تَكْريمُ
الإنسانِ، وخَطَرُ المُخَدِّراتِ
إِنَّ
الحَمدَ للهِ، نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعوذُ باللهِ مِنْ
شُرُورِ أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا
مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إِلا
اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ
وَرَسُولُهُ، صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً
كَثِيراً. أمّا بعد،
عِبادَ اللهَ: اتقُوا اللهَ تعالى، واعْلَمُوا أَنَّ
الإنسانَ لا يكونُ إنساناً على الحقيقةِ، إلا إذا آمَنَ باللهِ ورسولِهِ وعَمِلَ
صالِحًا، واشتَغَلَ بالسَّبَبِ الذي مِنْ أجْلِهِ خَلَقَه اللهُ، كَمَا قال
تَعالَى: ( لَقَد خَلَقْنا الإنسانَ في أحسَنِ تَقْوِيمٍ * ثُمَّ رَدَدْناه
أَسْفَلَ سافِلِينَ * إلا الذينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصالِحاتِ ) ، وقال تَعالَى
في سُورَةِ العَصْرِ: ( والعَصْرِ * إنَّ الإنسانَ لَفِي خُسْرٍ * إلا الذينَ
آمَنُوا وَعَمِلُوا الصالِحاتِ وتَوَاصَوْا بِالحَقِّ وتَواصَوْا بالصَّبْرِ ).
هَذَا هُو الإنسانُ الحَقِيقِيُّ، وَأّمَّا مَنْ أَعْرَضَ عن ذلك، فَهُو فِي
أَسْفَلِ سافِلِينَ، وإِنْ سَمَّاهُ الناسُ إنسانًا، وأَثْنَوْا عَلَيْه. بَلْ
إنَّ أوَّلَ مَا يَتَعَلَّقُ بِحُقُوقِ الإنْسانِ: أنْ يُدْعَى إلى الإيمان
والعملِ الصالِح، لأنَّ غَيْرَ المؤمنِ شَبِيهٌ بالأنعامِ، بَلْ أضَلُّ مِنْها.
وحُقُوقُ الإنسانِ كَثِيرَةٌ، قَدْ كَفَلَها اللهُ لَهُ، حَتَّى وَلَوْ كان
كافِرًا، ولكِنْ يَجِبُ أَنْ يُنْظَرَ إِلَيْها بِمِيزانِ الشَّرْعِ، وأَعْظَمُها:
أَنْ يُدْعَى إلى الإيمانِ والعَمَلِ الصالِحِ، وأن يُذَكَّرَ بالحِكْمَةِ التي
مِن أَجْلِها خَلَقَهُ الله.
أَيُّها المُسْلمون: لَقَدْ كَرَّمَ اللهُ الإنسانَ
بالعَقْلِ، ومَيَّزَه بِه، وجعَلَ الحَفاظَ عَلَيْهِ وَحِمايَتَه مِمَّا يَضُرُّهُ،
واجِبًا متَحَتِّمًا. فَهُوَ مِن ضِمْنِ الضَّرُوراتِ الخَمْسِ التي جاءَ الإسلامُ
مِنْ أَجْلِ الحِفاظِ عِلَيْها، وهي: الدِّينُ، والعَقْلُ، والنَّفْسُ، والعِرْضُ،
والمالُ.
ومِن الأُمُورِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِحِفظِ العَقْلِ:
تَحْريمُ الخَمْرِ وَكُلِّ مُسْكِرٍ، قال رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: ( مَا
أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرامٌ ). ولُعِنَ في الخَمْرِ عشَرَة، كَما قالَ
رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: ( أتانِي جِبْريلُ فَقالَ يا محمدُ، إِنَّ اللهَ
لَعَنَ الخَمْرَ، وعاصِرَهَا، وَمُعْتَصِرَها، وشارِبَها، وحامِلَها،
والمَحْمُولَةَ إِليهِ، وبائِعَها، ومُبتاعَهَا، وساقِيها، ومُسْقَاها ) ،
وَأَمَرَ الشارعُ بِجَلْدِ شارِبِ الخَمْرِ.
