السلامة والإسلام
الْحَمْدُ للهِ الَّذِي خلقنا ورزقنا، وكَرَّمنا وفضلنا، وسخر كل
شيء لمصالحنا، أَحْمَدُهُ سبحانه وهو أهل للمجد والثناء، وأشكره وعَلَى الشكر
بالزيادة وعدنا، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيـكَ
لَهُ، هُوَ خَيْرٌ حَافِظًاً، وخير ثواباً، وخير أملاً، وَأَشْهَدُ أَنَّ
مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، الْمَبْعُوثُ رَحْمَةً وبُشرى، وَمُرْشِدًا
للإسلام واِلسَّلامَةِ فِي الدُّنْيَا وَالأخرى، صلى الله عليه وَعَلَى آلِهِ
وَأَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ وسلم تسليماً.
أَمَّا بَعْدُ فاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ جل وعلا، وقوا أنفسكم
وأهليكم نارا، ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا
بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا
تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)).
أيها المسلمون:خلقنا ربنا فأحسن خلقنا، وصورنا
فأحسن صورنا، وكرمنا وفضلنا، ومنَّ علينا بالعقول والقلوب التي تفهم مراده، وتؤمن
به وبدينه ونبيه، وقلوب تعرفهوتحبه، وأرواح تتعلق به وتأنس بذكره.
ومَنَّالله علينا بالأجساد وجوارحها وحواسها،
ومتعنا بصحتها وعافيتها، وكفل لنا سبحانه سلامتها، فشرع شرائع تحفظ لنا ضروراتنا
الخمس وما يتبعها (الدين والنفس والمال والعرض والعقل).
فحرم الله الظلم والبغي والعدوان، وحد الحدود،
وشرع القصاص والعقوبات والتعزيرات.
وزوال الدنيا أهون عند الله من قتل مسلم، ومن
قتل معاهداً أو مستأمناً لم يرح رائحة الجنة.
فدين الله بأحكامه وتشريعاته يتشوف لسلامة
الأرواح والأبدان فمن أَسْلَم سَلِم، ومن آمن أَمِن.
لذا أوجب تبارك وتعالى علينا أيضاً وجوباً
عينياً: الحفاظَ على سلامة أنفسنا، وحرم علينا إهلاكها وقتلها رحمة بنا فقال تَعَالَى:
((وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا))وَقال:
((وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ))
ومن قواعد تشريعاته سبحانه: (لا ضرر ولا ضرار)،
وهو نص نبوي،و ((يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر))، ((وما جعل عليكم في
الدين من حرج))
وقال صلى الله عليه وسلم: (المسلم من سلم
المسلمون من لسانه ويده) (والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم) ونفس
الإنسان أولى وأحرى أن تأمن وتسلم من نفسها.
وربنا تبارك وتعالى هو السلام ومنه السلام
تبارك ذو الجلال والإكرام، بهذا نُعْقِبُ صلاتَنا، بعد أن نختمها بالسلام.
والتحية بين أهل الإسلام، السلام.
وعند رؤية هلال كل شهر يقول المسلمون: اللهم
أهله علينا بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام.
أيها الناس: لقد أَمَرَنا نبينا صلى الله عليه
وسلم بالأخذ بأسباب الوقاية والسلامة في مواطن وأحوال كثيرة من حياتنا.
ــ ففي البيوت مثلاً، جاء من أسباب السلامة التي أمرنا بالأخذ بها:
قولُالرسول صلى الله عليه وسلم: (إن هذه النار
عدوٌ لكم، فإذا نمتم فأطفئوها) قاله حينما احترق بيت في المدينة على أهله ليلاً في
عهد صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين
وفي الحديث المتفق عليه أيضاً: (لا تتركوا
النار في بيوتكم حين تنامون)
وفي صحيح مسلم، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : (إِذَا كَانَ جُنْحُ اللَّيْلِ، أَوْ أَمْسَيْتُمْ، فَكُفُّوا
صِبْيَانَكُمْ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْتَشِرُ حِينَئِذٍ، فَإِذَا ذَهَبَ
سَاعَةٌ مِنَ اللَّيْلِ فَخَلُّوهُمْ، وَأَغْلِقُوا الأَبْوَابَ، وَاذْكُرُوا
اسْمَ اللهِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لاَ يَفْتَحُ بَابًا مُغْلَقًا، وَأَوْكُوا
قِرَبَكُمْ، وَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ، وَخَمِّرُوا آنِيَتَكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ
اللهِ، وَلَوْ أَنْ تَعْرُضُوا عَلَيْهَا شَيْئًا، وَأَطْفِئُوا مَصَابِيحَكُمْ)
رواه مسلم،
ويقاس على هذه الأمور، كلُّ المخاطر الحديثة في
زماننا، فيجب الأخذ بأسباب السلامة من خطرها وتوقي أضرارها، كالكهرباء وأجهزتها،
ووسائل التدفئة، وأدوات الوقود، والتنظيف الخطرة، وغيرها.
