الدَّعْوَةُ
التَّامَّة
إِنَّ الحَمدَ للهِ، نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعوذُ
باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ
فَلا مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إِلا
اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ،
صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً. أمّا بعد،
عِبادَ اللهِ: اتَّقُوا اللهَ تَعالى،
واعْلَمُوا أَنَّ مِن المَواعِظِ مَوْعظَةً تَتَكَرَّرُ عَلى مَسامِعِنا، خَمْسَ
مَرَّاتٍ في اليَوْمِ والَّليلَةِ، تَضَمَّنَتْ أَصْلَ دَعْوَةِ الرُّسُلِ،
وسَبِيلَ الفَوْزِ والفَلاحِ، وأَهَمِّيَّةَ الدَّعْوَةِ إلى التوحيدِ. إِنَّها
شَعِيرَةُ الأذانِ.
نَعَمْ !!! إِنَّها مَوْعِظَةٌ بَلِيغَةٌ،
ولكنَّ أَكْثَرَنا غافِلٌ عَنْها، وإِنْ كانَ يَسْمَعُها. مَعَ العِلْمِ أَنَّ
النبيَّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ سَمَّاها بِالدَّعْوَةِ التامَّة، وأَنَّ
اللهَ هُو صاحِبُها ومُشَرِّعُها، فقال: ( اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ
التَّامَّةِ )، أي الكامِلَةِ البَلِيغَةِ. السالِمَةِ مِنْ كُلِّ نَقْصٍ. حيْثُ
تَضَمَّنَت خَمْسَةَ أُمُورٍ:
أَوَلُها: وُجُوبُ إِعْلانِها عَلَى
مَسامِعِ الناسِ، فَهِيَ شَعِيرَةٌ ظاهِرةٌ، لا يَجُوزُ إِخْفاؤُها.
الثاني: أَنَّها بَدَأَتْ بِالتَّكْبِيرِ،
وخُتِمَتْ بِهِ: لِيَعْلَمَ المُسْلِمُ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ يَجِبُ أَنْ يَصْغُرَ
وَقْتَ الصلاةِ والوُقُوفِ بَيْنَ يَدَي اللهِ، فَلا يَبْقَى في قَلْبِ العَبْدِ
إلا ما يَتَعَلَّقُ بِهذِه العِبادةِ، وَكَيْ يَتَخَلَّى المؤمنُ عَنْ كُلِّ مَشاغِلِ
الدنيا، ويُفَرِّغَ نَفْسَه لِهذِه العِبادَةِ، لأنَّ ما يَتَعلَّقُ باللهِ
وطاعتِه أكبرُ وأَهَمُّ وأعظمُ مِنْ كُلِّ شَيءٍ.
الثالِث: النِّداءُ بمِفتاحِ الجنةِ، وهُو
الشهادتان، لِبيانِ أساسِ الدَّعْوةِ، وهو الأمْرُ بِإفرادِ اللهِ بالعبادِةِ،
وتَرْكِ عِبادَةِ ما سِواه، وَوُجُوبُ الإيمانِ بِالنبيِّ صلى الله عليه وسلم،
وتَصديقِه واتِّباعِه. مَعَ خِتامِها بِلا إلَهَ إلا الله. ليَعْلَمَ الناسُ أَنَّ
التَوحيدَ هُو أَوَّلُ الدِّينِ وآخِرُه، وظاهِرُهُ وباطِنُه، وأَوَّلُ
الدَّعْوَةِ وآخِرُها، وأَنَّ التَّذْكِيرَ بِه وبِمَعْناهُ وأَنْواعِهِ، وإنْكارَ
الشِّرْكِ ومعناه وأنواعِه، لابُدَّ وأَنْ يَكُونَ هاجِسَ كُلِ عالِمٍ وداعِيَةٍ
وَواعِظٍ وخَطيبٍ ومُعلِّمٍ. ولِذلكَ شَرَعَ اللهُ مُتابَعَةَ المُؤَذِنِ في كُلِّ
فَرْضٍ، مِن الفَجْرِ إلى العشاءِ، ولَيْسَ فَرْضًا واحِدًا، وفي كُلِّ يَومٍ،
ولَيْسَ يَومًا واحِدًا. قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ( إذا سَمِعْتُم
المؤذنَ فَقُولُوا مِثْلَ ما يَقُولُ، ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ، فإنَّه مَن صَلَّى
عَلَيَّ صَلاةً، صَلَّى اللهُ عَلَيْه بِها عَشْرا، ثُمَّ سَلُوا اللهَ لِيَ الوَسِيلَةَ،
فإنَّها مَنْزِلَةٌ في الجنةِ لا تَنْبَغِي إلا لِعَبْدٍ مِنْ عبادِ اللهِ،
وأَرْجُوا أَنْ أَكُونَ أنَا هُوَ، فَمَنْ سَأَلَ اللهَ لِيَ الوَسِيلَةَ، حَلَّتْ
لَه الشفاعَة ).
