الخطبة الأولى:
إن الحمدَ لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالنا، منْ يهده اللهُ فلا مضلَّ له، ومنْ يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى اللهُ عليه وعلى آله وصحبه وسلمَ تسليماً كثيراً. أما بعد:- عباد الله:
اتقوا الله تعالى وأكثروا من ذكره, فإن الله أعد للذاكرين الله كثيرًا والذاكرات مغفرة وأجراً عظيما. يقول الله تبارك وتعالى: ( يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا * وسبحوه بكرة وأصيلا * هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين رحيما ). يأمر الله تعالى في هذه الآية الكريمة عباده المؤمنين بالإكثار من ذكره, لأنه لا حياة للقلب إلا بذلك, فهو غذاء الروح ونور القلب, وسبب جلائه وسعادته وطمأنينته. بخلاف غذاء البدن فإنه لا ينبغي الإكثار منه لأن في ذلك ضرراً على القلب والبدن. عن المقداد بن معْدِ يَكرِب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ما ملأ آدميٌّ وِعاءً شرَّاً من بطنه, بِحَسْبِ ابن آدم أكلاتٌ يُقِمن صُلْبَه, فإن كان لا مَحَالَة, فَثُلُثٌ لطعامه، وثلث لِشَرَابِه, وثُلُثٌ لِنَفَسِه ) رواه أحمد والترمذي، وفضول الطعام داع إلى أنواع كثيرة من الشر، فإنه يحرك الجوارح إلى المعاصي، ويثقلها عن الطاعات والعبادات، وحسبك بهذين شراً، فكم من معصية جلبها الشبعُ وفضولُ الطعام، وكم من طاعة حال دونها، فمن وُقِى شرّ بطنه فقد وُقِى شراً عظيماً، والشيطان أعظم ما يتحكم في الإنسان إذا ملأ بطنه من الطعام، ولهذا جاء في بعض الآثار: إذا امتلأت المعدة نامت الفكرة وخرست الحكمة وقعدت الأعضاء عن العبادة. وقال بعض السلف: " لا تأكلوا كثيراً، فتشربوا كثيراً، فتناموا كثيراً فتخسروا كثيراً ". أضف إلى ذلك ما يصيب الإنسان من أمراض مستعصية يصعب علاجها وقد تفتك بحياته, كما هو الحاصل اليوم مما هو غير خاف على كثيرٍ من الناس بسبب الترف وكثرة الأكل.
أما ذكر الله فإنه ينبغي الإكثار منه, وكلما كَثُر زادت حياة القلب وانشراحه وفَرَحُه, وكلما نقص نقصت حياة القلب, وإذا انعدم مات القلب, عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت ) رواه البخاري، وروى الإمام أحمد عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ألا أنبئكم بخير أعمالكم، و أزكاها عند مليككم، و أرفعها في درجاتكم، و خير لكم من إنفاق الذهب و الورق، و خير لكم من أن تلقوا عدوكم، فتضربوا أعناقهم و يضربوا أعناقكم ؟ قالوا : بلى يا رسول الله قال : ذكر الله )، وروى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( سبق المفردون, قالوا: وما المفردون يا رسول الله ؟ قال: الذاكرون الله كثيراً والذاكرات ). عباد الله:
ذكر الله يطرد الشيطان ويرضي الرحمن ويزيل الهم والغم ويجلب للقلب الفرح والسرور وينور الوجه, ويجلب الرزق, ويكسو الذاكر المهابة والحلاوة والنضرة, ويورث العبد الهيبة لربه والمراقبة حتى يدخله في باب الإحسان. ويورث العبد ذكر الله تعالى له كما قال تعالى: ( فاذكروني أذكركم ). ويحط الخطايا ويذهبها، ويزيل الوحشة بين العبد وبين ربه تبارك وتعالى. وهو سبب نزول السكينة، وغشيان الرحمة، وحفوف الملائكة بالذاكر, وهو سبب اشتغال اللسان عن الغيبة، والنميمة، والكذب، والفحش، والباطل. ويؤمّن العبد من الحسرة يوم القيامة. ويوجب صلاة الله عز وجل وملائكته على الذاكر. وكثرة ذكر الله عز وجل أمان من النفاق, لأن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلا. اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم؛ ونفعني وإيِّاكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم؛ أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه, والشكر له على توفيقه وامتنانه؛ وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه؛ وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: عباد الله:
إن ذكر الله ينقسم إلى قسمين: القسم الأول: الذكر العملي, وهو أنواع العبادات التي يتقرب بها العبد إلى الله, من صلاة وصيام وحج وغير ذلك. روى أبو داود في سننه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من استيقظ من الليل وأيقظ امرأته فصليا ركعتين جميعا كتبا من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات ). القسم الثاني: الذكر القولي: وهو تلاوة القرآن والتسبيح والتهليل والاستغفار, ومنه ما هو مقيّد بوقت أو حال, كأذكار الصلاة وأوراد الصباح والمساء، وأذكار النوم ودعاء السفر, وغير ذلك مما هو ثابت في الكتاب والسنة.
اللهم أعنّا على ذكرك وعلى شكرك وعلى حسن عبادتك، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وفقهنا في دينك يا ذا الجلال والإكرام اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل، اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها, أنت وليها ومولاها.
|