اقرؤا (( قل هو الله أحد ))
30-05-1439هـ
الْحمد لله الواحد الأحد الصمد ، الذي لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له
كفواً أحد ، أشهد أن لا إله إلا هو تعالى وتقدس وبالكمال والجلال تفرد ، وأشهد أن محمداً
عبد الله ورسوله ، خير من وحد وتعبّد ، وركع لربه وسجد ، وأفضل مَنْ نصح لأمتهِ وأرشد
، صلى الله عليه ، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً مزيداً ، أما بعد :
فاتقوا الله عباد الله ،
واعلموا أن أعظم خصال التقوى ، إخلاص العبادة لله ، ( التوحيد الذي هو حق الله الأعظم
على العبيد ) ، يقول ربنا المجيد : (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي
خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ )) وعبادة الرب
وحده هي التوحيد ، والتوحيد هو الإخلاص .
عباد الله : وإن مما يبين ويؤكد عظيم
شأن التوحيد وفضله ، ما ورد في فضائل الآيات والسور التي موضوعها التوحيد ، فأعظم سورة
في القرآن هي الفاتحة وفيها تقرير أنواع التوحيد الثلاثة بأقصر عبارة ، وهي دعاء ،
والدعاء هو العبادة ، وعبادة الله وحده هي التوحيد .
وأعظم آية في القرآن آية الكرسي ، وكلها في التوحيد .
ومن ذلك أيضاً عباد الله : ما ورد في فضائل سورة (( قل هو الله أحد )) سورة الإخلاص والتوحيد ،
فعلى الرغم من قصرها وقلة آياتها إلا أنها تعدل ثلث القرآن في فضل قراءتها .
أيها المسلمون : أين نحن عن هذه السورة العظيمة
(( قل هو الله أحد )) ؟ ، أين نحن عن الإكثار من تلاوتها بتدبر وتفهم ؟
ما جاء في السورة من فضائل يجعلنا لا نفتر عن تلاوتها . فمما ورد في فضلها
:
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوماً لأصحابه: «أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ
أَنْ يَقْرَأَ فِي لَيْلَةٍ ثُلُثَ الْقُرْآنِ؟» قَالُوا: وَكَيْفَ يَقْرَأْ ثُلُثَ
الْقُرْآنِ؟ قَالَ: «قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ» متفق عليه
.
وسمع رجلٌ من الصحابة رجلاً آخر يقرأ : ((قل هو الله أحد)) يردّدها [
في الليل ] ، فلما أصبح جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ترداد الرجل لها ، وكأنه
يتقالّها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث
القرآن )) رواه البخاري .
فمن منا يقرأ السورة في كل ليلة ثلاث مرات بنية أن يكتب الله له فضل قراءة
القرآن كاملاً ، فيا لله ، كم من فضائل نضيعها بالغفلة عن العمل .
والسبب في كون سورة ( قل هو الله أحد ) ثلث القرآن بينه النبي صلى الله
عليه وسلم بقوله : (( إن الله جل وعزّ جزَّأ القرآن ثلاثة أجزاء ، فجعل (قل هو الله
أحد) جزءاً من أجزاء القرآن)) رواه مسلم .
قال بعض أهل العلم : فثلُثُ أحكام (أوامر ونواهي) ، وثُلُثُه وعد ووعيد
، والثلث الثالث توحيد وأسماء لله وصفات ؛ و(( قل هو الله أحد )) جاءت بالثلث الثالث
، فقد أنزلها الله للتعريف بنفسه لما سأل المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا
: انسب لنا ربك .
عباد الله : ومما جاء في فضل ( قل هو الله أحد ) : أن حبها وكثرة تلاوتها كانت سببا في حب الله لرجل من الصحابة ، فقد جاء
في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم أمَّر رجلاً على سرية ، وكان يؤمهم في صلاتهم
فيختم قراءته في كل ركعة بـ(قل هو الله أحد) ، فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي صلى الله
عليه وسلم فقال: (سلوه لأي شيء يصنع ذلك ؟ ) فسألوه ، فقال: لأنها صفة الرحمن ، وأنا
أحب أن أقرأ بها ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (أخبروه أن الله تعالى يحبه) .
ومما جاء في فضلها أن حبها وكثرة تلاوتها كانت
سبباً في تبشير النبي صلى الله عليه وسلم لرجل بالجنة ، في قصة الرجل من الأنصار الذي
كان يؤم قومه في مسجد قباء حيث كان يفتتح قراءتة في كل ركعة بعد الفاتحة بـ ( قل هو
الله أحد ) ثم يقرأ بعدها ما تيسر ، فلما أتاهم النبي صلى الله عليه وسلم زائراً أخبروه
خبر إمامهم ، فقال عليه الصلاة والسلام : (يا فلان ما حملك على لزوم هذه السورة في
كل ركعة ؟) قال : إني أحبها ، فقال عليه الصلاة والسلام : (حبك إياها أدخلك الجنة)
.
ويؤكد أن هذا الفضل ليس خاصاً بهذا الرجل : ما رواه الإمام مالك عن أبي هريرة رضي الله
عنه قال : أقبلت مع النبي صلى الله عليه وسلم فسمع رجلاً يقرأ (قل هو الله أحد) فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم : (وجبت) قلت : وما وجبت ؟ قال: (الجنة) [ورواه الترمذي والنسائي] .
