الكَهانَةُ
والسِّحْرُ والعَرافة
إِنَّ
الحَمدَ للهِ، نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعوذُ باللهِ مِنْ
شُرُورِ أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا
مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إِلا
اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ
وَرَسُولُهُ، صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً
كَثِيراً. أمّا بعد،
عبادَ اللهِ:
اتَّقُوا اللهَ تعالى، واعلمُوا أَنَّ مِن الأقوالِ والأفعالِ التي تُناقِضُ
التوحيدَ وتُخْرِجُ العبدَ عن دائِرَةِ الإسلامِ: ادِّعاءَ عِلْمِ الغَيْبِ عَن
طريقِ العَرافَةِ والكَهانَةِ والسِّحْرِ، أو قِراءَةِ الكَفِّ والفِنْجانِ. والمُرادُ بالغَيْبِ: ما غابَ عَن الناسِ مِن
الأُمُورِ المُسْتَقْبَلَةِ والماضِيَةِ ومَا لا يَرَوْنَه، وَقَدْ اخْتَصَّ اللهُ
تَعالَى بِعِلْمِ الغَيْبِ، فقال سُبْحانَه: ( قُل لا يَعْلَمُ مَن فِي
السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ ). وقال تعالى: ( قُلْ لا أَمْلِكُ
لِنَفْسِي نَفْعاً ولا ضَرًّا إلا ما شاءَ اللهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الغَيْبَ
لاسْتَكْثَرْتُ مِن الخَيْرِ وما مَسَّنِيَ السُّوءُ ). فَلا يَعْلَمُ الغَيْبَ
إلا اللهُ وَحْدَه. فَمَن ادَّعَى عِلْمَ الغَيْبِ
بَأَيِّ وَسِيلَةٍ مِن الوَسائِلِ، فَهُوَ كافِرٌ باللهِ. قال رسولُ
اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: ( منْ أَتَى كاهِنًا فَصَدَّقَه بِما يقولُ،
فَقَدْ كَفَرَ بِما أُنْزِلَ عَلى محمدٍ صلى اللهُ عليه وسلم ). وقال أيضًا: ( مَنْ أَتى عَرَّافًا
فَسَأَلَه عَنْ شَيْءٍ، لَمْ تُقْبَلْ لَه صلاةٌ أَربَعين يَومًا ). وفي هذا
الحديثِ يُبَيِّنُ النبيُّ صلى اللهُ عليه وسلم حُكْمَ مُجَرَّدِ السُّؤَالِ
فَقَطْ، ولَوْ لَمْ يَحْصُلْ تَصْدِيقٌ مِن السائِلِ، أَنَّه لا تُقْبَلُ له صلاةٌ
أربعين يَوْمًا، ما لَمْ يَتُبْ، فَكَيْفَ إذا صَدَّقَه؟.
والعَرَّافُ:
اسْمٌ لِلكاهِنِ، والساحِرِ، ومَنْ يقْرَأُ الكَفَّ، ومَنْ يَقْرأُ الفِنْجانَ،
أَو الْمُشَعْوِذِ الذي يُخْبِرُ عن الْمُغَيّباتِ، والأشياءِ المَفْقُودَةِ،
وأسبابِ بَعْضِ الأَمْراضِ. والعَرَّافُ أيضًا:
اسْمٌ لِلمُنَجِّمِ الذي يَسْتَدِلُّ بِالنُّجُومِ والأَحْوالِ الفَلَكِيَّةِ على
الحَوادِثِ الأَرْضِيَّةِ، كَأَوْقاتِ هُبُوبِ الرياحِ وَمَجِيءِ المَطَرِ،
وتَغَيُّرِ الأِسْعارِ، وغَيْرِ ذلك مِن الأُمُورِ التي يَزْعُمُونَ أَنَّها
تُدْرَكُ مَعْرِفَتُها بِسَيْرِ الكَواكِبِ في مَجارِيها، واجْتِماعِها وافْتِراقِها.
وَيُقولُونَ: مَنْ تَزَوَّجَ في نَجْمِ كَذا وكَذا، حَصَلَ لَه كَذا وَكَذا،
وَمَن سافَرَ في نَجْمِ كَذا حَصَلَ لَه كَذَا، وَمَن وُلِدَ في نَجْمِ كَذا
وَكَذا حَصَلَ لَه كذا، مِن السُّعُودِ أَو النُّحُوسِ، كَما يُعْلَنُ في بَعْضِ
المَجَلاَّتِ أَو القَنَواتِ أو المَواقِعِ، مِن الخُزَعْبَلاتِ حَوْلَ البُرُوجِ،
وَما يَحْصُلُ فيها مِن الحُظُوظِ.
