كيف
تكون مع إخوانك في الفتنة
إِنَّ الحَمدَ للهِ، نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ
وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعوذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا،
مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ
أَنْ لا إلهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ
وَرَسُولُهُ، صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً.
أمّا بعد،
أيها الناس: اتقوا الله تعالى, وأصلحوا ذاتَ
بينِكم, وأَحِبُّوا لإِخوانِكم مِن الخير ما تُحِبُّونه لأنفسِكم, واعلموا أن ذلك
مِن أعظم خِصال الإيمان, وَأَجْرُ ذلك عظيم, خصوصاً في آخرِ الزمان, عِندما
تَكْثُر الفتن, فتَتَأثَّر بها القلوب, وتنتشر العداوة والبغضاء بِسَبَبِها,
وَلِذلك صار لِمُجاهَدَة النفسِ في تطهير القلب من الغِّل والحسد والشحناء, وفي
محبة الخيرِ للمؤمنين في آخر الزمان, أجرٌ مُضَاَعف, وهو من أعظم أسباب الفوزِ
بالجنة, والنجاةِ من النار, لِقِلَّةِ مَن يَتَّصِفُ بِهذه الخصلة في آخرِ الزمان.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن أمتكم هذه, جُعِلَ عافِيَتُها في
أوَّلِها, وسَيُصِيبُ آخرَها بلاءٌ وأمورٌ تُنْكِرُونها, وتَجِيءُ فِتنةٌ
فَيُرَقِّق بعضُها بعضاً, وتجيءُ الفتنةُ فيقول المؤمن: هذه مُهْلِكَتي, ثم تنكشف,
وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذِه هذِه. فمن أحب أن يُزَحزَحَ عن النار وَيُدْخَلَ
الجنة، فَلْتَأتِه مَنيَّتُه وهو يؤمن بالله واليوم الآخر, وَلْيأتِ إلى الناس
الذي يُحِب أن يُؤْتَى إليه ) رواه مسلم. يا لها من وصية نحتاجها اليوم كثيراً.
لأنه في الفتن واختلال الأمن تظهرُ العداواتُ والتبْرِيرات, وتطيش العقول, وتلتبس
الأمور, فتنتشر الأنانية, ويطغى الهوى وحُبُّ الدنيا على النفوس. فلا يبقى إلا ما
ورد في هذه الحديث, وهو قوله: ( فمن أحب أن يُزَحزَحَ عن النار وَيُدْخَلَ الجنة،
فَلْتَأتِه مَنيَّتُه وهو يؤمن بالله واليوم الآخر, وَلْيأتِ إلى الناس الذي يُحِب
أن يُؤْتَى إليه ). فقد ذكر في هذا الحديث ثلاثةَ أمور:
أولها: الإيمان بالله, لأنه إذا غابَ
الرقيبُ في الدنيا, فإن اللهَ لا يخفى عليه شيءٌ في الأرضِ ولا في السماء. وإذا
غاب مَنْ يُعاقبك في الدنيا, فإن اللهَ شديدُ العقاب. هذا هو شعار المؤمن الذي
يَحْكُمُه وازِعُه الديني, لا الوازِعُ العاطفي أو الجاهلي.
الثاني: الإيمان باليوم الآخر, وهو الموت وما
بعد الموت. فإن تَذَكُّرَ الموت, وتذكرَ نهايةِ الدنيا وزوالِها, ولقاءِ الله,
يُنْسِي طَمَعَ الدنيا والتنافُسَ عليها, والولاء والعداء من أجلها.
