الدعوة
إلى التوحيد
إِنَّ الحَمدَ للهِ، نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعوذُ
باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ
فَلا مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إِلا
اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ،
صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً. أمّا بعد،
أيها الناس: اتقوا اللهَ تعالى، واعلموا أن
الله بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو
كره المشركون. وهذا وعدٌ صادق من الله تعالى، بأن يُظهِر هذا الدين على جميع
الأديان, ويعلو عليها، ويعم جميع أقطار الأرض، مما يدل على أن المستقبل للإسلام
وإن حصل لأهله ما حصل من الابتلاءات والمحن التي لابد منها. يقول النبي صلى الله
عليه وسلم: ( لَيَبْلُغَنَّ هذا الأمْرُ ما بَلَغَ الليلُ والنهار، ولا يَتْرُكُ
اللهُ بَيتَ مَدَرٍ ولا وَبَرٍ إلا أدْخَلَه اللهُ هذا الدِّين، بِعِزِّ عزيزٍ، أو
بِذُلِّ ذَلِيل، عِزًّا يُعِزُّ اللهُ بِه الإسلامَ، وذلًّا يُذِلُّ اللهُ بِه
الكُفْر ). وقال عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: سُئِل رسول الله صلى
الله عليه وسلم: أي المدينتين تفتح أولاً، أقسطنطينية أو رومية؟ فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: ( مدينة هرقل تُفْتَحُ أولا ) يعني قسطنطينية، وهذا الفَتْحُ
لَمْ يَقَعْ إِلى الآن، ولكِنَّه سَيَتَحَقَّقُ لا مَحالَةَ، مَعَ زَمَنِ خُروجِ
الدَّجالِ، وذلك في المَلْحَمَةِ الكُبْرَى عَلَى أَيْدِي المسلمين العَرَبِ الذين
يَخْرُجُونَ مِن المدينةِ، فيَنْتَصِرُون عَلى الرُّومِ وَيَفْتَحُونَ
قُسْطَنْطِينِيَّةَ، ثم يَفْتَحُونَ بَيْتَ المَقْدِسِ وَيَهْزِمُونَ الدَجَّالَ.
حَيْثُ قال رسُولُ اللهِ صلى اللهِ عليه وسلم: ( فَيَخْرُجُ إِلَيْهِمْ جَيْشٌ مِن
المدينةِ، مِنْ خِيارِ أَهْلِ الأَرضِ يَوْمِئِذ ... إلى أَنْ قال: فَيَفْتَحُونَ قُسْطَنْطِينِيَّةَ
.. الحديث ) رواه مُسْلِم. وهذا الظهور الذي وعد الله به يا عباد الله، لا يتحقق
إلا بنفس المنهج الذي كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومنهج الرسول صلى الله عليه وسلم هو الدعوةُ
إلى التوحيدِ أولاً، وتحقيقُ مَعْناه اعتقاداً وقَولاً وعَمَلا، وبيانُ ذلك
بَيانًا شافِيا، وعَدَمُ التهاوُنِ في نَشْرِه وتحقيقِه. والتحذيرُ من الشركِ
صغيرِه وكبيرِه، وبيانُ خطرِه، والنهيُ عن الوسائلِ المُفْضِيَةِ إليه.
