من أسباب التوفيق والنجاح ( 1 )
11/07/1433هـ
إِنَّ الحمدَ للهِ نحمدُهُ ونستَعينُهُ ونستَغفرُهُ، ونعوذُ باللهِ من شرُورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالنا، منْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومنْ يضللْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ، وأشهدُ أن محمّداً عَبدُهُ ورسولُهُ (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ )) (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا )) (( يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا )) ، أما بعد: فإن خير الكلام كلام الله ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة .
أيها الناس :
نداء لكل مؤمن ، نداء لكل مقبل على الحياة العملية ويرجوا لنفسه التوفيق والنجاح ، أيها المعلم ، أيها الطالب ، أيها الخريج ، أيها الباحث عن العمل ، أيها المقبل على الزواج ، أيها المتاجر أيها العامل أيها الصانع أيها المهندس أيها العسكري أيها الفني أيها الطبيب والأريب والكاتب والأديب . نداء لكم جميعا :
أنتم تمتلكون ديناً عظيماً دلكم على أسباب التوفيق والنجاح والفلاح في الدنيا والآخرة ، دين جاء لإسعادكم في الدارين ((طه مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى)) بل لتسعد وتنجح وتُفلح ((فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى)) فاتبعوا عباد الله هدى الله حتى لا تضلوا ولا تشقوا في هذه الحياة وفي الآخرة بعد الممات ، فاتّباع هدى الله يكمل السعادة ويحقق النجاح الحقيقي ، وما حرم كثير من الناس النجاح والتوفيق إلا لضعف الأخذ بالأسباب الشرعية التي أرشد إليها هذا الدين العظيم ، وأسباب النجاح الحياتية الطبيعية .
أيها الناس : أول أسباب النجاح والتوفيق : الإيمان بالله ربًّا وخالقاً عظيماً ، ورازقاً ومدبرًّا قويًّا غنيًّا قادرًا صمدًا ، وإلهاً واحداً مستحقا للعبادة ، فمن كان بالله أعرف وله أعبد كان أقرب للنجاح والتوفيق ، ((وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ)) فإنهم ناجون من الخسارة والفشل ، وهذا الإيمان سيثمر لك تعلق القلب بالوهاب العظيم ، الفتاح العليم .
وكذلك الإيمان ببقية أركان الإيمان . فقو إيمانك ورسخه في قلبك فإنك في زمن كثرت فيه مضعفات الإيمان ، قو يقينك بقضائه وقدره ، ((وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ)) قو يقينك باليوم الآخر والوقوف بين يدي الله للجزاء والحساب فإن ثمرته عظيمة على حياتك ، ولا تنس العظيمتين الجنة والنار ((وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ)) لا تنس ربك حتى لا ينسيك نفسك فتخسر وتفشل ولا توفق للنجاح .
وثاني أسباب التوفيق والنجاح : الأعمال الصالحة فرضها ونفلها ((مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً - هذا في الدنيا - وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ - وهذا في الآخرة - )) ((وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ)) ، وقال الله تعالى في الحديث القدسي : « وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه ، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به وقدمه التي يمشي بها ويده التي يبطش بها » فيصبح موفقا مسددا في كل ما تأتي وتذر جوارحه .
وهناك أعمال صالحة خاصة ينال العبد بها الرضوان وجاء أن لها أثراً خاصا في التوفيق والنجاح منها :
وهو السبب الثالث من أسباب التوفيق والنجاح : المحافظة على الصلوات الخمس ((إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا – وهذه ليست صفات الناجحين – إِلَّا الْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ))
الصلاة غذاء للمؤمن وطمأنينة ووقود للاستمرار في السير في هذه الحياة. معذبون والله وجائعة أرواحهم أولائك الذين لا يصلون، والمقصرون في أداء الصلاة .
الصلاة صلة ومناجاة بين العبد وربه وما أحوجه لهذا التوقف والتعبد والتذلل بين يدي من بيده مقاليد الأمور ومفاتيح الخزائن والكنوز .
