أهَمِّيَّةُ
التوحيدِ والتحذيرُ مِنْ جَماعَةِ التبليغِ
06 -05 - 1443
إِنَّ
الحَمدَ للهِ، نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعوذُ باللهِ مِنْ
شُرُورِ أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا
مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إِلا
اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ
وَرَسُولُهُ، صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً
كَثِيراً. أمّا بعد،
عبادَ الله:
اتَّقُوا اللهَ تعالى، واعْلمُوا أنَّ تَحْقِيقَ شَهادَةِ أن لا إله إلا الله، وأن
مُحَمَّداً رسولُ الله، قَولاً وعَمَلاً، والعِنايَةَ بالعَقِيدَةِ الصَّحيحةِ
التي بُعِثَ بها رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، والعملَ الصالحَ الذي هو
مُقْتَضَى هذه العقيدة، هو السّبَبُ الوحيدُ الذي مِن أَجْلِهِ خُلِقْنا، فلا
تَبْحَثُوا عَن سَبَبٍ آخَرَ لِوُجُودِنا، قال تعالى: ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ
وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ). فَكُلَّما انْشَغَلْتَ أَيُّها العَبْدُ
بِدُنياكَ عن دِينِك، فَقْلْ: إِنِّي لَم أُخْلَق لِهذا. واسْتَحْضِرُوا ذلك
وتَذَكَّرُوه وتَذاكَرُوه عَلَى سَبِيلِ الدَّوامِ، كَيْ لا تَسْتَحْكِمَ
عَلَيْكُم الغَفْلَةُ.
وتذكروا
دائِمًا أَنَّ العِبادَةَ لا تُسَمَّى عِبادَةً، إلا مَعَ
التوحيد، مَهْما عَمِلَ العَبْدُ مِن العِباداتِ واسْتَكْثَرَ مِنها. كالوُضُوءِ
بالنسبَةِ للصلاةِ، فَإِنَّ صَلاةَ العَبْدِ مَهْما كَثُرَتْ فَإِنها لا تُقْبَلُ
إِلا بالطُّهُورِ، لِأَنَّه مِفْتاحُها. قال تعالى: ( وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ
وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا
)، أَي أَنَّ سَعْيَه لا يَكونُ مَشْكُوراً حَتى يُؤْمِنَ ويُوَحِّدَ اللهَ.
وكَذلك الشِّرْكُ، فَإِنَّه بِالنِّسْبَةِ لِلْعِبادَةِ كالحَدَثِ بِالنِّسْبَةِ
لِلصَّلاةِ، فَإِنَّه يُبْطِلُها، قال تعالى: ( وَلَو أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُم
ما كانُوا يَعْمَلُون ).
وهذا
هو السِّرُّ في كَوْنِ دَعْوَةِ الأنبياءِ قائِمَةً على
التوحيدِ وأُصُولِ الإيمانِ، مُنْذُ أَنْ يُبْعَثَ الواحِدُ مِنْهُم إلى أَن يَمُوتُ.
وهذا
أيْضًا هُو السِّرُّ في كَثْرَةِ أَدِلَّةِ التوحيدِ في
القرآنِ والسنة، بَلْ إنَّ أَدِلَّةَ القرآنِ والسُّنَّةِ كُلَّها في التوحيدِ
وتَحْقِيقِ مَعْنَى الشهادَتين.
