لَتَتَّبِعُنَّ
سَنَنَ مَنْ كان قَبْلَكُم، والتَحْذيرُ مِن السُّرُورِيَّة
إِنَّ
الحَمدَ للهِ، نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعوذُ باللهِ مِنْ
شُرُورِ أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا
مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إِلا
اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ
وَرَسُولُهُ، صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً
كَثِيراً. أمّا بعد،
عبادَ اللهِ: اتَّقُوا اللهَ تعالى،
وتَذَكَّرُوا الحِكْمَةَ التي مِنْ أَجْلِها خُلِقْتُم، واعْلَمُوا أَنَّ التوحيدَ
هُوَ أصْلُ الدِّينِ وأساسُ الْمِلَّةِ، وأَنَّ العَقيدَةَ هِيَ رأسُ مالِكُمْ،
وعِصْمَةُ أَمْرِكُمْ، واحْذَرُوا مِنْ كُلِّ ما يُناقِضُها أَو يَقْدَحُ فِيها، ألا وإنَّ مِنْ أَشَدِّ ما يُؤَثِّرُ عَلى عقيدَةِ المسلمِ،
التَشَبُّهَ بِالمُشْرِكينَ وأَهْلِ الكتابِ، واتَّباعَ طَريقَتِهِمْ وأَفْعالِهُم،
وقَدْ أَخْبَرَ النبيُّ صلى اللهُ عَليه وسلم أَنَّ في هذه الأُمَّةِ
مَنْ يَفْعَلُ ذلكَ، فَقَالَ مُخْبِرًا ومُشْفِقًا ومُحَذِّرًا: ( لَتَتَّبِعُنَّ
سَنَنَ مَن قَبْلَكُمْ شِبْرًا بشِبْرٍ، وَذِرَاعًا بذِرَاعٍ، حتَّى لو سَلَكُوا
جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ، قُلْنَا: يا رَسُولَ اللَّهِ، اليَهُودَ
وَالنَّصَارَى؟ قالَ: فَمَنْ؟ ). فَفِي هذا الحديثِ يُحَذِّرُ النبيُّ صلى اللهُ
عَلَيْهِ وسلمَّ، مِن سُلُوكِ طَريقَةِ اليهُودِ والنصارى وتَقْلِيدِهِم، وأَنَّ
هذه الأُمَّةَ سَيُوجَدُ فِيها مَنْ يَتَّبِعُ طَريقَةَ اليَهودِ والنصارَى
وَيَتَشَبَّهُ بِهِم، وَقَدْ وَقَعَ ما أَخْبَرَ بِهِ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ
وسلم، وَحَذَّرَ مِنْه. وهذا هُوَ السِّرُّ في كَوْنِنا نَسْألُ اللهَ في كُلِّ
رَكْعَةِ، أَنْ يُجَنِّبَنا طَريقَ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ والضالِّين، فإِنَّ الْمَغْضُوبَ
عَلَيْهِم، هُمْ مَنْ عَرَفَ الحَقَّ وتَرَكَه، وَعَلى رَأْسِهِم اليَهُودُ.
والضَّالِّين: هُمْ مَنْ عَبَدَ اللهَ عَلَى جَهْلٍ، وَعَلَى رَأْسِهِم
النَّصارَى. نَقْرَأُ ذلك في كُلِّ رَكْعَةٍ وَعَلى سَبِيلِ الدَّوامِ، كَيْ
نَتَذَكَّرَ ذلك ولا نَنْساه، ونَشْعُرَ بِأَهَمِّيَّتِهِ وخُطُورَتِه.
وَمِنْ
التَشَبُّهِ بِاليَهُودِ والنَّصارَى: الغُلُوُّ
في الأَنْبِياءِ والصالحين، فإنَّ ذلك يُفْضِي إلى إعْطائِهِمْ مِن
الخَصائِصِ مالا يَجُوزُ إلا لله. قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ( لا
تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتْ النَّصارَى ابنَ مَرْيَمَ, إِنَّما أَنا عَبْدٌ،
فَقُولُوا عَبْدُ اللهِ ورسولُه )
ومِنْ
التَشَبُّهِ بِاليَهُودِ والنَّصارَى: بِناءُ
المَساجِدِ عَلى القُبُورِ، والطَّوافُ بِها، والتَمَسُّحُ والتَبَرُّكُ بِها،
والغُلُوُّ فِيها وفي أَصْحابِها، ودُعاؤُهُم، والتَوَسُّلُ بِهِم، قال
رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ( لَعْنَةُ اللهِ عَلى اليهودِ والنصارَى،
اتَّخَذُوا قُبُورَ أنْبِيائِهِم مَساجِدَ ).