وأَخْطَرُ مِن الخُمُورِ: اسْتِعْمالُ الحَشِيشِ
والْمُخَدِّراتِ، التي أَجْمَعَتْ أنْظِمَةُ الدُّوَلِ، بِما فِيها الدُّوَلُ التي
تُباعُ فِيها الخُمُورُ عَلَنًا، عَلَى مَنْعِها وتَجْريمِ مُسْتَخْدِمِيها
ومُرَوِّجِيها. وما ذاكَ إلّا لِأَنَّ خَطَرَها يَعُودُ عَلَى جَمِيعِ
الضَّرُوراتِ الخَمْسِ التي تَقدَّمَ ذِكْرُها. فَهِي مِنْ أَعْظَمِ ما يُفْسِدُ
دِينَ الْمَرْءِ وعَلاقَتَه بِرَبِّهِ. وهِيَ أَعْظَمُ مُدَمِّرٍ لِلْعَقْلِ
البَشَرِيِّ وإِلْحاقِ صاحِبِهِ فِي عِدادِ البَهائِمِ. وَأَعْظَمُ مُتْلِفٍ
لِلْمالِ. وَسَبَبٌ رَئِيسٌ في فَسادِ العِرْضِ وبَيْعِ الشَّرَفِ، وإهْلاكِ
النَّفْسِ. فَكَمْ مِنْ شابٍّ، ضاعَ شَبَابُهُ ودِينُهُ وشَرَفُهُ ورُجُولتُه بِسَبَبِها.
وَكَمْ مِنْ رَبِّ أُسْرَةٍ ضَحَّى بِقِوَامَتِه ومالِه وقُوتِ عِيالِهِ
بِسَبَبِها. وَكَمْ مِنْ زَوْجَةٍ بائِسَةٍ ضاعَتْ بِسَبَبِ ضَياعِ زَوْجِها وما
جَرّهُ إلَيْها مِنْ حَرَجٍ بِسَبَبِ المُخُدِّراتِ.
ولِعِظَمِ خَطَرِها وَفَتْكِها بالفَرْدِ والمُجْتَمَعِ صارَتْ
المُخُدِّراتُ وَسِيلَةً مِنْ وسائِلِ الحُرُوبِ التي يُسْتَهْدَفُ بِها
المسلمون في هذه البِلادِ. فَالمُخُدِّراتُ سِلاحٌ اسْتَغَلَّهُ أعداءُ الإسلامِ
لِيُحَطِّمُوا بِه شَبابَ المسلمين، تَدْمِيرًا لِدِينِهِم، وقَضَاءً عَلَى
مُسْتَقْبَلِهِم، فالذِين وَقَعُوا في شَرَكِ المُخُدِّراتِ أَظْلَمَتْ حَياتُهُم
بَعْدَ البَصِيرَةِ، وأَلْغَوْا عُقُولَهُم بَعْدَ استِنارَتِها بِهُدُى الله،
وأَقْدَمُوا عَلَى الجَرِيمَةِ، فَيَتَّمُوا أطفالَهُم وَهُمْ أحْياءٌ،
وَرَمَّلُوا نِساءَهُم وَهُم أَحْياءٌ، وأشاعُوا الفَسادَ في الأرضِ بَعْدَ
إصْلاحِها.
إِنَّ حَرْبَ المُخَدِّراتِ أَضْحَتْ مِنْ أَخْطَرِ أَنْواعِ
الحُرُوبِ المُعاصِرَةِ، يُدْرِكُ ذلك مَنْ وَقَفَ فِي المَيْدانَ
وَاقْتَرَبَ مِن المُعْتَرَكِ، سَواءً مِن المُجاهِدِينَ - رجالِ الأَمْنِ
ومُكافَحَةِ الْمُخَدِّراتِ - أَوْ مِن العامِلِينَ فِي جَمْعِيَّاتِ الْمُكافُحَةِ
الخَيْرِيَّةِ وأَطِبَّاءِ الْمُسْتَشْفَيِاتِ.
باركَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم، وَنَفَعنِي
وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ الْحَكِيم، أَقُولُ مَا
تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ
ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الْحَمْدُ للهِ عَلى إِحسانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوفِيقِهِ
وَامتِنَانِهِ، وَأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وَأشهدُ أنَّ
مُحمّداً عَبدُهُ وَرسولُهُ، صلى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلمَ تسليماً
كثيراً . أَمّا بَعدُ
عِبادَ
الله: إنَّ مَواجَهةَ خَطَرِ الْمُخَدِّراتِ لَيْسَت خاصَّةً بِرِجالِ الأَمْنِ
والْمُكافَحَةِ فَقَطْ، بَلْ هِيَ مَسْئُولِيَّةُ الجَمِيعِ، والتَّعاوُنُ في ذلكَ
مُطْلُوبٌ في ذلك ومُتَحَتِّمٌ:
عَلى وَسائِلِ الإِعْلامِ: فإنَّ دَورَها في ذلك مِنْ أَهْمِّ الأَدْوارِ.