الصلاة يا أهل الإسلام عون على متاعب ومصاعب الحياة ((وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ)) وتقرؤون في كل ركعة من ركعاتها ((إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)) ، فلله العبادة ، ولكم من ربكم الإعانة. ضعفاء أولئك الذين لا يصلون ، فلا تكونوا منهم .
الصلاة نظام وتنظيم للحياة ، فالحياة مبعثرة بلا صلاة .
الصلاة هي العلامة الظاهرة على أهل الإسلام فمن تركها فليس من المسلمين .
فالصلاة الصلاة يا أهل الإسلام لا تحرموا أنفسكم آثارها الطيبة ، وقووا صلتكم بالله بهذه الصلة واحفظوا الله بالمحافظة عليها يحفظكم من الضياع في أودية الحياة ، وتجدونه تجاهكم في الملمات .
السبب الرابع من أسباب التوفيق والنجاح : صلاة الفجر خاصة ، فمن صلى الفجر في وقتها فهو في ذمة الله حتى يمسي ، ومن كان في ذمة الله حفظ ووفق ورعي ، من صلى الصبح في وقتها أصبح نشيطا طيب النفس ، من صلى الصبح حضر البكور المبارك ، كما دعا المصطفى صلى الله عليه وسلم : « اللهم بارك لأمتي في بكورها » ، من صلى الصبح نجح في الاختبار اليومي لإيمانه ، وحصل على مفتاح النجاح ذلك اليوم ، ولم يبق عليه إلا بذل الأسباب ، فيا عباد الله قرآن الفجر مشهود والملائكة هم الشهود ، فلتشهد لكم عند ربكم بالحضور لتنالوا رضا الغفور الشكور فينيلكم التوفيق والنجاح .
السبب الخامس : بر الوالدين وصلة الرحم ، فاسألوا البررة والواصلين عن آثار البر والصلة في حياتهم ، بر الوالدين من الشكر والوفاء وبالشكر تزيد وتدوم النعم ((أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ)) ، ورضا الله في رضا الوالدين ، فإذا تحقق رضوان الله تحققت الأماني ، بر الوالدين سبب لدعائهما ، ودعاؤهما مستجاب فاستثر دعاءهما لك بالبر واسألهما الدعاء ، الوالدان أحق الناس بحسن الصحبة والإحسان ، و((هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ)) ، بر الوالدين من صلة الرحم وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم فيه : « من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه » متفق عليه ، ففي الحديث البشارة لمن وصل رحمه بالبركة في العمر والرزق ، بأن يطول عمره ويفتح له من أبواب الرزق ما لم يخطر له على بال ويتهيأ له من أسباب الكسب ووسائله ما لم يكن يحتسب، ويحفظ ماله من الآفات وموجبات التلف والهلكة ، ولن تجدوا موفقا عاقا أو قاطعا « فما من ذنب أجدر أن يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم » حديث صحيح .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم وبسنة سيد المرسلين ، ونفعني الله وإياكم بما فيهما من الآيات والذكر الحكيم ، واستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي أرسل رسوله ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيداً ، وأشهد أن لا إله لا الله وحده لا شريك له إقراراً به وتوحيداً ، وأشهد أن محمداً عبد ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً مزيداً أما بعد:
السبب السادس من أسباب التوفيق والنجاح : المحافظة على الأذكار والأدعية الشرعية الثابتة ، وخاصة أذكار الصباح والمساء والتي تعتبر كالغذاء لروح المؤمن كما كان يقول شيخ الإسلام بعد أن يجلس لذكر الصباح حتى ترتفع الشمس : هذه غدوتي إن لم أتغداها خارت قواي .
ويحصل للعبد بهذه الأذكار والأدعية ذكر الرحمن له وازدياد الإيمان وتيسر الأمور ، وسرور القلب وأنسه وطمأنينة النفس وراحة البال ، كما يحصل بها الحفظ من الآفات والشرور ويكفي مثالا على ذلك دعاء الخروج من المنزل : بسم الله توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله ، فمن قاله قيل له : « هديت وكفيت ووقيت ، وتنحى عنه الشيطان وقال لشيطان آخر : كيف لك بإنسان هدي وكفي ووقي » .