وصِناعَةُ
التَنْجِيمِ: هِيَ ضَرْبٌ مِن الكِهانَةِ أَو العِرافَةِ، وَقَدْ أصْبَحَتْ
حِرْفَةً خَطِيرَةً في العَصْرِ الحَدِيثِ، ولَها انْتِشارٌ كَبيرٌ، وَأَصْبَحَ
التَنْجِيمُ فِي أَغْلَبِ صُوَرِهِ وَسِيلَةً مِن وَسائِلِ ابْتِزازِ أَمْوالِ
الآخَرِين، وَلَهُ وَسائِلٌ ساعَدَت في نَشْرِهِ، فَمِن ذلك: ما يَكُونُ فِي
بَعْضِ المَواقِعِ الإلِكْتُرُونِيَّةِ، والفَضائِيَّاتِ، وَوَسائِلِ التَوَاصُلِ،
تَحْتَ عُنْوَانِ: الأَبْراجِ، أَوْ أَبْراجِ الحَظِّ، وَرَبْطِ حُظُوظِ الناسِ،
أو سُلُوكِياتِهِم أو مُسْتَقْبَلِهِم بِها، وإيهامِ الناسِ بِأَنَّ لِهذِهِ
الخُرافَةِ مُخْتَصِّينَ ومُسْتَشارينَ، وأَنَّ لَهم مَعْرِفَةً بِأَحْوالِ
وحُظُوظِ مَوالِيدِ هذه الأبراجِ. وهذا كُلُّهُ مِن الكَهانَةِ والتَنْجِيمِ،
وادِّعاءِ عِلْمِ الغَيبِ الذي اخْتَصَّ اللهُ بِهِ ولَمْ يَهَبْهُ لا لِمَلَكٍ
مُقَرَّبٍ ولا لِنَبِيٍّ مُرْسَلٍ، فَضْلاً عن غَيْرِهِم. فَدَعْوَى عِلْمِ
الغَيْبِ شِرْكٌ أَكْبَر، وتَصْدِيقُ مَن يَدَّعِي عِلْمَ الغَيْبِ شِرْكٌ أَكَبَر،
وَمُتابَعَةُ أخبارِ هؤلاءِ الدَّجَّالِين للتَّسْلِيَةِ فقَطْ مَعْصِيَةٌ لله،
يَجِبُ التَّوبَةُ إلى اللهِ مِنها.
وَمَن سَأَلَ
أَيًّـا مِن هؤلاءِ الْمَذْكُورِينَ، أَيًّا كانَت مُسَمَّياتُهُم،
عَنْ شَيْءٍ، وَلَو كانَ لِلضَّرُورَةِ، سَواءً كانَ سُؤالاً مُباشِرًا، وذلك
بِأَنْ يَذْهَبَ إليهم، أو عَن طريقِ الجَوَّالِ، أو القَناةِ الفَضائِيَّةِ،
فَإنْ كان يَعْتَقِدُ حُرْمَةَ هذا العَمَلِ، وأَنَّهُم لا يَعْلَمُونَ الغَيْبَ،
فَهُو آثِمٌ ومُرتَكِبٌ كَبيرةً مِن الكبائِرِ، ولا تَقْبَلُ له صلاةٌ أربعين
يومًا. ومَنْ سَأَلَهُم مُعْتَقِدًا جَوازَ سُؤالِهِمْ، أَوْ أَنَّهُمْ
يَعْلَمُونَ الغَيْبَ، فَهُو كافِرٌ باللهِ، خارِجٌ عن الإسلامِ، والعياذُ باللهِ.