ومنهجُ الرسولِ صلى الله عليه وسلم قائِمٌ
على عقيدةِ الولاءِ والبَراءِ التي يَتَبَيَّنُ مِن خلالِها صِدْقُ مُدَّعِي
التوحيدِ من كَذِبِه. وكلُّ ما أمَرَ اللهُ بِه مِن الأقوالِ والأعمالِ، إنما هو
تابِعٌ للتوحيدِ ومُكَمِّلٌ لَه، لأن التوحيدَ هُو الأصلُ. فالواجِبُ عَلَينا أن
نَهْتَمَّ بِذلك كَي تَحْصُلَ لَنا العِزَّةُ والسِّيادَةُ والتَّمْكِين. وهذِه
الدولةُ حَفِظَها اللهُ قامت أَصْلاً على تحقيقِ التوحيدِ والدعوةِ إليه، ونُصْرَةِ أَهْلِه والدُّعاةِ إِلَيه، ونَبْذِ الشِّرْك. حتى صارت مَضْرَبَ مَثَلٍ
في تطبيقِ الإسلامِ والدعوةِ إليه, ومَنَّ الله على أهلها بالأمن والأمان والرخاء
والسعادة. مصداقا لقوله تعالى: ( الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ
إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ ). وحَتَّى
صارَ الأعرابيُّ الأُمِّيُّ الذي لا يَعْرِفُ القراءةَ والكِتابَة، يَخْدُمُهُ
العالَمُ بِأَسْرِه, ويأتي بِمُخْتَرعاتِه عِنْدَه لِيَخْدِمَه، ويُلَبِّي
طَلَباتِه، وعاشَ الناسُ في رَغَدٍ مِن العَيْشِ، وسَخَّرَ اللهُ لَهُم الدنيا حتى
أَتَتْهُم راغِمَة، وأَنْزَلَ عَلَيهِم البَرَكاتِ مِن السماء. بِمُجَرَّدِ ما
يَخْرُجُ الناسُ إلى المُصَلَّى ويَرْفَعُون أيْدِيهِم ويَسْأَلُون رَبَّهم
الغَيْثَ والرحمةَ، يُسْقَون، لِقُوَّةِ التَعَلُّقِ باللهِ، وسَلامَةِ التوحيدِ
مِن الشَّوائِبِ. واليَوْمُ تَغَيَّرَت الحالُ وضَعُفَ الاهتمامُ بِهذا الواجِبِ
العَظِيم، وضَعُفَ جانِبُ الوَلاءِ والبَراءِ لِهذا الدِّين ولِهذِهِ العقيدةِ
لَدَى كَثِيرٍ مِن الناسِ حتى صارَ البَعْضُ مِنَّا يُدافِعُ عَن العقائِدِ
الباطِلَةِ بَدَلاً مِن أن يَتَبَرَّأَ مِنْها، وأَصْبَحَ الرافضةُ المَلاحِدَةُ
إخواناً لَنا فِي نَظَرِ البَعْضِ مِنَّا، وهُم أَعْدَى أعدائِنا. وأَصْبَحْنا
نُداهِنُ في عَقِيدَتِنا باسم حِوارِ الأديانِ والتَسامُحِ مَعَ الآخَر. وأصْبَحَ
شِرْكُ القُبُورِ والطوافُ بِها ودعاءُ أصحابِها والذبحُ والنذرُ لَهُم مِن
الأعمالِ المُباحةِ، بل وَصَلَ الأمرُ إلى أن تكونَ مِنَ الأمورِ التي يُحِبُّها
الله ويَرْضاها، مع العلم أنها شِرْكٌ أكبر وذَنْبٌ لا يُغْفَر.
وأعداءُ هذه البِلادِ لَمَّا عَرَفُوا
سِرَّ تَمَيُّزِ هذِه الدَّوْلَة، اخْتَصَرُوا الطريقَ على أَنفُسِهِم
فَبَذَلُوا الغالِيَ والنَّفِيسَ مِن أجْلِ تَشْوِيهِ صورةِ هذا السِّرِّ في قلوبِ
أبنائِها، حتى صارَ مِن أبنائِها مَن يُعادِي هذِه الدعوةَ التي قامَتْ بها وعليها
هذه البلاد. وينتقد المناهجَ الشرعيةَ في مدارسِنا على وجهِ العموم، وموادَّ
العقيدةِ على وجهِ الخصوص.
فيا أهلَ الإسلامِ تَنَبَّهُوا لِهذا الأمرِ
العظيم، ويا معشرَ الدُّعاةِ والوُّعاَّظِ والمعلمين، اهتموا بجانب التوحيد وادعوا
إليه وبيِّنوه للناسِ وحَذِّروا من الشركِ صغيرِه وكبيرِه، وسَخِّروا جُهْدَكُم في
هذا الباب العظيم. فإن الُملاحَظَ على البرامجِ الشرعيةِ في الإعلامِ، وكذلك
الأنشطةِ الدعويةِ في الساحة، ضعفُ العنايةِ بالتوحيدِ، وتسخيرَ الجُهودِ في أمورٍ
غالبُها في فضائِل الأعمال، أو فروضِ الكفايات، مع العلم أنها ليست بشيء إذا
أُهْمِلَت دعوة التوحيد، لأن التوحيدَ هو الأصل.
باركَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم، وَنَفَعنِي
وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ الْحَكِيم، أَقُولُ مَا
تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ
ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية
الْحمدُ
للهِ ربِّ العَالَمِين، وَالعَاقِبةُ للمُتّقِين، وَلا عُدوانَ إِلا عَلَى
الظَّالِمين، وَأَشهدُ أنْ لا إِلهَ إِلا اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشهدُ
أَنَّ مُحَمّداً عَبدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ
وَصَحْبِهِ وَسَلّمَ تَسلِيماً كَثِيراً. أما بعد:
عباد الله: فإن من تأمَّل القرآنَ ودعوةَ الأنبياءِ من
خلالِه، وَجَدَه كُلَّه في التوحيد، من أوَّلِ سورةٍ، إلى آخرِ سورة، وأَنَّه
غالباً لا يتجاوز خمسةَ أمور:
الأول:
خَبَرٌ عن اللِه وأسمائِه وصفاتِه وأفعالِه، وهذا توحيدُ الربوبيةِ والأسماءِ
والصِّفات. الثاني: دَعْوَةٌ إلى عِبادةِ اللهِ وحده لا شريك له، وخَلْعِ
كُلِّ ما يُعْبَدُ مِن دونِه، وهذا توحيدُ العِبادة. الثالث: أَمْرٌ
ونَهْىٌ وإِلزامٌ بِطاعةِ الله، وهذا حَقُّ التوحيدِ ومُكَمِّلاتِه. الرابع:
خَبَرٌ عن إكرامِه لأهلِ التوحيدِ في الدنيا وما يكرمُهُم بِه في الآخرة، فهو
جزاءُ التوحيد. الخامس: خَبَرٌ عن الشركِ وأهْلِ الشركِ، وما فُعِلَ بِهِم
في الدنيا من النَّكالِ، وما يَحِلُّ بِهم في العُقْبَى مِنَ العذاب، فهو جزاءُ
مَنْ خَرَجَ عن حُكْمِ التوحيد.
فالقرانُ كُلُّهُ فِي التوحيدِ وحُقُوقِهِ
وجَزائِه، وفي شأْنِ أعداءِ التوحيدِ وجزائِهم. وما كانَ هذا شأنًّه فواجبُ على
كلِّ مسلمٍ أن يَعْتَنِيَ بِه أكثرَ مِنْ اعتنائِه بِطعامِه وشرابِه تَعَلُّماً
وتَعْليماً.
اللهم
علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وفقهنا في دينك يا ذا الجلال والإكرام، اللهم
آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليّها ومولاها، اللهم خلصنا من حقوق
خلقك، وبارك لنا في الحلال من رزقك، وتوفنا مسلمين وألحقنا بالصالحين، اللهم أصلح
أحوال المسلمين، اللهم أصلح أحوال المسلمين حكاماً ومحكومين، اللهم ألّف بين قلوب
المؤمنين وأصلح ذات بينهم واهدهم سبل السلام ونجهم من الظلمات إلى النور وانصرهم
على عدوك وعدوهم يا قوي يا عزيز، اللهم احفظ بلادنا من كيد الكائدين وعدوان
المعتدين، اللهم احفظ لبلادنا دينها وأمنها وعزتها وعقيدتها وسيادتها، اللهم
انصرها على من يكيد لها في داخلها وخارجها، اللهم أخرجها من الفتن والشرور،
واجعلها أقوى مما كنت، اللهم أصلح أهلها وحكامها واجمع كلمتهم وألف بين قلوبهم
واجعلهم يدا واحدة على من عداهم يا قوي يا عزيز، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات
والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات ( وَأَقِمِ
الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ
اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ) .
وللمزيد من
الخطب السابقة للشيخ أحمد العتيق تجدها هنا :
http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=119
|