أسباب هوان الأمة
28
/ ربيع أول / 1445هـ
إِنَّ الحمدَ للهِ
نحمدُهُ ونستَعينُهُ ونستَغفرُهُ، ونعوذُ باللهِ من شرُورِ أنفسِنا وسيئاتِ
أعمالنا، مَنْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومَنْ يضللْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا
إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ، وأشهدُ أن محمّداً عَبدُهُ ورسولُهُ صلىَ
اللهُ وسلمَ وباركَ عليه وعلَى آلِهِ وصحبِه أجمعين.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ
وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ
جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾ أما بعد.
فاتقوا
الله عباد الله وأحسنوا، واعلموا أن الله: ﴿مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوا
وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ﴾.
أيها
المسلمون:
أسئلة تتردد في صدر
كل محب لإسلامه وأمته أمة الإسلام الكريمة:
لماذا
أمتنا وصلت إلى هذا المستوى من الضعف والذل والهوان؟
لماذا لا
يهابنا أعداؤنا ونحن كثيرون؟
لماذا دماء
المسلمين أصبحت أرخص الدماء، وهي في الحقيقة أزكاها وأطهرها وأعظمها حرمة عند الله؟
وجواب
هذه الأسئلة ورد بوضوح في حديث ثوبان
عَنْ ثَوْبَانَ رضي
الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (يُوشِكُ الأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى
الأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا) فَقَالَ قَائِلٌ: وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ
يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: (بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ
كَثِيرٌ، وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ، وَلَيَنْزِعَنَّ اللَّهُ
مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمُ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ، وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِي
قُلُوبِكُمُ الْوَهَنَ) فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا
الْوَهَنُ؟ قَالَ: (حُبُّ الدُّنْيَا، وَكَرَاهِيَةُ
الْمَوْتِ) صحيح رواه أحمد وأبو داود.
(بلْ أنتم كثيرٌ)، مليار وزيادة، (وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ)، وهو ما
يحمله السيل من الزبد والأعواد والأوساخ التي لا نفع فيها.
وأصاب كثير من الأمة
الوهن، وَمَا الْوَهَنُ؟ قَالَ: (حُبُّ الدُّنْيَا
وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ) حب الدنيا والإقبال عليها والاشتغال بها
وبملذاتها والاغترار بزينتها، وعدم الرغبة في التحول عنها وكراهية الموت ركوناً
إليها.
أيها الناس:
الغثائية، والوَهَن الذي هو حب الدنيا والرضا بها، مرض أصاب الأمة، بلا شك، يؤكده
واقعنا.
ثم إنه يعزز
هذا المرض أمراض أخرى كبرى أصابت الأمة أيضاً:
أولها: وهو
أساس الهوان والخذلان، ضعف الإيمان، والانحراف عن الاعتقاد الصحيح،
والإخلال بتوحيد الله الذي هو حق الله الأعظم على العباد، وانتشار مظاهر الشرك في
بلدان المسلمين، فشرط علو أهل الإسلام، صحة الإيمان، قال الرحمن: ﴿وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾
وشرط الاستخلاف
والتمكين، مع صحة الإيمان، التوحيد والسلامة من الشرك: ﴿وَعَدَ
اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ
وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم
مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا﴾
هذا هو القيد، هذا هو
الشرط: ﴿يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا﴾.
وثاني أسباب
هوان الأمة: الانحراف عن طريقة رسول الله صلى الله
عليه وسلم ومنهاجه، ومنهاج أصحابه في إقامة الدين، والوقوع في البدع والمحدثات،
وقد أبان لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الطائفة المنصورة والفرقة الناجية
هم من كان على مثل ما عليه هو وأصحابه في العقيدة والعبادة والمعاملة والأخلاق
والدعوة.
يقول النَّبِيُّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَجُعِلَ
الذِّلَّةُ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي) رواه البخاري
وثالث الأسباب:
التفرق والاختلاف والتنازع، والإخلال بأصل الجماعة الأصيل، والله عز وجل يقول: ﴿وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾
﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا
تَفَرَّقُوا﴾.
