العرشُ
العظيم
03 -05 - 1445
إِنَّ الْحَمْدُ للهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ
وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنَفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ
أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا
هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَد أَنْ لَا إلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ،
وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولهُ وصَفِيُّهُ وخليلُه، بلَّغَ
رِسَالَتَه وأَدَّى أمانَتَه، ونَصَحَ لأُمَّتِه، فصَلَواتُ رَبِّي وسَلَامُه
عَلَيهِ، وعلى آلِهِ وصَحْبِه، أَمَّا بَعْد: فـَــ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ
مُسْلِمُونَ﴾
عباد
الله:
اعلَمُوا
رحمكم الله، أنَّ أوَّلَ صِفَاتِ المُتَّقِين وأجَلَّها أنَّهُم: يُؤْمِنُونَ
بِالْغَيْبِ،
والإيمانُ
بالغيبِ يَشْمَلُ الإيمانَ بأركانِ الإيمان الستة ومسائلها، ويشمل الإيمان بكل ما
أخبرنا الله وأخبرنا رسوله صلى الله عليه وسلم عن وجوده مما غاب عنا.
أيها
المؤمنون: مِنْ مَسَائلِ الإيمانِ بالغيبِ، الإيمانُ (بالعرشِ العظيمِ) عرشِ الرَّحْمَن، فقد
أخبرنا الله عز وجل عن عرشه في القرآن في مواضع كثيرة، فذكره عشرين مرة، وأثْنَى
الله على نفسِه بإضافة ربوبيَّته إليه في مواضع، كقوله تعالى: ﴿فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ
إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ﴾.
والعرش
في لغة العرب هو سريرُ المُلْك، كرسيُّ المَلِك، وعادةً مَا
يَكُونُ ذَا زِينةٍ وفخَاَمَة.
عباد
الله: يَتَعلقُ بالإيمان بِالعَرْشِ العظيم، عرشِ الرحمنِ مسائلُ جليلةٌ، مِنها:
ــ الإيمانَ بصفات العرش الثابتة، فالعرشُ غيبٌ بالنسبة
لنا، لم نرهُ، ولكن حدَّثَنَا اللهُ تعالى وحدثنا رسولُهُ صلى الله عليه وسلم عن
بعضِ صِفاتِه؛ لِنُؤْمِنَ به ضمن إيماننا بالغيب، فلنرحل بقلوبنا إلى ما فوق
السموات العلى، حيث عرش العلي الأعلى، لنعرف بعض أوصافه:
وصَفَ
اللهُ عرْشَهُ بِالعَظَمَةِ، فَلا يَعلَمُ قَدْرَ سِعَتِهِ،
وكِبَرَ حَجْمِهِ، وعِظَمَ خَلْقِهِ إلا الَّذِي خَلَقَهُ سُبْحَانَهُ، فَهْو
أعْظَمُ المَخْلُوقاتِ وأكبرُهَا على الإطْلاق.
ووصفَه
اللهُ بأنَّهُ مَجِيدٌ، قال تعالى: ﴿ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدِ﴾ بِكَسْرِ دالِ (الْمَجِيدِ) على
قِراءَةِ حَمْزَةَ والكِسَائي، ومَجْدُ العَرْشِ في عُلُوِّ شَرَفِهِ، وعظَمَةِ
أَوْصافِهِ وسَعَتِها وكَثْرَتِها.
ووصَفَ
اللهُ العَرْشَ بِأنَّهُ كَرِيمٌ، فَقَالَ تَعَالَى: ﴿فَتَعَالَى اللَّهُ الۡمَلِكُ ٱلۡحَقُّ لَا إِلَٰهَ إِلَّا
هُوَ رَبُّ ٱلۡعَرۡشِ الكَرِيمِ﴾ كَرِيمٌ رَفِيعُ الشَّأْنِ، حَسَنُ
المَنْظَر، بهِيُّ الشَّكْلِ، جَامِعٌ لِصِفَاتِ الحُسْنِ.
ــ
عباد الله: والعَرْشُ أوَّلُ
المخلوقات خلقاً، على القول الراجح، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «كانَ اللَّهُ ولَمْ يَكُنْ شيءٌ قَبْلَهُ، وكانَ عَرْشُهُ
علَى المَاءِ، ثُمَّ خَلَقَ السَّمَوَاتِ والأرْضَ، وكَتَبَ في الذِّكْرِ كُلَّ
شيءٍ» رواه البخاري (3191)
وقال الله جل
وعلا: ﴿وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ
عَمَلًا﴾.