الرّابِع: بَيانُ سَبيلِ الفلاحِ والفَوزِ
والنَجاحِ، وهو قَوْلُ: ( حَيَّ عَلى الصَّلاةِ، حَيَّ عَلى الفلاحِ ) ، أي:
أَقْبِل بِعَجَل، لا تَتَأَخَّر، ولا تُسَوِّف، ولا تُؤَجِل، حَيَّ، وهَيَّا،
وانْهَضْ، وَقُمْ، وَتَوَجَّهْ، تَعَالَ
إلى الصلاةِ، أَقْبِل بِعَجَلٍ إلى الفَلاحِ، لأَنَّها الفلاحُ، وَكَأَنَّ
الفَلاحَ كُلَّه اجْتَمَعَ في الصلاة.
فَيَا لَها مِنْ مَوْعِظَةٍ مُؤَثِّرَةٍ،
تُغْنِي عَنْ أَلْفِ مَوعِظَة، إذا سَمِعَها صاحِبُ القَلْبِ الحَيِّ قام إليها
ولَو كان في استِراحَتِه مَعَ أصحابِه، ولَو كان على فِراشِهِ أو بَين أهْلِه،
ولَو كان في عَمَلِه أو تِجارتِه. والعَجِيبُ أَنّ الشارِعَ الحَكيمَ لَم يُحَدِّد
نَوعاً مِن أنواعِ الفَلاح، لِيَشْمَلَ جَميعَ أنواعِ الفَلاحِ الدِّينِيَّةِ
والدنيوية. نَسْمَعُها كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ مِن خِلال الأَذان، ولكن
قَلَّ من يَتَدبَّر.
الخّامِس: أَنَّ دَعْوَةَ الأذانِ آيَةٌ مِن
آياتِ اللهِ، ومُعْجِزَةٌ مُبْهِرَةٌ لِكُلِّ مَن تَدَبَّرَ وتَفَكَّرَ: تَدُلُّ
عَلى عَظَمَةِ هذا الدين، وأَنَّه الدينُ الحَقُّ، لِأَنَّه يُصْدَعُ بِها في
غالِبِ بِقاعِ الأرضِ وعَلى مَدارِ الساعَةِ. فَلا تَظُنُ أَنَّكَ إِذا سَمِعْتَ
الأذانَ في بَلَدِكَ أَنَّ الأمْرَ قَدْ تَوَقَّفَ لِحِينِ دُخُولِ وَقْتِ الصلاةِ
الأُخْرَى؟ بَلْ هُو مُسْتَمِرٌّ لا يَتَوقَّفُ، فإِنَّه بَعْدَ لَحَظاتٍ
سَيُؤَذَّنُ في البَلَدِ التي تَلِيكِ، وبَعْدَها بِلَحَظاتٍ في البَلَدِ التي
تَليها، وقَبْلَكَ بِلَحَظاتٍ كان في البلدِ التي قَبْلَكَ، وهكذا شَرْقًا
وَغَرْباً وجَنُوبًا وشَمالاً، عَلى مَدارِ الساعَةِ، مَنْ غَيْرِ تَنْظِيمٍ
مُسْبَقٍ، أَو إجراءاتٍ بَشَريَّةٍ، وإِنَّمَّا هُوَ أَمْرُ اللهِ، وتَمْكينُهُ
لِهذا الدينِ.
