الدين
النصيحة
إِنَّ الحَمدَ للهِ، نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعوذُ
باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ
فَلا مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إِلا
اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ،
صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً. أمّا بعد،
أيها الناس: اتقُوا اللهَ تعالى، وأَخْلِصُوا
لَهُ العَمَل، واعْلَمُوا أَنَّكُم لَمْ تُخْلَقُوا إلا مِن أَجْلِ القِيامِ
بِحَقِّه سُبْحانَه، وبِالحُقُوقِ التي فَرَضَها عَلَيكُم وابْتَلاكُم بِها. ومِمَّا وَرَدَ في هذا البابِ العَظِيم، قَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: (
الدِّينُ النصيحة )، فقال الصحابةُ: لِمَن يا رسولَ الله؟ قال: ( لله، ولِكِتابِه، ولِرَسُولِه، ولِأَئِمَّةِ المُسْلِمين، وعامَّتِهِم ).
حّدِيثٌ عَظِيم، يَدُلُّ على أن النصيحةَ هِيَ
الدّينُ كُلُّه، وقِوامُه، وعِمادُه، وبِها يَصْلُحُ أَمْرُ العِبادِ، في دِينِهِم
ودُنْياهُم.
والنَّصِيحَةُ
يا عِبادَ الله، خِلافُ الغِشِّ. هي الإخلاصُ لِلمَنْصُوح، تَدُلُّ على
الإخلاصِ والتَّصْفِيَة، وتَدُلُّ أَيْضًا عَلَى إرادَةِ الخَيْرِ لِلمنْصُوح.
ولذلك جاءت في الحَديثِ بِلَفْظٍ أَشْمَلَ مِمَّا يَتَبادَرُ إلى الأَذْهانِ في
شأنِ النصيحة، مِن أَنَّها خاصَّةٌ بالتَّوْجِيهِ والإرشادِ والأَمْرِ والنَّهي، بَلْ هِي عامَّةٌ تَتَناوَلُ الدَّعْوَةَ وَغيْرَها مِمَّا يَتَعَلَّقُ
بِمَدْلُولِها، ولِذلكَ تَجِدُ الناسَ إذا رأَوا مَوَظَّفاً مُخْلِصاً في عَمَلِه، أمِيناً ومُجْتَهِداً، قالُوا: هذا مَوَظَّف ناصِح، حَتَّى وَلَو لَم يَبْذُلْ
نَصِيحَةً بِلِسانِه. وهكذا من كانَ عنده زوجةٌ بارَّة، قالوا: هذه زوجةٌ ناصحة.
والمُسْؤُولُ الذي يَقْضِي حاجاتِ الناسِ وَيَسْعَى في مَصالِحِهِم ولا يَحْتَجِبُ
عَنْهُم، يقالُ له: ناصِح.
فالنَّصِيحةُ كَلِمَةٌ
جامِعَةٌ، تَدُلُّ على حِيازَةِ النُّصْحِ لِلمَنْصُوح، وإرادةِ الخَيْرِ له.
فالنصيحةُ لله:
هي حُبُّهُ أكثَرَ مِن النفْسِ والأهلِ والمالِ والوَلَد، وتَوْحِيدُهُ، وَتَرْكُ
الشِّرْكِ صَغِيرِهِ وكَبِيرِه، وَوَصْفُهُ بِصِفاتِ الكَمالِ والجَلالِ
اللاَّئِقَةِ بِهِ، وتَنْزِيهُهُ عَمّا يُضادُّها ويُخالِفُها، وتَجَنُّبُ
مَعاصِيهِ، والقِيامُ بِطاعاتِهِ وما يُحِبُّهُ بِصِدْقٍ وإِخْلاص، والحُبُّ فِيهِ
والبُغْضُ فِيهِ، والدُّعاءُ إِلى ذَلِكَ والحَثُّ عَلَيْه.
والنصيحَةُ
لِكِتابِه: هي الإِيمانُ بِهِ، وأَنَّه كلامُ اللهَ، تَكَلَّمَ به
حَقِيقَةً، وتَعْظِيمُهُ وتَنْزِيهُهُ، وتِلاوَتُهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ، والوُقُوفُ
مَعَ أَوامِرِهِ ونَواهِيهِ، وتَفَهُّمُ عُلُومِهِ وأَمْثالِهِ، وتَدَبُّرُ
آياتِهِ، والدُّعاءُ إِلَيْهِ، وذَبُّ تَحْرِيفِ الغالِينَ وطَعْنِ الْمُلْحِدِينَ
عَنْه.