الثالث: أن تُحِبَّ لإخوانك من الخير ما
تحبه لنفسك, فإن وجودَ هذه الخصلة زمن الفتن واختلالِ الأمن والتباسِ الحقِ
بالباطل. يمنع شروراً كثيرة, منها: القتل, فإن العبد إذا أحب لأخيه ما يحب لنفسه,
يستحيل أن يعتدي عليه, أو أن يصيب منه دما حراماً. ويستحيل أن يعتدي على عرضه
ومحارمه, بل يدافع عن عرض أخيه ومحارمه, كما يدافع عن عرض نفسِهِ ومحارمه. ويستحيل
أن يستولي على مال أخيه بسرقة أو سلب ونهب, ويستأثر به عنه, لأنه يعلم أن دمَ أخيه
حرام, ومالَه حرام, وعِرْضَه حرام. بل يجب على المسلمين في الفتن وحال الخوف, أن
يكونوا كالأسرة الواحدة, والبيت الواحد, تظهر لُحْمَتُهُم ووحْدَتُهُم وقت الشدائد
والمِحَن, مع بعضهم, ومع علمائهم, ومع ولاتهم. لا يسمحون لأحد كائنا من كان أن
يُفَرق كلِمَتَهم أو يَمَسَّ دينَهم وأمنَهم. فإن الجماعةَ رحمة, والفُرقةَ عذاب,
ويدُ الله مع الجماعة. وبهذا يظهرُ طِيبُ نُفوسِهِم, وسلامةُ معدنِهم. وبهذا
يُغيظون الأعداء والمرجفين والمتربصين بِهِمُ الدَّوائِر. بخلاف أهل النفاق
والفجور والنفوس الخبيثة, فإنهم يستغلون الفتن والْمخاوف بزيادة الإرجاف والتعدي
على دماء المسلمين وأعراضهم وأموالهم. فيا أيها المسلمون, وَطِّنُوا أنفسَكم على
كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم, وتَذاكَروا هذا الحديثَ جيداً,
وَرَبُّوا عليه أبناءكم, وَذَكِّرُوا به جيرانكم وجُلَساءَكم إن كنتم تريدون الفوز
والنجاة: ( فمن أحب أن يُزَحزَحَ عن النار وَيُدْخَلَ الجنة، فَلْتَأتِه مَنيَّتُه
وهو يؤمن بالله واليوم الآخر, وَلْيأتِ إلى الناس الذي يُحِب أن يُؤْتَى إليه ).
باركَ اللهُ
لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم، وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ
وَالذّكرِ الْحَكِيم، أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ
الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ عَلى إِحسانِهِ، وَالشكرُ لَهُ عَلى
تَوفِيقِهِ وَامتِنَانِهِ، وَأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ تَعْظِيماً
لِشَأَنِهِ، وَأشهدُ أنَّ مُحمّداً عَبدُهُ وَرسولُهُ، صلى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ
وصحبِهِ وسلمَ تسليماً كثيراً . أَمّا بَعدُ
أيها المسلمون: اتقوا الله تعالى, واعلمُوا
أَن سلامَةَ القَلْبِ من الغِّلِّ لا تَحْصُلُ لِلْعبدِ إلا بِأُمُورٍ ثلاثة,
ذَكَرَها النبيُّ صلى الله عليه وسلم بِقَوْلِه: ( ثَلاثٌ لا يَغِلُّ عليهِنَّ
قَلْبُ مُسْلِمٍ أَبَدًا: إِخْلَاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ, وَمُنَاصَحَةُ وُلَاةِ
الْأَمْرِ, وَلُزُومُ جَمَاعَتِهِم ). قال ابن الأثيرِ رحمه الله: " والمعنى
أن هذه الخلال الثلاث تُسْتَصْلَح بها القلوبُ، فمن تَمسَّك بها طَهُر قَلْبُه من
الخِيانة والدَّغَل والشَّر ". وقال العلماء: " ثلاثٌ لا يَغِلُّ عليهن
قلبُ مسلم: أَيْ, لا يَحْمِلُ الغِلَّ ولا يَبْقَى فيه مَعَ هذِه الثلاثةِ, فإنها
تَنْفِي الغِلَّ والغِشَّ، وهو فسادُ القلبَ وسَخايِمُهُ، فالمُخْلِصُ لِله,
إِخْلاصُه يَمْنَعُ غِلَّ قَلْبِه وَيُخْرِجُه ويُزِيلُه جُمْلَةً، لأنه قَدْ
انصَرَفَت دَوَاعِي قَلْبُه وإرادتُهُ إلى مَرْضاةِ رَبِّهِ فَلَمْ يَبْقَ فيه
مَوْضِعٌ لِلْغِلِّ والغِشِّ. وكذلك: ( مُناصحَةُ أَئِمَّةِ المسلمين ), فإنها
مُنافِيَةٌ لِلْغِلِّ والغِشِّ, فإن النصيحةَ لا تُجامِعُ الغِلَّ، إذْ هِيَ
ضِدُّه, بِخِلافِ التَشْهيرِ والتَّأْلِيبِ ونَشْرِ المَعايِبِ وإيغارِ الصُّدُورِ.
