تدبّروا (( قل هو الله أحد ))
28-06-1439هـ
الْحمد لله حمداً لا ينفد، أفضل ما ينبغي أن يُحمد , وأشهد أن لا إله
إلا الله الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد , وأشهد أن محمداً
عبده ورسوله , خيرُ من علم وأرشد، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه، وعلى كل
من وحد وتعبد، وسلم تسليماً،،، أما بعد :
فاتقوا الله عباد الله (وَآمِنُوا
بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ
بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) .
عباد الله : تدبروا كتاب ربكم فإنه
( كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ) فإنما
هما اثنتان إما التدبر أو القلب عليه قفل : ( أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ
عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ) .
أيها المسلمون : سورة ( قل هو الله أحد
) من أقصر سور القرآن , عدد آياتها أربع آيات .. نقرؤها كثيراً،،، نستفتح بها صلاة
يومنا فنقرؤها في سنة الفجر، ونفتتح بها صلاة ليلنا عندما نقرؤها في سنة المغرب، ونختم
بها صلاة ليلنا عندما نقرؤها في ركعة الوتر، وشرع لنا أن نقرأها بعد كل صلاة فريضة،
ونقرأ بها في أذكار صبحنا ومسائنا، هذا غير قراءتنا لها في ركعات صلواتنا المتعددة
.
سورة نكررها بهذه الكثرة، وصح الخبر بأنها تعدل ثلث القرآن، هي والله
جديرة بأن نتعلم تفسيرها ونعرف مدلولاتها ومقاصدها، لنتلوها بتدبر وتفهم .
سورة جاء فيها وفي الْمعوِّذتين أنه : ( مَا أَنزِلْ فِي التَّوْرَاةِ
وَلَا فِي الزَّبُورِ وَلَا فِي الإِنْجِيلِ وَلَا فِي الفُرْقَانِ مِثْلُهَا) [صححه الألباني] .
سورة هذا شأنها لا يليق بنا والله أن نهمل فهمها ومرادات الله فيها .
فأول ما ينبغي أن تعلمه يا عبد الله عن سورة ( قل هو الله أحد ) : أن
الله أنزلها لتعريفك وتعريف الناس بنفسه العليَّة جل وعلا بأقصر عبارة، فقد ورد في
سبب نزولها : (أَنَّ الْمُشْرِكِينَ جَاءُوا للنَّبِي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
فقالوا: يَا مُحَمّد انْسُبْ لَنَا رَبَّكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ "قُلْ هُوَ اللَّهُ
أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ ") [أخرجه الترمذي وصححه ابن خزيمة والسيوطي والألباني
وقال ابن تيمية مشهور] .
فالسورة خالصة في التعريف بالله، ولذا سميت سورة الإخلاص، وسميت سورة
التوحيد لتقريرها أحدية الله ووحدانيته .
عباد الله : لقد عرَّف الله بنفسه في
هذه السورة بثلاثةِ أسماءٍ حسنى لا يسمى بها غيره سبحانه، وثلاثةِ أوصاف علا .
أما الأسماءُ الثلاثة فهي : الله، والأحد ، والصمد .
وأما الصفاتُ الثلاث فهي: نفي أن يكون له ولد، ونفي أن يكون له والد، ونفي الكفؤ والمثيل .
يقول الله تعالى آمراً نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم (قل): قل يا محمد
لمن سألك عني: من أنا ؟
( قُلْ هُوَ ): أي قل لهم: شأن من تسألون عنه عظيم . فـالضمير : (هو)
ضمير الشأن، يدل على عِظَمِ شأن ما بعده .
( هُوَ اللَّهُ ): اسمه الأول الله، ومعناه: المألوه المعبود المحبوب، الذي له الألوهيةُ الحقَّة، وله العبوديةُ على خلقه أجمعين، وهو أعظم أسماءِ الله
المفردة، بل قيل إنه : اسم الله الأعظم .
فـاسم ( الله ) عَلَمُ الأعلامِ، وأجملُ الأسماء، لا يُسمى به غير الله،
أكثر اسم تكرر في القرآن، حيث تكرر ذكره فيه أكثر من ألفٍ وسبعِ مئة مرة .
فيا ألله : آمنا بأنك أنت الله لا إله
إلا أنت ، فانفعنا بذلك ، واعتقدنا استحقاقك وحدك للعبادة ، فارزقنا الإخلاص لك وثبتنا
على توحيدك في العبادة .
قال تعالى (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) : اسم الله الثاني الذي عرَّفَنَا بِنَفْسه به في هذه السورة هو اسمه
(الأحد)، ومعناه أنه سبحانه متصف بالأحدية، فلا يوصف بالأحدية المطلقة غير الله ، وهو أبلغ من اسم الله ( الواحد )، ولم يرد في القرآن إلا مرة واحدة ، في سورة الإخلاص
فقط .