والنصيحةُ
لِرَسُولِه صلى الله عليه وسلم: هي الإِيمانُ بِهِ وبِما جاءَ بِهِ، وتَوْقِيرُهُ وتَبْجِيلُهُ والتَّمَسُّكُ بِطاعَتِهِ وإِحْياءُ سُنَّتِهِ
ونَشْرُها تَطْبِيقاً ودَعْوَةً، ومُعاداةُ مَنْ عاداهُ وعاداها، ومُوالاةُ مَنْ
والاهُ ووالاهَا، والتَّخَلُّقُ بِأَخْلاقِهِ والتَّأَدُّبُ بِآدابِهِ، ومَحَبَّةُ
آلِهِ وصَحابَتِهِ ونَحْوُ ذَلِك.
والنَّصيحَةُ
لِأَئِمَةِ المسلمين: تَشْمَلُ إِعانَتَهُم عَلَى الحَق، وتنبيهَهُم
وإرشادَهم بِرِفْق ولُطْفٍ ولِين. وعَدَمَ تَأْلِيبِ الناسِ وتَنْفِيرِهِم
مِنْهُم، أَو إيغارِ الصُّدُورِ وشَحْنِ النُّفُوسِ عَلَيهِم. ومَحَبَّةَ
اجِتِماعِ الناسِ عَلَيهِم. وتَحْريمَ الخُرُوجِ عَلَيهِم. والدُّعاءَ لَهُم. فإن
هذه الأمُورَ إذا اجتَمَعَت في المُسْلِم دَلَّ عَلى نُصْحِه لَهُم وسلامةِ
قَلْبِه وصفاءِ سَرِيرَتِه. خُصُوصاً في أزمِنَةِ الفِتَنِ والخَوفِ والأَزَماتِ، والتِباسِ الحَقِّ بالباطِلِ، وَوُجُودِ المُتَرَبِّصِين الساعِين في تَفْرِقَةِ
الجَماعَةِ، وإيغارِ الصُدُورِ، فإِنَّ مِن النَّصِيحَةِ أَنْ نَكُونَ كالأُسْرَةِ
الواحِدةِ، والبَيْتِ الواحِدِ، لأنَّ اللُّحْمَةَ والوُحْدَةَ تَظْهَرُ وَقْتَ
الشَّدَائِدِ والمِحَن، مَعَ بَعْضِنا، ومع علمائِنا ووُلاتِنا. لا نَسْمَحُ
لِأحَدٍ كائِنًا مَن كان أَنْ يُفَرقَ كلِمَتَنا أو يَمَسَّ دينَنا وأمنَنا. فإن
الجماعةَ رحمة، والفُرقةَ عذاب، ويدُ اللهِ مع الجماعة. وبهذا يظهرُ طِيبُ
النُفوسِ، وسلامةُ المعدنِ. وبهذا نُغِيضُ الأعداءَ والمُرْجِفِين
والمُتَرَبِّصِين بِنا الدَّوائِر. بِخِلافِ أَهْلِ النفاقِ والفُجُور والنُّفُوسِ
الخَبِيثَةِ، فإنَّهم يَنْتَهِزُون كُلَّ فُرْصَةٍ مِن خِلالِها يُفَرِّقُون
الكلِمَةَ، وَيَسْتَغِلُّون الفِتَنَ والمَخاوِفَ والأحداثَ بِزِيادَةِ
الإِرْجافِ، وإِفسادِ النُّفُوسِ على عُلَمائِها وَوُلاةِ أَمْرِها.