وعَلى الأُسْرَةِ: لأنَّها نَواةُ الْمُجْتَمَعِ وأساسُه، والأَولادُ
ذُكُورًا وإناثًا، هُمْ عُنوانُ البَيْتِ ونَتاجُه، قال رسولُ اللهِ صلى اللهُ
عليه وسلم: ( ما مِنْ مَوْلُودٍ إلا يُولَدُ عَلى الفِطْرَةِ، فَأَبَواه
يُهَوِّدانِهِ, أو يُنَصِّرانِهِ، أَوْ يُمَجِّسانِهِ ).
وَتَقَعُ المَسْؤُولِيَّةُ أيضًا: عَلى الْمُعَلِّمِينَ والْمُعَلِّماتِ،
والعُلَماءِ والدَّعاةِ والخُطَباءِ. فإنَّ الجَمِيعَ مَسْؤُولٌ، قال تعالى: (
وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ
).
ويَجِبُ عَلى شَبابِنا أَنْ يَعْلَمُوا عِظَمَ مَسْؤُولِيَتِهِم، وذلك
بِالتَسَلُّحِ بِالتَّقْوَى، والْمُحافَظَةِ عَلى الصلاةِ، ومُجالَسَةِ الصالِحين،
فإنَّ الرَّجُلَ عَلى دِينِ خَلِيلِهِ، والحَذَرِ والتَّحْذيرِ، والتَّعاوُنِ مَعَ
رِجالِ الأَمْنِ والمَسْؤُولينَ في مَواجَهَةِ هذا الخَطَرِ الكَبِيرِ
الْمُدَمِّرِ، فَإنَّ ذلك
يُعْتَبَرُ مِنْ أَعْظَمِ الجِهادِ. وَالسُّكُوتَ عَنْ ذلكَ وَعَدَمَ الإِبْلاغِ
عَنْ مُرَوِّجِيها وباعَتِها لِمَنْ يَعْرِفُهُمْ، يُعْتَبُرُ مِنْ الغِشِّ
والخِيانَةِ لِلْأُمَّةِ.
اللهم احْفَظْ لَنا
دِينَنا وأَمْنَنا وأخْلاقَنا، واحْفَظْ شَبابَنا، وخُذْ بِأَيدِيهِم إلى الهُدَى
والصلاحِ، وانْصُرْ بِهِم دِينَك، وأَعْلِ بِهِم كَلِمَتَك، وأَغِظْ بِهِم أَعْداءَك،
واجعلهم هداةً مهتدين يا رب العالمين.
اللهم لا تدع لنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً
إلا قضيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا مُبتلىً إلا عافيته، ولا عسيراً إلا يسرته،
ولا حاجة من حوائج الدنيا والآخرة هي لك رضاً ولنا فيها صلاح إلا أعنتنا على
قضائها ويسّرتها، برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم احفظنا بالإسلام قائمين واحفظنا
بالإسلام قاعدين واحفظنا بالإسلام راقدين ولا تُشمت بنا أعداء ولا حاسدين، اللهم
أصلح أحوال المسلمين، اللهم أصلح أحوال المسلمين حكاماً ومحكومين، اللهم ألّف بين
قلوب المؤمنين وأصلح ذات بينهم واهدهم سبل السلام وأخرجهم من الظلمات إلى النور يا
ذا الجلال والإكرام، اللهم أرهم الحق حقاً وارزقهم اتباعه وأرهم الباطل باطلاً
وارزقهم اجتنابه، اللهم احفظ بلادنا من كيد الكائدين وعدوان المعتدين، اللهم من
أراد بلادنا بسوءٍ فأشغله بنفسه واجعل كيده في نحره واجعل تدبيره تدميرًا له يا
سميع الدعاء، اللهم وفقّ ولاة أمرنا بتوفيقك وأيّدهم بتأييدك واجعلهم من أنصار
دينك، اللهم حببّ إليهم الخير وأهله وبغّض إليهم الشر وأهله وارزقهم البطانة
الصالحة الناصحة لهم يا أرحم الراحمين، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين
والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات. ( وَأَقِمِ
الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ
اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ) .
وللمزيد من
الخطب السابقة للشيخ أحمد العتيق تجدها هنا :
http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=119
|