لا
مَانِعِ لِمَا أعْطَيْتَ وَلا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ
إِنَّ الحَمدَ للهِ، نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ،
وَنَعوذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا، مَنْ
يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ
أَنْ لا إلهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا
عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ
تسلِيماً كَثِيراً. أمّا بعد،
عِبادَ اللهِ: اتَّقُوا اللهَ تعالَى،
وحافِظُوا عَلَى إِيمانِكُمْ، واعْلَمُوا أَنَّه
كُلَّمَا قَوِيَ التَّوْحِيدُ في القَلْبِ، قَوِيَ تَّعَلُّقُهُ بِاللهِ
والثِّقَةُ بِهِ، وَسَلِمَ مِن الْمَخاوُفِ والقَلَقِ والهُمُومِ والأَوْهامِ.
وَلِذلكِ شَرَعَ اللهُ لِعِبادِهِ في اليَوْمِ واللَّيْلَةِ ما يُعَلِّقُ
قُلُوبَهُمْ بِرَبِّهِمْ، كَيْ تَطْمَئِنَّ قُلُوبُهُمْ وَتَقْوَى، فَلَا تَثِقُ
إلَّا بِاللهِ، وَلَا تَخَافُ وَلَا تَرْجُو سِواه.
فَمِنْ
ذَلِكَ: الأَذْكارُ بَعْدَ الفَراغِ مِن الصَّلاةِ، وأَوْرادُ الصَّباحِ والْمَساءِ
والنَّوْمِ. قالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْه: كانَ
رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، إذا فَرَغَ مِن الصَّلَاةِ وَسَلَّمَ قالَ: ( لَا إِلَهَ إلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ
وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، اللَّهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا
أَعْطَيْتَ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الجَدِّ مِنْكَ
الجَدُّ ).
وَمِنْ ذلك: ما
وَرَدَ في أَذْكارِ الصَّباحِ والْمَساءِ، قال عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ
رَضِيَ اللهُ عَنْه: كانَ نَبِيُّ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم إذا أَمْسَى قَالَ: (
أَمْسَيْنَا وَأَمْسَى الْمُلْكُ للهِ، والحَمْدُ
للهِ، لَا إِلَهَ إلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ
الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، رَبِّ أَسْأَلُكَ خَيْرَ مَا فِي
هذِهِ اللَّيْلَةِ، وَخَيْرَ مَا بَعْدَها، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا فِي
هَذِهِ اللَّيْلَةِ وَشَرِّ مَا بَعْدَهَا، رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ الكَسَلِ
وَسُوءِ الكِبَرِ، رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِن عَذَابٍ فِي النارِ، وَعَذَابٍ فِي
القَبْرِ ). وَإِذا أَصْبَحَ قَاَل ذَلِكَ أَيْضًا: ( أَصْبَحْنَا وَأَصْبَحَ الْمُلْكُ للهِ ).
وَمِنْ ذلكَ:
مَا وَرَدَ في أَذْكارِ النَّوْمِ، قال أبو هُريرَةَ رضي اللهُ عَنْهُ:
كَانَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يَأْمُرُنَا، إِذَا أَخَذْنَا
مَضْجَعَنَا، أَنْ نَقُولَ: ( اللَّهُمَّ رَبَّ
السَّمَاوَاتِ وَرَبَّ الأَرْضِ وَرَبَّ العَرْشِ العَظِيمِ، رَبَّنَا وَرَبَّ
كُلِّ شَيْءٍ، فَالِقَ الحَبِّ وَالنَّوَى، وَمُنْزِلَ التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ
وَالْفُرْقَانِ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ دَابَّةٍ أّنْتَ آخِذٌ
بِنَاصِيَتِها، اللَّهُمَّ أَنْتَ الأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ
الآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ،
وَأَنْتَ البَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ، اقْضِ عَنَّا الدَّيْنَ وَأَغْنِنَا
مِن الفَقْرِ ).
والأَذْكارُ والأَوْرادُ التي تُشْرَعُ في
اليَوْمِ واللَّيْلَةِ، أَكْثَرُ مِنْ ذلك.
