فضل السلامة من الشرك
7/شعبان/1440هـ
إِنَّ
الحمدَ للهِ نحمدُهُ ونستَعينُهُ ونستَغفرُهُ، ونعوذُ باللهِ من شرُورِ أنفسِنا
وسيئاتِ أعمالنا، منْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومنْ يضللْ فلا هاديَ له، وأشهدُ
أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ، وأشهدُ أن محمّداً عَبدُهُ ورسولُهُ (( يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا
وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ
)) (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ
اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا
زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ
الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ
رَقِيبًا )) (( يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا
اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ
لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا
عَظِيمًا ))
، أما بعد: فإن خير الكلام كلام الله ،
وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ،
وكل بدعة ضلالة .
أيها
المسلمون: حق الله الأعظم على العباد: (أَنْ يَعْبُدُوا اللّهِ وَلاَ يُشْرِكُوا
بِهِ شَيْئاً) فما خلق الله العباد إلا لعبادته وتوحيده ((وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ
وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ))
وما
أنزل الله الكتب، ولا أرسل الرسل إلا من أجل الدعوة إلى التوحيد في العبادة
والدعوة إلى اجتناب الشرك.
فالشرك
ضد التوحيد ونقيضه، والشرك هو جعل شريك مع الله في عبادته وفيما هو من خصائصه
سبحانه، أو تسوية غيره به.
أيها
الناس: لم يرسل الله رسله إلى أهل الأرض إلا لما وقع بنو آدم في الشرك، وهذا يدل
على أن الشرك أبشع الذنوب وأقبحها وأكبرها وأبغضها إلى الله.
عباد
الله: الشرك ظلم عظيم لأنه ينافي الغاية من خلق الخلق، من يشرك بالله فقد ضل ضلالا
بعيدا، من يشرك بالله فقد افترى إثماً عظيماً، من يشرك بالله فقد حرم الله عليه
الجنة ومأواه النار.
ولقد
أوحي إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وإلى كل نبي: ((لَئِنْ أَشْرَكْتَ
لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ))، فخاف الأنبياء
الوقوع في الشرك
فهذا
إمام الموحدين إبراهيم الخليل عليه السلام خاف الشرك على نفسه وبنيه حتى أخذ يدعو
ربه ((وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ)) ويدعوا بالثبات على
التوحيد ((رَبّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَك وَمِنْ ذُرِّيَّتنَا أُمَّة
مُسْلِمَة لَك)) ووصى أبناءه بالثبات على التوحيد.
فلا
أحد يأمن البلاء بالشرك بعد إبراهيم عليه السلام؟
وكان
نبينا محمد صلى الله عليه وسلم خاتم المرسلين وسيد الموحدين يتعوذ بالله من
(الكفرِ والشِّرك ِوالنفاق والسُّمعةِ والرِّياءِ) حديث صحيح أخرجه ابن حبان من
حديث أنس وأصله في الصحيحين
وكان
عليه الصلاة والسلام يخاف على أصحابه وعلى أمته من الوقوع في الشرك خوفاً عظيماً،
فكان يقول صلى الله عليه وسلم: (إنَّ أخوفَ ما أخافُ علَيكم الشِّركُ الأصغرُ
قالوا: وما الشِّركُ الأصغرُ يا رسولَ اللَّهِ؟ قالَ: الرِّياءُ، يقولُ اللَّهُ
عزَّ وجلَّ إذا جزَى النَّاسَ بأعمالِهِمِ: اذهبوا إلى الَّذينَ كنتُمْ تُراءونَ
في الدُّنيا فانظروا هل تجدونَ عندَهُم جزاءً) حديث حسن أخرجه أحمد والبيهقي
والبغوي.
ويقول
أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: خرجَ علَينا رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ
وسلَّمَ ونحنُ نتذاكرُ المسيحَ الدَّجَّالَ فقالَ: ألا أخبرُكُم بما هوَ أخوفُ
علَيكم عندي منَ المسيحِ الدَّجَّالِ فقُلنا بلَى يا رسولَ اللَّهِ، فقالَ
الشِّركُ الخفيُّ أن يقومَ الرَّجلُ فيصلِّي فيزين صلاتَهُ لما يرَى من نظرِ
رجلٍ)) حديث حسن رواه ابن ماجه فلا يكاد يسلم أحد من الوقوع في السمعة والرياء إلا
عباد الله المُخْلَصين الذين توجهت هممهم لتجريد الإخلاص لله.
وفي
زمن فتنة الشاشات، وتصوير الصلوات والصدقات والطاعات يشتد الخطر على النفس من هذا
الشرك الخفي.
