أهمية
الصلاة وميزتها عن غيرها من العبادات
إِنَّ الحَمدَ للهِ، نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعوذُ
باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ
فَلا مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إِلا
اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ،
صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً. أمّا بعد،
عبادَ الله: اتقُوا اللهَ، واعْلَمُوا أَنَّ
الصلاةَ آكَـدُ أركانِ الإسلامِ بَعْدَ الشهادَتَيْنِ، وُضِعَتْ عَلَى أَكْمَلِ
وُجُوهِ العِبادَةِ وأِحْسَنِها، وَتَضَمَّنَت كَثِيراً مِنْ أنواعِ العِبادَةِ،
مِنْ ذِكْرِ اللهِ، وتِلاوَةٍ لِكِتابِه، وقِيامٍ بَيْنَ يَدَيْه وَرُكُوعٍ
وسُجُودٍ ودُعاءٍ وتَسْبِيحٍ وتَكْبِيرٍ، وَهِيَ رَأْسُ العِباداتِ البَدَنِيَّةِ،
وَلَمْ تَخْلُ مِنْها شَرِيعَةُ رَسُولٍ مِنْ الرُّسُلِ عَلَيْهِم السَّلامِ.
وَتَتَمَيَّزُ الصلاةُ عَنْ غَيْرِها مِن
الواجباتِ بِمِيزاتٍ كَثِيرَةٍ، مِنْها:
أولا: أَنَّها الرُّكْنُ الثاني مِن
أَرْكانِ الإسلامِ، وَأَوْجَبُ مَا فَرَضَ اللهُ على عِبادِهِ بِعْدَ شهادةِ أَنْ
لا إلهَ إلا اللهُ، وأَنَّ محمداً رسولُ الله.
ثانياً: أَنَّها أَوَّلُ ما يُحاسَبُ عَنْهُ
العبدُ يَوْمَ القِيامَةِ، فَإِنْ صَلَحَتْ صَلَحَ سائِرُ عَمَلِهِ، وإِنْ
فَسَدَتْ فَسَدَ سائِرُ عَمَلِه.
ثالثاً: أَنَّ اللهَ تعالَى فَرَضَها في
السماءِ، بِخِلافِ غَيْرِها مِن الفَرائِضِ، وكان ذلك لَيْلَةَ الإِسْراءِ
والمِعْراجِ، قَبْلَ الهِجْرةِ إلى المدينةِ بِثلاثِ سِنِينَ، عِنْدَما جاءَهُ جِبْريلُ
عليه السلامُ، ومَعَه طَسْتٌ مِنْ ذَهَبٍ، مُمْتَلئٌ حكمةً وإيماناً، ومَعَه
مَلَكٌ آخَرُ، فَأَخَذَهُ إِلى بِئْرِ زَمْزَمَ فَشَقَّ جِبْريلُ عَلَيْهِ السلامُ
صَدَرَ النبيِّ صلى اللهُ عليه وسلم، فَغَسَلَه بِماءِ زَمْزَمَ ثُمَّ أَفْرَغَ
على صَدْرِهِ مِن الطَّسْتِ ثُمَّ أَطْبَقَه. وهذا هُوَ الشَّقُّ الثانِي الذي
حَصَلَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وأمَّا الأَوَّلُ عِنْدَما كانَ صِغِيرًا،
عِنْدَ مُرْضِعَتِه حَلِيمَةَ السَّعْدِيّةِ، وهُوَ ابنُ ثَلاثِ سِنِين.
رابعاً: أَنَّ اللهَ تعالى فَرَضَها إلى
النبيِّ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ بِلا واسِطَة، وَكَلَّمَهُ بِها، وَأَمَّا
بَقِيَّةُ الفرائِضِ فَإِنَّها بِواسِطَةِ المَلَكِ.
خامساً: أَنَّها خَمْسٌ بِخَمْسِين، فَمَنْ
صَلَّى خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي اليَوْمِ واللَّيْلَةِ فَكَأَنَّما صَلَّى خَمْسِينَ
صلاة.
سادساً: أَنَّ النبيَّ صلى اللهُ عليه وسلم
كان إذا حَزَبَهُ أَمْرٌ فَزَعَ إلى الصلاةِ.
سابعاً: أَنَّ مَنْ تَرَكَها فَقَدْ كَفَرَ،
قال رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: ( بَيْنَ الرَّجُلِ وبَيْنَ الكُفْرِ
والشِّرْكِ تَرْكُ الصلاة ).