ورابع الأسباب:
المعاصي، فلقد هُزِم المسلمون في غزوة أحد بسبب مخالفة واحدة لأمر رسول الله صلى
الله عليه وسلم، قال الله تعالى: ﴿أَوَلَمَّا
أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ
مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ﴾، فكيف بالمعاصي والمخالفات الكثيرة، ﴿وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ
أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ﴾.
بوب الإمام البخاري
رحمه الله في كتاب الجهاد من صحيحه: بَابٌ عَمَلٌ صَالِحٌ قَبْلَ القِتَالِ، ثم
قال: وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: (إِنَّمَا
تُقَاتِلُونَ بِأَعْمَالِكُمْ).
وخامس الأسباب:
تركُ الجهادِ الذي توفرت شروطه، والتقصيرُ في إعدادِ القوة، قال رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا
تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ، _ نوع من الربا _ وَأَخَذْتُمْ
أَذْنَابَ الْبَقَرِ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ، _ يعني اشتغلتم بالزراعة
وركنتم للدنيا _ وَتَرَكْتُمُ الْجِهَادَ _ أي
وأنتم قادرون عليه _ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ
ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ) صحيح
رواه أبو داود
تشخيص للداء، ووصف للدواء.
فلن يُرفع الذلُ
والهوان عن الأمة، إلا بالرجوع إلى الدين عقيدة وعبادة ودعوة وجهاداً.
وكل
فردٍ مِن أفرادِ الأمةِ يحملُ
مسؤولية رفع الهوان والذل عن الأمة كلٌ حسب ما آتاه الله، قال الأوزاعي رحمه الله:
"أنت على ثَغر من ثغور الإسلام، فلا يُؤتَيَنَّ الإسلام مِن قِبَلك" إسناده
صحيح رواه أبو إسحاق الفزاري في كتابه السير
فعلى
كل مسلم يقوي إيمانه ويقينه
بالله، ويصحح توحيده ويجتنب الشرك صغيره وكبيره.
وعليه أن يستقيم على أمر الله، ويلزم منهاج رسول
الله، ومنهاج أصحابه عليهم رضوان الله، ويجتنب البدع والمحدثات.
وعليه
أن يعض بالنواجذ على أصل الجماعة فيلزمها،
ولا ينتسب إلى الأحزاب، دينيةٍ كانت أو سياسيةٍ أو غير ذلك.
فبصلاح الفرد من المسلمين
يصلح حال الجماعة والأمة المسلمة.
باركَ
اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم، وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه
مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ الْحَكِيم، أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ
لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ
الرَّحِيم.
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ
لِلَّهِ وَكَفَى، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى عَبْدِهِ الْمُصْطَفَى، وَعَلَى
آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اجْتَبَى. أَمَّا بَعْدُ:
عباد الله: النصر على
اليهود وعد رباني، وحتم قدري لا شك في وقوعه، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ
الْيَهُودَ، فَيَقْتُلُهُمُ الْمُسْلِمُونَ حَتَّى يَخْتَبِئَ الْيَهُودِيُّ مِنْ
وَرَاءِ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ، فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوِ الشَّجَرُ: يَا مُسْلِمُ
يَا عَبْدَ اللهِ هَذَا يَهُودِيٌّ خَلْفِي، فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ) رواه مسلم
وكل ما يحدث على
الأرض المقدسة ما هو إلا ابتلاءات ومقدمات لتحقق الوعد ﴿وَلَوْ
يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ
وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ﴾.
واستِبطَاءَ النَّصرِ
وَتَعَجُّلَ الفَرَجِ نزعةٌ بَشَرِيَّةٌ طَبِيعِيَّةٌ، إِلاَّ أَنَّ المُؤمِنين
يُعَالِجُون ذَلِكَ ويهذبونه بِحُسنِ الظَّنِّ بِاللهِ، وَتَلَمُّسِ الحِكَمِ
البَالِغَةِ مِن وَرَاءِ الابتِلاءَاتِ وإطالة أمدها، لأَنَّ اللهَ تَعَالى
عَلِيمٌ حَكِيمٌ، ولا يُمكِنُ أَن يَكُونَ في الكَونِ شَيءٌ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وأَمرِهِ
وَتَقدِيرِهِ، وَهُوَ تَعَالى أَحكَمُ وَأَعلَمُ، وَأَرحَمُ بِالمُؤمِنِينَ مِن
أَن يَجعَلَ الغَلَبَةَ دَائِمًا لِعَدُوِّهِم عَلَيهِم.
