إن الله لا ينظر إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم
وأعمالكم
إِنَّ الحَمدَ للهِ، نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعوذُ
باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ
فَلا مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إِلا
اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ،
صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً. أمّا بعد،
عِبادَ اللهِ:
اتقُوا اللهَ تَعالَى، وَاعْلَمُوا أَنَّ تَقْوَى اللهِ لا تَسْتَقِيمُ لَكُمْ
إلَّا بِصَلاحِ قُلُوبِكُم وَأَعْمالِكُمْ، قال رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم:
( إِنَّ اللهَ لَا يَنْظُرُ إلى صُوَرِكُمْ وَلَا
إِلَى أَمْوالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ
). نَعَمْ يَا عِبادَ اللهِ، يَنْظُرُ إِلَى القُلُوبِ والأعمالِ.
يَنْظُرُ إِلَى
القُلُوبِ أَوَّلًا: لِأَنَّ سَلَامَتَها سَبَبٌ لِصَلَاحِ ظاهِرِ العَبْدِ،
قال تَعَالَى: ( يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا
بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ).
وَالْقَلْبُ
السَّلِيمُ يا عِبَادَ اللهِ: هُوَ السَّالِمُ مِن الشِّرْكِ صَغِيرِهِ
وَكَبِيرِهِ. والسَّالِمُ مِنْ البِدَعِ
وَالشُّبُهاتِ التي تُشَكِّكُهُ فِي دِينِهِ وَفِي عَقِيدَتِهِ وَتَعَلُّقِهِ
بِرَبِّه. هُوَ السَّالِمُ مِنْ الشَّهَوَاتِ الْمُحَرَّمَةِ
التِي تَسْجِنُ قَلْبَه وَتَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّعَلُّقِ بِاللهِ، والتي
قَدْ تَقُودُهُ إلى الزِّنا واللِّوَاطِ وَشُرْبِ الخَمْرِ، وَغَيْرِ ذلك مِن
المَعَاصِي.
وَالقَلْبُ
السَّلِيمُ: هُوَ القَلْبُ الْمُتَوَاضِعُ الْمَخْمُومُ، الذي لَا غِلَّ
فِيهِ وَلَا رِياءَ وَلَا غِشَّ وَلَا كِبْرَ وَلَا حَسَدَ. هُوَ القَلْبُ الْمُخْلِصُ
للهِ وَحْدَه.
فَصَاحِبُ
هَذا القَلْبَ: مِنْ أَسْعَدِ الناسِ وَأَشْرَحِهَا
صَدْرًا، وَأَكْمَلِها تَعَلُّقًا باللهِ، وَأَبْعَدِها عَنْ مَعْصِيَةِ
اللهِ.
عِبادَ اللهِ:
وَكَمَا أَنَّ اللهَ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِ العِبادِ. فَإِنَّه يَنْظُرُ أيْضًا
إِلَى أَعْمالِهِمْ، كَمَا سَمِعْتُمْ في الحَدِيثِ. يَنْظُرُ إِلَى أَعْمالِهِمْ
التَّعَبُّدِيَّةِ التي يَتَقَرَّبُونَ بِها إِلَيْهِ، وَيَنْظُرُ إلى
تَعَامُلِهِمْ فِيمَا بَيْنَهُمْ.
يَنْظُرُ إلى
عِبادَاتِهِمْ: هَلْ قَامُوا بِهَا كَمَا أُمِرُوا؟ وَهَلْ وافَقُوا هَدْيَ
النبيِّ صلى اللهُ عليه وسلم فِي أَدائِها ؟ لِأَنَّها إذا لَمْ تُوافِقْ هَدْيَ
النبيِّ صلى الله عليه وسلم فِي أَدائِهَا، فَإِنها مَرْدُودَةٌ عَلَى صاحِبِها
وَلَوْ كَثُرَ عَمَلُه! لِقَوْلِ النبيِّ صلى اللهُ عليه وسلم: ( مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ
رَدٌّ ).
وكَذَلِكَ يَنْظُرُ
اللهُ إلى تَعَامُلِ العِبادِ فِيمَا بَيْنَهُم، هَلْ قامُوا بِالحُقُوقِ
التي أُمِرُوا بِها؟.