ولسلامتنا من شر أصل الشرور الشياطين ومشاركتهم
لنا في بيوتنا، أُمرنا بقراءة سورة البقرة وصلاة النافلة في البيوت وبالبسملة عند
أمور كثيرة.
ونهينا أن نقتل الحيات والعوامر التي في البيوت
حتى نحرج عليها ثلاثا.
ــ ومن أسباب السلامة التي أمرنا بالأخذ بها في طرقاتنا وأسواقنا: عدم الإشارة بالحديد والسلاح، وعدم تعاطي
السيف مُصْلَتاً، ووضع اليد على نصل السهام في السوق حتى لا تجرح أحداً، وأمرنا
بكف الأذى، وعدم قضاء الحاجة في الطرقات والموارد العامة.
ويقاس على ذلك كل أسباب السلامة في مراكبنا
الحديثة فهي مصنوعة من الحديد وفي الحديد بأس شديد، فيجب الأخذ بوسائل وأسباب
السلامة المرورية، والالتزام بنُظُمِه، وتوقي كل المخاطر في الطرقات والأسواق
والمحلات التجارية.
ومن أسباب السلامة المأمور بها في السفر والرحلات: اتقاء مخاطر النار، وقد تقدم النص في ذلك،
واتقاء مخاطر البحر، ويقاس عليه مخاطر السيول فهي من جنسه، قال صلى الله عليه
وسلم: (من ركب البحر عند ارتجاجه فقد برئت منه الذمة) البخاري في الأدب المفرد
وصححه الألباني.
وقال عليه الصلاة والسلام: (إذا عرستم -والتعريس
نزول المسافر آخر الليل- فاجتنبوا الطريق؛ فإنها طرق الدواب، ومأوى الهوام بالليل)
مسلم
وقد أمرنا عند نزول منزل أن نقول: (أعوذ بكلمات
الله التامات من شر ما خلق) ووعدنا بأن لا يضرنا شيء حتى نرحل فضلاً من ربنا.
ــوعلى المستوى الشخصي، أمرتنا الشريعة بالأخذ
بسنن الفطرة، وأكثرها في التخلص من الأقذار المسببة للأمراض، وأُمرنا باجتناب
أسباب العدوى، وتناول ما يقي السحر من التصبح بسبع تمرات من تمر العجوة، ويقاس
عليه التطعيم ضد الأمراض.
وأمرنا بالتوقي بملابس الحرب عند القتال من لبس
الدرع واللأمةعلى الرأس ونحوهما.
وأحلت لنا الشريعةُ الطيبات ونهتنا عن الإسراف
فيها، وحرمت علينا الخبائث لأضرارها، كالسموم والنجاسات، ومنها المسكرات والمخدرات
والمفترات.
وعموم ذكر الله والتعوذات بالله وقاية من كل الشرور
والأخطار.
كُلُّ ذَلِكَ عباد الله دَالٌّ عَلَى تَكْرِيمِ
اللهِ تَعَالَى لِلإِنْسَانِ، وَأَنَّ لِلنَّفْسِ الْبَشَرِيَّةِ مَكَانَةً
رَفِيعَةَوَحُرْمَةً عَظِيمَةً في دِينَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ.
فدِين الإسلام يجرم الإنسان الذي لا يأَخْذ
بِأَسْبَاب سلامَتِه، فَمَنْ عَرَّضَ نَفْسَهُ لِلتَّلَفِ أو الضرر وَهُوَ قَادِرٌ
عَلَى تَفَادِي أَسْبَابِ الْهَلاكِ فَهُوَ مُتجاوز حرمات الله وحدوده عاص لله
مستحق للعقوبة في الدنيا والآخرة.
فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ، وَخُذوا بِأَسْبَابِ سَلامَتِكُمْ،
تَسْلَموا. أقُولُ قَوْلي هَذَا، وَأسْتغْفِرُ اللهَ لي وَلَكُمْ، إِنهُ هُوَ الغَفُورُ
الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية
الحمد لله القدوس السلام، ولي الإنعام، وأصلي وأسلم على نبينا
مُحَمَّد سيد الأنام، وعَلَى آلِهِ وَصَحْـبِهِ الكرام، وَمَنْ تَبِعَهُم بإحسان
على الدوام.
أَمَّا بَعْدُ، أَيُّهَا الْمُسْـلِمُونَ:
عقيدة المسلم التي يجب أن تكون يقينا راسخاً لا
يتزعزع: أن كل شيء يحدث في هذا الكون هو بقضاء الله وقدره وبمشيئة وأمره، وأنه يجب
على المسلم التسليمُ لأمر الله وحُكمِهِ، والتوكلُ عليه وتفويض أمره إليه.
واليقين بأن الأَخْذِ بِأَسْبَابِ السَّلامَةِ
وَالْوِقَايَةِ، وتجنيب النَّفْسِ الْوُقُوعِ فِي أَنْوَاعِ الْمَهَالِكِ، هو من
صميم التوكل على الله، بل هُوَ التَّوَكُّلُ الْحَقِيقِيُّ فِي صُورته الكاملة،
لأمر الله ورسوله بالاثنين: التوكل والأخذ بالأسباب المباحة.
ولا مفر من أقدار الله، وإنما (نَفِرُّ مِنْ قَدَرِ
اللهِ إِلَى قَدَرِ اللهِ) كما قَالَهَا عمر رضي الله عنه لما امتنع من دخول البلد
الذي وقع فيه الطاعون
اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك وتحول عافيتك وفجاءة نقمتك وجميع
سخطك، اللهم إنا نعوذ بك من البرص والجنون والجذام ومن سيئ الأسقام، يا ذا الجلال
والإكرام، اللهم إنا نسألك العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا
والآخرة.
اللهم احفظنا واحفظ بلادنا وبلدان المسلمين من كل سوء ومكروه.
اللهم اجز ولاتنا عنا خير الجزاء.
فاللهم يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم أعز السنة وأهلها في كل
مكان اللهم قو أهل السنة وكن لهم عوناً ونصيراً ومؤيداً وظهيراً . اللهم كن لهم ولا
تكن عليهم وأعنهم ولا تعن عليهم وامكر لهم ولا تمكر عليهم . اللهم ارحم ضعفهم وتولَّ
أمرهم واجبر كسرهم وعجّل بفرجهم ونفّس كربهم، اللهم أحقن دماءهم واستر عوراتهم وآمن
روعاتهم اللهم وارحم ميّتهم واشف مريضهم وأطعم جائعهم واكسِ عاريَهم واحمل فقيرهم وثبت
أقدامهم يا أرحم الراحمين.
اللهم ودمر أعداءك أعداء الدين والملة. الذين يقاتلون أولياءك ويكذبون
رسلك ويسعون في إطفاء نورك، وأنت المتم لنورك ولو كره الكافرون، اللهم عليك بهم إنهم
لا يعجزونك، اللهم أنزل بهم نقمتك وأرنا فيهم عجائبك اللهم إنهم آذونا في بلادنا وفي
إخواننا وفي أموالنا، اللهم إنهم حاربوا دينك ومن تدين به ظاهراً وباطناً اللهم سلّط
عليهم من يسومهم سوء العذاب يا قوي يا متين، اللهم أنزل عليهم رجزك وعذابك إله الحق
يا قوي يا عزيز .
اللهم اغفر لموتى المسلمين ، اللهم اغفر لهم وارحمهم وعافهم واعف عنهم
وأكرم نزلهم ، اللهم جازهم بالحسنات إحسانا وبالسيئات عفواً وغفرانا . ربنا آتنا في
الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار . ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا
بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم . ربنا اغفر لنا ولوالدينا
وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات . سبحان ربك رب العزة
عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ صلاح العريفي تجدها هنا: http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=121
|