أهمية العناية بالشباب
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً أما بعد:-
عباد الله :
إن الشباب في كل أمة هم ثروتها وعدة مستقبلها، ودورهم في الحياة دور مهم، لأنهم إذا صلحوا، ينهضون بأمتهم إلى ما تصبوا إليه من السيادة والريادة، ويقومون بنشر دينهم والدعوة إليه، ولأن الله أعطاهم من القوة البدنية والقوة الفكرية ما يفوقون به الكبار، وإن كان الكبار لا يستغنى عنهم فهم أفضل من الشباب وذلك بسبب سابقتهم في العلم والتجربة والخبرة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( البركة في أكابركم ) رواه بن حبان والحاكم عن ابن عباس رضي الله عنهما إلا أن ضعف أجسامهم في الغالب وضعف قواهم لا يمكنهم مما يقوم به الشباب الأقوياء .
ولذلك لما جاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى ورقة بن نوفل في قصة بدء الوحي وأخبر ورقة بما جرى له في الغار، علم ورقة أن محمداً هو النبي المنتظر فقال ورقة : ( يا ليتني جذعاً ) أي : يا ليتني شاباً قوياً كي أحظى بصحبتك وأساهم معك في نصرة هذا الدين .
ومن هنا كان دور شباب الصحابة رضي الله عنهم في نشر هذا الدين تفقهاً في دين الله ونشراً له وجهاداً في سبيله، حيث قاموا بأعباء واجبهم فأدّوا دوراً كبيراً تجاه دينهم وأمتهم ولا تزال آثاره باقية إلى اليوم وستبقى بإذن الله ما بقي الإسلام، وشباب هذا الوقت هم من ورثة أولئك إذا ما أحسنوا لأنفسهم وعرفوا مكانتهم وتحملوا أمانتهم، فهم ورثة أولئك الشباب الأقدمين.
عباد الله :
إن منْ تأمل نصوص الكتاب والسنة عرف مدى عناية الإسلام بتنشئة الشباب منذ ساعة الولادة بل وقبل ساعة الولادة فمن ذلك :
أولاً : الدعاء : وذلك بأن يدعو العبد ربه أن يرزقه الذرية الصالحة قال تعالى في صفات عباد الرحمن : ( والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين .. )، وقال تعالى عن نبيه وخليله إبراهيم عليه السلام: ( رب هب لي من الصالحين ) .
ثانياً : اختيار الزوجة الصالحة التي هي موضع الحرث الذي ينبت فيه الأولاد . ثالثاً: الذكر عن الجماع : عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله قال : بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا ، فإنه إن يقْدر بينهما ولد في ذلك لم يضَّره شيطان ) رواه البخاري ومسلم .
رابعاً : أمر الأبناء بالصلاة إذا بلغوا سن السابعة وضربهم عليها إذا بلغوا سن العاشرة .
خامساً : تعليمهم الآداب الإسلامية منذ الصغر وعدم الاستهانة بذلك كي يتربوا عليها ويعتادوها عن عمر بن أبي سلمة رضي الله عنهما قال : كنت غلاماً في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت يدي تطيش في الصحفة، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يا غلام سمِّ الله تعالى وكل بيمينك وكل مما يليك ) رواه البخاري ومسلم.
فاتقوا الله عباد الله وتذكروا مسؤوليتكم تجاه شبابكم لا سيما وأن بلادكم بلاد شابة ، وأعني بقولي شابة: أي أن نسبة الشباب فيها تبلغ الثلثين، وهذا مما يزيد الأمر أهمية، فالحديث عن الشباب عباد الله مرتبط بمستقبلنا، لأن أطفال اليوم هم شباب الغدو ورجال المستقبل، والتخطيط لمستقبل الأمة مرتبط بحسن إعداد شبابها وحل مشكلاتهم.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلم تسليماً كثيراً . أما بعد:-
عباد الله :
لقد أصبح العالم اليوم، كالقرية الواحدة، ما يحدث في شرقه يعلم به من في غربه وذلك ناتج عن تطور وسائل الاتصال والثورة التي انفتحت على العالم، ومن ذلك الانفتاح الذي امتدت خيوطه إلى كثير من بيوت المسلمين ( القنوات الفضائية، وشبكة الإنترنت ) تلك الشبكة العنكبوتية التي تصل كل مدينة بأخرى وكل دولة بأخرى وتبعاً لذلك انساق كثير من الناس لهثاً وراء تلك الشبكة طلباً لاكتشاف مكنونها تسلية وترويحاً.
فما هو دورنا تجاه هذه الانفتاح وتجاه هذه الشبكة عندما يتصل بها أبناؤنا؟
إن عالم الإنترنت عالم مليء بالفتن، وهذا ما يجعل الواجب كبير والحمل ثقيل،على الدولة وعلى رب الأسرة وعلى الدعاة والخطباء وعلى المدرسين في المدارس وعلى وسائل الإعلام المقروءة والمرئية والمسموعة.
قد يقول قائل : إن الخرق قد اتسع والمراقبة صعبة والأمر قد خرج من اليد، ولا شك أن هذا كلام كل مخذلٍ ومعوق، كلام كل من أراد أن يتخلى عن المسؤولية. والجواب على هذا بأن يقال:
إن أهم ما يعاني منه كثير من شبابنا اليوم، أزمة روحية وضعف في الوازع الديني وإهمال في دراسة العقيدة.
نعم العقيدة. التي ما من انحراف إلا ومنشؤه الأول هو فساد العقيدة أو ضعفها.
إن تربية النشء على التوحيد والسنة، على الإيمان والتقوى مع قراءة القرآن وتربيتهم على الحب في الله والبغض في الله هو المسلك الأول الذي يجب علينا أن نسلكه في تربية أبنائنا وبناتنا إن كنا حريصين على مستقبلهم وحمايتهم من كل فتنة مضلة وكل فكر دخيل.
قال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد لله بن عباس يا غلام: إني أعلمك كلمات: ( احفظ الله يحفظك )، يربيه على الإيمان والتقوى ومراقبة الله وخشيته منذ الصغر ومنذ نعومة أظفاره، ثم بعد ذلك: دعها معها سقاؤها وحذاؤها ترد الماء وترعى الشجر حتى يلقاها يربها.
اللهم أقر عيوننا بصلاح شبابنا، ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين، اللهم إنا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم حبب إلينا الإيمان وزيّنه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمت أمرنا وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا واجعل الدنيا زيادة لنا في كل خير والموت راحة لنا من كل شر يا ذا الجلال والإكرام .
|