من أسباب نيل رضى الله تعالى
14 /1 / 1441هـ
إِنَّ
الحمدَ للهِ نحمدُهُ ونستَعينُهُ ونستَغفرُهُ، ونعوذُ باللهِ من شرُورِ أنفسِنا
وسيئاتِ أعمالنا، منْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومنْ يضللْ فلا هاديَ له، وأشهدُ
أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ، وأشهدُ أن محمّداً عَبدُهُ ورسولُهُ
(( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا
تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ )) (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا
رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا
وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي
تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا )) (( يَا
أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ
لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ
وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا
)) .
أما بعد: فإن خير الكلام كلام الله ، وخير الهدي
هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة
ضلالة .
((أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَن بَاءَ
بِسَخَطٍ مِّنَ اللَّه؟)) لا يستوون عند الله يا عباد الله، من اتبع رضوان الله مسترشداً
بنور الوحيين سيهديه الله إلى سبل السلام وإلى صراطه المستقيم الموصل إلى جنات النعيم،
من طلب رضا ربه بأسبابه
سينال الرضا لأن رضا الرب غاية تدرك، فكونوا عباد الله ممن ((يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ
مَرْضَاتِ اللَّهِ)).
ولقد أرشدتنا نصوص الوحيين
إلى جملة من أسباب نيل رضا الله...
ــ أولها: الإيمان والتوحيد
والإخلاص، فإنها أصلُ وأساسُ مراضي الله، فلا يرضى الله من العقائد غير عقيدة التوحيد
والإخلاص، ولم يخلق الله الجن والإنس إلا لتحقيقها، ولم يأمرهم إلا بها ((وَمَا أُمِرُوا
إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ
وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ)) وقد وعد الله المخلص بأنه سيرضيه،
الذي يعبد الله ((وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَىٰ () إِلَّا ابْتِغَاءَ
وَجْهِ رَبِّهِ الأعلى () وَلَسَوْفَ يَرْضَىٰ )).
ــ عباد الله: ومن أجلِّ
أسباب رضى الله تعالى: اتباع طريقة السلف الصالح، محمدٍ صلى الله عليه وسلم وأصحابِه،
اتباعُهُم بإحسان في الاعتقاد والعبادة والأخلاق والمعاملة، قال الله تعالى: ((وَالسَّابِقُونَ
الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا
الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ))
فهذه هي السلفية الحقة،
فلا يرضى الله غير الطريقة السلفية طريقاً موصلاً إليه،
لا يرضى الله الطرق الحزبية والطرق الصوفية المبتدعة
التي تخالف طريق محمد وأصحابه في العقيدة والتعبد والإصلاح والدعوة، فهي طرق غير موصلة
إليه ولا إلى مرضاته.
وقد ظهر في زماننا أحزاب
وطرق انحرفت عن طريقة السلف الصالح، وتمارس إيهام الناس بأنهم على الحق وطريق مستقيم،
فاغتر كثير من الناس بهم.
وهذا يوجب علينا جميعاً
أن تعلم منهج السلف الصالحين وطريقة السابقين الأولين لنعرف الحق وأهله ونتبعه، ونحذر
من المُبْتَدَع ونجانب المبْتَدِعين.
ولا عذر لترك الطريقة
السلفية المحمدية وترك الانتساب إليها بوجود أقوام تسموا بالسلفيين ولم يمتثلوا منهج
السلف الصالح بإحسان، فالسلفية بريئة ممن انتسب إليها ولم يتمثلها بإحسان.
ومن أسباب رضى الله:
الصدق مع الله في الأقوال والأفعال وفي نصرة الله ورسوله: ((قَالَ اللَّهُ هَٰذَا يَوْمُ
يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ
خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ
الْعَظِيمُ)) وقال تعالى: ﴿لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ
تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ
وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً﴾
(فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ)
علم الله ما في قلوب الصحابة يوم الحديبية من الصدق في نصرة دينه والوفاء بما يبايعون
عليه رسوله، وصدقهم في بيع أنفسهم في سبيل ذلك، فرضي تبارك وتعالى عنهم.
والصدق مع الله: هو
بذل الجهد واستفراغ الوسع وجَمْعُ الإرادة على تنفيذ مراد الله وما يرضيه، مع الإخلاص
والتوحيد، ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ))
ومن أسباب رضى الله:
الرضا بقضاء الله وقدره، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن عظم الجزاء مع عظم البلاء،
وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط) الترمذي وحسنه،
وصححه الألباني، الصحيحة.
والرضا درجة أرفع من
درجة الصبر، فهو صبر وزيادة عليه عدم التألم وعدم التضايق من قضاء الله وتقديره واختياره.
ومن أسباب رضا الله:
العناية بحفظ كتاب الله وفهمه والعمل به، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: (يَجِيءُ القُرْآنُ يَوْمَ القِيَامَةِ ويلقى صاحبه فَيَقُولُ: يَا رَبِّ
حَلِّهِ، فَيُلْبَسُ تَاجَ الكَرَامَةِ، ثُمَّ يَقُولُ: يَا رَبِّ زِدْهُ، فَيُلْبَسُ
حُلَّةَ الكَرَامَةِ، ثُمَّ يَقُولُ: يَا رَبِّ ارْضَ عَنْهُ، فَيَرْضَى عَنْهُ، فَيُقَالُ
لَهُ: اقْرَأْ وَارْقَ، وَيُزَادُ بِكُلِّ آيَةٍ حَسَنَةً) حسن رواه الترمذي والحاكم.