ولِذلك
نَجْدُ التذْكِيرَ في كتابِ اللهِ بِشأنِهِ
كَثِيرًا ودائِمًا لا يَنْقَطِعُ. بَلْ حَتى في عَمَلِ اليَومِ واللَّيْلَةِ
نَجِدُ هذا التَّكْرارَ في التَّذْكيرِ. أَلَسْنا نَسْمَعُ الأذانَ خَمْسَ
مَرَّاتٍ في اليَومِ والليلةِ؟ وَقَدْ شُرِعَ لَنَا مُتابَعَتُه كُلَّمَا
نَسْمَعُه؟ فَإِنَّ أَلفاظَهُ كُلَّها تَوحيدُ، وتَذْكيرٌ بالشهادتين. لِماذا لا
نَعْتَبِرُ بِهذا التَكْرارِ الدَائِمِ الْمُسْتَمِرّ؟. ألَسْنا نُصَلِّي عَلى
الأَقَلِّ خَمْسَ صَلَواتٍ في اليومِ والليلةِ؟ فَإِنَّ تَحْريمَها التكبيرُ،
وانْتِقالاتُها بالتكبير، ونَقْرَأُ فِيها سُورةَ الفاتحةِ، وَهِيَ أَعْظَمُ
سُوَرِ القرآنِ، لِاشْتِمالِها على أَصُولِ العَقيدةِ وأَنْواعِ التوحيدِ، ولا
بُدَّ فيها مِن التَشَهُّدِ والجُلُوسِ لَه، لِأَنَ أَلفاظَهُ كُلَّها تَوحيد.
تَكْرارٌ دائِمٌ لا يَنْقَطِع.
ولا
عَجَبَ في ذلك: فَإِنَّ الخَلْقَ لَمْ يُخْلَقْ إِلا
مِنْ أَجْلِ عِبادَةِ اللهِ وَحْدَه لا شَرِيك لَه، والرُّسُلَ لَمْ تَبْعَثْ إِلا
مِن أَجْلِهِ، وَعَلَمَ الجِهادِ لَم يُرْفَعْ إِلا مِن أَجْلِه، وَسُوقَ الجنةِ
والنارِ لَمْ يَقُمْ إلا مِن أَجْلِهِ، وهُوَ حَقُّ اللهِ الأَعْظَمُ على عِبادِه،
وَأَوَّلُ سُؤالٍ يُسْأَلُ عَنْه كُلُّ مَقْبُورٍ، ولِذلكَ فُطِرَ العِبادُ
عَلَيْهِ وهُمْ في ظُهُورِ آبائِهِم، وُوُلِدُوا عَلَيْه.
وَكَذلِكَ
لا عَجَبَ: أَنْ يكونَ مَقْصُودُ الشيطانِ الأَعْظَمُ هو
صَدَّ الناسِ عَنْه، فإِذا تَحَقَّقَ لَه ذلك، لَمْ يَعْبّأْ بِما سِواه مِن
الذُّنُوبِ. أَلا تَرَوْنَ قِلَّةَ العِنايَةِ بِمَسائِلِ التوحيدِ والعَقِيدَةِ
لَدَى كَثِيرٍ مِن الْمُسْلِمين؟ بَلْ والدُّعاةِ ومَنْ يَنْتَسِبُ إِلى العِلمِ
أَيضًا؟!. إلا مَن رَحِمَ اللهُ، وقَلِيلٌ ما هم. كُلُّ ذلك تَثْبِيطٌ مِن
الشيطانِ وتَهْوِينٌ لِهذا الواجِبِ العَظيمِ في نُفُوسِ المؤمنين، وإشْعارُهُم
بِأَنَّ التوحيدَ مَعْروفٌ، والعَقيدَةَ أَمْرُها سَهْلٌ، كَيْ يَتَهاوَنُوا في
شَأْنِها. لأَنَّه بالتوحيدِ والعَقِيدَةِ الصَّحِيحَةِ: يُمَكَّنُ للمسلمين،
ويَزُولُ الشِّرْكُ وَمَظاهِرُه، وَيَنْهَزِمُ الإلحادُ وَشُبَهُهُ، وتَنْمَحِي
خُرافاتُ القَبُورِيِّينَ والسَّحَرَةِ والْمُشَعْوِذين، وتَقْوَى عَقِيدَةُ
الوَلاءِ والبَراءِ، ويَكْتَمِلُ التَّوَكُّلُ، وتَتَعَلَّقُ القُلُوبُ بِخالِقِها
وَمَعبودِها، وتَنْقادُ لِأَحْكامِه. وَتَزُولُ الفُرْقَةُ والحِزْبِيَّةُ
والعَصَبِيَّةُ والعُنْصُرِيَّةُ. وبِالتوحيدِ والعقيدةِ لا تَرَى طَوافًا عَلى الْمَقْبُورينَ
ولا تَوَسُّلًا بِهِمْ ولا دُعاءً ولا اسْتِغاثَةً ولا تَبَرُّكًا ولا تَمَسُّحًا
لا بِالأَمْواتِ ولا بِالأَحْياءِ، ولا بِناءً لِلْمَساجِدِ عَلَى القُبُورِ، ولا
أَيَّ مَظْهَرٍ مِن مَظاهِرِ الغُلُوِّ فيها.