باركَ اللهُ لِي وَلَكُم
فِي القُرآنِ الْعَظِيم، وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ
وَالذّكرِ الْحَكِيم، أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم
وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية
الْحمدُ للهِ ربِّ
العَالَمِين، وَالعَاقِبةُ للمُتّقِين، وَلا عُدوانَ إِلا عَلَى الظَّالِمين،
وَأَشهدُ أنْ لا إِلهَ إِلا اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشهدُ أَنَّ
مُحَمّداً عَبدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ
وَسَلّمَ تَسلِيماً كَثِيراً. أما بعد:
عِبادَ اللهِ:
ومِن التَدَخُّلِ في عِلْمِ الغَيْبِ، وإنْ لَمْ يَكُنْ داخِلاً في حُكْمِ
الكهانَةِ والعَرافَةِ، ولَكِنَّه مِن القَوْلِ عَلى اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ: ما
يَفْعَلُهُ بَعْضُ الْمُتَجَرِّئِينَ عَلى اللهِ، عِنْدَما يَنْشُرُونَ مَقاطِعَ
عَبْرَ وَسائِلِ التَّواصُلِ، تَتَضَمَّنُ شَيْئًا مِن الفَضائِلِ، الْمُتَرَتِبَةِ
عَلى بَعْضِ الأَقوالِ أَو الأعمالِ، كَمَن يَقُولُ: مَن قال كذا، أو فَعَلَ كذا،
غُفِرَتْ ذُنُوبُه، أَو رَبِحَ في تِجارَتِهِ، أَو رُزِقَ وَلَداً، أَوْ أصْبَحَ
ثَرِيًّا، وَمَن فَعَلَ المَعْصِيَةَ الفُلانِيَة، أَصابَهُ كذا، أَوْ حَلَّتْ
بِهِ المُصِيبَةُ الفُلانِيَّة. وما شابَهَ ذلك، ثُمَّ يُطالِبون بِنَشْرِها، وأَنَّ
مَن نَشَرَها يَحْصُلُ لَه كذا وكذا. بِلا دَلِيلٍ من الكِتابِ والسَّنَّةِ عَلَى
هذا الفَضْلِ، أو الثَّوابِ، أَو العِقابِ. وهذا كُلُّهُ مِن عِلْمِ الغَيْبِ الذي
اخْتَصَّ اللهُ بِه، فلا يَجُوزُ ذِكْرُه إلا بِدَلِيلٍ مِن الكتابِ والسنةِ.
فاتَّقُوا اللهَ عِبادَ الله، وصُونُوا
تَوْحِيدَكُم مِن كُلِّ ما يَنْقُضُهُ أو يُنَقِّصُه، وتُوبُوا إلى اللهِ جَميعاً
أيُّها المؤْمِنون لعلكم تفلحون.
اللهم إنا نعوذ بك أن نشرك بك ونحن نعلم ونستغفر لك لما لا نعلم،
اللهم ارزقنا التوحيد الخالص، واجعلنا ممن يدخل الجنة بغير حساب ولا عذاب يا رب
العالمين، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وفقهنا في دينك يا ذا الجلال
والإكرام، اللهم آتِ نفوسنا تقواها وزكّها أنت خير من زكاها أنت وليّها ومولاها،
اللهم خلصنا من حقوق خلقك، وبارك لنا في الحلال من رزقك، وتوفنا مسلمين وألحقنا
بالصالحين، اللهم أصلح أحوال المسلمين، اللهم أصلح أحوال المسلمين حكاماً
ومحكومين، اللهم ألّف بين قلوب المؤمنين وأصلح ذات بينهم واهدهم سبل السلام ونجهم
من الظلمات إلى النور وانصرهم على عدوك وعدوهم يا قوي يا عزيز، اللهم احفظ بلادنا
من كيد الكائدين وعدوان المعتدين، اللهم احفظ لبلادنا دينها وأمنها وعزتها
وعقيدتها وسيادتها، اللهم انصرها على من يكيد لها في داخلها وخارجها، اللهم أخرجها
من الفتن والشرور، واجعلها أقوى مما كنت، اللهم أصلح أهلها وحكامها واجمع كلمتهم
وألف بين قلوبهم واجعلهم يدا واحدة على من عداهم يا قوي يا عزيز، اللهم اغفر
للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب
الدعوات.
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا
الغيث واجعل ما أنزلت لنا قوةً ومتاعاً إلى حين، اللهم أغثنا، غيثاً مُغِيثاً،
هنيئاً مريئاً، سحاً غدقاً، نافعاً غير ضار، عاجلاً غير آجل، اللهم اسقِ بلادك
وعبادك وبهائمك، وانشر رحمتك وأحيي بلدك الميت، اللهم أنزل علينا من السماء ماء
مباركاً تُغيث به البلاد والعباد وتعُمَّ به الحاضر والباد، اللهم إنا نستغفرك
ونتوب إليك، اللهم إنا نستغفرك ونتوب إليك من جميع ذنوبنا، اللهم أغثنا، اللهم
أغثنا، اللهم أغثنا اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد .
وللمزيد من
الخطب السابقة للشيخ أحمد العتيق تجدها هنا :
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=119 |