ــ والعَرْشُ مِنَ المخلوقاتِ الأرْبَعِ التي خَلَقَهَا اللهُ
بِيَدِهِ، قال عبدُ اللهِ بنُ عُمَرَ رَضِي اللهُ عنْهُما: «خلقَ اللهُ بيدِهِ أربعةَ أشياءٍ: آدمَ، والقلمَ، والعرشَ،
وجنةَ عَدْنٍ» أخرجه الدارمي والحاكم والبيهقي وهو
صحيح، وله حكم الرفع.
ــ والعرشُ أعلَى الْمخلُوقاتِ وأرفعُها، وهو سَقْفُ الكَونِ،
خَصَّهُ اللهُ بالقُربِ مِنهُ فليسَ في الخلقِ شيءٌ أقرَبُ إليهِ مِنْهُ
سُبْحَانَهُ.
فَاخْتَصَّ
اللهُ عرْشَهُ بِالعُلُوِّ والارتِفاعِ فوقَ جميعِ المخلوقات.
عن عبدالله بن
مسعود رضي الله عنه قال: «مَا بَيْنَ السَّمَاءِ
إِلَى الْأَرْضِ مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ، ثُمَّ مَا بَيْنَ كُلِّ
سَمَاءَيْنِ مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ، وَغِلَظُ كُلِّ سَمَاءٍ مَسِيرَةُ
خَمْسِمِائَةِ عَامٍ، ثُمَّ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ وَبَيْنَ
الْكُرْسِيِّ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ، وَمَا بَيْنَ الْكُرْسِيِّ وَبَيْنَ الْمَاءِ
خَمْسِمِائَةِ عَامٍ، وَالعرش فَوْقَ الْمَاءِ، وَاللَّهُ تَعَالَى فَوْقَ
الْعَرْشِ، وَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْءٌ» رواه
ابنُ خُزيمَة، موقوف صحيح له حكم الرفع.
ــ والعرشُ على الماءِ، قال الله تعالى: ﴿وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ﴾، وكذا جاءَ في
السُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ، أنَّ عَرْشَهُ على ماءٍ عَظِيمٍ.
ــ وأعْلَى مَنَازِلِ الجَنَّاتِ: الفِرْدَوْسُ. وسَقفُ
الفِرْدَوسِ عَرْشُ الرَّحْمَن، قال النبي عليه الصلاة والسلام: «إذا سألتُم اللهَ فاسأَلُوهُ الفِردَوس؛ فإنه أوسَطُ
الجنَّة وأعلَى الجنَّة، ومِنه تنفِجِرُ أنهارُ الجنَّةِ، وسَقْفُهُ عَرْشُ
الرَّحْمَن» رواه البخاري.
ــ ولِلعَرْشُ وَزنٌ وثقل، وله قوائم، وتحته كنوز.
ويَرْتَبِطُ
بِالْعَرْشِ كُرسِيٌّ عظيمٌ، قد وَرَدَ ذِكْرُ الكُرْسِيِّ فِي
أعْظَمُ آيَةٍ فِي القرآنِ وسُمِّيَتْ الآيةُ بِهِ، قالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ﴾.
والكُرْسِيِّ
لَيْسَ هُوَ العَرْشُ، قالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ
عَنْهُمَا: «الْكُرْسِيُّ مَوْضِعُ الْقَدَمَيْنِ،
وَالْعَرْشُ لَا يُقَدِّرُ أَحَدٌ قَدْرَهُ» رواه
ابن خزيمة والدارمي وصححه الألباني.
ورَغْمَ
سِعَةِ خَلْقِ الكُرْسِي، فإنَّهُ صَغِيرٌ عِنْدَ عَظَمَةِ الْعَرشِ، قال
النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وسَلَّم: «ما
السَّمَوَاتِ السَّبْعِ فِي الكُرْسِيِّ إلا كَحَلْقَةٍ مُلْقَاةٍ بأرْضٍ فَلاةٍ،
وفَضْلُ العَرْشِ عَلى الكُرْسِيِّ كَفَضْلِ تِلْكَ الفَلَاةِ عَلَى تِلْكَ
الحَلْقَةِ» رواه ابن جرير وغيره صححه الألباني.
