الْمَنْهَجُ في الدعوةِ وَلُزومُ الجَماعةِ وبيانُ ما
مَنَّ اللهُ بِهِ عَلى هذه البلادِ
إِنَّ الحَمدَ للهِ، نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعوذُ
باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ
فَلا مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إِلا
اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ،
صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً. أمّا بعد،
أيها الْمُسلِمُون:
اتَّقُوا اللهَ تعالى، واعْلَمُوا أنَّ اللهَ قَدْ مَنَّ على هذِه الأمَّةِ بِأَنْ
جَعَلَها خَيْرَ الأُمَمِ، وبَعَثَ فيها أَفْضَلَ الرُّسُلِ وَجَعَلَ شَرِيعَتَهُ
أَفْضَلَ الشرائِعِ، والقرآنَ الذي أُنْزِلَ عَلَيهِ مُهَيْمِنًا على الكُتُبِ
وخاتِمًا لها.
وَمِن أَعْظَمِ خَيْرِيّةِ هذِه الأُمَّة:
قِيامُها بِالدَّعْوَةِ إلى الله، والأمرِ بالمَعْروفِ والنَّهْيِ عَن المُنْكَر.
وقَد وَرَدَ في نُصُوصِ الكِتابِ والسُّنَّةِ ما يَدُلُّ على فَضْلِ الدَّعوةِ إلى
اللهِ تعالى، وكذلكَ وَرَدَ ما يَدُلُّ على الأمْرِ بالدعوةِ، وذَمِّ تَرْكِها،
وعُقُوبةِ مَن تَرَكَها وتَخَلَّفَ عَنْها. ويَكْفِي في ذلكَ أَنَّ هذِهِ الْمُهِمَّةَ
هي مُهِمَةُ محمد صلى اللهُ عليه وسلم، قال تعالى: ﴿ قُلْ
هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إلى اللهِ على بَصِيرَةٍ أَنا وَمَن اتَّبَعَنِي ومَا
أَنَا مِن المُشْرِكِين ﴾. أَيْ: قُلْ يا مُحَمَّدُ لِلناسِ: ﴿ هَذِهِ سَبِيلِي ﴾ أَيْ: طَرِيقَتِي التي أَدْعُو
إِلَيْها، وهِيَ السَّبِيلُ الْمُوصِلَةُ إلى اللهِ وإلى دارِ كَرَامتِه، الْمُتَضَمِّنَةُ
لِلْعِلمِ بالحَقِّ، والعَملِ به، وإيثارِه، وإخلاصِ الدينِ للهِ وَحْدَهُ لا شريك
له. ﴿ أَدْعُو إلى الله ﴾ أَيْ: أَحُثُّ
الخَلْقَ والعِبَادَ على الوصولِ إلى ربِّهِم، وأُرَغِّبُهُم فِي ذلك،
وأُرَهِّبُهم مِمَّا يُبَعِّدُهُم عَنْه، ومَعَ هذا فأنا: ﴿ على بَصِيرَةٍ ﴾ مِنْ دِينِي أَيْ: عَلَى عِلْمٍ
ويَقِينٍ مِنْ غَيْرِ شَكٍ ولا افْتِراءٍ ولا مِرْيَةٍ. ﴿ أَنَا " وكَذَلكَ . ﴿ وَمَن
اتَّبَعَنِي ﴾ يَدْعُو إلى اللهِ كَمَا أَدْعُو، عَلَى بَصِيرَةٍ مِنْ
أَمْرِه، لِأَنَّ العِلْمَ شَرْطٌ فِي الدعوةِ إلى الله. " وسُبْحانَ اللهِ ﴾ عَمَّا يُنْسَبُ إليهِ مِمَّا لا
يَلِيقُ بِجَلالِه أو يُنافِي كَمَالَه، ﴿ ومَا أَنا
مِن الْمُشْرِكين ﴾ في جَمِيعِ أُمُورِي، بَلْ اعْبُدُ اللهُ مُخْلِصًا
لَهُ الدَّينَ. وإذا كان هذا هُوَ شَأْنَ الدعوةِ إلى اللهِ سُبْحانَه، وأَنَّها
سَبِيلُ الرسولِ صلى اللهُ عليه وسلم وأتباعِه،
فَيِجبُ
على الداعِي إلى اللهِ أَنْ يُراعيَ ما يَلِي :
أولاً: العِلْم: وهذا مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿ عَلَى بَصِيرَة ﴾.
ثانياً: الإخـلاص: لِقولِه تعالى: ﴿ أَدْعُو إلى الله ﴾.