وكذلك: ( لُزُومُ جَمَاعَتِهِم ), فإنها مِنْ أَعْظَمِ ما يُطَهِّرُ القلبَ مِنَ
الغِلِّ والغِشِّ, بِخِلافِ مَن انْحازَ عَنْهُم واشْتَغَلَ بِالطَّعْنِ عليهِم
والعيبِ والذَّمِّ لَهُم كَفِعْلِ الرافضةِ والخوارجِ والمُعتَزِلَةِ وغَيْرِهِم
مِمَّن يَدَّعُونَ الغَيْرَةَ على الدِّينِ ومَصالِحِ المسلمين, وهم يَنْشُرُونَ
الفَوْضَى فَيُفْسِدُون وَهُمْ يَدَّعُون أَنَّهُم يُصلِحُون. فَهَؤُلاءِ أشَدُّ
الناسِ غِلاًّ وَغِشًّا لِلْمُسْلِمين, ولِوُلاةِ أَمْرِهِم.
اللهم طهر قلوبنا من النفاق, وأعمالنا من
الرياء, وألسنتنا من الكذب, وأعيننا من الخيانة, فإنك تعلم خائنة الأعين وما تخفي
الصدور، اللهم إنا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم إنا نعوذ بك من
الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم
إنا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم أرنا الحق حقا, حقا وارزقنا
اتباعه، وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه يا ذا الجلال والإكرام، اللهم
أصلح لنا ديننا الذي هو عصمت أمرنا وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا
آخرتنا التي فيها معادنا واجعل الدنيا زيادة لنا في كل خير والموت راحة لنا من كل
شر، اللهم احفظنا بالإسلام قائمين واحفظنا بالإسلام قاعدين واحفظنا بالإسلام
راقدين ولا تُشمت بنا أعداء ولا حاسدين يا رب العالمين، اللهم ألّف بين قلوب
المؤمنين وأصلح ذات بينهم واهدهم سبل السلام ونجّهم من الظلمات إلى النور يا ذا
الجلال والإكرام، اللهم زيّنا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين، اللهم أصلح
أحوال المسلمين حكاماً ومحكومين، اللهم أنزل على المسلمين رحمة عامة وهداية عامة
يا ذا الجلال والإكرام، اللهم اجمع كلمة المسلمين على كتابك وسنة نبيك محمد صلى
الله عليه وسلم، اللهم اجعل كلمتهم واحدة ورايتهم واحدة واجعلهم يداً واحدةً وقوة
واحدة على من سواهم، ولا تجعل لأعدائهم منةً عليهم يا قوي يا عزيز، اللهم احقن
دماء المسلمين، اللهم احقن دماء المسلمين، اللهم انصر المجاهدين في سبيلك في كل
مكان، اللهم ارحم المستضعفين من المؤمنين، اللهم انصر المستضعفين من المؤمنين،
اللهم ارفع البلاء عن المستضعفين من المؤمنين في كل مكان، اللهم احفظ بلادنا من
كيد الكائدين وعدوان المعتدين، اللهم احفظ بلادنا مما يكيد لها، اللهم احفظ لهذه
البلاد دينها وأمنها وعزتها وعقيدتها وسيادتها، وأصلح أهلها وحكامها يا أرحم
الراحمين، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم
والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات، ( وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ
تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ
يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ) .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ أحمد العتيق تجدها
هنا :
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=119
|