ألا يَعْتَبِرُ الناسُ بِذلك؟ - مُسْلِمُهُم،
وكافِرُهُم، ومُلْحِدُهُم – وهُمْ يَرَونَ الأرضَ عَلى مَدارِ الساعَةِ، تعُجُّ
بِهذه الدَّعْوَةِ التامَّةِ: ( اللهُ أَكْبَر، أَشْهَدُ أَنْ لا إله إلا الله، أَشْهَدُ
أَنَّ محمدًا رسولُ الله ).
باركَ اللهُ لِي وَلَكُم
فِي القُرآنِ الْعَظِيم، وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ
وَالذّكرِ الْحَكِيم، أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم
وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ
للهِ عَلى إِحسانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوفِيقِهِ وَامتِنَانِهِ، وَأشهدُ أن
لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وَأشهدُ أنَّ مُحمّداً عَبدُهُ وَرسولُهُ،
صلى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلمَ تسليماً كثيراً . أَمّا بَعدُ
عِبادَ الله: يُشْرَعُ لِمَنْ سَمِعَ الأذانَ:
أولا: أنْ يَقُولَ مِثْلَ ما يَقُول، إلا في
الحَيْعَلَتَيْنِ، فإنه يقول: ( لا حَوْلَ ولا قَوَّةَ إلا بِاللهِ ).
الثاني: أن يَقُولَ إذا سَمِعَ المُؤَذِّنَ
يَتَشَهَّدُ: ( أَشْهَدُ أنْ لا إلهَ إلا الله وَحَدَه لا شريكَ لَه, وأشهدَ أنَّ
محمداً عَبْدُهُ ورسولُه, رضِيتُ باللهِ ربّاً وبمحمدٍ رسولاً وبالإسلامِ دِيناً
). فَقَدْ أَخْبَرَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، أَنَّ مَن قال ذلك, غُفِرَ
ذَنْبُه.
الثالث: أَنْ يُصَلِّيَ على النبيِّ صلى
الله عليه وسلم.
الرابع: أَنْ يَقَولَ ما أرْشَدَ إليهِ
النبيُّ صلى الله عليه وسلم بِقَوْلِه:
( مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ:
اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ، وَالصَّلاةِ الْقَائِمَةِ، آتِ
مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي
وَعَدْتَهُ، حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ ).
اللهم اجْعَلْنا مِن أَهْلِ التوحيدِ
الخالِصِ, ومِن أتباعِ رسولِكَ صلى اللهُ عليه وسلمَ ظاهِرًا وباطِنا, وثَبِّتْنا
بِالقَولِ الثابِتِ في الحياةِ الدُّنيا, وفي الآخِرِة، اللهم علمنا ما ينفعنا
وانفعنا بما علمتنا وفقهنا في دينك يا ذا الجلال والإكرام، اللهم خلصنا من حقوق
خلقك وبارك لنا في الحلال من رزقك، وتوفنا مسلمين، واجعلنا في الآخرة من الصالحين،
اللهم أصلح أحوال المسلمين حكاما ومحكومين، اللهم أنزل على المسلمين رحمة عامة
وهداية عامة يا ذا الجلال والإكرام، اللهم اجعل كلمتهم واحدة ورايتهم واحدة
واجعلهم قوة واحدة على من سواهم، ولا تجعل لأعدائهم منةً عليهم يا قوي يا عزيز، اللهم
احقن دمائهم وولّ عليهم خيارهم واجعل ولايتهم فيمن خافك واتبع رضاك يا أرحم
الراحمين، اللهم انصر جنودنا المرابطين على عدوهم اللهم اربط على قلوبهم وثبت
أقدامهم وانصرهم نصرا مؤزرا واخلف عليهم خيرا، اللهم احفظ بلادنا من كيد الكائدين
وعدوان المعتدين، اللهم احفظ بلادنا مما يكيد لها، اللهم احفظ لهذه البلاد دينها
وعقيدتها وأمنها وعزتها وسيادتها، وأصلح أهلها وحكامها يا أرحم الراحمين، اللهم
اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب
مجيب الدعوات، اللهم صلّ وسلم على نبينا محمد.
وللمزيد من
الخطب السابقة للشيخ أحمد العتيق تجدها هنا :
|