فإذا كان هذا
هو حجم سعة الكرسي فكيف بالعرش العظيم.
ــ
ومن مسائلِ العرشِ العَظِيمِ: الإيمانُ
بِعُلُوِّ اللهِ على خَلْقِهِ واسْتِوائِهِ على عرْشِهِ استِواءً يَلِيقُ بجلالِهِ
وعظَمَتِه، وهو مِنَ الإيمانِ بِصِفَاتِ اللهِ العُلَا، وهو علُوٌ خاصٌّ
عَلَى أعْظَمِ وأعْلَى مَخْلُوقَاتِه، وصفاتُهُ كلُّهَا صِفَاتُ كَمَالٍ، ونُعُوتُ
جَلَالٍ، لا نَقْصَ فِيهَا بِوَجْهٍ مِنَ الوُجُوهِ ﴿وَلِلَّهِ
الْمَثَلُ الْأَعْلَى﴾.
ــ وقد وصف الله نفسه بالاستواء على العرش في سبعةِ
مواضعَ من القرآن، قال الله جل وعلا: ﴿الرَّحْمَنُ
عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾
ــ
ويتفق علماء أهل السنة والجماعة في كتب الاعتقاد على الإيمانِ
بأن الله عَلِيٌّ على خلقِهِ مُسْتَوٍ على عرشِهِ استواءً يليق بجلاله وعظمته، وهو
بائنٌ مِنْ خَلْقِةِ، عَالِمٌ بِهمْ، وهو معهم بعلمه وإحاطته وسمعه وبصره أينما
كانوا.
ــ
ويقولُ أهلُ السُّنةِ: الاستواءُ معلومُ، والكَيفُ مجهولٌ،
والإيمانُ بِهِ واجبٌ والسُّؤالُ عنْهُ بِدْعةٌ.
يقولونَ ذلك
في صِفَةِ الاسْتواءِ، وفي جميعِ صفاتِ اللهِ العُلا، يقُولُون: (الصفةُ
مَعلُومَةُ المعْنَى ويجبُ الإيمانُ بِهذا المَعْنَى، وهِيَ مجْهُولَةُ
الكَيْفِيَّةِ).
ــ ومعنى ﴿ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ﴾ أي: علا عليهِ وارْتَفَع.
ولا يقال: جلس
عليه، لأن الجلوس لم يصف الله به نفسه، ولم يصفه به رسوله، ولم يرد التعبير به عن
سلف الأمة.
ــ ولا
يَلْزمُ مِنْ إثْبَاتِ اسْتِواءِ اللهِ عَلَى العَرْشِ لَوازِمُ النَّقْصِ التي
تَلْزَمُ للمخلوقينِ، لأنَّ اللهَ سُبحانَه ﴿لَيْسَ
كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾.
ــ
وعلُوُّ الله على خلقِه مُستقِرٌّ في الفِطَر، شهِدَتْ بِه
العقولُ والفِطَرُ السَّليمةُ، وقَرَّرَتْهُ أدِلَّةُ الكتاب والسنَّة الصحيحة،
بأدلة قاطعة ظاهرة، والعُلُو هُو مُقتضَى الكمال الرباني.
قال ابنُ
القيِّم رحمَهُ اللهُ: "على إثباتِ علُوِّ الله أكثَرُ مِن ألفِ دليلٍ".
ومِنْ
أدِلَّةِ العُلوِ عِنْدَ أهلِ السُّنةِ أدِلةُ الاستواءُ على العرشِ، لأنَّ
العَرْشَ أعْلَى المخلوقاتِ واللهُ فَوقَ العَرْشِ.
فالإيمانَ
الإيمانَ بالغيْب أيها المؤمنون لعلكم تفلحون، اِلْزَمُوا مُعْتَقَد سَلَفِكم
الصالحِ أهلِ السنةِ والجماعةِ، واحْذَرُوا مُعتقدَ أهلِ التأويلِ والتَحَرِيفِ
والتعطيلِ.
