمُ، وحسنه
الألباني في الصحيحة رقم 1228
ومنها حديث أبي ذر ومعاذ رضي الله عنهما المشهور،
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ضمن ثلاث وصايا: (وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ
الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا) حسن رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ
حَسَنٌ
ومنْها حديث
أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِي
عَمَلًا يُقَرِّبُنِي مِنَ الْجَنَّةِ وَيُبَاعِدُنِي مِنَ النَّارِ، قَالَ:
إِذَا عَمِلْتَ سَيِّئَةً، فَاعْمَلْ حَسَنَةً، فَإِنَّهَا عَشْرُ أَمْثَالِهَا
قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمِنَ الْحَسَنَاتِ لَا إِلَهَ إِلَّا
اللَّهُ؟ قَالَ: هِيَ أَحْسَنُ الْحَسَنَاتِ» أحمد وحسنه
ابن حجر وتبعه الألباني.
وقال ربنا الرحمن: وفي القرآن قال ربنا الرحمن: ﴿إِنَّ
الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾
عباد الله: كلنا يرتكب الأخطاء، ويقترف السيئات، فـ (كُلُّ بَني آدمَ خطَّاءٌ) حسن رواه أحمد والترمذي وابن ماجه.
ومن رحمة الله بنا وحبه للعفو عنا، وإرادته للتوبة علينا والمغفرة لنا، أن
جعل الحسنات ماحيات مذهبات للسيئات، وهي كثيرة ومتنوعة.
ومن إحسانه بنا أن جعل الحسنة بعشر أمثالها، والسيئة بمثلها فقط، وقد تغفر وتمحى.
فاعلموا أرشدكم الله لطاعته:
ــ أن أعظم الحسنات الماحيات: حسنةُ
التوحيدِ والسلامةِ من الشرك، وقول لا إله إلا الله، مع فهمٍ لمعناها، وإقرارٍ
بمدلولها، وتطبيقٍ لمقتضاها، فهي (أحسن الحسنات) كما سبق في الحديث، وفي الحديث
الإلهي، يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: (وَمَنْ لَقِيَنِي بِقُرَابِ الْأَرْضِ
خَطِيئَةً لَا يُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَقِيتُهُ بِمِثْلِهَا مَغْفِرَةً) مسلم.
فمن الماحيات لزوم عقيدة التوحيد، ومما يدخل فيه الذكر المشتمل على لا إله
إلا الله، والشهادة بالتوحيد. فاعتنوا بها فهي أحسن الحسنات.
ــ ومن أبلغ الحسنات الماحيات للخطيئات:
التوبة والاستغفار، قال الله جل وعلا في الحديث الإلهي: (يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ
بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا،
فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ) مسلم
وقال صلى الله عليه وسلم: (إن المؤمن إذا أذنب كانت نكتة سوداء في قلبه،
فإن تاب ونزع واستغفر صقل قلبه) حسن
رواه أحمد والترمذي وابن ماجه.
قِيلَ لِلْحَسَنِ: "أَلَا يَسْتَحْيِي أَحَدُنَا مِنْ رَبِّهِ
يَسْتَغْفِرُ مِنْ ذُنُوبِهِ، ثُمَّ يَعُودُ، ثُمَّ يَسْتَغْفِرُ، ثُمَّ يَعُودُ،
فَقَالَ: وَدَّ الشَّيْطَانُ لَوْ ظَفِرَ مِنْكُمْ بِهَذِهِ، فَلَا تَمَلُّوا الِاسْتِغْفَارَ".
وفي الحديث: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا) البخاري ومسلم.
ــ ومن أجلِّ الحسنات الْمُذهبات للسيئات، الصلوات
الخمس، كما قال الله تعالى: ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا
مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ
السَّيِّئَاتِ ذلك ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ﴾ ومحو الصلوات للسيئات مشروط
بإقامتها، بإحسان وضوئها وركوعها وسجودها وخشوعها، والمحافظة عليها في أوقاتها.
وفي الصحيحين قَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَرَأَيْتُمْ
لَوْ أَنَّ نَهْرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ
مَرَّاتٍ، هَلْ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ؟ قَالُوا: لَا يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ
شَيْءٌ، قَالَ: فَذَلِكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، يَمْحُو اللهُ بِهِنَّ
الْخَطَايَا).
ــ ومن الحسنات الماحيات: الوضوء، فإن
الذنوب تخرج من الجوارح (مَعَ الْمَاءِ أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ حَتَّى
يَخْرُجَ نَقِيًّا مِنَ الذُّنُوبِ) مسلم، وإسباغُ الوضوء على
المكاره، أبلغ وأبلغ في محو السيئات.
وكثرة الخُطَا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة ماحيات.