باركَ اللهُ لِي وَلَكُم
فِي القُرآنِ الْعَظِيم، وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ
وَالذّكرِ الْحَكِيم، أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم
وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ
للهِ عَلى إِحسانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوفِيقِهِ وَامتِنَانِهِ، وَأشهدُ أن
لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وَأشهدُ أنَّ مُحمّداً عَبدُهُ وَرسولُهُ،
صلى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلمَ تسليماً كثيراً . أَمّا بَعدُ
عبادَ الله: وأَما
النصيحةُ لِعامَّةِ المسلمين: وهُمْ هاهُنا مَنْ عَدَا أُولِي
الأَمْرِ: فالمُرادُ بِها: إِرْشادُهُمْ إِلى مَصالِحِهِمْ، وتَعْلِيمُهُمْ
أُمُورَ دِينِهِمْ ودُنْياهُمْ، وسَتْرُ عَوْراتِهِمْ، وسَدُّ خَلَّاتِهِمْ، ونُصْرَتُهُمْ عَلى أَعْدائِهِمْ، والذَّبُّ عَنْهُمْ، ومُجَانَبَةُ الغِشِّ
والحَسَدِ لَهُمْ، وأَنْ يُحِبَّ لَهُمْ ما يُحِبُّ لِنَفْسِهِ، ويَكْرَهَ لَهُمْ
ما يَكْرَهُهُ لِنَفْسِهِ، وأنْ يَعَوِّدَ لِسانَه على الدُّعاء للمسلمين، والاستِغْفارِ لَهُم، وأَن يَطَهِّرَ لِسانَه مِن الغِيبَةِ, والسَّبِّ واللَّعنِ
والنَمِيمَةِ.
ومِن أَعْظَمِ
النُّصْحِ لِعامَةِ المسلِمين: تذْكِيرُهُم بِأُصُولٍ أَربَعةٍ، وَعَظَ
بِها رسولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وسلَّمَ أَصْحابَه، مَوعِظَةَ مُوَدِّعٍ، أَخافتْ قُلُوبَهُم، وأَدْمَعَتْ أَعْيُنَهُم. نَحْتاجُ جَمِيعاً أَنْ
نَتَذاكَرَها، لِمَسِيسِ الحاجَةِ إلَيْها، في زَمَنٍ يَسْعَى فيهِ المُفْسِدُونَ
والمُغْرِضُونَ إلى إفسادِ عَقِيدَتِنا، وتَفْرِقَةِ كَلِمَتِنا، ومُحارَبَةِ
النِّعْمَةِ التي نَعِيشُها في هذه البلادِ حَماها الله، والتي مِن أَهَمِّها
اجْتِماعُ الكَلِمَةِ وَوِحْدَةُ الصَّفِّ.
وهذه الأصولُ:
أَوَّلُها: تَقْوَى اللهِ، وثانِيها: السَّمْعُ والطاعَةُ لِوَلِيِّ الأَمْرِ
المسلِمِ، وإِنْ كان عَبْدًا حَبَشِيًّا، لِأَنَّ صلاحَ أَمْرِ الدينِ والدنيا لا
يَكُونُ إلا بِالتَّقْوى والسَّمْعِ والطاعَةِ. وثالِثُها:
التَّمَسُّكُ بِما كانَ عَلَيْهِ النبيُّ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ وأصْحابُه، وعَلَى
رأسِهِم الخُلَفاءُ الراشِدُون. ورابِعُها:
تَرْكُ البِدَعِ والحَذَرُ والتحذيرُ مِنها.
اللهم
انْصُرْ بِنا دِينَك، وأَعْلِ بِنا كَلِمَتَك، وأَغِضْ بِنا أَعْداءَك، واجْعَلْنا
هُداةً مُهْتَدِين، اللهم
آتِ نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليّها ومولاها، اللهم خلصنا من
حقوق خلقك، وبارك لنا في الحلال من رزقك، وتوفنا مسلمين وألحقنا بالصالحين، اللهم
أصلح أحوال المسلمين، اللهم أصلح أحوال المسلمين حكاماً ومحكومين، اللهم إنا نعوذ
بك من جهد البلاء ودرك الشقاء وسوء القضاء وشماتة الأعداء، اللهم إنا نعوذ بك من
زوال نعمتك وتحول عافيتك وفجأة نقمتك وجميع سخطك، اللهم ارفع عنا الوباء والبلاء
يا أرحم الراحمين، اللهم احفظ بلادنا من كيد الكائدين وعدوان المعتدين، اللهم
أخرجها من الفتن والشرور والآفات ومن هذا البلاء، واجعلها أقوى مما كنت، وأمكن مما
كانت، وأغنى مما كانت، وأصلح مما كانت، اللهم أصلح أهلها وحكامها واجمع كلمتهم
وألف بين قلوبهم واجعلهم يدا واحدة على من عداهم يا قوي يا عزيز، اللهم اغفر
للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب
الدعوات ( وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ
وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ )
.
وللمزيد من الخطب
السابقة للشيخ أحمد العتيق تجدها هنا :
http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=119
|