كَيْفَ
يَسْتَفيدُ المُسْلِمُ مِن نُصُوصِ الكِتابِ والسُّنَةِ
إِنَّ الحَمدَ للهِ، نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعوذُ
باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ
فَلا مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إِلا
اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ،
صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً. أمّا بعد،
عبادَ
الله: اتَّقُوا اللهَ تعالى، وابْذُلُوا أَسْبابَ نجاتِكُم، واعْلَمُوا أَنَّ
طَريقَ النجاةَ واحِدٌ، أَلا وَهُو كِتابُ اللهِ وسُنَّةُ رسولِهِ صلى الله عليه
وسلم. وَكُلُّ مُسْلِمٍ يَعْلَمُ ذلك، ولَكن يَجِبُ أَنْ تَنْعَكِسَ هذه
المَعْرِفَةُ عَلى عقِدَتِنا وأَعْمالِنا. وبِناءً عَلَيْهِ فَيَجِبُ عَلَينا أَن
نَلْزَمَ هذين الأصْلَيْن، وأَنَّ نَتَعَلَّمَ كَيْفَ نَسْتَفيدُ مِنْهُما،
لِأَنَّ العَبْدَ قَدْ يَقْرَأُ كَثيراً ولا يَسْتَفيدُ إلا قليلاً.
ولِذلك
لابُدَّ لِلْمُسْلِمِ حِينَ يَقْرَأُ القُرآنَ والسُّنَّةَ أَنْ يَتَذَكَّرَ
أَوَّلاً: الحكمةَ مِن خَلْقِ الخَلْقِ: أَلا وَهي عِبادةُ اللهِ وَحْدَه لا
شَريكَ له، وهذهِ العِبادَةُ لا سَبيلَ إلى تَحْقِيقِها إِلا بِالدَّلِيلِ مِن
القرآنِ والسُّنَّةِ، لا باسْتِحْساناتِ العُقُولِ وآراءِ الرِّجالِ.
ثانياً: أَنْ يَتَذَكَّرَ العَبْدُ بِأن
القُرْآنَ والسُّنَّةَ وَحْيٌ، فالقُرآنُ كلامُ اللهِ، لَفْظُهُ ومَعْناه،
تَكَلَّمَ بِهِ حَقيقةً، وهذا أَكْبَرُ مُعينٍ لك على الاسْتِفادَةِ من النَّصِّ
القُرْآني، حِينَما تَقْرأُ الآيَةَ وأَنْتَ تَعْلَمَ بِأَنَّ الكلامَ الذي
تلَفَّظْتَ بِهِ هو كلامُ اللهِ، لا كَلامَ غَيْرِهِ. وَهَكَذا السُّنَّةُ
فإِنَّها وَحْي، ولكن مَعْناها مِن اللهِ، ولَفْظُها مِن النبيِّ صلى الله عليه
وسلم، قال تعالى: ( ومَا يَنْطِقُ عَن الهَوَى * إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى ).
قال حَسَّانُ بنُ عَطِيَّةَ: " كان جبريلُ يَنْزِلُ على النبيِّ صلى الله
عليه وسلم بالسُّنَّةِ كما كان يَنْزِلُ عَلَيه بالقُرآن ". ولذلكَ لا يَسْتَطِيعُ
أَحَدٌ كائِناً مَنْ كانَ، أَنْ يَعْبٌدَ اللهَ بِالقُرآنِ وَحْدَه, مَهْمَا
بَلَغَ في الذَّكاءِ والبَلاغَةِ والفَصاحَةِ والفَهْمِ والثقافَةِ. كَما أَنَّه
لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَعْبُدَ اللهَ بِالسُّنَّةِ وَحْدَها.
