التعاوُنُ على البِرِّ والتقْوَى والتعاونُ مع وزارةِ
البيئةِ والدفاعِ المَدَني
إن
الحمدَ للهِ نحمدُهُ ونستَعينُهُ ونستَغفرُهُ، ونعوذُ باللهِ من شرُورِ أنفسِنا
وسيئاتِ أعمالنا، منْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومنْ يضللْ فلا هاديَ له، وأشهدُ
أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ، وأشهدُ أن محمّداً عَبدُهُ ورسولُهُ،
صلى اللهُ عليه وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً. ﴿ يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ ءَامَنُواْ اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا
وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾.﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي
خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا
رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ
وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾.﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِين
ءَامَنُواْ اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ
وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ
فَوْزًا عَظِيمًا ﴾. أمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ خَيْرَ الكلامِ كلامُ اللَّهِ،
وَخَيْرَ الْهَدْي هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ،
وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدّثّةٍ بِدْعَة، وَكُلَّ بِدْعَةٍ
ضَلاَلَةٌ، وكُلَّ ضَلاَلَةٍ فِي النَّارِ. عبادَ الله: لَقَدْ جاءَ الإسلامُ بِكُلِّ
ما يَتَعَلَّقُ بِمَصالِحِ العِبادِ الدِّينيَّةِ والدُّنْيَوِيَّةِ، وبِكُلِّ مَا
يُقَوِّمُ أُمُورَ الخَلْقِ، قال رسولُ اللهِ صلى اللهً عليه وسلم: ( إِنَّه لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ قَبْلِي إِلا كان حَقًّا
عِلِيْهِ أَنْ يَدُلَّ أُمَّتَهُ عَلَى خَيْرِ ما يَعْلَمُه لَهُم، وَيُنْذِرَهُم
شَرَّ ما يَعْلَمُه لَهُم )، وهذه هِيَ مُهِمَّةُ الرُّسُلِ جَمِيعاً.
ومِنْ أَعْظَمِ ما وَرَدَ في هذا البابِ: ما جاءَ في قَوْلِهِ تعالى: ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ وَلَا تَعَاوَنُوا
عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ )، فَإِنَّ الأَمْرَ بِما تَضَمَّنَتْهُ
هذه الآيَةُ، مِن أَعْظَمِ مَهامِّ الرُّسُلِ عَلَيْهِم السلامُ. لِأَنَّ أُمُورَ
العِبادِ لا تَقُومُ إلا بِذلك، والناسُ لا يَسْلَمُونَ مِن النقْصِ والخسارةِ،
ولا يَحْصُلُ لَهُم الفلاحُ إلا بذلك. بَلْ
إِنَّ هذه الآيَةَ تَدُلُّ عَلَى خُطُورَةِ أَمْرِ التَّعاوُنِ، لِأَنَّ بَعْضَ
التعاوُنِ يَحْصُلُ بِهِ الخَيْرُ وتَتَحَقَّقُ بِهِ مَصالِحُ العِبادِ،
وتَأْتَلِفُ بِهِ القُلُوبِ، وتَجْتَمِعُ بِهِ الكَلِمَةُ، ويَظْهَرُ بِسَبَبِهِ
الإسلامُ، ويَنْتَشِرُ بِه التوحيدُ والسُّنَّةُ، ويَزُولُ بِسَبَبِهِ الشِّرْكُ
والبِدَعُ، وتَخْتَفِي بِسَبَبِهِ الْمُنْكَراتُ أَو تَقِلُّ، وتُنَفَّسُ فيه
الكُرُباتُ، وتُقْضَى بِهِ الدُّيُون، وتَزُولُ بِهِ الخُصُوماتُ والعَداواتُ،
وتَنْتَظِمُ بِهِ أُمُورُ دنياهُم ومَعاشِهِم. وهذا هو التعاوُنُ على البِرِّ
والتَقْوَى. وبَعْضُ التعاوُنِ عَلى الضِّدِّ مِن ذلك