فاللهم أحينا على عقيدةِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم
وأصحابِه ومَن تبعهم، وأمتنا عليها يا كريم يا رب العرش العظيم، أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم
ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة
الثانية:
الحمدُ للهِ على إحسانِهِ، والشكرُ له على توفيقِهِ
وامتنانِهِ، والصلاةُ والسلامُ على محمدٍ وعلى آلِهِ وأصحابِهِ. وبعد
ــ
عباد الله: من مَسَائِلِ العَرْشِ العَظِيمِ:
الإيمانُ
بِحَمَلةِ العَرْشِ ومحبَّتُهُمْ وتوليِّهِمْ، حيثُ يَحْمِلُ عَرْشَ الرَّحْمَنِ
ملائِكَةٌ كِرامٌ عِظَامُ الخلق، لِعَظَمَةِ مَا يَحْمِلُون، ﴿وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ
ثَمَانِيَةٌ﴾ حدَّثَنَا نبيُّنَا صلى الله عليه وسلم عنْ عِظَمِ خلقهم
فقال: «أُذِنَ لِي أَنْ أُحَدِّثَ عَنْ مَلَكٍ مِنْ
مَلَائِكَةِ اللَّهِ مِنْ حَمَلَةِ الْعَرْشِ، إِنَّ مَا بَيْنَ شَحْمَةِ أُذُنِهِ
إِلَى عَاتِقِهِ مَسِيرَةَ سَبْعِمِائَةِ عَامٍ» رواه
أبو داود قال ابن حجر: إسناده على شرط الصحيح، فتح الباري (8/ 665).
وفي رواية: «مَخْفِقَ الطَّيرِ سَبْعَمِائَةِ عَامٍ» رواه ابن
أبي حاتم.
ومِن
حولِ العرشِ ملائِكةٌ يسبحون ﴿وَتَرَى
الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ﴾
أيها
المؤمنون: نُحِبُّ حملةَ العرشِ ومنْ حَوْلَ العَرْشِ مِنَ
الْمَلائِكَةِ ونتولاهُمْ، لمكانَتِهم الرفيعة عند الله، ولأنهمْ هُمْ يحبونَنَا،
يُحِبُّونَ الْمُؤْمِنِينَ ويَتَوَلَّوْنَهُمْ ويَسْتَغْفِرُونَ لهُمْ ويَدْعُون:
﴿الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ
يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ
آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ
تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ رَبَّنَا
وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدتَّهُمْ وَمَن صَلَحَ مِنْ
آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ
الْحَكِيمُ وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ﴾
يا لَهَا مِنْ دَعَوَاتٍ مَا أكْرَمَهَا
وأَلْطَفَهَا مِنْ عِبادٍ مُكْرِمِين مُقَرَّبينَ منْ رَبِّ العالمين، اللهم
اشْمَلْنَا بِها نَحنُ ووالِدِينا وذُرِّياتِنَا.
ــ
ومنْ مسَائلِ العَرْشِ: التَّفكُّرُ
في عِظَمِ خَلْقِ العَرشِ وعِظَمِ خَلْقِ حَمَلَتِه، يُثْمِرُ تَعْظِيمَ الخالِقِ
العظيمِ سبحانَه.
فلئِنْ كان
العرشُ عظيمًا كبيرًا، فرَبُّ العَرْشِ وخالِقُهُ أعْظَمُ وأكْبَر، فهو سُبْحَانَه
علِيٌّ عظيمٌ مَجِيدٌ واسِعٌ كبيرٌ مُحيطٌ بكلِّ شيءٍ، ولا يُحيطُ به شيءٌ، ظاهِرٌ
ليس فوقَه شيءٌ، باطِنٌ ليس دونه شيء، لا يحجُبُه عن خلقِه شيءٌ، وعظَمَةُ
مخلُوقاته هذِهِ، دليلٌ على عظمَتِه وكِبريائِه، شاهِدةٌ بعِزِّتِهِ وجلالِه، له
الأكبريةُ الْمُطْلَقَةُ سبحانه.
فيا عبد الله
عندما تحدثك نفسك بالْمعصية، استشعر عظمة الله وجلاله وستنكف النفس هيبة ورهبة
وإجلالاً.