باركَ اللهُ لِي وَلَكُم
فِي القُرآنِ الْعَظِيم، وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ
وَالذّكرِ الْحَكِيم، أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم
وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية
الْحمدُ للهِ ربِّ
العَالَمِين، وَالعَاقِبةُ للمُتّقِين، وَلا عُدوانَ إِلا عَلَى الظَّالِمين،
وَأَشهدُ أنْ لا إِلهَ إِلا اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشهدُ أَنَّ
مُحَمّداً عَبدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ
وَسَلّمَ تَسلِيماً كَثِيراً. أما بعد:
عبادَ الله:
لا تَعْجَبُوا حِينَما تَرَوْن أعْداءَ الإسلامِ يَتَحالَفُونَ ضِدَّ هذه العقيدةِ،
وأَهْلِها، لأَنَّهمْ يَعْلَمُونَ أَنَّه بِبَقائِها بَقاءُ الدَّعْوَةِ،
وبِزَوالِها زَوالُ الدَّعْوَةِ. فإنَّ هذه العقيدةَ
مُحارَبَةٌ، وأعداؤُها عَلى قِسْمَيْنِ. القِسْمُ
الأَوَّلُ: هُمْ الكُفَّارُ الصُّرَحَاءُ. والقِسْمُ
الثاني: هُمْ أَهْلُ البِدَعِ الذين يَعْلَمُونَ أَنَّ الدعوةَ إلى
العقيدَة تَهْدِمُ أُصُولَهُم. ومِنْ أشَدِّ أَهْلِ
البِدَعِ عَداوَةً لِدَعْوَةٍ التوحيدِ: الصُّوفِيَّةُ، يَعْلَمُ ذلك كُلُّ
مَنْ تَعَلَّمَ عَقِيدَةَ أهْلِ السُّنَّةِ وَدَعَا إليْها، فَإنَّ لَهُم طُرُقًا
مُتَنَوِّعَةً وأساليبَ مُمَنْهَجَةً لا تَنْقَضِي، ومِنْها زَرْعُ الجَماعاتِ في
بِلادِ أهْلِ السُّنَّةِ، والتَّغْريرُ بِشَبابِها، بِاسْمِ الدَّعْوَةِ. ومِنْ هذه الجَماعاتِ: جَماعَةُ التبليغِ أَوْ الأحْبابِ،
والتي لا تأْلُوا جُهْدًا في اسْتِقْطابِ الشَّبابِ، وإشْغالِهِم بِالخُرُوجِ
والدَّعْوَةِ والرَّوحانِيَّاتِ والأَحْوالِ، لِجَذْبِهِم إليْهِمْ، ومِنْ ثَمَّ
تَعْلِيقِهِم بِهذه الجماعَةِ، ومِنْ ثَمَّ نَقْلِهِم مِن عَقيدَتِهِم، إلى
عَقيدَةِ هذه الجماعةِ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُون. وهذا الكلامُ فيهِمْ لَيْسَ
رَجْمًا بِالغَيْبِ، ولَيْس اتِّهامًا عارِيًا عن العِلْمِ، فإنَّ كُلَّ مَنْ
تَتَبَّعَ هذه الجماعةَ مِن مَصْدَرِها، رَأَى التَّصَوُّفَ بِأُمِّ عَيْنِهِ،
وَرَأَى التَّصْريحَ بِعَدَاوَةِ دَعْوَةِ التوحيدِ ودُعاتِها. ورَأَى التَهْوِينَ
مِن شَأْنِ الشِّرْكِ الذي هُوَ أَكْبَرُ الذُنُوبِ، وَرأَى كَيْفَ يَتَفَنَّنُونَ
في عَزْلِ الشَّبابِ عن العِلْمِ والعُلُماءِ. بَلْ وَحَتَّى فِيما يَتَعَلَّقُ