غَيرَ أَنَّ المؤمنين
يَجِبُ عليهم أَن يَكُونُوا عَلَى عِلمٍ وَدِرَايَةٍ بأَنَّ لِلنَّصرِ أَسبَابًا
لا يَتَحَقَّقُ لهم إِلاَّ بِهَا، يجب عليهم أن يأخذوا بها، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ
يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ ﴿وَلَيَنصُرَنَّ
اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾
ونصرته بإقامة الدين
وعدم التفرق فيه، فهي وصية الله لنبينا صلى الله عليه وسلم وللأنبياء من قبله،
﴿أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾.
فاللهم
أعزَّ الإسلام والمسلمين، ودمر أعداءك أعداء الدين المُفسدين.
اللهم
أبرِم لهذه الأمة أمرَ رُشدٍ يُعزُّ فيه أهلُ طاعتك، ويُهدَى فيه أهلُ معصيتِك،
ويُؤمَرُ فيه بالمعروف، ويُنهَى عن المُنكر يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم
مَن أراد الإسلام والمسلمين بسُوءٍ فأشغِله بنفسه، ورُدَّ كيدَه في نَحره، واجعَل
دائِرَة السَّوء عليه يا رب العالمين
اللهم
انصُر المُجاهدين في سبيلِك في كل مكان يا رب العالمين، اللهم من أراد المسجد
الأقصَى بسُوء فأشغِله بنفسِه، ورُدَّ كيدَه في نحرِه، واجعَل دائِرَة السَّوء
عليه يا رب العالمين.
اللهم
فُكَّ الحِصارَ عن المسلمين المُستضعَفين في فلسطين، اللهم أصلِح أحوالَهم، واكبِت
عدوَّهم.
اللهم
حرِّر المسجدَ الأقصَى من رجس وعُدوان اليهود المُحتلِّين
اللهم
أخرجهم من أقصانا أذلة صاغرين.
اللهم رحمتك
ولطفك بإخواننا المستضعفين في فلسطين وفي كل مكان، اللهم ارفع عنهم البلاء، وعجِّل
لهم بالفَرَج، اللهم ارحَم ضعفَهم، واجبُر كسرَهم، وتولَّ أمرَهم يا رحمن يا رحيم.
اللهم
احقِن دماءَهم، وآمِن روعَاتهم، وأطعِم جائِعَهم، واربِط على قلوبِهم، وثبِّت
أقدامَهم، وانصُرهم على من بغَى عليهم يا أكرم المسؤولين.
اللهم
أصلِح أحوالَ المسلمين، واجمع كلمتهم على الحق والدين، وقوِّهم في مواجهة عدوَّهم
يا قوي يا متين.
اللهم آمنّا في أوطاننا
ودورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفقهم لما تحب وترضى وخذ بنواصيهم للبر
والتقوى يا ذا الجلال والإكرام.
لا إله
إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين.. اللهم إنا نسألك بأن لك الحمد لا إله إلا
أنت المنان بديع السموات والأرض يا ذا الجلال والإكرام يا يحي يا قيوم نسألك أن
تغفر لنا وتغيثنا غيث الرحمة، اللهم أسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ... اللهم
يا من لا يملك إنزال الغيث غيره أسقنا وأغثنا .. اللهم أغثنا غيثاً مغنياً سحاً
غدقاً هنيئاً مريئاً نافعاً غير ضار اللهم سقيا رحمة.. لا سقيا بلاء ولا هدم ولا
غرق.. اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم أغثنا، اللهم اسقنا وأغثنا غيثا عاجلاً غير
آجل تحيي به البلاد وتغيث به البلاد وتجعله بلاغاً للحاضر والباد، اللهم أغث
البلاد وانشر رحمتك على العباد واجعله بلاغاً للحاضر والباد يا حي يا قيوم يا ذا
الجلال والإكرام. اللهم لا تردنا خائبين ولا من رحمتك يائسين يا رحمن يا رحيم .
اللهم
صلِّ وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وللمزيد من
الخطب السابقة للشيخ صلاح العريفي تجدها هنا:
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=121 |