القَوْمُ
الذين بُعِثَ فيهِم النبيُّ صلى الله عليه وسلم
إِنَّ الحَمدَ للهِ، نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعوذُ
باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ
فَلا مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إِلا
اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ،
صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً. أمّا بعد،
عِبادَ الله:
اتقُوا اللهَ تعالى، واعْلَمُوا أَنَّ مِن أَعْظَمِ ما يُعِينُ على فَهْمِ
دَعْوَةِ التَوحيدِ، وحَقيقَةِ الشِّرْكِ، مَعْرِفَةَ حالِ المُشْرِكينَ الذين
بُعِثَّ فيهِم النبيُّ صلى الله عليه وسلم: فإِنَّهُم كانُوا يَعْرِفُونَ أَنَّ
اللهَ هو الخالِقُ الرازقُ المُحْيِي المُمِيتُ المُدَبِّرُ المُتَصَرِّفُ، (
وَلَئِنْ سَأَلتَهُم مَن خَلَقَهُم لَيَقُولُنَّ الله ), ( قُلْ مَن يَرْزُقُكُم
مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن
يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ المَيِّتَ مِن الحَيِّ وَمَنْ
يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقًولُونَ اللهُ ). وكانُوا يَتَقَرُّبُون إليهِ بِبَعْضِ
العِباداتِ. بَلْ كانَ فيهِم مَن يَعْبُدُ اللهَ وَحْدَه، وماتَ على التوحيدِ،
كَوَرَقةَ بنِ نَوفَلٍ، وزَيْدِ بنِ عَمْرِو بنِ نُفَيْل.
وكانُوا يَعْتِقِدُونَ اعْتِقادًا جازِماً،
بِأَنَّه عِنْدَ الشَدائِدِ والكُرُباتِ لا يُنْجِيهِم إلا الله، ولِذلكَ
يُخْلِصُونَ له الدعاءَ في الشِّدَةِ.
وكانُوا لا يَعْبُدُون الأصنامَ لِذواتِها،
وإِنَّما يَعْتَقِدُونَ أَنَّها واسِطَةٌ بينَهُم وبينَ الله، لأنَّهُم يَرَونَ
أَنَّ اللهَ لا يُوصَلُ إليهِ إلا عن طريقِ الواسِطَةِ، كَما قال تعالى: (
وَيَقُولُونَ هؤلاءِ شُفعاؤُنا عِنْدَ الله )، وقال تعالى عنهم: ( ما نَعْبُدُهُم
إلا لِيُقَرِّبُونا إلى اللهِ زُلْفا ) ، حيثُ جَعَلُوا اللهَ بِمَنْزِلَةِ أصحابِ
المناصِبِ مِن البَشَرِ، الذين لا يُوصَلُ إليهِمْ إلا بالواسِطَةِ، ولا
يَرُحَمُونَ حَتَّى يُسْتَرْحَمُون، ولا يَعْلَمُونَ أَحْوالَ الرَّعايا إلا
بِمُعِينِين، تعالى اللهُ عن ذلك عُلُوًّا كبيرا. فإنَّ اللهَ سَمِيعٌ قَريبٌ
مُجِيبٌ عَلِيمٌ حَلِيمٌ لَطِيفُ خَبيرٌ، يَسْمَعُ ضَجِيجَ الأصواتِ باخْتِلافِ
اللُّغاتِ على تَنَوُّعِ الحاجاتِ، فَلا يَشْغَلُهُ سَمْعٌ عَنْ سَمْعٍ، ولا
تُغْلِطُهُ المَسائِلُ، ولا يَخْفى عَلَيْهِ حَوائِجُ خَلْقِهِ، ولا يَتَبَرَّمُ بِإلحاحِ
المُلِحِّينَ في سُؤالِه، ولا يَرْضَى أَنْ يَكُونَ بَيْنَه وبَيْنَ عِبادِه