ومن الماحيات الحج والعمرة والمتابعة بينها.
وبر الوالدين من الماحيات.
ومن الماحيات الصدقة، وخاصة صدقة السر.
ومن الماحيات: أنواع من الأذكار معلومة، كقول (سبحان الله وبحمده مئة مرة)
وغيرها كثير.
اللهم اهدنا لأحسن الحسنات الماحيات للسيئات، وثبتنا على
الصالحات حتى الممات.
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من
كل ذنب؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة
الثانية:
الحمد لله ب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله؛ صلى
الله وسلَّم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين. أما بعد
عباد الله:
قال ربكم جل وعلا: (مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا ۖ
وَمَن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يـُجْزَىٰ إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا
يُظْلَمُونَ)، فلنكاثر الآحاد بالعشرات، أعني السيئات بالحسنات، فَيَالَ غَبْنَ مَنْ
غلبت آحادُهُ عشراتِهِ، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وَإِنْ هَمَّ العبد
بِسَيِّئَةٍ، فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ سَيِّئَةً وَاحِدَةً، أو محاها الله،
ولا يهلك على الله إلا هالك) رواه مسلم.
فلنُطَبِّق القاعدة في سيرنا إلى الله (إذا أسأت فأحسن)، و(أتبع السيئة الحسنة تمحها).
ولنرب عليها أبناءنا وأهلينا، ونذكرهم بها دوماً، وستكون لهم يوماً في
حياتهم سجية وخلقاً.
(إذا أسأت فأحسن) لنجعلها قانوناً
في حياتنا كلها.
فيا أيها المؤمن:
وإذا أخطأت فاعترف وارجع.
وإذا أفسدت فأصلح.
إذا قصرت فعوِّض.
وإذا أنقصت فكمل وزد.
وإذا فاتتك فرصة فلا تفُتْك الأخرى.
وما أجمل أن نطبق نصيحة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، سَلْمَانَ رضي
الله عنه، إذ يقول: "إِذَا أَسَأْتَ سَيِّئَةً فِي سَرِيرَةٍ، فَأَحْسِنْ
حَسَنَةً فِي سَرِيرَةٍ، وَإِذَا أَسَأْتَ سَيِّئَةً فِي عَلَانِيَةٍ، فَأَحْسِنْ
حَسَنَةً فِي عَلَانِيَةٍ، لِكَيْ تَكُونَ هَذِهِ بِهَذِهِ". رواه ابن أبي الدنيا في كتاب التوبة ص 121
اللهم قنا شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا واغفر لنا خطأنا
وجهلنا، وإسرافنا في أمرنا، وما أنت أعلم به منا، اللهم اغفر لنا هزلنا وجدِّنا
وخطأنا وعمدنا، وكل ذلك عندنا .
اللهم اجعلنا لك شكارين ، إليك أواهين منيبين ، تقبل يا
رب توبتنا ، واغسل حوبتنا ، وأجب دعواتنا ، وثبت حجتنا ، واسلل سخائم صدورنا ،
وعافنا واعف عنا برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم أصلح قلوبنا أجمعين ، اللهم آت نفوسنا تقواها ،
وزكها أنت خير من زكاها ، أنت وليها ومولاها . اللهم إنا نسألك قلبًا سليما
ولسانًا صادقا ، ونسألك من خير ما تعلم ، ونعوذ بك من شر ما تعلم ، ونستغفرك مما
تعلم إنك أنت علام الغيوب . اللهم إنا نعوذ بك من شر ما عملنا وشر ما لم نعمل.
اللهم آمنا في أوطاننا ودورنا وأصلح أئمتنا وولاة
أمورنا، اللهم وفقهم لما تحب وترضى وخذ بنواصيهم للبر والتقوى يا ذا الجلال
والإكرام واجزهم خيراً على ما يقدمونه لخدمة الإسلام والمسلمين يا رب العالمين .
اللهم ادفع عن بلادنا الغلا والوباء وسوء الفتن ما ظهر
منها وما بطن، االلهم احفظ علينا أمننا وإيماننا وصحة أبداننا وعافية أجسادنا،
اللهم اشف مرضانا وعاف مبتلانا واجعل آخرتنا خير من دنيانا، اللهم احفظ بلادنا من
كيد الكائدين وعدوان المعتدين ومن كل شر وفتنة يا خير الحافظين، اللهم من أراد
بلادنا وبلاد المسلمين بسوء وفتنة فاجعل كيده في نحره يا قوي يا عزيز، يا حيّ يا
قيوم . ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا
للذين آمنُوا ربنا إنك رءوف رحيم . ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا
عذاب النار
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلامٌ على المرسلين
والحمد لله رب العالمين .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ صلاح العريفي حفظه الله
تعالى:
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=121
|