فأمْرٌ
خافه النبي صلى الله عليه وسلم علينا إلى هذا الحد، يجب أن نخافه نحن على أنفسنا
أشد الخوف ونعتني بالسلامة منه أعظم العناية، ولربما أن البعض لا يعلم ما الرياء
والسمعة، وهذا تقصير وغفلة.
عباد
الله: إذا كان الشركُ خفياً، فما المخرج منه وكيف السلامة؟ المخرج جاء عن الناصح
الأمين فيما
رواه معقل بن يسار رضي الله عنه أنه عليه الصلاة والسلام قال: يا أبا بكر
لَلْشِّرك فيكم أخفى من دبيبِ النَّملِ، والذي نفسي بيدِه، لَلشِّركُ أخْفى من
دَبيبِ النَّملِ، ألا أدُلُّك على شيءٍ إذا فعلتَه ذهب عنك قليلهُ وكثيرهُ؟ قل:
اللهم إني أعوذُ بك أن أشرِكَ بك وأنا أعلمُ، وأستغفِرُك لما لا أَعلمُ)) أخرجه
البخاري في الأدب المفرد وصححه الألباني
ففي
هذا الحديث ثلاث فوائد:
الأولى:
أن الشرك خفي جداً أخفى من دبيب النمل، وهذا يدعو للحذر الشديد والانتباه.
والثانية:
أن الإنسان قد يقع فيه وهو لا يدري، وهذا يدعو للخوف وتفقد النفس والمحاسبة.
والثالثة:
أن الدعاء المذكور يُذْهِبُ عن العبد قليلَ الشرك وكثيره، وهذا يحمل العبد على
الحرص على هذا الدعاء (اللهم إني أعوذُ بك أن أشرِكَ بك وأنا أعلمُ، وأستغفِرُك
لما لا أَعلمُ)
أيها
المؤمن بالله رباً، أيها الموحد المقر بالله إلهاً معبوداً. هل أنت سالم من الشرك
صغيره وكبيره؟ وهل تتفقد نفسك دائما لتطمئن على سلامتها من الشرك، كما تتفقد
سلامتها من الأمراض الجسدية؟
يا
عبد الله: افحص إيمانك، افحص توحيدك، لِألا تكون واقعا في الشرك وأنت لا تدري،
واجعل من همومك الكبيرة: السلامة من الشرك صغيره وكبيره.
عباد
الله: إن من أجل فضائل السلامة من الشرك: الفوز بمغفرة الله تعالى، والنجاة من
عذابه، (فحق العباد على الله ألا يعذب من لا يشرك به شيئاً) كما في الحديث المتفق
عليه، والله تبارك وتعالى يكرر مغفرته لعباده السالمين من الشرك في الدنيا مراراً،
وفي الآخرة ختاماً فيدخلهم دار رحمته وكرامته.
ــ
أما في الدنيا فيغفر الله للسالمين من الشرك في كل أسبوع مرتين، يومي الاثنين
والخميس يقول رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «تعرض الْأَعْمَال فِي كل
اثْنَيْنِ وخميس، فَيغْفر الله لكل امْرِئ لَا يُشْرك بِاللَّه شَيْئا، إِلَّا
امْرأ كَانَ بَينه وَبَين (أَخِيه) شَحْنَاء، فَيَقُول: اتْرُكُوا هذَيْن حَتَّى
يصطلحا» رَوَاهُ مُسلم، وتفتح في هذين اليومين أبواب الجنة تزامناً مع مغفرة الله.
ويخبرنا: ((أن الله عز وجل يطَلع
إلى جميع خلقه ليلة النصف من شعبان، فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن)) حديث
صحيح، صححه جمع من المحدثين.
فالسالمون
من الشرك مغفور لهم في يومي الاثنين والخميس وفي ليلة النصف من شعبان إلا
المتشاحنين وهذا يدل أيضاً على خطورة التشاحن بين المؤمنين الموحدين.
فيا
عبد الله: أكرر السؤال عليك: هل أنت من السالمين من الشرك الفائزين بالمغفرة؟ هذا
السؤال موجه لك أنت، ولكل من يسمعه، فالكل مطالب بتفقد نفسه ومحاسبتها.
فيا
أيها الناس: ما دام أن ربنا الغفور الرحيم يكرر المغفرة للسالمين من الشرك، فإن
علينا أن نكرر المحاسبة لأنفسنا فنخلصها من الشرك صغيره وكبيره، وعلينا أن نتعلم
معنى الشرك لنجتنبه ونسلم منه ونتعلم معنى التوحيد لنحققه ونستقيم عليه، ونكون على
بينة من ديننا كما أمر الله ((فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ)).
بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة، ونفعني الله وإياكم بما فيهما
من الآيات والحكمة ، واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ على إحسانِه، والشكرُ له على توفيقِه وامتِنانِه، وَأَشهَدُ
أَن لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ تعظيمًا لشأنِه، وأَشهدُ
أنَّ نبيَّنا مُحمَّدًا عَبدُهُ وَرَسُولُه الدَّاعِي إِلى رِضْوَانِهِ، صلِّى
اللهُ عليه وعلى آلِه وَأصحابِه وَإِخْوَانِهِ وسلِّمَ تَسلِيماً كَثِيراً . أما
بعد:
أيها
المسلمون:
وأما
مغفرة الله للسالمين من الشرك في الآخرة فخبرها في الحديث القدسي الحسن يقول الله
تعالى: (يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الْأَرْضِ خَطَايَا
ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً).
فسيسعد
الذين ماتوا على السلامة من الشرك بالرحمات ومغفرة السيئات وإن كثرت وعظمت ما دام
أنها دون الشرك، قال الله في الكتاب: ((إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ
بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ))
ومن
ثم يدخلون الجنات يقول جابر بن عبد الله رضي الله عنه: أَتَى النبيَّ صَلَّى
اللَّهُ عليه وسلَّمَ رَجُلٌ فقالَ: يا رَسولَ اللهِ، ما المُوجِبَتانِ؟ فقالَ:
(مَن ماتَ لا يُشْرِكُ باللَّهِ شيئًا دَخَلَ الجَنَّةَ، ومَن ماتَ يُشْرِكُ
باللَّهِ شيئًا دَخَلَ النَّارَ) رواه مسلم.
فاللهم إنا نعوذ بك أن نشرك بك ونحن نعلم، ونستغفرك لما لا نعلم،
اللهم أحينا على التوحيد والسنة وأمتنا عليهما واجعل آخر كلامنا من الدنيا لا إله
إلا الله، اللهم أحينا على السلامة من الشرك وجنبنا وبنينا أن نعبد الأصنام.
اللهم استعملنا في طاعتك ووفقنا لما يرضيك عنا، اللهم بلغنا رمضان
، اللهم وفقنا لصيامه وقيامه على الوجه الذي يرضيك عنا يا أرحم الراحمين، اللهم
اجعل قدومه بشرى نصر وتمكين وعز للأمة الإسلامية، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا
بما علمتنا وزدنا علماً وفقهاً في دينك يا ذا الجلال والإكرام، اللهم افتح لنا من
خزائن رحمتك وتوفيقك يا خير الفاتحين، اللهم منزل الكتاب مجري السحاب هازم الأحزاب
اللهم قاتل الظلمة المعتدين الذين يصدون عن سبيلك ويقاتلون أولياءك، اللهم عليك بهم
إنهم لا يعجزونك، اللهم أنزل بهم نقمتك وأرنا فيهم عجائبك اللهم إنهم آذونا في
بلادنا وفي إخواننا وفي أموالنا، اللهم إنهم حاربوا دينك ومن تدين به ظاهراً
وباطناً اللهم سلّط عليهم من يسومهم سوء العذاب يا قوي يا متين، اللهم أنزل عليهم
رجزك وعذابك إله الحق، اللهم أنجِ المستضعفين من المؤمنين، اللهم ارفع البلاء عن
المستضعفين من المؤمنين، اللهم فرج عن إخواننا المؤمنين في الشام، اللهم ارحم
ضعفهم وتولَّ أمرهم واجبر كسرهم وعجّل بفرجهم ونفّس كربهم، اللهم أحقن دماءهم
واستر عوراتهم وآمن روعاتهم اللهم وارحم ميّتهم واشف مريضهم وأطعم جائعهم واكسِ
عاريَهم واحمل فقيرهم وثبت أقدامهم وكن لهم عوناً ونصيراً ومؤيداً يا ذا الجلال
والإكرام يا أرحم الراحمين يا حيّ يا قيوم، اللهم آمنّا في أوطاننا ودورنا وأصلح
أئمتنا وولاة أمورنا, اللهم وفقهم لما تحب وترضى وخذ بنواصيهم للبر والتقوى يا ذا
الجلال والإكرام .
اللهم فرج هم المهمومين من المسلمين، واقض الدين عن المدنين، اللهم
لا تقتلنا بعذابك ولا تهلكنا بغضبك وعافنا بين ذلك، اللهم اشف مرضانا وارحم موتانا
وتولّ أمرنا وأصلح أعمالنا وأحوالنا وقلوبنا، ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين
سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا، ربنا اغفر لنا ولوالدينا
وللمؤمنين يوم يقوم الحساب، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك
رحمة إنك أنت الوهاب ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار .
عباد الله: اذكروا الله
يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .
وللمزيد من
الخطب السابقة للشيخ صلاح العريفي تجدها هنا:
http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=121
|