والعِياذُ بالله، تَفْشُو بِسَبَبِهِ المُنْكَراتُ، وتَحْصُلُ بِسَبَبِهِ
العداواتُ، وتَفْسُدُ بِهِ أُمُور الدنيا والمعاشِ، وهذا هو التعاوُنُ على الإثمِ
والعُدْوانِ. ولِذلك قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهً عليه وسلم: ( الدَّالُّ عَلى الخَيْرِ كَفَاعِلِهِ )، ومِنْ
لازِمِ ذلك، أَنَّ الدّالَّ عَلَى الشّرِّ كَصانِعِه. فالتَّعاوُنُ
عَلى البِرِّ والتَقْوَى مَطْلُوبٌ مِن الجميع، وَتَرْكُ التَعاوُنِ على الإثْمِ
والعُدْوانِ مَطْلُوبٌ مِن الجَميع، على جَمِيعِ المُسْتَوَياتِ والفِئاتِ، في
جميعِ المَجالاتِ الدِّينِيَّةِ، وكذلك الدنْيَوِيَّةُ، كُلٌّ بِقَدْرِ
اسْتِطاعَتِه. سَواءً كان ذلك بَيْنَ أَفْرادِ الْمُجْتَمَعِ، أو العلماءِ
والدُّعاةِ، أَو الْمُؤَسَّساتِ، أَو الْمَسْؤُولين، أَو بَيْنَ الفَرْدِ والْمَسْؤُولِ،
بَلْ وبَيْنَ الْمُجْتَمَعِ وَوَلِيِّ أَمْرِهِم. لِأَنَّ الحَياةَ يَسْتَحيلُ
أَنْ تَسْتَقيمَ إلا بِذلك. فَمِن أَنواعِ
التَعاوُنِ: تَعاوُنُ الزَّوجَينِ في البَيْتِ عَلى إِصلاحِ الأَولادِ
وتَرْبِيَتِهِم، وحِمايَةِ عَقِيدَتِهِم. وَمِن أَنْواعِ
التعاوُنِ: تعاوُنُ جماعَةِ الْمسجِدِ فيما بَيْنَهُم على المحافظَةِ على
الصلاةِ، والتفقُّهِ في أحكامِها، والنَّظَرِ في حاجِياتِ الْمَسْجِدِ، وأَحْوالِ
الْمُصَلِّين. وكذلك
تعاوُنُ
الأقارِبِ على التَّواصُلِ والتراحُمِ. وكذلك التعاوُنُ
على تَسْهيلِ أَمْرِ الزواجِ. وكذلك التعاوٌنُ
مَعَ رجالِ الأمْنِ في تَحْقيقِ أَعْمالِهِم وما يُؤَدُّونَه مِن وَظائِفَ في
مُكافَحَةِ المُجْرِمين والمُفْسِدِين. وكذلك التعاوُنُ في نَظافَةِ الطُّرقاتِ والْمُنتَزَهاتِ،
والأماكِن التي يَقْصِدُها الناسُ وَيَجْلِسُونَ فيها. والحَذَرُ مِن إلقاءُ كُلِّ
ما هُوَ مُؤْذٍ ومُنَفِّرٍ للناسِ في مِثْلِ هذه الأماكِنِ فإنَّه مُحَرَّم. ويَدْخُلُ في ذلك: ما يَحْصُلُ في الأماكِنِ التي
يَقْصِدُها الناسُ في رَحَلاتِ البَرِّ، فإنَّه لا يَنْبَغِي لِمَنْ جَلَس فِيها،
أَنْ يَتْرُكَ مُخَلَّفاتِه بَعْدَ فَراغِه مِنْ نُزْهَتِه، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يُزِيلَها،
أَوْ يَجْمَعَها في حاوِياتٍ كَيْ تَسْهُلَ إزالتُها. ومِن الْمُخَلَّفاتِ
تَرْكُ النارِ، وعَدَمُ التَّأَكُّدِ مِنْ إِطْفائِها قَبْلَ الْمُغادَرَةِ،
لأنَّه قَدْ يتأذى بِها مَنْ يَأْتِي بَعْدَه مِنْ إِخْوانِه المسلمين، فإنَّ
إِزالَةَ مِثْلَ ذلكَ مِن شُعَبٍ الإيمانِ ومَحاسِنِ الأَخْلاقِ. ويَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ فِي هذا الوَقْتِ، ومَعَ مَواسِمِ الأَمْطارِ
أَنْ يَحْذَرَ مِن مَخاطِر السُّيُولِ، وأَنْ لا يتَعَرَّضَ لِمَجارِيها، فَيَضُرَّ
نَفْسَه وَمَنْ مَعَه. وَيَجِبُ
عَلينا جَمِيعًا، أَنْ نَتَعاوَنَ في ذلك مَعَ بَعْضِنَا، وَمَعَ الجِهاتِ الْمُخْتَصّةِ،
كالدِّفاعِ الْمَدَنِي، وَوَزارَةِ البِيْئَةِ، لِأَنَّ هذا مِن التَعاوُنِ الْمُطْلُوبِ،
لِمَا فِيهِ مِن الْمَصْلَحَةِ للفَرْدِ والْمُجْتَمَعِ. باركَ اللهُ لِي وَلَكُم
فِي القُرآنِ الْعَظِيم، وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ
وَالذّكرِ الْحَكِيم، أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم
وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم. الخطبة الثانية الْحَمْدُ للهِ عَلى إِحسانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوفِيقِهِ
وَامتِنَانِهِ، وَأشهدُ أن لا إلهَ إِلا اللهُ وحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأشهدُ أنَّ
مُحمّداً عَبدُهُ وَرسولُهُ، صلى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلمَ تسليماً كثيراً
. أَمّا بَعدُ عِبادَ الله:
وَمِنْ أَنواعِ التَعاوُنِ: التَعاوُنُ مَعَ وُلاةِ الأَمْرِ في تَنْفيذِ
ما يُقَرِّرُونَه مِن إجراءاتٍ وأَنْظِمَةٍ يُرادُ بِها إِصْلاحُ الأُمَّةِ،
والسّيْرُ بِها إلى الخَيْرِ والصلاحِ والسَّلامَةِ، وَعَدَمُ مُخالَفَتِها، لِما
في ذلك مِن الاستِجابَةِ لِأَمْرِ اللهِ بِذلك، واجتماعِ الكَلِمَةِ والسلامَةِ
مِن الفَوضَى. فإنَّ تَنْظِيمَ أَمْرِ الْمُجْتَمَعِ فيما لا يُخالِفُ شَرْعَ
اللهِ، مِن أَعْظَمِ مَهامِّ وَلِيِّ الأَمْرِ، لَكِنَّهُ لا يَتَحَقَّقُ إِلا
بالاحتِرامِ والتَعاوُنِ والتَكاتُفِ. سواءً كان
مُتَعَلِّقاً بِأَنْظِمَةِ الْمُرُورِ والسَّيْرِ، أو التَراتِيبِ الإِدارِيَّةِ،
أو الإجراءاتِ النِظامِيَّةِ، وحَتَّى ما يَتَعَلَّقُ بِتَنْظِيمِ أَمْرِ
العِبادَةِ، كالأَمْرِ بِإِغْلاقِ الْمَتاجِرِ وَقْتَ الصلاةِ لِأَنَّ في ذلك
إِعانَةً لِلْمُسلمين على أَدائِها، وكذلك ما يَتَعَلَّقُ بِأوقاتِ ما بين الأذانِ
والإقامَةِ، فإِنَّه مَع كَثْرَةِ الْمَساجِدِ لابُدَّ مِن ضَبْطِ ذلك حتى لا
يَكُونَ أَمْرُ الإقامَةِ مُشَتّتًا عَشْوائِيًّا. اللهم اجعلنا هداةً مُهْتَدِينَ، وأصْلِحْ
لَنا أَمْرَ دِينِنا ودنْيانا، اللهم خلصنا من حقوق خلقك، وبارك لنا في الحلال من
رزقك، وتوفنا مسلمين وألحقنا بالصالحين، اللهم احفظنا بالإسلام قائمين واحفظنا
بالإسلام قاعدين واحفظنا بالإسلام راقدين ولا تُشمت بنا أعداء ولا حاسدين، اللهم
آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليّها ومولاها، اللهم أصلح أحوال
المسلمين، اللهم أصلح أحوال المسلمين حكاماً ومحكومين، اللهم احفظ بلادنا من كيد
الكائدين وعدوان المعتدين، اللهم أخرجها من الفتن والشرور والآفات، واجعلها أقوى
مما كنت، وأمكن مما كانت، وأغنى مما كانت، وأصلح مما كانت، اللهم أصلح أهلها
وحكامها واجمع كلمتهم وألف بين قلوبهم واجعلهم يدا واحدة على من عداهم يا قوي يا
عزيز، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات
إنك سميع قريب مجيب الدعوات. اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث
واجعل ما أنزلت لنا قوةً ومتاعاً إلى حين، اللهم أغثنا، غيثاً مغيثاً، هنيئاً
مريئاً، سحاً غدقاً، نافعاً غير ضار، عاجلاً غير آجل، اللهم اسقِ بلادك وعبادك
وبهائمك، وانشر رحمتك وأحيي بلدك الميت، اللهم أنزل علينا من السماء ماء مباركاً
تُغيث به البلاد والعباد وتعُمَّ به الحاضر والباد، اللهم إنا نستغفرك ونتوب إليك،
اللهم إنا نستغفرك ونتوب إليك من جميع ذنوبنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم
أغثنا اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد .
وللمزيد من
الخطب السابقة للشيخ أحمد العتيق تجدها هنا :
http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=119
|