وَمِنْ
التَشَبُّهِ باليَهُودِ والنَّصارَى: الوُقُوعُ
في الفُرْقَةِ والاخْتِلافِ في الدِّينِ، وجَعْلُ الدِّينِ فِرَقًا
وجماعاتٍ وأَحْزابًا، قال رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: ( افْتَرَقَتْ
اليَهُودُ عَلى إحْدَى وسَبْعِينَ فِرْقَةٍ، وافْتَرَقَتْ النَّصارَى عَلى
ثِنْتَيْنِ وسَبْعِينَ فِرْقَةٍ, وسَتَفْتَرِق هذه الأُمَّةُ عَلى ثَلاثٍ
وسَبْعِينَ فِرْقَةِ ). وهذا تَحْذيرٌ مِن النبيِّ صلى اللهُ عَليه وسلم
لأُمَّتِهِ، مِنْ الوُقُوعِ فيما وقَعُوا فيه، لأَنَّ الحَقَّ واحِدٌ لا
يَتَعَدَّدُ، ألا وَهُوَ ما كانَ عَلَيْهِ النبيُّ صلى اللهُ عَليْهِ وسلمَ
وأصْحابُه. وهذا هُوَ الذي يَجْعَلُ عُلَماءَ أهْلِ السُّنَّةِ يُؤَكِّدُونَ
دائِمًا عَلى لُزُومِ السَّنَّةِ والسَّيْرِ عَلَيْها عِلْمًا وعَمَلاً ودَعْوَةً،
لأَنَّ الأُمَّةَ بِدُونِ ذلكَ لابُدَّ وأَنْ تَقَعَ في الفُرْقَةِ.
وهذِهِ الفِرَقُ التي
ذَكَرَها النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وسلم، بَدَأَتْ في الظُّهُورِ في أَواخِرِ
عَهْدِ الصحابَةِ رضي اللهُ عَنْهُم، وأَوَّلُها الشِّيعَةُ والخَوارِجُ، ولا
يَزَالُ ظُهُورُها مُسْتَمِرًا عَلى اخْتِلافِ مُسَمَّياتِها، إلى يَوْمِنا هذا
كَمَا هُوَ مُشاهَدٌ وَمَلْمُوسٌ، وَمِنْ هذه
الفِرَقِ: فِرْقَةُ السُّرُورِيَّةِ،
إحْدَى وُجُوهِ جَماعَةِ الإخْوانِ، والتي تَجَرَّعَتْ مِنْها الأُمَّةُ في هذا
الزَّمانِ الوَيْلاتِ، فَهِي التي تَوَلَّتْ كِبْرَ الغُلُوِّ والتَكْفيرِ،
وفَرَّخَت الدَّواعِشَ والقاعِدَةَ وَغَيْرَهُما مِنْ التَنْظِيماتِ، وَغَرَّرَتْ
بِكَثيرٍ مِن شَبابِ المسلمينَ، وَعَزَلَتْهُم عن عُلَمائِهِم، وتَحَالَفَت مَعَ
أَعْداءِ الإسلامِ في الباطِنِ، لِنَشْرِ الفَوْضَى في بِلادِ الْمُسْلِمينَ،
والخُرُوجِ عَلى وُلاتِها، وسَفْكِ الدِّماءِ المَعْصُومَةِ.
والتَشَبُّهُ
يا عِبادَ اللهِ بابُه واسِعٌ، ولَكِنَّ الخْطَرَ ما كانَ في
أُمُورِ العَقِيدَةِ، وإلا فَمَنْ نَظَرَ إلى حالِ كَثيرٍ مِن بِلادِ الْمُسْلِمينَ،
رأَى الهَزيمَةَ النَّفْسِيَّةَ فِيهِم، مِن خِلالِ مُشارَكَتِهِم في طُقُوسِهِم،
وتَقْلِيدِهِم، والاهْتِمامِ بِعاداتِهِم، ولِباسِهِم، وتَقْلِيعاتِهِم، والثناءِ
عَلَيْهِم، إلا مَنْ رَحِمَ اللهُ مِمَّن اعْتَزَّ بِدِينِه وعَقِيدَتِه،
وهَوِيَّتِه فَحَماهُ الله.