ثالثاً: العِنايَةُ التامَّةُ بِالتَوْحيدِ وكذلكَ النَّهْيُ عَنِ
الشِّرْك: وهذا مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِه تعالى: ﴿ أَدْعُوا
إلى الله ﴾، ومِنْ قَوْلِهِ: ﴿ وَسُبْحَانَ
اللهِ وما أنا مِن الْمُشرِكِين ﴾. فالعنايةُ بالتوحيدِ وما يتعلقُ به مِنْ
حُقُوقٍ ومُكَمِّلاتٍ، والنَّهْيُ عنِ الشركِ وَوَسائِلِه الْمُفْضِيَةِ إِلَيْهِ،
هُوَ مَنْهَجُ القرآنِ، وهو منهجُ الأنبياءِ عَلَيْهِم الصلاةُ والسلام. فَمَن لَمْ
يَجْعَلْ أَصْلَ دَعْوَتِه وغالِبَ أَمْرِها في ذلك، فَإنَّه لا يَكُونُ مِن
أَتْباعِ الرسولِ صلى الله عليهِ وسلَّمَ في هذا البابِ، وإِنْ أَفْنَى عُمُرَهُ
في الدعوة.
رابعًا: وِحْدَةُ الْمَنْهَج: وهذا مَأخُوذٌ مِنْ قَوْلِه
تعالى: ﴿ سَبِيلِي ﴾، فالطريقُ واحِد قال
تعالى: ﴿ واعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا ولا
تَفَرَّقُوا ﴾، وحَبْلُ اللهِ هُوَ دِينُهُ، وكِتابُ اللهِ وَسُنَّةُ
رسولِهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، وما كانَ عَليْهِ الصَّحابَةُ رضي اللهُ
عَنْهُم. فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ المَنْهَجُ واحدًا، وهو مَنْهَجُ السَّلَفِ
الصالِحِ. لأَنَّ الدُّعاةَ إذا صَلَحَتْ نَواياهُم:
اجتَمَعَت قُلُوبُهُم، وإِذا اتَّحَدَ المصدرُ الذي يَرِدُون عليه، والغَدِيرُ
الذي يَشْرَبُونَ مِنْه، اتَّفَقَتْ كَلِمَتُهُم ومَناهِجُهُم واجْتَمَعُوا، أما
إذا فَسَدَت النوايا، وتَنَوَّعَت الْمَصادِرُ، واخْتَلَفَتْ الْمَناهِجُ، لا
بُدَّ وَأَنْ يَقَعُوا في الفُرْقَة. كما هو الحاصلُ اليومَ مَعَ وُجُودِ فِرقٍ
وجماعاتٍ ومُسَمَّياتٍ تَبَنَّت مَناهِجَ مُحْدَثةٍ، وفَرَّقَتِ الأُمَّةَ
وَعُلَماءَها وشَبَابَها، وغَيَّرَت مَفْهُومَهُم لِعَقِيدَتِهِم، والمَطلوبَ
مِنْهُم تُجاهَ واقِعِهِم وأُمَّتِهِم.
باركَ
اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم، وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه
مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ الْحَكِيم، أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ
لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ
الرَّحِيم.
الخطبة الثانية
الْحمدُ للهِ ربِّ العَالَمِين، وَالعَاقِبةُ للمُتّقِين، وَلا
عُدوانَ إِلا عَلَى الظَّالِمين، وَأَشهدُ أنْ لا إِلهَ إِلا اللهُ وَحدَهُ لا
شَرِيكَ لَهُ، وَأَشهدُ أَنَّ مُحَمّداً عَبدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَى اللهُ عَليْهِ
وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلّمَ تَسلِيماً كَثِيراً. أما بعد:
عباد الله:
اتَّقُوا اللهَ، وَتَذَكَّرُوا قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿ يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي
الْأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ
وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَٰلِكَ
خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ﴾. فَإِنَّ هذه
آيَةٌ عَظيمةٌ، تَحَدَّثَت عَن أُمُورٍ أَربَعةٍ: كُلُّها
في التوحيدِ وَوِحدةِ الصَّفِّ والمَنْهَجِ: تَوْحيدُ الله، وتَوحيدُ الإتِّباع،
وتَوحيدُ الجماعةِ، وتَوحيدُ المَنْهَج:
فَتَوحيدُ
اللهِ مأخُوذٌ مِن قَوْلِه: ﴿ أَطيعُوا
الله ﴾ ،
وتوحيدُ
الإتِّباع مأخُوذٌ مِن قَولِه: ﴿ وَأَطِيعُوا الرسول ﴾،
وتَوحيدُ
الجماعةِ مأخُوذٌ مِن قَولِه: ﴿ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُم ﴾،
وتَوحيدُ
الْمنهَجِ مأخُوذٌ مِن قَولِه: ﴿ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ
وَالرَّسُولِ ﴾. اللهُ أَكْبَر! آيَةٌ واحدةٌ
تَضَمَّنَت أُمُورًا أربعة، اجْتَثَّت جُذُورَ الشِّركِ والبِدَعِ
والحِزْبِيَّةِ والاخْتِلاف.