ومعنى اسم الله (الأحد): الذي له الأحدية المطلقة في جميع الكمالات، فهو المتفرد بالكمال المتوحد
بالمجد والجلال، ونعوت العظمة والجمال، فهو الأحد في ألوهيته واستحقاق العبادة والمحبة
والتعظيم والخضوع له فكلها خالص حقه لا ندر له ولا شريك فيها، وهو الأحد في ذاته لا
شبيه له ولا نظير، والأحد في أسمائه وصفاته لا شبيه له ولا مثيل، والأحد في أفعاله
لا شريك له ولا ظهير ، وهو الأحد في صمديته وتوجه الخلائق إليه في حاجاتها كلها، وهو
الاسم الثالث في السورة :
ففي الآية الثانية من السورة يقول الله تعالى : (اللَّهُ الصَّمَدُ) أي : الله الذي تسألون عنه، اسمه الثالث (الصَّمَدُ)
ومعنى الصمد : السيد العظيم الذي تصمد إليه الخلائق كلها، وتقصده وتطلبه وتتوجه إليه
في حاجاتها كلها، فأهل السموات وأهل الأرض مفتقرون إليه غاية الافتقار، في حوائجهم
وضروراتهم، وهو سبحانه قادر على قضائها كلها، هذا هو قول أكثر المفسرين في معناه، وجاء
عن ابن عباس رضي الله عنهما إضافة للمعنى السابق، أن الصمد هو السَّيَّدُ الذي قد
كَمُلَ في سُؤْدَدِه ، الشريف الذي قد كمل في شرفه، العظيم الذي كمل في عظمته، الحليم
العليم الحكيم الذي قد كمل في ذلك كله .
و(الصَّمَدُ) أيضاً من الأسماء الحسنى العظمى التي لا يسمى بها غير الله
تعالى، ولم يرد في القرآن إلا في سورة الإخلاص .
ويلاحظ يا عباد الله أن
الله تعالى عرف بنفسه في هاتين الآيتين الأوليين بثلاثة أسماء مُثبتة هي : الله – والأحد
– والصمد .
فاللهم إنا نَشْهَدُ أنك أنت الله الذي لا إله إلا أنت الأحد الصمد،
فاعف عنا كل خطأ ومعصيةِ عمد، وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد .
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِه، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ
وَامْتِنَانِهِ، وَأَشهَدُ أَن لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ تَعْظِيمًا
لِشَأَنِهِ، وأَشهدُ أنَّ نبيَّنا مُحمَّدًا عَبدُهُ وَرَسُولُه الدَّاعِي إِلى رِضْوَانِهِ،
صَلِّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَإِخْوَانِهِ وسلِّمَ تَسلِيماً
كَثِيراً . أما بعد:
عباد الله : لَمَّا عرّفكم الله بنفسِهِ
في الآيتين الأوليين من سورة ( قل هو الله أحد ) بثلاثة أسماء مُثبتة، عرّفكم في الآيتين
الأُخْرَيين بنفسه بثلاث صفات منفية، تدل على ثبوت الكمال الذي هو ضدها له سبحانه فقال
تعالى : (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ . وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ )
الصفة الأول له سبحانه : (لَمْ
يَلِدْ) يعني ليس له ولد، لأنه غني بذاته غير محتاج إلى الولد، ولأن وجود الولد له
يقتضي أن يكون له صاحبة تماثله وتساميه. يقول تعالى عن نفسه: ( بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ
شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) . ولو كان له ولد لكان له وارث والله تعالى
هو الوارث وهو الآخر لا شيء بعده .
وفي هذا النفي (لَمْ يَلِدْ) رد على النصارى الذين زعموا أن عيسى ابن
الله، ورد على اليهود الذين قالوا إن عُزَيْرَاً ابن الله، ورد على المشركين الذين
زعموا أن الملائكة بنات الله .
ثم الصفةُ الثانية له سبحانه : (وَلَمْ
يُولَدْ) أي ليس له والد وَلَدَه، ولو كان له والد لكان معدوما من قبل ثم وجد، ولكان
مسبوقاً والله هو الأول ليس قبله شيء .
ففي هذين النفيين إثبات الكمال لله، ففيهما إثبات غناه سبحانه وقيوميَّتِهِ
وحياتِه الكاملة وإثبات أوليَّته وأزليته وإثبات آخريته وأبديته سبحانه وتعالى .