باركَ اللهُ لِي وَلَكُم
فِي القُرآنِ الْعَظِيم، وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ
وَالذّكرِ الْحَكِيم، أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم
وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية
الْحمدُ للهِ ربِّ
العَالَمِين، وَالعَاقِبةُ للمُتّقِين، وَلا عُدوانَ إِلا عَلَى الظَّالِمين،
وَأَشهدُ أنْ لا إِلهَ إِلا اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشهدُ أَنَّ
مُحَمّداً عَبدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ
وَسَلّمَ تَسلِيماً كَثِيراً. أما بعد:
عِبادَ الله: وَمِنْ
مَظاهِرِ تَقْلِيدِ أَهْلِ الكِتابِ، أَنْ يَتْرُكَ رَبُّ الأُسْرَةِ الحَبْلَ عَلى الغارِبِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَرْأَةِ، وأَنْ لا يَهْتَمَّ بِرِعايَتِها وَصِيانَتِها وحِمايَتِها مِنْ نَفْسِها ومِنْ مَرْضَى القُلُوبِ. وَمِنْ ذلكَ: تَبَرُّجُ النِّساءِ، وما يَتْبَعُه مِنْ ألْبِسَةٍ تَخْدِشُ الحياءَ،
وتَنْزِعُ الشِّعارَ الظاهِرَ لِلمَرأةِ الْمُسلِمةِ، فإذا كانت المَرْأَةُ كذلك،
فَقَدْ قَلَّدْت اليَهُودَ والنَّصارَى، قال رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (
كانت فِتْنَةُ بَني إسرائيلَ في النِساء ). وبَنُوا إسرائيلَ هُم اليهُودُ
والنصارى، فَماذا بعد هذا الوَعْظِ والبيان؟!
وَيَجِبُ أَنْ نَعْلَمَ يا
عِبادَ اللهِ: أَنَّ ما يَتَعَلَّقُ بِأُمُورِ الدُّنْيا مِن الصِناعَةِ والحِرَفِ
والاخْتَراعاتِ، مِمَّا في أيدِي الكُفارِ، وما يَعُودُ عَلى المسلمين بِالنَّفْعِ،
مَعَ الاستِفادَةِ مِن خِبْراتِهِم وتَجارُبِهِم، فإنَّه جائِزٌ بَلْ مَطْلُوبٌ،
ولا عَلاقَةَ لَه بِما تَقَدَّمَ مِن الكلامِ، بَلْ يَجِبُ أَنْ نَتَعَلَمَ ذلك
لِنَسْبِقَهُم ونَتَفَوَّقَ عَلَيْهِم.
اللهم اسْتَعْمِلْنا في طاعَتِكِ،
وثَبِّتْنا عَلى دِينِكَ، وأَعِنَّا عَلى ذِكْرِكَ وشُكْرِكَ وحُسْنِ عِبادَتِك،
وأَصْلِحْ لَنا أَمْرَ دِينِنا ودُنيانا، وخلصنا من حقوق خلقك وبارك لنا في الحلال
من رزقك، وتوفنا مسلمين وألحقنا بالصالحين. اللهم احفظنا بالإسلام قائمين واحفظنا
بالإسلام قاعدين واحفظنا بالإسلام راقدين ولا تُشمت بنا أعداء ولا حاسدين، اللهم
أصلح أحوال المسلمين، اللهم أصلح أحوال المسلمين حكاماً ومحكومين، اللهم ألّف بين
قلوب المؤمنين وأصلح ذات بينهم واهدهم سبل السلام وأخرجهم من الظلمات إلى النور يا
ذا الجلال والإكرام، اللهم أرهم الحق حقاً وارزقهم اتباعه وأرهم الباطل باطلاً
وارزقهم اجتنابه، اللهم احفظ بلادنا من كيد الكائدين وعدوان المعتدين، اللهم من
أراد بلادنا بسوءٍ فأشغله بنفسه واجعل كيده في نحره واجعل تدبيره تدميرًا له يا
سميع الدعاء، اللهم وفقّ ولاة أمرنا بتوفيقك وأيّدهم بتأييدك واجعلهم من أنصار
دينك، اللهم حببّ إليهم الخير وأهله وبغّض إليهم الشر وأهله وارزقهم البطانة
الصالحة الناصحة لهم يا أرحم الراحمين، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين
والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات.
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا
الغيث واجعل ما أنزلت لنا قوةً ومتاعاً إلى حين، اللهم أغثنا، غيثاً مُغِيثاً،
هنيئاً مريئاً، سحاً غدقاً، نافعاً غير ضار، عاجلاً غير آجل، اللهم اسقِ بلادك
وعبادك وبهائمك، وانشر رحمتك وأحيي بلدك الميت، اللهم أنزل علينا من السماء ماء
مباركاً تُغيث به البلاد والعباد وتعُمَّ به الحاضر والباد، اللهم إنا نستغفرك
ونتوب إليك، اللهم إنا نستغفرك ونتوب إليك من جميع ذنوبنا، اللهم أغثنا، اللهم
أغثنا، اللهم أغثنا اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد .
وللمزيد من
الخطب السابقة للشيخ أحمد العتيق تجدها هنا :
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=119
|