السبب السابع من أسباب التوفيق والنجاح : الدعاء ، فإنه من أنفع الأسباب في نوال المنشود وحصول المطلوب وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : « الدعاء هو العبادة » كما أنه بالدعاء يدفع الإنسان عنه النوائب في الدارين ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : « لا يرد القضاء إلا الدعاء » ، فأكثر من الدعاء ولا تستعجل الإجابة فإنك لو وفقت للدعاء أتتك الإجابة ولو بعد حين . فتدعو الله بالدعاء القرآني ((وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْما)) فالعلم أساس في النجاح واسأل الله علماً نافعاً ، وتعوذ به من علم لا ينفع ، وادع بأدعية التوفيق كدعاء « اللهم اهدني وسددني » وأدعية النجاح كالدعاء الجامع : « اللهم إني أسألك خير المسألة وخير الدعاء وخير النجاح وخير العمل وخير الثواب وخير الحياة وخير الممات » إنه الدعاء . فلا تعجز عنه ؛ فإن أعجز الخلق من عجز عن الدعاء .
السبب الثامن من أسباب التوفيق والنجاح : صلاة الاستخارة ، فإنها من أعظم أسباب التوفيق والنجاح ، وهي لجوء إلى الله بالصلاة والدعاء ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه الاستخارة كما يعلمهم السورة من القرآن ، مما يدل على مكانتها وأهميتها وأثرها في عمل الإنسان ، فاستخر في كل الأمور التي يتردد فيها فما خاب من استخار ، استخر ربك فإنه يعلم ولا تعلم ويقدر ولا تقدر وربك علام الغيوب .
هذه بعض أسباب التوفيق والنجاح ، وبقي أسباب أخرى مهمة دينية وحياتية طبيعية لعلها تكون موضوع الأسبوع القادم إن شاء الله لأهميتها ولمناسبة الوقت لها .
اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً وفقهاً في دينك يا ذا الجلال والإكرام، اللهم افتح لنا من خزائن رحمتك وتوفيقك يا خير الفاتحين، اللهم إني أسألك خير المسألة وخير الدعاء وخير النجاح وخير العمل وخير الثواب وخير الحياة وخير الممات، اللهم منزل الكتاب مجري السحاب هازم الأحزاب اللهم قاتل الظلمة المعتدين الذين يصدون عن سبيلك ويقاتلون أولياءك، اللهم عليك بهم إنهم لا يعجزونك، اللهم أنزل بهم نقمتك وأرنا فيهم عجائبك اللهم إنهم آذونا في بلادنا وفي إخواننا وفي أموالنا، اللهم إنهم حاربوا دينك ومن تدين به ظاهراً وباطناً اللهم سلّط عليهم من يسومهم سوء العذاب يا قوي يا متين، اللهم أنزل عليهم رجزك وعذابك إله الحق، اللهم أنجِ المستضعفين من المؤمنين، اللهم ارفع البلاء عن المستضعفين من المؤمنين، اللهم فرج عن إخواننا المؤمنين في الشام، اللهم ارحم ضعفهم وتولَّ أمرهم واجبر كسرهم وعجّل بفرجهم ونفّس كربهم، اللهم أحقن دماءهم واستر عوراتهم وآمن روعاتهم اللهم وارحم ميّتهم واشف مريضهم وأطعم جائعهم واكسِ عاريَهم واحمل فقيرهم وثبت أقدامهم وكن لهم عوناً ونصيراً ومؤيداً يا ذا الجلال والإكرام يا أرحم الراحمين يا حيّ يا قيوم، اللهم آمنّا في أوطاننا ودورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا, اللهم وفقهم لما تحب وترضى وخذ بنواصيهم للبر والتقوى يا ذا الجلال والإكرام .
اللهم فرج هم المهمومين من المسلمين، واقض الدين عن المدنين، اللهم لا تقتلنا بعذابك ولا تهلكنا بغضبك وعافنا بين ذلك، اللهم اشف مرضانا وارحم موتانا وتولّ أمرنا وأصلح أعمالنا وأحوالنا وقلوبنا، ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا، ربنا اغفر لنا ولوالدينا وللمؤمنين يوم يقوم الحساب، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار .
عباد الله: اذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .
|