احرص
على ما ينفعك،
مَعَ التذكير بِخُطُورةِ التستر التجاري
ومُخالَفة الأنظمة في ذلك
إِنَّ
الحَمدَ للهِ، نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعوذُ باللهِ مِنْ
شُرُورِ أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا
مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إِلا
اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ
وَرَسُولُهُ، صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً
كَثِيراً. أمّا بعد،
عبادَ اللهِ: اتَّقُوا اللهَ تعالى، وابْذُلُوا أسبابَ سَعادَتِكُم
وصَلاحِ أَمْرِ دِينِكُم ودُنْياكُم، وتَذَكَّرُوا قَوْلَ النَبِيِّ صلى اللهُ
عليه وسلم: ( المُؤمنُ القَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنْ الْمؤمنِ
الضعيفِ ). وَلِذلكَ أَمَرَ بِالجِدِّ والاجتِهادِ وَعَدَمِ الكَسَلِ فقال: (
احْرِصْ عَلَى ما يَنْفَعُكَ واسْتَعِنْ بِاللهِ وَلَا تَعْجَزْ ). أيْ ابْحَثْ
عَنْ أيِّ عَمَلٍ تَجِدُ فِيهِ مَنْفَعَةً لَكَ فِي أَمْرِ دِينِكَ وَدُنْياكَ:
فِي طَلَبِ العِلْمِ وَحِفْظِ القُرْآنِ، وفِي التجارةِ، وفِي الْمُذاكَرَةِ
والحِرْصِ عَلَى التَفَوُّقِ في الدِّراسَةِ. إيَّاكَ أَنْ تَسْتَهِينَ بِنَفْسِكَ
ما دُمْتَ مُسْتَعِينًا بِاللهِ وباذِلًا لِلأَسْبابَ. لِأَنَّ الذينَ نَجَحُوا
فِي حَياتِهِم وَتَمَيَّزُوا عَنْ غَيْرِهِم بَشَرٌ مِثْلُكَ. "الذي حَفِظَ
القُرآنَ، والذي نالَ الشهادَةَ العُلْيَا، وَكُلُّ شَخْصٍ مُتَفَوِّقٍ وناجحٍ في
حَياتِه، فَإِنَّه بَشَرٌ مِثْلُكَ". لا فَرْقَ بَيْنَكَ وبَيْنَه إلا فِي
الطُّمُوحِ والهِمَّةِ العالِيَةِ وَعَدَمِ اليَأْسِ. فَإِنَّ: " مَنْ
أَتْعَبَ نَفْسَه فِي البِدَايَةِ، ذَاقَ طَعْمَ الراحَةِ في النِّهايَةِ "،
وهذا عامٌّ في أُمُورِ الدِّينِ والدنيا.
فَفِي أُمُورِ الدنيا: لَوْ
نَظَرْنا عَلَى سَبِيلِ المِثالِ إلى الطالِبِ الْمُتَفَوُّقِ الناجِحِ، والطالِبِ
الفاشِلِ أِوْ الضَّعِيفِ، ثُمَّ نَظَرْنا إلى سِيرَةِ كُلِّ واحِدٍ مِنْهُما،
لَرَأَيْتَ الأَوَّلَ مُجْتَهِدًا في دِراسَتِه، في الْمُوَاظَبَةِ عَلَى
الحُضُورِ وَعَدَمِ الغِيابِ، والمُذَاكَرَةِ الجادَّةِ، والْمُتابَعَةِ
لِلدُّرُوسِ أوَّلًا بِأَوَّلِ، والاجْتِهادِ أَيَّامَ الاِخْتِباراتِ، وَعَدَمِ
السَّهَرِ الذي يُضْعِفُ الهِمَّةَ، وَيُؤَثِّرُ في العَقْلِ. بِخِلافِ الطالِبِ
الضَّعيفِ الذي لا يَهْتَمُّ بِمَا ذُكِرَ.
ومِمَّا يَتَعَلَّقُ
بِأُمُورِ الدنيا: صِحَّةُ الإنسانِ وعافِيَتُه، وهذا أَمْرٌ مُشاهَدٌ وَمُجَرَّبٌ،
فَفَرْقٌ بَيْنَ مَنْ يُسْرِفُ في الطعامِ والشَّرَابِ، فَيُطْلِقُ لِنَفْسِهِ
العِنانَ في ذلك، وَبَيْنَ مَنْ يَقْتَصِدُ في ذلك، فَإِنَّ الأوَّلَ غالِبًا
يَتَضَرَّرُ بِسَبَبِ هذا الإسْرافِ، كَمَا هُوَ الواقِعُ مِنْ كَثْرَةِ
الأَمْراضِ الْمُسْتَعْصِيَةِ التي يَصْعُبُ عِلاجُها. وهكَذا مَنْ يَشْرَبُ
الدُّخَانَ أَوْ يَسْتَعْمِلُ الْمُسْكِراتِ والْمُخَدِّراتِ، فَإِن الضَّرَرَ
لابُدَّ وَأَنْ يَلْحَقَ بَدَنَه، والغالِبُ أَنَّهُ يُتْلِفُه وَيَقْضِي عَلَيْهِ،
بِخِلافِ مَنْ يَصُونُ جَوْفَه عَنْهَا فَإِنَّه يَسْلَمُ مِنْ شَرٍّ كَثِيرٍ،
وَيَتَمَتَّعُ بِالصِّحَّةِ والعافِيَةِ التي تُعْتَبَرُ مِنْ حَسَنَةِ الدنيا.