أَيُّها الْمُسلِمُون:
لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَينا في هذه البلادِ بِنِعَمٍ
كَثِيرَةٍ، يَعْجَزُ اللِّسانُ عَنْ تَعْدَادِ عُشْرِ مِعْشارِها. فَإِنَّنا
نَعِيشُ في بِلادِ الإسلامِ، بِلادِ التوحيدِ والسَّنَّةِ، البلَدِ الوَحِيدِ الذي
يَصْدَعُ عَلى الْمَلإِ في كُلِّ أَنحاءِ العالَمِ، أَنَّه يَدعُو إلى التوحيدِ والسُّنَّةِ،
ويُحاربُ الشِّرْكَ والبِدعَ، ويُحَكِّمُ الشَّرِيعَةَ. تَحْتَ قِيادَةٍ حَكِيمَةٍ،
قَدْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنا بِنِعْمَةِ الإسلامِ والأَمْنِ، واجْتِماعِ الكَلِمَةِ.
فَيَجِبُ عَلَيْنا جَمِيعًا أَنْ نَرْعَى هذه النِّعْمَةَ، ونَتَعاوَنَ عَلى شُكْرِها
وحِفْظِها، لأنَّنا في هذه الدَّوْلَةِ مَعَ وُلاةِ أَمْرِنا، شَيْءٌ واحِدٌ.
وأُسْرَةٌ واحِدَةٌ وأَهْلٌ، حُكُومةً وشَعْبًا تَجْمَعُنا جَمِيعُ روابِطُ الصلةِ
بِلا استثْناءِ: ( الدينُ، والعِرْضُ، والأرضُ،
والنَّسَبُ، ومَصالِحُ الدُّنيا، واللُّغَةُ، والعاداتِ ). فَماذا بَقِيَ بَعْدَ هذه الروابِطِ يا عِبادَ اللهِ.
وَيُقالُ لِكُلِّ مَنْ يَسْعَى في التَجْرِيحِ، وإيغارِ صُدُورِ الناسِ
عَلى بَلَدِهِ وَعَلَى وُلاةِ الأَمْرِ، أَوْ يَسْعَى لِتَفْرِيقِ الكَلِمَةِ:
ألا تَتَّعِظُ حِينَمَا تَتَأَمَّلُ هذه الرَّوابِطَ؟!! واللهِ لَوْ لَمْ يَكُنْ
لك دِينٌ يَرْدَعُكَ، فإنَّ الْمُروءَةَ والرُجُولَةَ والشَّهامَةَ والكَرامَةَ
كافِيَةٌ في ذلك.
اللهمَّ
اجْمَعْ كَلِمَتنا، وأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِنا، واجْعَلْنا هُداةً مُهْتَدِين،
اللهم أعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبادِتِك، اللَّهم أَوْزِعْنا
أَنْ نَشْكُرَ نِعْمَتَكَ التي أَنْعَمْتَ عَلَيْنَا وَعَلَى والِدِيْنا، وَأَنْ
نَعْمَلَ صالِحًا تَرْضاه، يا رَبَّ العالَمِين. اللهُمَّ
احفظْنا بالإسلامِ قائمينَ واحفظْنا بالإسلامِ قاعدِين واحفظْنا بالإسلامِ راقدِين
ولا تُشْمِتْ بنا أعداءَ ولا حاسدينَ، اللهُمَّ أصلحْ أحوالَ المسلمينَ حُكَّاماً
ومحكُومين، اللهُمَّ أنزلْ على المسلمينَ رحمةً عامَّةً وهدايةً عامَّةً يا ذا
الجلالِ والإكرامِ، اللهُمَّ اجمعْ كلمةَ المسلمين على كتابِك وسُنَّةِ نبيِّك
محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ، اللهُمَّ اجعلْ كلمتَهم واحدةً ورايتَهم
واحدةً واجعلْهُم يداً واحدةً وقوَّةً واحدةً على مَنْ سِواهُم، ولا تجعلْ
لأعدائِهم مِنَّةً عليهم يا قويُّ يا عزيزُ، اللهُمَّ احفظْ بلادَنا من كيدِ
الكائدين وعدوانِ المعتدين، اللهُمَّ احفظْ بلادَنا مما يكيدُ لها، اللهُمَّ احفظْ
لهذه البلادِ دينَها وعقيدتَها وأمنَها وعزتَها وسيادتَها، وأصلحْ أهلَها وحكَّامَها
يا أرحمَ الراحمين، اللهُمَّ وَفِّقْ ولاةَ
أمرِنا بتوفيقِك، وأيِّدْهم بتأييدِك، واجعلهم من أنصارِ دينِك، وارزقْهُم
البطانةَ الصالحةَ الناصحةَ يا ذا الجلالِ والإكرامِ، اللهُمَّ اغفرْ للمسلمينَ والمسلماتِ والمؤمنينَ والمؤمناتِ
الأحياءِ منهم والأمواتِ ، إنك سميعٌ قريبٌ مجيبُ الدَّعَواتِ، ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ
وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾.
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ أحمد العتيق
تجدها هنا : http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=119
|