حَقِّ الوَالِدَيْنِ وَمَا يَتَعَلَّقُ
بِبِرِّهِمْ والإحسانِ إِلَيْهِم، وَتَرْكِ عُقُوقِهِم، والإساءَةِ إِلَيْهِمْ.
وَحَقِّ الزوْجَةِ والأَوْلادِ، وَمَا
يَتَعَلَّقُ بِتَرْبِيَتِهِم وإصْلَاحِهِمْ وَنُصْحِهِم.
وَحَقِّ الجارِ. وَحَقِّ الأَقارِبِ
والأرحامِ. وَحَقِّ وُلَاةِ الأَمْرِ.
وَالتعاوُنِ عَلَى البِرِّ والتَّقْوَى
بَيْنَ المسلمين.
وَالصِّدْقِ فِي الحَدِيثِ. وَالأَمَانَةِ
في الوَظِيفَةِ والتِّجارَةِ.
وَكَفِّ
اللِّسانِ عَن الغِيبَةِ والنَّمِيمَةِ والقَذْفِ والسَّبِّ والشَّتْمِ. وَكَفِّ
اليَدِ عَنْ الأَذَى، قال رسولُ اللهِ صلى اللهُ عَليه وسلم: ( الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسلِمونَ مِنْ لِسانِهِ
وَيَدِهِ ). وَسُئِلَ النبيُّ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسلم عَنْ أَكْثَرِ ما
يٌدْخِلُ الناسَ النارَ؟ فَقَالَ: ( الأَجْوَفَانِ:
الفَمُ وَالفَرْجُ ). وَقال رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: ( مَنْ يَضْمَنُ لِي مَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ وَلِحْيَيْهِ
أَضْمَنُ لَه الجَنَّةَ ). يَعْنِي الفَمَ والفَرْجَ. فَالفَمُ هُوَ
مَدْخَلُ الْمَطْعَمِ الحَرامِ والشُّرْبِ الحَرَامِ، وَمِنْهُ تَخْرُجُ
الأَلْفاظُ الْمُحَرَّمَةُ. وَعَنْ طَرِيقِ الفَرْجِ يَقَعُ العَبْدُ في
الفاحِشَةِ والاِسْتِمْتاعِ المُحَرَّمِ.
فاتَّقُوا اللهَ عِبادَ اللهِ، وَرَاقِبُوا
أَنْفُسَكُمْ وَابْذُلُوا أَسْبابَ صَلَاحِها.
باركَ اللهُ لِي وَلَكُم
فِي القُرآنِ الْعَظِيم، وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ
وَالذّكرِ الْحَكِيم، أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم
وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية
الْحَمدُ للهِ الْواحدِ الأحدِ الصمدِ الذّي لَمْ يَلدْ وَلَمْ يُولدْ
وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحد، فَاطرِ السِّمَاواتِ وَالأَرْضِ، جَاعَلِ الْمَلائكَةِ
رُسُلاً أُوْلِي أَجْنِحةً مَثْنَى وَثلاثَ وَرباعَ، يَزِيدُ فِي الْخَلِقِ مَا يَشاءُ،
إنّ اللهَ على كُلِّ شَيءٍ قَدِير، مَا يَفْتَحِ اللهُ للنِّاسِ مِنْ رَحمةٍ فَلا
مُمسكَ لها، وَمَا يُمسكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم،
وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ
أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ
وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً. أمّا بعد:
عِبادَ اللهِ: إِنَّ هذا الحديثَ الذي سَمِعْتُمُوهُ،
يَدُلُّ عَلَى تَلَازُمِ الظاهِرِ والباطِنِ بِالنِّسْبَةِ لِلْعَبْدِ. فَصَلاحُ
عَمَلِهِ مُرْتَبِطٌ بِصَلَاحِ قَلْبِهِ، وَصَلَاحُ قَلْبِهِ مُرْتَبِطٌ بِصَلَاحِ
عَمَلِهِ. وَيَكْفِي فِي ذلكَ قَوْلُ النبيِّ صلى اللهُ عليه وسلم: ( أَلَا وَإِنَّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً، إِذَا صَلَحَتْ
صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ
القَلْبُ ). فَإِذَا صَلَحَ القَلْبُ،
صَلَحَتْ السَّرِيرَةُ، وأَصْبَحَ العَبْدُ يُصَلِّي وَيَصُومُ وَيَبُرُّ
وَالِدَيْهِ وَيْفَعُل الخَيْراتِ وَيَبْتَعِدُ عَنْ السَّيِّئَاتِ.