ثامناً: أَنَّ مَنْ أقامَها نَهَتْهُ عَنِ
الفَحشاءِ والمُنْكَرِ، كَمَا قال اللهُ تعالى: ( وَأَقِمِ الصلاةَ إِنَّ الصلاةَ
تَنْهَى عَن الفَحْشاءِ والمُنْكَر.. ). وَنُلاحِظُ: أَنَّ اللهَ تَعالَى أَمَرَ
بِها بِلَفْظِ الإِقامَةِ فَقَال: ( وَأَقِم الصَّلاةَ )، وَلَمْ يَأْمُرْ بِمُجَرَّدِ
الفِعْلِ الظَّاِهِرِ، لِأَنَّ مُجَرَّدَ الفِعْلِ والأداءِ الظَّاهِرِ يَحْصُلُ
مِن المؤمنِ والمنافقِ والبَّرِّ والفاجِرِ، وأمَّا الإقامةُ فَإِنَّها لا
تَحْصُلُ إلا مِن المُؤْمِنِ.
والإِقامَةُ يا عبادَ اللهِ تَنْقَسِمُ إلى
قِسْمَيْنِ: إِقامَةٍ باطِنَةٍ لا يَعْلَمُها إلا الله، وإِقامَةٍ ظاهِرَةٍ
تَظْهَرُ عَلَى الجَوارِحِ.
أَمَّا الإِقامةُ الأُولَى: فَهِي
الباطِنَةُ التي بَيْنَكَ وبَيْنَ اللهِ، فَيَدْخُلُ فِيها أَوَّلاً: الإخلاصُ
لِوَجْهِ اللهِ تعالى، وَقَدْ بَيَّنَ النبيُّ صلى اللهُ عليه وسلمَ أَنَّ اللهَ
إذا أَمَرَ الناسَ بِالسُّجُودِ يَوْمَ القيامةِ، سَجَدَ مَنْ كان يُصَلِّي
خالِصًا لِوَجْهِ اللهِ، وَأَمَّا مَنْ كان يُصَلِّي رِياءً وَسُمْعَةً فَيَكُونُ
ظَهْرُهُ طَبَقًا واحِدًا لا يَسْتَطِيعُ السُّجُودَ، ثُمَّ تلا النبيُّ صلى اللهُ
عليه وسلم قَوْلَه تعالى: ( يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ ويُدْعَوْنَ إلى السُّجُودِ
فَلا يَسْتَطِيعُون ).
وَمِن الإقامَةِ الباطِنَةِ: تَدَبُّرُ
أَذْكارِ الصلاةِ، مِن التَّكْبِيرِ إلى التَّسليمِ، والتي مِنْ أَعْظَمِها
سُورَةُ الفاتِحة.
ومِن الإقامَةِ الباطِنَةِ: أَنْ
تَسْتَشْعِرَ دائِمًا وَأَنْتَ تُصَلِّي أَنَّكَ قائِمٌ بَيْنَ يَدَي اللهِ،
تُناجِيه، لِأَنَّ المُصَلِّيَ إذا قامَ يُصَلِّي, فَإِنَّه يُناجِي رَبَّه.
وَأَمَّا الإقامةُ الثانِيَةُ: فَهِيَ
الظاهِرَةُ، التي تَظْهَرُ على جَوارِحِك، وهِي أَنْ تُصَلِّيَ كَمَا صَلَّى
الرسولُ صلى اللهُ عليه وسلم, وَيَلْزَمُ مِن ذلك، أَنْ تَتَعَلَّمَ أَحكامَ
الصلاةِ، ومَا يَتَعَلَّقُ بِشُرُوطِها وأركانِها وواجباتِها ومُبْطِلاتِها، ومَا
يَتَعَلَّقُ بأحكامِ سُجُودِ السَّهْوِ.