وَهَذِهِ يا
عِبادَ اللهِ: أَمْثِلَةٌ فَقَطْ. وَكُلُّها
تَدُلُّ عَلَى التَّوْحِيدِ والتَّعَلُّقِ بِاللهِ وَتَفْوِيضِ الأَمْرِ إلَيْهِ،
وأَنَّ العَبْدَ إذا واظَبَ عَلَيْها، وَهُوَ مُوقِنٌ بِها، وَمُؤْمِنٌ بِمَا
دَلَّتْ عَلَيْهِ مِن الْمَعانِي، حَصَلَ لَهُ مِن الخَيْرِ مَا لا يَخْطُرُ
بِبالِهِ.
وَمِنْ
أَعْظَمِ ما يُعَلِّقُ القَلْبَ بِاللهِ، وَيُقَوِّي جانِبَ الثِّقَةِ بِاللهِ:
قَوْلُه تَعالى: ﴿ ما يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن
رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ
الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾. أيْ: مَا يَفْتَحِ اللهُ لِلناسِ مِنْ هِدَايَةٍ،
ورِزْقٍ، وَمَطَرٍ، وَصِحَّةٍ، وَعِلْمٍ، وَذُرِّيَّةٍ، صالِحَةٍ، وَرِفْقَةٍ
صالِحَةٍ، وَغَيْرِ ذلكَ مِنْ الرَّحْمَةِ والنِّعَمِ، فَلَا أَحَدَ كائِنًا مَنْ
كانَ أَنْ يُمْسِكَ هذه الرَّحْمَةَ. وَمَا يُمْسِكُ مِنْها وَيَمْنَعُ، فَلَا
أَحَدَ كائِنًا مَنْ كانَ، أَنْ يُرْسِلَها بَعْدَهُ، وَهُوَ العَزِيزُ القاهِرُ
لِكُلِّ شَيْءٍ، الحَكِيمُ الذي يُرْسِلُ الرَّحْمَةَ وَيُمْسِكُها وَفْقَ
حِكْمَتِهِ. وَهَذَا يُوجِبُ التَّعَلُّقَ بِاللّهِ تَعالَى، والِافْتِقَارَ
إِلَيْهِ مِنْ جَمِيعِ الوُجُوهِ، والثَّقَةَ بِهِ، والطُّمَأْنِينَةَ إِلَيْهِ،
وأَنْ لَا يَلْتَفِتَ العَبْدُ بِقَلْبِهِ إلى الْمَخْلُوقِ أَيًّا كانَ، لأَنَّ
مَفاتِيحَ الخَيْرِ ومَغالِقَه كُلَّها بِيَدِهِ وَحْدَه، لا يَمْلِكُها إلا هُو،
وأَنَّه ما شاءَ كانَ، وما لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، وأَنَّه لا مانِعِ لِما
أَعْطَى، ولا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعَ، وَأَنْ لَا يُدْعَى إلَّا هُوَ، وَلَا يُخافَ
وَيُرْجَى إلَا هُوَ، سُبْحانَهُ لَا إِلَهَ إلَّا هُوَ.
باركَ
اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم، وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه
مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ الْحَكِيم، أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ
لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ
الرَّحِيم.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ
للهِ عَلى إِحسانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوفِيقِهِ وَامتِنَانِهِ، وَأشهدُ أن
لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ تَعْظِيماً لِشَأَنِهِ، وَأشهدُ أنَّ مُحمّداً
عَبدُهُ وَرسولُهُ، صلى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلمَ تسليماً كثيراً . أَمّا
بَعدُ:
عِبادَ اللهِ:
إِنَّ ما سَمِعْتُمُوهُ مِن الأَدِلَّةِ، فَإِنَّها تُقَوِّي قَلْبَ الْمُؤْمِنِ
الذي حَيَّرَتْهُ هُمُومُ الحَياةِ ومَطالِبُها، وَتَحْصِيلُ مَنَافِعِهِ
الدِّينِيَّةِ والدُّنْيَوِيَّةِ. خُصُوصًا الشَّبابَ: فَإِنَّ مَحَبَّةَ
اللَّهْوِ، وَكَثْرَةَ مَطالِبِ الحَياةِ، وَقِلَّةَ الْمُوَجِّهِ والْمُعِينِ،
وَضَعْفَ جانِبِ اللَّجُوءِ إلى اللهِ، مَعَ الاسْتِهانَةِ في بَذْلِ الأَسْبابِ.