وَإِذا فَسَدَ القَلْبُ كَثُرَتْ الْمَعاصِي
وَضَعُفَ العَمَلُ. قال أَبُو هريرَةَ رضي اللهُ عَنْه: " القَلْبُ مَلِكُ الأعضاءِ، إذا صَلَحَ صَلَحَتْ الأعضاءُ،
وإذا فَجَرَ فَجَرَتْ الأعْضاءُ ". فَيَجِبُ عَلَيْنا أَنْ نَعْلَمَ
ذلك. فَإِنَّ بَعْضَ الناسِ لَا يُعِيرُ هَذا الْمِيزانَ اهْتِمامًا. فَتَجِدُه
قَدْ يَصِفُ بَعْضَ أَهْلِ الفُجُورِ بِسَلَامَةِ قُلُوبِهِم. وَيَصِفُ بَعْضَ
أَهْلِ الطاعَةِ بِفَسادِ قُلُوبِهِم. فَقَدْ يَرَى مَنْ يَشْرَبُ الخَمْرَ أَوْ
يَزْنِي أوْ يُرابِي، فَيَصِفُهُ بِأَنَّه أبْيَضُ القَلْبِ وطاهِرُ السَّرِيرَةِ
!! وَيَرَى مَنْ يُحافِظُ عَلَى الصَّلَاةِ وَيْقَرَأُ القُرْآنَ وَيَتِّبِعِ
السُّنَّةَ، فَيَصِفُهُ بِأَنَّه مُنافِقٌ أَوْ مُراءٍ!.
وَتَجِدُ بَعْضَهُم يَقَعُ في الْمَعاصِي وَيُفَرِّطُ في الواجِباتِ،
ثُمَّ إذا نُصِحَ وَذُكِّرَ بِالله، أَشارَ إلى صَدْرِهِ وَقالَ: " التَّقْوَى هاهُنَا "، وَيَنْسَى أَوْ
يَتَناسَى أَنَّ بَيْنَ القَلْبِ وَالعَمَلِ تَلَازُمًا. إذا
صَلَحَ القَلْبُ، صَلَحَتْ الأَعْضاءُ، وَأَصْبَحَتْ تَعْمَلُ فِي طاعَةِ اللهِ
وَتَنْكَفُّ عَنْ مَعِصِيَتِهِ. وَإذا فَسَدَ القَلْبُ فَسَدَتْ الأعضاءُ
وَتَجَرَّأَتْ عَلَى الْمَعاصِي، وَفَرَّطَتْ فِي جَنْبِ اللهِ.
اللهم
أصلح أعمالنا وقُلُوبَنَا وأحوالنا، اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، اللهم
آتِ نفوسنا تقواها وزكّها أنت خيرُ من زكّاها، أنت وليُّها ومولاها، اللهم خلصنا
من حقوقِ خلقَك، وباركْ لنَا في الحلالِ من رزقِك، وتوفَنا مسلمين وألحقنا
بالصالحين، اللهم أصلح أحوال المسلمين، اللهم أنزل على الْمسلمين رحمة عامة وهداية
عامة، اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين وأذلَّ الشرك والمشركين واحم حوزةَ الدين،
وانصر عبادك المؤمنين، اللهم ارفع البلاء عن الْمستضعفين من المؤمنين في كل مكان،
اللهم احفظ بلادنا من كيد الكائدين وعدوان المعتدين، اللهم احفظ بلادنا مما يكيد
لها، اللهم عليك بأعدائها في الداخل والخارج، اللهم أخرجها من الفتن والشرور
والآفات، واجعلها أقوى مما كنت، وأمكن مما كانت، وأغنى مما كانت، وأصلح مما كانت،
اللهم احمِ حدودها وانصر جنودها، وأصلح حكامها وأهلها واجمع كلمتهم وألف بين قلوبهم واجعلهم يدا واحدة على من
عداهم يا قوي يا عزيز، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء
منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات، (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ
تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ
يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ).
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ أحمد العتيق تجدها هنا :
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=119
|