ثم الصفةُ الثالثة المنفية عنه سبحانه، في الآية الأخيرة: (وَلَمْ يَكُن
لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ) وهي نفي الكُفُوِ لله، والكُفُو: هو المثيل والنظير والشبيه
. وهذا النفي المجمل العظيم أصل من أصول التوحيد، وقاعدة من قواعده الكبار .
فليس لله كفوٌ ولا مثيلٌ ولا نظيرٌ في ذاته ولا في أفعاله ولا في أسمائه
ولا في صفاته، وليس له كفوٌ في ربوبيته فلا شريك له ولا ظهير في أوصاف وأفعال الربوبية
كالخلق والملك والرزق والتدبير، وليس له كفوٌ في ألوهيته واستحقاقه العبادة، فهو المتفرد
باستحقاقها فلا إله غيره ولا معبود بحق سواه .
فلم يكن أحدٌ كفواً لله،، لا يكافِؤهُ أحد ولا يماثله ولا يشابهه ولا
يساميه أحدٌ البتة .
فهذه الصفة المنفية مقرِّرَةٌ ومؤكِّدَةٌ لألوهية الله الْحقة، ولأحديته
الْمطلقة ولصمديته الكاملة
فلنتأمل عباد الله ولنتدبر هذه المعاني عند
تلاوة السورة، فاجتماعها هو السر في اشتمال السورة على اسم الله الأعظم ، فتوسلوا إلى
الله بقولكم: ( اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله الأحد الصمد الذي لم يلد ولم
يولد ولم يكن له كفوا أحد ) فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لمن سمعه يقوله : ( لَقَدْ
سَأَلَ اللَّهَ بِاسْمِهِ الْعَظِيمِ الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ وَإِذَا سُئِلَ
بِهِ أَعْطَى ) .
وما أعظم أثر ( قل هو الله أحد ) على التوحيد وتثبيته في القلب إذا تُلِيَتْ
بتدبر .
وما أنفع تلاوتها بتدبر في
دفع الشبهات والوسوسة التي تقع في القلب عن الله، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "لَا يَزَالُ النَّاسُ
يَتَسَاءَلُونَ حَتَّى يُقَالَ: خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ فَمَنْ خَلَقَ اللَّهَ؟ فَإِذَا
قَالُوا ذَلِكَ فَقُولُوا: اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ
وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أحد " [ رواه
أبو داود وحسنه الألباني ]، فثبتوا التوحيد عباد الله
في القلوب وادفعوا الشبهات بتدبر معاني هذه السورة العظيمة التي تعدل ثلث القرآن .
فاللهم إنا نسألك بأنا نَشْهَدُ أنك أنت الله الذي لا إله إلا أنت الأحد الصمد،
الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد، أن ترزقنا فهم كلامك، وتدبر معانيه والعمل
بما فيه وأن تجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهلك وخاصتك يا رب العالمين.
اللهم إنا عبيدك، بنو عبيدك، بنو إمائك، نواصينا بيدك، ماض فينا حكمك،
عدل فينا قضاؤك، نسألك اللهم بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو
علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك؛ أن تجعل القرآن العظيم ربيع
قلوبنا، وجلاء أحزاننا، وذهاب همومنا وغمومنا. اللهم علمنا منه ما جهلنا وذكّرنا منه
ما نسينا، وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار على الوجه الذي يرضيك عنا، يا أرحم
الراحمين
اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك، وفجاءة نقمتك، وجميع
سخطك. اللهم إنا نعوذ بك من جهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء
.
اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما
تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، اللهم متعنا بأسماعنا،
وأبصارنا، وقوتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا
على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، وﻻ مبلغ علمنا،
وﻻ تسلط علينا من ﻻ يرحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين .
اللهم ارزقنا خشيتك في الغيب والشهادة، وكلمة الحق في الغضب والرضا،
والقصد في الفقر والغنى، ونسألك نعيما لاينفد
وقرة عين لاتنقطع، ونسألك الرضا بعد القضاء وبرد العيش بعد الممات ولذة النظر إلى وجهك
الكريم والشوق إلى لقاءك في غير ضراء مضرو ولا فتنة مضلة يا أرحم الراحمين.
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم إنا نسألك فعل
الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وأن تغفر لنا وترحمنا، وإذا أردت بقوم فتنة
فتوفنا إليك، ونحن غير مفتونين برحمتك يا أرحم الراحمين.
ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا
غلا للذين آمنُوا ربنا إنك رءوف رحيم . ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة
وقنا عذاب النار.
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت
الوهاب.
ربنا اغفر لنا ولوالدينا
وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك قريب مجيب الدعوات.
عباد الله: اذكروا
الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .
وللمزيد من الخطب السابقة
للشيخ صلاح العريفي تجدها هنا:
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=121
|