ومما
يَزِيدُ به الْمُؤمنُ تَعْظِيمَهُ لِله، التسبيحُ
والتهليلُ والتحميدُ والتكبيرُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِمَّا تَذْكُرُونَ مِنْ جَلَالِ
اللَّهِ التَّسْبِيحَ، وَالتَّهْلِيلَ، وَالتَّحْمِيدَ يَنْعَطِفْنَ حَوْلَ
الْعَرْشِ، لَهُنَّ دَوِيٌّ كَدَوِيِّ النَّحْلِ، تُذَكِّرُ بِصَاحِبِهَا، أَمَا
يُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَوْ لَا يَزَالُ لَهُ مَنْ يُذَكِّرُ بِهِ؟»
صحيح
أخرجه أحمد وابن ماجه.
و«سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ عَدَدَ خَلْقِهِ، وَرِضَى
نَفْسِهِ، وَزِنَةَ عَرْشِهِ، وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ» تَفْضُلُ شَيْئَاً
كَثِيرَاً مِنَ الأَذْكَار.
ــ
ومن مسائل العرش: أن يعلم العبدُ أنه وإِنْ كانت الْمسافة
بيننا وبين العرش ورب العرش هائلة، إلا أن ربنا العظيم قريب من عباده وهو في
عليائه، والعباد قادرون على الاتصال به والقرب منه قرباً خاصاً في لحظة واحدة،
بسجدة خالصة خاشعة، أو دعوة صادقة تُفْتَحُ لها أبواب السماء، فرب العرش قريب أقرب
إلى أحدنا من حبل الوريد، ويقرب العلي العظيم في الثلث الأخير من الليل، ويفتح باب
المسألة والرجاء للعباد.
ــ ودعاء الْكَرْبِ يقرب من الرب: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لَا إِلَهَ
إِلَّا اللهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ رَبُّ
السَّمَاوَاتِ وَرَبُّ الْأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ» متفق عليه
واللفظ لمسلم.
ــ الرَّحِمُ مُعلَّقةٌ بالعرشِ تقولُ: «مَن وصَلَني وصَلَه الله، ومَن قطَعَني قطَعَه الله»
رواه مسلم.
ــ و«لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ مِنْ كَنْزٍ
تَحْتَ الْعَرْشِ» صحيح رواه أحمد وغيره. تصل العبد برب العرش
ــ
ومِن الْمِسائل عباد الله:
تَذَكُّرُ
ظلِّ العرش يوم القيامة يوم لا ظل إلا ظله، والمسابقة
على الفوز بالظل يوم تدنوا الشمس قدر ميل، وذلك بأن يكون من أهل الخصال السبع أو
بعضها.
ــ وأيضاً قال
النبي صلى الله عليه وسلم: «إِذَا سَأَلْتُمُ
اللَّهَ، فَاسْأَلُوهُ الفِرْدَوْسَ، فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الجَنَّةِ وَأَعْلَى
الجَنَّةِ وفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ، وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الجَنَّةِ»
رواه البخاري.
فطلب الفردوس
يكون بسؤال الله إياها، ويكون بالاتصاف بصفات طلابها الوردة في أول سورة المؤمنون
وغيرها.
فيا عباد
الله، سابقوا لنيل المطالب العالية.
اللهم إنا نسألك جنة الفردوس، وما قرب إليها من قول أو
عمل
لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لَا
إِلَهَ إِلَّا اللهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ رَبُّ
السَّمَاوَاتِ وَرَبُّ الْأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ.
فاللهم أصلح قلوبنا أجمعين ، اللهم آتِ نفوسنا تقواها ،
وزكها أنت خير من زكاها ، أنت وليها ومولاها . اللهم إنا نسألك قلبًا سليما
ولسانًا صادقا ، ونسألك من خير ما تعلم ، ونعوذ بك من شر ما تعلم ، ونستغفرك مما
تعلم إنك أنت علام الغيوب . اللهم إنا نعوذ بك من شر ما عملنا وشر ما لم نعمل.
اللهم آمنا في أوطاننا ودورنا وأصلح أئمتنا وولاة
أمورنا، اللهم وفقهم لما تحب وترضى وخذ بنواصيهم للبر والتقوى يا ذا الجلال
والإكرام واجزهم خيراً على ما يقدمونه لخدمة الإسلام والمسلمين يا رب العالمين.
ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل
في قلوبنا غلا للذين آمنُوا ربنا إنك رءوف رحيم. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي
الآخرة حسنة وقنا عذاب النار
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلامٌ على المرسلين
والحمد لله رب العالمين.
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ صلاح العريفي حفظه الله
تعالى:
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=121 |