قل للنصارى (لكم دينكم ولي دين) 6/ 6/ 1444هـ
ــ 30/12/ 2022م الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، ذي الفضل العظيم،
أتم علينا النعمة، وأكمل لنا الدين، وهدانا صراطه المستقيم، وأغنانا عن دين اليهود
المغضوب عليهم الغاوين، وعن دين النصارى الضالين. أشهد ألا إله إلا الله، وحده لا شريك له إله الأولين
والآخرين. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المبعوث رحمة للعالمين، لم
يداهن في الدين، وتبرأ علناً من دين المشركين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله
وأصحابه الذين لزموا الصراط المستقيم، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن حقيقة تقواه: لزومَ
صراطه المستقيم، واجتناب طرق الغاوين والضالين، كما قال سبحانه في الكتاب المبين:
((وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا
السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ
تَتَّقُونَ)) أيها المسلمون: في كل ركعة من ركعات صلاتنا، فرض
الله علينا قراءة سورة الفاتحة، رحمة منه سبحانه بنا لحاجتنا لهدايته بعدد
أنفاسنا، نسأله سبحانه في الفاتحة أن يهدينا صراطه المستقيم، صراط المنعم عليهم بالهداية
للعلم والعمل، ونسأله أن يجنبنا طريق المغضوبَ عليهم، اليهودِ الغاوين، وطريقَ
الضالين النصارى الجاهلين. ومن أسرار فرض قراءة الفاتحة، أن يبقى المسلم على تَذَكُّرٍ دائمٍ لوجوب
لزوم السير على الصراط المستقيم، والحذر من سلوك الطريقين الجائرين المنحرفين عنه،
مع سؤال الله الدائم الهداية والاستقامة والعصمة من الانحراف. عباد الله: من التطبيق العملي لمجانبة طريق الضالين، اجتناب تقليد النصارى
في أعيادهم المبتدعة، الدينية منها وغير الدينية. فالأمه النصرانية الضالة، ضلت عن دين المسيح عليه السلام، وتخلت عنه، وابتدعت،
وحرفت دينها، وقلدت الشعائر الوثنية الرومانية، فالنصارى أمةُ ابتداعٍ وعملٍ بجهل. أيها المؤمنون: جُمْعَتُنا المعظمةُ هذه تقع بين عيدين شركيين مبتدعين عند
النصارى، هما عيدُ ميلاد المسيح عيسى بنِ مريمَ عليه السلام الذي يُسَمُّونَه
(الكريسمس)، والثاني عيدُ رأس السنة. أما عيد ميلاد المسيح عليه السلام ففي اليوم الخامس والعشرين من شهرهم
الثاني عشر من سنتهم الشمسية الميلادية. ولم يتفق النصارى على تاريخ ميلاد المسيح عليه السلام، لم يتفقوا لا على
سنته، ولا على شهره، فكيف بيومه؟! وأصل عيدهم هذا مأخوذ من الوثنية الرومانية عندما تنصر الرومان، بقول
وشهادة مؤرخي النصارى أنفسهم. واحتفالهم بميلاد المسيح أيضاً مبني على اعتقادهم الباطل في المسيح عليه
السلام. فيا من تتساهل في مشاركة النصارى في عيدهم، انظر في عقيدتهم في المسيح عليه
السلام قبل أن تشاركهم وتهنئهم. إن النصارى يعتقدون أن عيسى هو الله أو هو ابن الله وثالث ثلاثة، تعالى
الله عن قولهم علواً كبيرا، ((تَكَادُ السَّمَاوَاتُ
يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا () أَن
دَعَوْا لِلرَّحْمَٰنِ وَلَدًا () وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَٰنِ أَن يَتَّخِذَ
وَلَدًا () إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَٰنِ
عَبْدًا)) لقد كفرهم الله بهذه العقيدة واستشنعها منهم، ودعاهم عيسى عليه
السلام إلى التوحيد، وحذرهم من الشرك، فخالفوه ولم يطيعوه. قال الله تعالى: ((لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ
قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ
يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ
بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا
لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ)) ((لَقَدْ
كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ
إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ
الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)) كفرهم الله تكفيراً صريحاً، فلماذا يشك بعض المسلمين في تكفيرهم. أعيادهم مبنية على هذه العقيدة الكفرية فهل يليق بمسلم أن يشاركهم فيها. فعارٌ وأي عار، ونقصٌ شنيع فظيع في المؤمن الموحد، وخللٌ في اعتقاده، أن
يشارك الأمة النصرانية بعيدها، أو يهنئ أو يقول أو يعمل ما يظهر فيه الاحتفاء
الفرح بعيدهم. قال الشيخ ابن عثيمين بعد أن قرر تحريم التهنئة لهم، قال: لأن المُهَنِّئ
لهم هنأهم بشعائر الكفر كما لو هنأهم بعبادة الصليب أو هنأهم بأكل الخنزير أو بشرب
الخمر أو ما أشبه ذلك. وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: لا يجوز تهنئة الكفَّار بأعيادهم، هذا منكر
لا يجوز من المسلم، لا في بلاد الإسلام، ولا في غير بلاد الإسلام. وقال ابن القيم رحمه الله: التهنئة بشعائر الكفر المختصة بهم حرام
بالاتفاق. يعني لا خلاف في تحريمها بين العلماء. عباد الله: إن أكثر الذين يتساهلون في تهنئة النصارى، لا يقصدون مشاركتهم
في شركهم، وإنما يدفعهم إليها المجاملة حينا، والحياء أحيانا أخرى، ولكن المجاملة
على الباطل حرام، والواجب الإنكار، ولقد نهى الله نبيه صلى الله عليه وسلم عن
المداهنة لهم ((فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ ()
وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ)) وأنزل الله عليه سورة البراءة من
الكافرين ودينهم: ((قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ
() لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ () وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ()
وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ () وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ()
لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ)) فهذه السورة سورة البراءة من العمل الذي يعمله المشركون، وشملت كل كافر على
وجه الأرض. وقيل: إن كفار قريش من جهلهم دعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عبادة
أوثانهم سنة، ويعبدون معبوده سنة، فأنزل الله هذه السورة، وأمر رسوله فيها أن
يتبرأ من دينهم بالكلية. يجب على كل مسلم أن يتبرأ من دين الكفار وشعائرهم. عباد الله: وعيد رأس السنة الذي سيحتفل به النصارى بعد يومين أيضاً هو عيد
متلقى من الوثنية الرومانية، فلا تغتروا به، ولا يجمل في أعينكم بما يبهرجونه به،
فهي والله مواطن زور لا يحل للمؤمن أن يشهدها لأن الله تعالى وصف عباده المؤمنين
بأنهم: ((لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا
بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا)) وأعياد الكفار من الزور في قول كثير من
المفسرين. وأيضاً مشاركة النصارى في عيدهم من التشبه بهم وقد قال النبي صلى الله عليه
وسلم: (من تشبه بقوم فهو منهم) وفي لفظ: (ليس منا من تشبه بغيرنا) حديث صحيح، فيه تنفير شديد
مُخِيف أقل أحواله التحريمُ المغلَّظ. فاتقوا الله عباد الله، فربكم قد أكمل لكم الدين وأتم عليكم به نعمة ورضيه
لكم دينا، فلا تبغوا عنه بديلاً. اللهم اهد ضال المسلمين وردنا وإياهم إليك ردا جميلا،
بارك الله لي ولكم بالقرآن والسنة، ونفعني الله وإياكم بما فيهما من الآيات
والحكمة، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ إنه هو الغفور الرحيم. الخطبة
الثانية: الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً، والصلاة والسلام
على نبينا محمد دائماً، وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم اللقاء، أما بعد عباد الله: يوم الجمعة يوم معظَّم من أيام الله، ذو خصائص وفضائل،
يُعَظِّمه المسلمون قاطبة، ويُعَظِّمُهُ بشكل أكبر، المؤمنون الصادقون الصالحون،