الثالثُ: أَنْ يَتَذَكَّرَ العَبْدُ أَنَّ
مَنْ أَعْرَضَ عَن القرآنِ والسُّنَّةِ هَلَكَ وضَلُّ في الدنيا، وشَقِيَ في
الآخِرَةِ، قال تعالى: ( فَمَن اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ ولا يَشْقَى * وَمَن
أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَه مَعِيشَةً ضْنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ
القِيامَةِ أَعْمَى )، قال ابنُ عبَّاسٍ رضي اللهُ عَنْهُما: " تَكَفَّلَ
اللهُ لِمَن قَرَأَ القُرآنَ وَعَمِلَ بِما فيه، أَنْ لا يَضِلَّ في الدنيا ولا
يَشْقَى في الآخِرَةِ ". وقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ( تَرَكْتُكُم
عَلى البَيْضاءِ، لَيْلُها كَنَهارِها، لا يَزِيغُ عَنْها بَعْدِي إِلا هالِك ).
الرابع: أَنْ يَتَذَكَّرَ العَبْدُ أَنَّ أَصْدَقَ
الحَدِيثِ كِتابُ اللهِ، وأَحْسَنَ الهَدْيِ، هَدْيُ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه
وسلم. فَإِنَّ هذا مِنْ أَكَبَرِ ما يَعِظُ العَبْدَ وَيَحُثُّه عَلى لُزُومِ
القرآنِ والسُّنَّةِ والاستِفادَةِ مِنْهُما، كَيْ يكونَ مِنْ خَيْرِ الناسِ
وأَفْضَلِهِم عِنْدَ الله.
الخامس: أَنْ يَتَذَكَّرَ العَبْدُ حِينَما
يَقْرأُ القُرآنَ أَو الحديثَ، أَنَّه هو المُخاطَبُ، لِأَنَّ بَعْضَ الناسِ
حِينَما يَمُرُّ عَلَيْهِ أَمْرٌ أَو نَهْيٌ، أَو عُقُوبَةٌ أَو فَضيلَةٌ، يَنْسَى
نَفْسَه، ويَذْهَبُ بِفِكْرِهِ إِلى غَيْرِهِ مِن الناسِ. وهذا هو الذي يَجْعَلُ
الشَّخْصَ يُحْرَمُ مِن الفائِدةِ العِلْمِيَةِ، بَلْ هو الذي يَجْعَلُ الشَّخْصَ
يُلْقِي بِالتُّهَمِ عَلى الآخَرينَ وَيَنْسَى نَفْسَه، والواجِبُ على المُؤْمِن
أَنْ يَبْدأَ بِنَفْسِه أَوَّلاً في الأَمْرِ والنَّهْيِ.
سادساً: أَنْ يَحْرِصَ العَبْدُ حَتى لَو
كانَ طالِبَ عِلْمٍ، على فَهْمِ الأدِلَّةِ مِن خِلالِ فَهْمِ السَّلَفِ وشُرُوحِ
العُلَماءِ، لِأَنَّ الأَدِلَّةَ فيها الناسِخُ والمَنْسُوخُ، والعامُّ والخاصُّ،
والمُطْلَقُ والمُقَيَّدُ، والمُجْمَلُ والمُبَيَّنُ، وَمتى يكونُ الأَمْرُ لِلْوُجُوبِ
ومتى يكونُ للاسْتِحبابِ، ومتى يكونُ النَّهْيُ لِلتَّحريمِ، ومَتَى يكونُ
لِلكراهَةِ.
باركَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم، وَنَفَعنِي
وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ الْحَكِيم، أَقُولُ مَا
تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ
ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية
الْحمدُ
للهِ ربِّ العَالَمِين, وَالعَاقِبةُ للمُتّقِين, وَلا عُدوانَ إِلا عَلَى
الظَّالِمين, وَأَشهدُ أنْ لا إِلهَ إِلا اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ, وَأَشهدُ
أَنَّ مُحَمّداً عَبدُهُ وَرَسُولُهُ, صَلَى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ
وَصَحْبِهِ وَسَلّمَ تَسلِيماً كَثِيراً. أما بعد:
عِبادَ
الله: وَمِن أَعْظَمِ أَبْوابِ الاستِفادَةِ من القُرآنِ والسُّنَّةِ، أَنْ
يَتَذَكَّرَ العَبْدُ بِأَنَّ اللهَ أَنْزَلَ الكِتابَ وأرسَلَ رَسُولَهُ، مِن
أَجْلِ الحُكْمِ بَيْن الناسِ فِيما اخْتَلَفُوا فيه, فَما حَكَمَ بِهِ الكِتابُ
والسُّنَّةُ وشَهِدا لَهُ بالصِّحَّةِ فَهُوَ الحَقُّ، وماذا بَعْدَ الحَقِّ إِلا
الضَّلال. قال تعالى: ( فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ
وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ) ، وهذه
الآيةُ صَريحَةٌ في أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ اخْتَلَفَ الناسُ فيه مِنْ أَمْرِ الدِّين،
أَنْ يُرَدَّ ذلك الاخْتِلافُ والتنازُعُ إلى الكتابِ والسُّنَّةِ. ولَقَدْ فُتِن
كثيرٌ من المسلمين بِما يُسَمَّى بالخِلافِ والاحْتِجاجِ بِه، بِما فِيهِم بَعْضُ
مُدَّعِي العِلْمِ مِن مُتَمَشْيِخَةِ الفضائياتِ ومَواقِعِ التَّواصُلِ، وردُّوا
النُّصُوصَ الشرعِيَّةَ تَذَرُّعاً بِذلك، وزَيَّنَ لَهُم الشيطانُ هذا العَمَلَ
حتى جَعَلُوه سَبَباً لِتَرْكِ بَعْضِ الواجِباتِ كَصلاةِ الجماعةِ والحِجابِ
والأمْرِ بالمَعروفِ والنهيِ عن المُنْكَر. وارْتِكابِهِم بَعْضَ المَعاصي
كالأغاني والمَعازِفِ وغَيْرِها، بِحُجَّةِ الخِلاف، مَعَ العِلْمِ: أَنَّ
اللهَ تَعالَى بَعَثَ الرُّسُلَ وأَنْزَلَ الكُتُبَ مِن أجْلِ الحُكْمِ بَيْنَ
الناسِ فيما اخْتَلَفُوا فيه، وهَؤُلاءِ عَكَسُوا الأَمْرَ فَجَعَلُوا
الخِلافَ حاكِماً عَلَى ما جاءَ بِهِ الرسولُ ونَزَلَ بِهِ الكتابُ.
اللهم
عَلِّمْنا ما يَنْفَعُنا، وانْفَعْنا بِما عَلَّمتَنا، وارزقنا العَمَلَ بِكتابِك،
وسُنَّةِ رسولكَ على الوجه الذي يرضيك عنا يا ذا الجلال والإكرام، اللهم ثبتنا
بقولك الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، اللهم إنا نعوذ بك من الفتن ما ظهر
منها وما بطن، اللهم احفظنا بالإسلام قائمين واحفظنا بالإسلام قاعدين واحفظنا
بالإسلام راقدين ولا تُشمت بنا أعداء ولا حاسدين، اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها
أنت خير من زكاها أنت وليّها ومولاها، اللهم خلصنا من حقوق خلقك، وبارك لنا في
الحلال من رزقك، وتوفنا مسلمين وألحقنا بالصالحين، اللهم أصلح أحوال المسلمين،
اللهم أصلح أحوال المسلمين حكاماً ومحكومين، اللهم إنا نعوذ بك من جهد البلاء ودرك
الشقاء وسوء القضاء وشماتة الأعداء، اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك وتحول عافيتك
وفجأة نقمتك وجميع سخطك، اللهم إنا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن اللهم
ارفع عنا الوباء والبلاء عن بلادنا وسائر بلاد المسلمين يا أرحم الراحمين، اللهم
احفظ بلادنا من كيد الكائدين وعدوان المعتدين، اللهم احفظ لبلادنا دينها وأمنها
وعزتها وعقيدتها وسيادتها، اللهم انصرها على من يكيد لها في داخلها وخارجها، اللهم
أخرجها من الفتن والشرور والآفات ومن هذا البلاء، واجعلها أقوى مما كنت، وأمكن مما
كانت، وأغنى مما كانت، وأصلح مما كانت، اللهم أصلح أهلها وحكامها واجمع كلمتهم
وألف بين قلوبهم واجعلهم يدا واحدة على من عداهم يا قوي يا عزيز، اللهم اغفر
للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب
الدعوات ( وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ
وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ )
.
وللمزيد من
الخطب السابقة للشيخ أحمد العتيق تجدها هنا :
http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=119
|