ومن فضائل هذه السور العظيمة أنها تحفظ العبد من كل شر بإذن الله مع المعوِّذتين : روى الإمام أحمد
عَنْ مُعَاذِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ خُبَيْبٍ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : أَصَابَنَا طَشٌّ
وَظُلْمَةٌ ، فَانْتَظَرْنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُصَلِّيَ
لَنَا ، فَخَرَجَ فَأَخَذَ بِيَدِي فَقَالَ : " قُلْ ". فَسَكَتُّ. قَالَ:
" قُلْ ". قُلْتُ: مَا أَقُولُ ؟ قَالَ: " قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ،
وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ حِينَ تُمْسِي، وَحِينَ تُصْبِحُ ثَلَاثًا تَكْفِيكَ ، كُلَّ
يَوْمٍ )) رواه أبو داود والترمذي والنسائي، وفي رواية النسائي: (تكفِكَ كل شيء).
ومن الفضائل العظام لهذه السورة ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((مَنْ قَرَأَ قُلْ
هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ حَتَّى يَخْتِمَهَا عَشْرَ مَرَّاتٍ بَنَى اللَّهُ لَهُ قَصْرًا
فِي الْجَنَّةِ)) فَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: "إِذَنْ أَسْتَكْثِرَ يَا رَسُولَ
اللَّهِ"، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((اللَّهُ
أَكْثَرُ وَأَطْيَبُ)) [رواه الإمام أحمد والدارمي،
وصححه الألباني ].
فاللهم نسألك حبك وحب من يحبك وحب العمل الذي يقربنا لحبك، . باركَ
اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم، وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه
مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ الْحَكِيم، أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ
لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ
الرَّحِيم.
الخطبة الثانية
الْحمدُ للهِ الدَّائمِ توفيقُه, المتواترِ عطاؤُه وتسديدُه, وأشهدُ
أنْ لا إلهَ إلاَّ الله وحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ تَعظِيماً لشأنه، وَأَشْهَدُ أنَّ مُحمّدًا
عَبدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي لِرِضْوَانِهِ، وَالْهَادِي إِلَى إِحْسَانِهِ،
صَلّى اللهُ عَلْيِهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسلّمَ تَسْلِيماً كَثِيْراً
إِلَى يِوْمِ لِقَائِهِ . أما بعد:
أيها المسلمون : من فضائل سورة ( قل هو الله
أحد ) أن فيها الاسم الأعظم ، الذي إذا دعي الله به استجاب ، وإذا سئل به أعطى
فقد روى الإمام أحمد عن عَبْدُ اللهِ بْنُ بُرَيْدَةَ ، عَنْ أَبِيهِ،
قَالَ: سَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا يَقُولُ: اللهُمَّ
إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنِّي أَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا
أَنْتَ. الْأَحَدُ الصَّمَدُ الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ
كُفُوًا أَحَدٌ. فَقَالَ: " قَدْ سَأَلَ اللهَ بِاسْمِ اللهِ الْأَعْظَمِ الَّذِي
إِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى، وَإِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ " ورواه أصحاب السنن،
وصححه الألباني .
فتوسلوا إلى الله في دعائكم بهذه الوسيلة التي فيها اسم الله الأعظم
عباد الله : ذكرت لكم بعض ما صح أو قارب
الصحة مما ورد في فضل السورة ، حتى يعمل مريد الفضائل بيقين ووثوق .
وكم من أذكار وأوراد يرددها بعض الناس ليس عليها برهان صحيح لا من كتاب
ولا من سنة .
فأكثروا عباد الله من تلاوة ( قل هو الله أحد
) في فراغكم في ليلكم ونهاركم ، وفي مساجدكم وبيوتكم ، وفي السوق أو في العمل أو في
السيارة ، وفي الْمناسب من الأوقات والأحوال ، فبترداد تلاوتها تحصل الفضائل ، وهي
من أقوى المثبتات لجذور التوحيد في القلب ، وما أعظم أثرها وأكبر نفعها لقلب تسلطت
عليه الوساوس في شأن الرب جل وعلا .
وسأفرد خطبة قادمة إن شاء الله في تفسير السورة وبيان مقاصدها وهداياتها
.
اللهم إنا عبيدك، بنو عبيدك، بنو إمائك، نواصينا بيدك، ماض فينا حكمك،
عدل فينا قضاؤك، نسألك اللهم بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو
علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك؛ أن تجعل القرآن العظيم ربيع
قلوبنا، وجلاء أحزاننا، وذهاب همومنا وغمومنا. اللهم علمنا منه ما جهلنا وذكرنا منه
ما نسينا، وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار على الوجه الذي يرضيك عنا، يا أرحم
الراحمين
اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك، وفجاءة نقمتك، وجميع
سخطك. اللهم إنا نعوذ بك من جهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء
.
اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما
تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، اللهم متعنا بأسماعنا،
وأبصارنا، وقوتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا
على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، وﻻ مبلغ علمنا،
وﻻ تسلط علينا من ﻻ يرحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين .
اللهم ارزقنا خشيتك في الغيب والشهادة، وكلمة الحق في الغضب والرضا،
والقصد في الفقر والغنى، ونسألك نعيما لاينفد
وقرة عين لاتنقطع، ونسألك الرضا بعد القضاء وبرد العيش بعد الممات ولذة النظر إلى وجهك
الكريم والشوق إلى لقاءك في غير ضراء مضرو ولا فتنة مضلة يا أرحم الراحمين.
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم إنا نسألك فعل
الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وأن تغفر لنا وترحمنا، وإذا أردت بقوم فتنة
فتوفنا إليك، ونحن غير مفتونين برحمتك يا أرحم الراحمين.
ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا
غلا للذين آمنُوا ربنا إنك رءوف رحيم . ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة
وقنا عذاب النار.
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت
الوهاب.
ربنا اغفر لنا ولوالدينا
وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك قريب مجيب الدعوات.
عباد الله: اذكروا
الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .
وللمزيد من الخطب السابقة
للشيخ صلاح العريفي تجدها هنا:
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=121 |