ولا يغفلون عن فضائله مهما تكرر، ذلك،،، لأنه عيدُهم الأسبوعي، فيه لهم خيرات
وبركات؛ يلبسون فيه أجمل الثياب، ويغتسلون ويتطيبون، ويَستاكون، ويُبكرون إلى
المساجد، ويجتمعون في الجوامع، ويسمعون موعظةً وإرشاداً، ويصلون صلاةَ فريضة
جهريةً أسبوعية، ويكثرون من الصلاة والسلام على نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم،
الذي هداهم الله به إلى هذا الخير الكثير، ويكثرون فيه من الدعاء، لأن الله وهبهم
فيه ساعةَ إجابة لا يُرَد فيها سائلٌ، وأخفاها عنهم ليكثروا الدعاء. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خيرُ يومٍ
طلعَتْ عليهِ الشمسُ يومُ الجمعَةِ) أخرجه مسلم، وفي رواية لابن خزيمة: (ما طلعَتِ الشَّمسُ ولا غربَت علَى يومٍ خيرٌ مِن يومِ
الجُمُعةِ). فَلْتَهْنَأْ أمةُ الإسلام بهذا اليوم العظيم الكريم وبسائر أيامها
المحترمة. أهل الإسلام مكتفون بفضائلهم وأيامهم المعظمة، ومكتفون بأعيادهم الشرعية،
ومُشْبَعُون من الأعياد. فلا يلحق أمةَ الإسلام في هذا أحدٌ من الأمم؟ لا والذي رفع السماء. ويجب أن تكون الأُمَمُ كلها تابعة لأمةِ الإسلام في الحق الذي معها. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أضَلَّ
اللَّهُ عَنِ الجُمُعَةِ مَن كانَ قَبْلَنا، فَكانَ لِلْيَهُودِ يَوْمُ السَّبْتِ،
والأحَد لِلنَّصارَى، فَهُمْ تَبَعٌ لنا إِلَى يَومَ القِيامَةِ) رواه مسلم
وابن ماجه واللفظ له. الله أكبر. يريد الإسلام أن تتعزز في نفوسنا معاني القيادة الدينية للأمم ومشاعرها،
فالمسلمون هم أهل الدين الحق، وأهل الاتباع للأنبياء، ونبيهم خاتم النبيين وبعث للناس أجمعين. فلا يليق بالأمة المحمدية أن تتبع
غيرها ومعها الهُدى والحق والنور. أفلا يعي المسلمون هذه الحقيقة، وهذه المكانة للأمة، ويحافظوا عليها. يا أمة القيادة: اليهود والنصارى تبع لأمتكم، إلى يوم القيامة، فلا
تُحَوِّلوا الحال إلى الهَوَانِ وترضون بالدُّون، ((وَأَنتُمُ
الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ))، أنتم على الحق، والحق واحد،
وماذا بعد الحق إلا الضلال. اللهم اهدنا فيمن هديت وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن
توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا شر ما قضيت. اللهم اهدنا صراطك المستقيم وثبتنا عليه، وجنبنا طريق
المغضوب عليهم وطريق الضالين. اللهم أرنا الحق حقا ووفقنا لاتباعه وأرنا الباطل باطلاً
ووفقنا لاجتنابه، ولا تجعل الحق ملتبساً علينا بالباطل فنضل، يا حي يا قيوم أحي
قلوبنا على التوحيد والسنة، وأعذنا من الشرك والبدعة، واجعلنا من أتباع دين نبيك
ظاهرا وباطنا، اللهم إنا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن. اللهم آمنا في أوطاننا ودورنا وأصلح أئمتنا وولاة
أمورنا، اللهم وفقهم لما تحب وترضى وخذ بنواصيهم للبر والتقوى يا ذا الجلال
والإكرام . اللهم ادفع عن بلادنا الغلا والوباء وسوء الفتن ما ظهر
منها وما بطن، اللهم احفظ علينا أمننا وإيماننا وصحة أبداننا وعافية أجسادنا،
اللهم اشف مرضانا وعاف مبتلانا واجعل آخرتنا خير من دنيانا، اللهم احفظ بلادنا من
كيد الكائدين وعدوان المعتدين ومن كل شر وفتنة يا خير الحافظين، اللهم من أراد
بلادنا وبلاد المسلمين بسوء وفتنة فاجعل كيده في نحره يا قوي يا عزيز، يا حيّ يا
قيوم. ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين
آمنُوا ربنا إنك رءوف رحيم. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب
النار
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلامٌ على المرسلين
والحمد لله رب العالمين.
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ صلاح العريفي حفظه الله
تعالى:
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=121 |