بالبَيْعَةِ، فإنَه لا يُوجَدُ في أعْناقِهِمْ بَيْعَةُ لِوُلاةِ الأَمْرِ، ولا
يُوجَد في أَعْناقِهِمْ إلا البَيْعَةُ والوَلاءُ لأَمَراءِ جَماعَتِهِم، وإِنْ
تَظاهُرُوا بِخِلافِ ذلك، مِنْ أَجْلِ التَّغْريرِ بالشَّبابِ وجَرِّ أَرْجُلِهِم
ورَمْيِهِم في أَحْضانِ الجماعَةِ، أَو الجماعاتِ التَّكْفِيرِيَّةِ، لأَنَّها
بَوابَةٌ إلى كُلِّ تَنْظِيمٍ إرْهابِيٍّ. وَهِيَ جَماعَةٌ مَحْظُورَةٌ في
بِلادِنا وَلِلهِ الحَمْدُ، كَغَيْرِها مِن الجماعاتِ والتَنْظِيماتِ
الحِزْبِيَّةِ.
فإيَّاكُمْ
والتَّساهُلَ في ذلك يا عِبادَ اللهِ، فإنَّ العَقِيدَةَ هِيَ رأْسُ مالِنا
وعِصْمَةُ أَمْرِنا.
اللهم
اهْدِنا صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ، واجْعَلْنا هُداةً مُهْتَدِينَ، وأرِنا الحَقَّ
حَقًّا وارْزُقْنا اتِّباعَه، وأَرِنا الباطِلَ باطِلاً وارْزُقْنا اجْتِنابَه،
اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وفقهنا في دينك يا ذا الجلال والإكرام، اللهم
خلصنا من حقوق خلقك، وبارك لنا في الحلال من رزقك، وتوفنا مسلمين وألحقنا
بالصالحين، اللهم أصلح قلوبنا وأعمالنا وأحوالنا، اللهم أصلح أحوال المسلمين،
اللهم أنزل على المسلمين رحمة عامة وهداية عامة يا ذا الجلال والإكرام، اللهم اجمع
كلمة المسلمين على كتابك وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، اللهم اجعل كلمتهم
واحدة ورايتهم واحدة واجعلهم يداً واحدةً وقوة واحدة على من سواهم، ولا تجعل
لأعدائهم منةً عليهم يا قوي يا عزيز، اللهم احفظ بلادنا من كيد الكائدين وعدوان
المعتدين، اللهم احفظ بلادنا مما يكيد لها، اللهم احفظ لهذه البلاد دينها وأمنها
وعزتها وعقيدتها وسيادتها، اللهم احمِ حدودها وانصر جنودها وأصلح أهلها وحكامها يا
أرحم الراحمين، اللهم وفق ولاة الأمور لكل خير، اللهم ارزقهم البطانة الصالحة
الناصحة يا رب العالمين، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات
الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت،
أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث، واجعل ما أنزلت لنا قوةً وبَلاغاً إلى
حين. اللهم أنزل علينا من السماء ماءً مباركاً، تُغيثُ البلادَ والعبادَ، وتَعُمُّ
به الحاضِرَ والبَاد. اللهم أغثنا، اللهم أغثنا اللهم أغثنا . اللهم لا تردنا
خائبين، اللهم صلّ وسلم على نبينا محمد .
وللمزيد من
الخطب السابقة للشيخ أحمد العتيق تجدها هنا :
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=119
|