أَحَدٌ، فَمَن جَعَلَ بَيْنَه وبينَ اللهِ أَحَداً، سَخِطَ اللهُ عَلَيْه سَخْطَةً
لا يَرْضَى عَنْه أَبدًا حَتَّى يَتُوبَ، لأَنَّ اللهَ أَرْحَمُ مِن الوالِدَةِ
بِوَلَدها، وأَعْلَمُ بِعِبادِه مِن أَنْفُسِهِم. وكانَ بَعْضُ تِلْكَ الوسائِطِ
رجالاً صالحينَ، لَمَّا ماتُوا، غَلَوا فيهِم، وصَوَّرُوا لَهُم صُوَرًا وتَماثيلَ،
وعَكَفُوا عِنْدَ قُبُورِهِم، ثُمَّ عَبَدُوهُم - كاللاتِّ وَوَدٍّ وسُوَاعٍ
ويَعُوقَ ويَغُوثَ ونَسْرٍ - وكانُوا يَعْتَقِدُون بأَنَّ اللهَ هُو الذي
أَمَرَهُم بِاتِّخاذِ الوَسائِطِ، كما قال الله عَنْهُم: ( وَجَدْنَا عَلَيْهَا
آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا ). حيْثُ كانُوا يَعْتَقِدُونَ بِأَنَّ اللهَ
يُحِبُّ ذلك مِنْهُم، كَما هِيَ حالُ عُبَّادِ القُبُورِ اليومَ، حَيْثُ
يَعْتقِدُونَ بِأَنَّ فِعْلَهُم هذا مَحْبُوبٌ إلى اللهِ، لأنَّ فِيهِ تَعْظيماً
لِأَولياءِ اللهِ الصالِحين.
وكانُوا يَعْرِفونَ بِأَنَّ اللهَ قَدْ
بَعَثَ أَنبياءَ إلى أَقْوامِهِم، وَيَعْرِفُونَ إبراهِيمَ وإسماعِيلَ عَلَيهِما
السلام، بَلْ وَضَعُوا لَهُما صُورًا داخِلَ الكعبةِ. وكانُوا يَعْرِفُونَ بَعْضَ
قَصَصِ الأنبياءِ، كَما قالَ تعالى عِنْدَ ذِكْرِهِ قَوْمَ لُوطٍ وعُقُوبَتَهُم: (
وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِم مُصْبِحِين * وبِالَّليْلِ أَفَلا تَعْقِلُون
) ، فإنَّ الخِطابَ لِكُفَّارِ قُريشٍ، لِأَنَّهُم في سَفَرِهِم إلى الشامِ،
يَمُرُّونَ بِسَدُومَ، ذهاباً وإيَاباً، وهي دِيارُ قَومٍ لُوط.
هذه هي حالُهُم، خِلافاً لِمَا يَظُنُّه
كَثيرٌ مِن الناسِ، وخِلافاً لِمَا يُصَوِّرُهُ الإعْلامُ لِلناسِ عَبْرَ
المُسَلْسَلاتِ والأفلامِ التاريخِيَّةِ، مِن أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم،
بُعِثَ في أُناسٍ لا يَعْبُدُونَ إلا حَجَراً أو شَجَراً، عِبادَةً مُجَرَّدَةً،
ولا يُؤْمِنُونَ بِوَجُودِ رَبٍّ لِلنَّاسِ يَخْلُقُهُم ويَرْزُقُهُم، ويُغيثُهُم
عِنْدَ الشَّدائِدِ. ولا يَتَقَرَّبُونَ إِلى اللهِ بِشَيْءٍ مِن العِباداتِ، بَلْ
كانُوا يعْبُدُونَ اللهَ، ولكنَّهُمْ يَعْبُدُونَ مَعَه غَيْرَه، وكانُوا زِيادَةً
على ذلك: يُنْكِرُونَ البَعْثَ والحِسابَ والجَنَّةَ والنارَ، ولا يَرْضَونَ
التحاكُمَ إلا لِلأعْرافِ أَو الطَّواغِيتِ. وكانُوا يَحْتَجُّونَ بالقَدَرِ عَلى
مَعاصِيهِم، كما قال تعالى: ( سَيَقُولُ الذين أَشْرَكُوا لَو شَاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا
). كَما هي حالُ بَعْضِ عُصاةِ المُسْلِمينَ مَعَ الأسفِ، حَيْثُ يَقُولُونَ: لَو
شاءَ اللهُ ما عَصَيْناه.
باركَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم، وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ
بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ الْحَكِيم، أَقُولُ مَا تَسْمَعُون
وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ
إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية
الْحمدُ
للهِ ربِّ العَالَمِين, وَالعَاقِبةُ للمُتّقِين, وَلا عُدوانَ إِلا عَلَى
الظَّالِمين, وَأَشهدُ أنْ لا إِلهَ إِلا اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ, وَأَشهدُ
أَنَّ مُحَمّداً عَبدُهُ وَرَسُولُهُ, صَلَى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ
وَصَحْبِهِ وَسَلّمَ تَسلِيماً كَثِيراً. أما بعد:
إذا
عَرَفَ المُسْلِمُ ما تَقَدَّمَ، عَرَفَ السَّبَبَ الأَعْظَمَ الذي مِن أَجْلِهِ
أَرْسَلَ اللهُ الرُّسُلَ، وَعَرَفَ أَنَّ مُجَرَّدَ إرسالِ الرُّسُلِ إلى
أقْوامِهِم، كافٍ في إقامَةِ الحُجَّةِ عَلَيْهِم، وعَرَفَ أَنَّ التوحيدَ لَيْسَ
مُجَرَّدَ كَلِمَةٍ تُقالُ باللِّسانِ، وأَنَّ الشِّرْكَ لَيْسَ خاصًّا
بِالسُّجُودِ لِصَنَمٍ أو شَجَرٍ أَو حَجَرٍ. فإِنَّ التَوحيدَ هُو إِفْرادُ اللهِ
بِالعِباداتِ كُلِّها: مِن الصَّلَواتِ والدَّعَواتِ والذَّبْحِ والنَّذْرِ
والاستِعاذَةِ والاستِغاثَةِ والاسْتِعانَةِ والنَّذْرِ والطَّوافِ والخَوفِ
والرجاءِ والمَحَبَّةِ، مَعَ إِخْلاصِ أُمُورِ الإيمانِ والإسلامِ لله، والتي
أَساسُها، الإيمانُ بِاللهِ ورسولِه، والإيمانُ بالغَيْبِ، والتَسْليمُ
والانقِيادُ لله، فإنَّ هذا هُوَ الدِّينُ، الذي يَجِبُ أَنْ يَكُونَ للهِ وَحْدَه
لا شَريكَ له، فَمَن صَرَفَ شَيْئًا مِن هذا الدِّينِ لِغَيْرِ الله، فَهُوَ
مُشْرِكٌ كافِر.
اللهم احفظنا بالإسلامِ قائِمين, واحفظنا
بالإسلام قاعِدِين, واحفظنا بالإسلامِ راقدين, ولا تُشْمِت بِنا أعداءَ ولا
حاسِدين، اللهم أصلح قلوبنا وأعمالنا وأحوالنا، اللهم أصلح أحوال المسلمين، اللهم
أنزل على المسلمين رحمة عامة وهداية عامة يا ذا الجلال والإكرام، اللهم اجمع كلمة
المسلمين على كتابك وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، اللهم اجعل كلمتهم واحدة
ورايتهم واحدة واجعلهم يداً واحدةً وقوة واحدة على من سواهم، ولا تجعل لأعدائهم
منةً عليهم يا قوي يا عزيز، اللهم انصر المجاهدين في سبيلك في كل مكان، اللهم انصر
جنودنا المرابطين على عدوهم اللهم اربط على قلوبهم وثبت أقدامهم وانصرهم نصرا
مؤزرا واخلف عليهم خيرا، اللهم احفظ بلادنا من كيد الكائدين وعدوان المعتدين،
اللهم احفظ بلادنا مما يكيد لها، اللهم احفظ لهذه البلاد دينها وعقيدتها وأمنها
وعزتها وسيادتها، وأصلح أهلها وحكامها يا أرحم الراحمين، اللهم اغفر للمسلمين
والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات،
اللهم صلّ وسلم على نبينا محمد.
وللمزيد من
الخطب السابقة للشيخ أحمد العتيق تجدها هنا :
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=119
|