فكونوا عباد من أصحاب
الله كتاب الله، واحرصوا على إلحاق أبنائكم بحلقات تحفيظ القرآن مع بداية العام فبهذا
تحفظونهم من الانحراف، وتسلكونهم في سبيل رضا الله.
ــ ومن أسباب رضا الله:
التسبيح بحمد الله آناء الليل وأناء النهار وأطرافهما، قال الله تعالى: ((وَسَبِّحْ
بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ
فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى)) قرأ الكسائي وشعبة عن عاصم
(لَعَلَّكَ تُرْضَى) بضم التاء، أي يرضاك الله تعالى، وقيل: لعلك تُرْضَى بالشفاعة.
ــ ومن أسباب رضا الله:
سؤال الله رضاه، وسؤاله التوفيق لما يحبه ويرضاه، فمن أدعية الكتاب لمن بلغ الأربعين:
((رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ
وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ)) ودعا به نبي الله سليمان عليه السلام
وجاء عن النبي صلى
الله عليه وسلم أن من دعائه: (اللهم زدنا ولا تنقصنا، وأكرمنا ولا تهنا، وأعطنا ولا
تحرمنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، وأرضنا وأرض عنا) [رواه الترمذي، والنسائي
فى الكبرى، وأحمد، وصححه أحمد شاكر، وضعفه الألباني].
ومن الدعاء الوارد:
الاستعاذة برضا الله من سخطه فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في سجوده في صلاة
الليل: (اللَّهُمَّ إني أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ،
وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ لاَ أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى
نَفْسِكَ) مسلم. وورد أنه كان يقوله في آخر وتره.
بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة، ونفعني الله
وإياكم بما فيهما من الآيات والحكمة ، واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور
الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ على إحسانِه،
والشكرُ له على توفيقِه وامتِنانِه، وَأَشهَدُ أَن لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ
لا شَرِيكَ لَهُ تعظيمًا لشأنِه، وأَشهدُ أنَّ نبيَّنا مُحمَّدًا عَبدُهُ وَرَسُولُه
الدَّاعِي إِلى رِضْوَانِهِ، صلِّى اللهُ عليه وعلى آلِه وَأصحابِه وَإِخْوَانِهِ وسلِّمَ
تَسلِيماً كَثِيراً . أما بعد::
ومن أسباب رضا الله:
أعمال وآداب شرعية نبوية متنوعة
منها: تعويد اللسان
على الكلام الطيب الذي يرضي الله، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الرجل ليتكلم
بالكلمة من رضوان الله عز وجل، ما يظن أن تبلغ ما بلغت، يكتب الله عز وجل له بها رضوانه
إلى يوم القيامة) صحيح رواه أحمد
فمن عود نفسه على الكلام
الطيب نطق به دائما، ربما وهو لا يشعر.
ومنها: حمد الله وشكره
على النعم؛ قال الله تعالى: ((وإن تشكروا يرضه لكم))، وقال صلى الله عليه وسلم: (إن
الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها، أو يشرب الشربة فيحمده عليها) رواه
مسلم
ومنها: إنقاء الفم باستعمال
السواك، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال عن السواك: (مطهرة للفم، مرضاة للرب) البخاري،
وذلك لأن الفم طريق ذكر الله وكلامه.
وبالجملة عباد الله:
من تتبع رضوان الله وقف على أسباب أخرى غير ما ذكرت، وكل ما ورد في الكتاب والسنة أنه
من محبوبات الله فهو من أسباب رضاه، ويجمعها (تقوى الله) فأهل التقوى هم أحباب الله
الذين يرضى عنهم
((قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم
بِخَيْرٍ مِّن ذَٰلِكُمْ ــ خير من متاع الحياة الدنيا وشهواتها ــ لِلَّذِينَ
اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ
فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّه وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ))
اللهم أرضنا وارض عنا، اللهم أوزعنا أن نشكر نعمتك التي أنعمت علينا
وعلى والدينا وأن نعمل صالحاً ترضاه.
اللهم وفق إمامنا وولي أمرنا لما تحب وترضى. وارزقه البطانة
الصالحة التي تعينه على الخير وتدله عليه يا رب العالمين.
اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يُعز فيه أهل طاعتك ويُهدى فيه أهل
معصيتك ويُؤمر فيه بالمعروف ويُنهى فيه عن المنكر يا ذ الجلال والإكرام ، اللهم
اكفنا واكف بلادنا شر الأشرار وكيد الفجار يا عزيز يا جبار ، اللهم من أرادنا
وديننا وأخلاقنا بسوءٍ فعليك به اللهم اشغله بنفسه واجعل كيده في نحره وتدبيره في
تدميره يا قوي يا عزيز اللهم من حمل علينا السلاح فاقتله بسلاحه واكف المسلمين شره
بما شئت إنك أنت السميع العليم .
اللهم قوِّ المجاهدين في سبيلك، واربط على قلوبهم، وصوب رميهم ورأيهم،
وسدد سهمهم.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم
والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات ربنا تب علينا إنك أنت التواب الرحيم، ربنا
تقبل منا إنك أنت السميع العليم.
اللهم صلّ وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصبحه أجمعين وآخر دعوانا
الحمد لله رب العالمين.
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ صلاح العريفي تجدها هنا:
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=121
|