باركَ اللهُ لِي وَلَكُم
فِي القُرآنِ الْعَظِيم، وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ
وَالذّكرِ الْحَكِيم، أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم
وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ
للهِ عَلى إِحسانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوفِيقِهِ وَامتِنَانِهِ، وَأشهدُ أن
لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وَأشهدُ أنَّ مُحمّداً عَبدُهُ وَرسولُهُ،
صلى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلمَ تسليماً كثيراً . أَمّا بَعدُ
عبادَ اللهِ: ومِن الإقامةِ الظاهِرةِ: أَنْ
تُصَلِّيَ مَعَ الجَماعَةِ، قال الله تعالى: ( فِي بُيوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ
تَرْفَعَ ويُذكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالغُدُوِّ والآصالِ
رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَإِقَامِ
الصَّلاةِ وَإِيتاءِ الزَّكَاةِ )، وَالمُرادُ بِالبُيُوتِ فِي الآيَةِ:
المَساجِدُ. وَيَكْفِي فِي وُجُوبِ صَلاةِ الجَماعَةِ: قِصَّةُ الرَّجُلِ
الأَعْمَى الذي قالَ لَه الرسولُ صلى اللهُ عليه وسلم: ( أَتَسْمَعُ النِّداءَ
بِالصَّلاةِ؟ قال: نَعَمْ, قال: فَأَجِب ). وَكادَ عَلَيْه الصلاةُ والسلامُ أَنْ
يُحَرِّقَ بُيُوتَ الذينَ لا يَشْهَدُونَ الصلاةَ مَعَ الجَماعَةِ، لَوْلا
النِّساءُ والصِّبْيان. وقال ابنْ مَسْعُودٍ رضي اللهُ عنه: ( وَلَقَدْ
عَلِمْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْها إلا مُنَافِقٌ أَوْ مَرِيضٌ ). وَمِنْ هُنا
نَعْلَمُ: أَنَّ الذي يَتَخَلَّفُ عَن صَلاةِ الجماعةِ هُوَ أَحَدُ الأربعةِ
المَذْكُورِينَ فِي هَذَيْنِ الحَدِيثَيْنِ وَهُم: النِّساءُ والصِّبْيانُ
والمُنافِقُونَ والمَرْضَى، فَإِذا تَخَلَّفْتَ عَن صَلاةِ الجَماعَةِ يا عَبْدَ
اللهِ فَاسْأَلْ نَفْسَكَ وَقُلْ لَها: مِنْ أَيِّ الأَصنافِ الأَرْبَعَةِ أَنْتِ؟
مِن النِّساءِ أَوْ الصِّبْيانِ أو المنافقينَ أو المَرْضَى؟. وَعَلَى رَبِّ
الأُسْرَةِ أَنْ يَأْمُرَ مَنْ تَحْتَ وِلايَتِه مِنْ زَوْجَةٍ وبَنِينَ وبَناتٍ
بِالصلاةِ، وَأَنْ يَأْخُذَ أَبْناءَهُ مَعَه إلى المَسْجِدِ إذا بَلَغُوا
السِّنَّ السابِعَةَ لِقَوْلِه تَعالى: ( وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ
واصْطَبِرْ عَلَيْها ) وَلِقَوْلِه عَلَيْهِ الصلاةُ والسلامُ: ( مُرُوا
أَبْناءَكُمْ بِالصَّلاةِ لِسَبْعٍ، وَاضْرِبُوهُم عَلَيْها لِعَشْرٍ ).
اللهم أعنّا عَلَى
ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبادَتِك، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما
علمتنا وفقهنا في دينك يا ذا الجلال والإكرام، اللهم حببّ إلينا الإيمان وزيّنه في
قلوبنا وكرّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين، اللهم خلصنا من
حقوق خلقك وبارك لنا في الحلال من رزقك، وتوفنا مسلمين، واجعلنا في الآخرة من
الصالحين، اللهم أصلح أحوال المسلمين حكاما ومحكومين، اللهم أنزل على المسلمين
رحمة عامة وهداية عامة يا ذا الجلال والإكرام، اللهم اجعل كلمتهم واحدة واجعلهم
قوة واحدة على من سواهم، ولا تجعل لأعدائهم منةً عليهم يا قوي يا عزيز، اللهم احقن
دمائهم وولّ عليهم خيارهم واجعل ولايتهم فيمن خافك واتبع رضاك يا أرحم الراحمين، اللهم
احفظ بلادنا من كيد الكائدين وعدوان المعتدين، اللهم أخرجها من الفتن والشرور
والآفات ومن هذا البلاء، واجعلها أقوى مما كنت، وأمكن مما كانت، وأغنى مما كانت،
وأصلح مما كانت، اللهم أصلح أهلها وحكامها واجمع كلمتهم وألف بين قلوبهم واجعلهم
يدا واحدة على من عداهم يا قوي يا عزيز، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين
والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات ( وَأَقِمِ
الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ
اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ) .
وللمزيد من
الخطب السابقة للشيخ أحمد العتيق تجدها هنا :
http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=119
|