مِنْ العَوَامِلِ الرَّئِيِسِيَّةِ فِيما نَراهُ مِنْ تَقْصِيرٍ، إلا مَنْ رَحِمَ
الله.
فالواجِبُ: هُوَ خَلْعُ عَباءَةَ اليَأْسِ،
والتَّبَعِيَّةِ، والأَمانِي، فَإِنَّها رَأْسُ مالِ الْمَفالِيسِ.
والْبَسُوا لِباسَ التَّقْوَى، وَلِباسَ
القُوَّةِ، وَلِباسَ الثِّقَةِ بِاللهِ.
وابْذُلُوا أَسْبابَ التَّوْفِيقِ والهِدايَةِ،
وَأَسْبابَ صَلَاحِ أَمْرِ الدِّينِ والدُّنْيا.
وَلَا
تَلْتَفِتُوا إلى كَلَامِ الْمُتَشائِمِينَ، أَوْ مَنْ هَمُّهُمْ تَكْسِيرُ الْمَجادِيفِ،
وَتَثْبِيطُ العَزائِمِ. وَتَمَسَّكُوا بِالضَّماناتِ الإِلَهِيَّةِ، قال تعالى: ﴿
وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا *
وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ
حَسْبُهُ ﴾.
فَمَنْ
آمَنَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ، وَتَوَكَّلَ عَلَى اللهِ، وَحافَظَ عَلى الصَّلاةِ
مَعَ الجَماعَةِ، وَحافَظَ عَلَى الأَوْرادِ، وَبَرَّ والِدَيْهِ، وَوَصَلَ
رَحَمِهُ، وَبَذَلَ أَسْبابَ الرِّزْقِ الحَلَالِ، فَوَاللهِ لَنْ يَخِيبَ مَسْعاه،
وَلَنْ يَرَى إلَّا ما يَسُرُّهُ. لِأَنَّ هذا الضَّمانَ، مِن اللهِ وَحْدَه،
فَهُوَ ضَمانُ حَقٍّ وَصِدْقٍ.
اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الّذِي هُوَ عِصْمَةُ
أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ
لَنَا آخِرَتَنَا الّتِي إِلَيْهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلْ الحَيَاةَ زِيَادةً
لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلْ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ، اللهُمَّ
احفظْنا بالإِسلامِ قائمينَ واحفظْنا بالإِسلامِ قاعدِين واحفظْنا بالإِسلامِ
راقدِين ولا تُشْمِتْ بِنا أَعداءَ ولا حَاسِدِينَ، اللَّهُمَّ أَعِزَّ
الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِيْنَ، وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِيْنَ،
وَانْصُرْ عِبَادَكَ الْمُوَحِّدِيْنَ، اللهُمَّ أصلحْ أَحوالَ الْمُسْلِمِيْنَ،
اللهُمَّ عَليكَ بِالكفرةِ والْمُلِحِدِين الذَّين يَصدُّون عَن دِينِكَ وَيُقَاتِلُون
عَبادَك الْمُؤمِنين، اللهُمَّ عَليكَ بِهم فإنهمْ لا يُعجزونَكَ، اللهُمَّ زَلْزِل
الأرضَ مِن تحتِ أَقَدَامِهم، اللهُمَّ سلِّطْ عَليهم منْ يَسُومُهم سُوءَ العذابِ
يا قويُّ يا متين، اللهُمَّ احفظْ بلادَنا مِن كَيدِ الكَائِدِينَ وعُدْوانِ
الْمُعتدينَ، اللهُمَّ وَفِّقْ وُلاةَ أَمرِنا بِتَوفِيقِك، وَأَيِّدْهُم بِتأَييدِك،
وَاجْعَلْهُم مِن أَنصارِ دِينِك، وَارزقْهُم البِطانةَ الصَّالحةَ النَّاصِحةَ يَا
ذَا الجلالِ والإكرامِ، اللهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَالْمُؤْمِنِينَ
وَالْمُؤْمِنَاتِ، الأحْيَاءِ مِنْهُم وَالأمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيعٌ قَرِيبٌ
مُجِيبُ الدَّعَوَاتِ، ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ
إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ
أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾.
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ أحمد العتيق
تجدها هنا :
|