وَهكذا الأَمْرُ في جَمِيعِ مَصالِحِ الدُّنْيا، كالتجارةِ، والزراعةِ،
والصِّناعةِ، فَإِنَّ مَنْ يَسْتَعِينُ باللهِ، وَيَبْذُلُ الأَسْبابَ الْمُباحةَ
في تَحْصِيلِها، والاسْتِفادَةِ مِنْها، مُتَوَكِّلاً عَلَى اللهِ، لابُدَّ وَأَنْ
يَرَى ثَمَرَةَ جِدِّهِ واجْتِهادِه. وإنَّ مِنْ أَعْظَمِ مَظاهِرِ الضَعْفِ عِنْدَنا،
تَخَلِّيَ الرِّجالِ والشَّبابِ عَنْ العَمَلِ في الْمِهَنِ، سَواءً كانت تجارَةً
أَوْ صِناعَةً أو غَيْرَ ذلك، مِمَّا جَعَلَ لِذلكَ آثارًا سَلْبِيَّةً عَلى
المُجْتَمَعِ، والتي مِنْها: الاعْتِمادُ عَلَى الوَظِيفَةِ، والدَّعَةُ
والخُمُولُ، ونُمُوُّ البَطالَةِ، بَلْ وَحَتَّى مَنْ اشْتَغَل في نَشاطٍ
تِجارِيٍّ أَو صِناعِيٍّ، فإنَّه لا يَتَوَلَّى القِيامَ عَلَيْهِ بِنَفْسِه، إلا
أَقَلَّ القَليلِ مِن الناسِ، وهذا أضْرارُه كَثيرَةٌ ومَفاسِدُه ظاهِرَةٌ،
بِدَلِيلِ ما نَسْمَعُ بِهِ مِن ظاهِرَةِ التَسَتُّرِ التِّجارِي مَعَ الأَسَفِ،
وإيواءِ العَمالَةِ واسْتِعْمالِها في غَيْرِ ما اسْتُقْدِمُوا له، فَإنَّه
مَمْنُوعٌ، وكَسْبُه غَيْرُ جائِزٍ، لِمخالَفَتِهِ تَعْلِيماتِ وَلِيِ الأَمْرِ،
وَكَذلكَ انْتِشارِ تِجارَةِ التَّأْشِيراتِ، مِمَّا تَسَبَّبَ في مُزَاوَلَةِ
أَنْشِطَةٍ مَحْظُورَةٍ شَرْعًا، وَمُضِرَّةٍ بِالْمُجْتَمَعِ.
وهَكَذَا الشَّأْنُ في
أُمُورِ الدِّينِ: فَإِنَّكَ إذا رَأَيْتَ الرَّجُلَ مُحافِظًا عَلَى الصلاةِ مَعَ
الجَماعَةِ، وتالِيًا لِلْقُرآنِ، وبَارًّا بِوالِدَيْهِ، واصِلاً لِرَحِمِهِ،
مُحِبًّا لِلْخَيْرِ وَأَهْلِه، مُتَعَفِّفًا عَن أَكْلِ الحَرامِ، صائِنًا
لِقَلْبِهِ وَفَرْجِهِ وعِرْضِهِ، فاعْلَمْ أَنَّ ذلِكَ ناتِجٌ عَنْ حُسْنِ
التَّرْبِيَةِ، والتَعَلُّقِ بِاللهِ، وَلُزُومِ الكتابِ والسُّنَّةِ،
ومُجَاهَدَةِ النَّفْسِ في طاعةِ اللهِ، فَإِنَّ الطاعةَ لا تَسْهُلُ إلا عَلَى
مَنْ رَبَّى نَفْسَه عَلَيْها وجاهَدَ نَفْسَه فِيها، كَمَا قالَ تعالى: ﴿
وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ
الْمُحْسِنِينَ ﴾. بِخِلافِ مَنْ لا يَشْهَدُ الصلاةَ، أَوْ يَأْتِيها وَهُوَ
كارِهٌ أوْ كَسُولٌ، ولا يَحْفَظُ بَصَرَهُ، ولِسانَه، ولا يُراقِبُ اللهَ فِيمَا
يَأْتِي وَيَذَرُ، فَإِنَّ ذلكَ ناتِجٌ عَنْ إهْمالِه وَبُعْدِه عَنْ اللهِ،
وانْغِماسِهِ في المَعاصِي.
باركَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم، وَنَفَعنِي
وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ الْحَكِيم، أَقُولُ مَا
تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ
ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية
الْحمدُ للهِ ربِّ العَالَمِين، وَالعَاقِبةُ للمُتّقِين، وَلا
عُدوانَ إِلا عَلَى الظَّالِمين، وَأَشهدُ أنْ لا إِلهَ إِلا اللهُ وَحدَهُ لا
شَرِيكَ لَهُ، وَأَشهدُ أَنَّ مُحَمّداً عَبدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَى اللهُ عَليْهِ
وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلّمَ تَسلِيماً كَثِيراً. أما بعد:
عِبادَ الله: اتَّقُوا اللهَ تَعالَى،
واعْلَمُوا أَنَّ الرَّاحَةَ التَّامَّةَ الكامِلَةَ، هِيَ حِينَمَا يَرْضَى اللهُ
عَنْكُم، ويَغْفِرُ ذُنُوبَكُم، وَيِدْخِلُكُم الجَنَّةَ. ولَكِنَّ هذه الراحةَ لا
تَحْصُلُ إلا لِمَنْ أَتْعَبَ نَفْسَهُ في البِدايِةِ، وِبِذِلَ الأسبابَ، ولذلكَ
يَقُولُ اللهُ لِأَهْلِ الجنَّةِ: ﴿ كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا
أَسْلَفْتُمْ فِي الأيَّامِ الْخَالِيَةِ ﴾. وَلَمَّا ذَكَرَ النبيُّ صلى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السبعةَ الذينَ يُظِلُّهُم اللهُ في ظِلِّه يَوْمَ لا ظِلَّ
إلا ظِلُّه، ذَكَرَ أسْبابًا عَظِيمَةً عَمِلُوها، فقال: ( إمَامٌ عَدْلٌ، وشَابٌّ
نَشَأَ في عِبَادَةِ اللَّهِ، ورَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ في المَسَاجِدِ،
ورَجُلَانِ تَحَابَّا في اللَّهِ، اجْتَمعا عليه وتَفَرَّقَا عليه، ورَجُلٌ
دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وجَمَالٍ فَقالَ: إنِّي أَخَافُ اللَّهَ،
ورَجُلٌ تَصَدَّقَ بصَدَقَةٍ فأخْفَاهَا حتَّى لا تَعْلَمَ شِمَالُهُ ما تُنْفِقُ
يَمِينُهُ، ورَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا، فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ ).
اللهم اسْتَعْمِلْنا في طاعَتِكِ، وثَبِّتْنا عَلى دِينِكَ،
وأَعِنَّا عَلى ذِكْرِكَ وشُكْرِكَ وحُسْنِ عِبادَتِك، وأَصْلِحْ لَنا أَمْرَ
دِينِنا ودُنيانا، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وأغننا بفضلك عما سواك، اللهم
خلصنا من حقوق خلقك، وبارك لنا في الحلال من رزقك، وتوفنا مسلمين وألحقنا
بالصالحين، اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليّها ومولاها،
اللهم أصلح أحوال المسلمين حكاماً ومحكومين، اللهم اجمع كلمة المسلمين على كتابك
وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، واجعلهم يداً واحدةً على من سواهم، ولا تجعل
لأعدائهم منةً عليهم يا رب العالمين، اللهم احفظ بلادنا من كيد الكائدين وعدوان
المعتدين، اللهم احفظ بلادنا مما يكيد لها، اللهم مَن أراد بلادنا بسوء فأشغله
بنفسه واجعل كيده في نحره وتدبيره في تدميره يا قوي يا عزيز، اللهم احفظ لهذه
البلاد دينها وأمنها وعزتها وعقيدتها وسيادتها، وأصلح أهلها وحكامها يا أرحم
الراحمين.
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا
الغيث واجعل ما أنزلت لنا قوةً ومتاعاً إلى حين، اللهم أغثنا، غيثاً مُغِيثاً،
هنيئاً مريئاً، سحاً غدقاً، نافعاً غير ضار، عاجلاً غير آجل، اللهم اسقِ بلادك
وعبادك وبهائمك، وانشر رحمتك وأحيي بلدك الميت، اللهم أنزل علينا من السماء ماء
مباركاً تُغيث به البلاد والعباد وتعُمَّ به الحاضر والباد، اللهم إنا نستغفرك
ونتوب إليك، اللهم إنا نستغفرك ونتوب إليك من جميع ذنوبنا، اللهم أغثنا، اللهم
أغثنا، اللهم أغثنا اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد .
وللمزيد من
الخطب السابقة للشيخ أحمد العتيق تجدها هنا :
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=119
|