الصلاةُ
وأثَرُها عَلى عَقِيدَةِ المُسْلِمِ وسُلُوكِهِ
إِنَّ
الحَمدَ للهِ، نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعوذُ باللهِ مِنْ
شُرُورِ أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا
مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إِلا
اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ
وَرَسُولُهُ، صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً
كَثِيراً. أمّا بعد،
عِبادَ اللهِ: اتَّقُوا اللهَ تعالَى،
وابْذُلُوا أسْبابَ صَلاحِكُمْ واسْتِقامَتِكُمْ، واجْعَلُوا الآخِرَةَ هَمَّكُمْ
ونِيَّتَكُمْ، واعْلَمُوا أَنَّ لِصَلاحِ قُلُوبِكُمْ وأَعْمالِكُمْ، وتَزْكِيَةِ
نُفُوسِكُمْ أَسْبابًا، مَتَى ما قُمْتُمْ بِها مُسْتَعِينِينَ بِاللهِ،
وصَدَقْتُمْ مَعَ اللهِ فِيها، اسْتَقامَتْ لَكُمْ أَحْوالُكُمْ وقُلُوبُكُمْ. ألا وإِنَّ مِنْ أَعْظَمِ هذه الأَسْبابِ: الصلاةُ!
فَإِنَّ لَها تَأْثِيرًا عَجِيبًا عَلى عَقِيدَةِ العَبْدِ وسُلُوكِهِ وأَخْلاقِهِ،
مَتَى ما أَقامَها كَما أَمَرَهُ اللهُ.
أَمَّا
أَثَرُها عَلى العَقيدَةِ: فَإِنَّ أَوَّلَ ما يَبْدَأُ بِهِ العَبْدُ
في صَلاتِهِ حِينَ يَسْمَعُ النِّداءَ بِها، وذلك حِينَما يُؤَذِّنُ الْمُؤَذِّنُ
وَيُنادِي بِالدَّعْوَةِ التَامَّةِ الْمُفْتَتَحَةِ بِالتَكْبِيرِ، ثُمَّ
بمِفتاحِ الجنةِ، وهُو الشهادتان، لِبيانِ أساسِ الدَّعْوةِ، وَهُوَ الأمْرُ
بِإفرادِ اللهِ بالعبادِةِ، وتَرْكِ عِبادَةِ ما سِواه، وَوُجُوبُ الإيمانِ
بِالنبيِّ صلى الله عليه وسلم، وتَصديقِه واتِّباعِه. مَعَ خِتامِها بِلا إلَهَ
إلا الله. ليَعْلَمَ الْمُسْلِمُ أَنَّ التَوحيدَ هُو أَوَّلُ الدِّينِ وآخِرُه،
وظاهِرُهُ وباطِنُه وأَوَّلُ الدَّعْوَةِ وآخِرُها، وأَنَّ التَّذْكِيرَ بِه
وبِمَعْناهُ وأَنْواعِهِ، وإنْكارَ الشِّرْكِ ومعناه وأنواعِه، لابُدَّ وأَنْ
يَكُونَ هاجِسَ كُلِ مُسْلِمٍ.
ثُمَّ يَفْتَتِحُ الصَّلاةَ بالتَّكْبِيرِ، لِيَعْلَمَ
الْمُسْلِمُ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ يَجِبُ أَنْ يَصْغُرَ وَقْتَ الصلاةِ والوُقُوفِ
بَيْنَ يَدَي اللهِ، فَلا يَبْقَى في قَلْبِ العَبْدِ إلا ما يَتَعَلَّقُ بِهذِه
العِبادةِ، لأنَّ ما يَتَعلَّقُ باللهِ وطاعتِه أكبرُ وأَهَمُّ وأعظمُ مِنْ كُلِّ
شَيءٍ.
ثُمَّ يقْرَأُ سُورَةَ الفاتِحَةِ، أَعْظَمَ
سُورَةٍ في القُرْآنِ، وهِيَ رُكْنٌ في كُلِّ رَكْعَةٍ، اشْتَمَلَتْ عَلى أصُولِ
العَقيدَةِ وأَنْواعِ التوحيدِ. وفي الصلاةِ وُجُوبُ التَّشَهُّدِ، لِمَا فيه مِن
الأَمْرِ بِأَنْ تَكُونَ جَمِيعُ التَّحِيّاتِ والدَّعَواتِ للهِ وَحْدَهُ لا
شَريكَ لَهُ. والتَحَيَّاتُ: هِيَ
التَّعْظِيماتُ بِجِمِعِ أَنْواعِها. مَعَ خِتامِ التَشَهُّدِ بِالنُّطْقِ
بِالشهادَتَينِ.
وَمِنْ أَثَرِ
الصلاةِ عَلى العَقيدَةِ: أَنَّ أَداءَها مَعَ الجَماعَةِ في الْمَسْجِدِ،
سَبَبٌ لِلثَّباتِ عَلى الإسلامِ حَتَّى الْمَماتِ، قال ابنُ مَسْعُودٍ رضي اللهُ
عَنْه: ( مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى اللهَ غَدًا مُسْلِمًا، فَلْيُحافِظْ عَلى
هذِهِ الصَّلَواتِ حَيْثُ يُنادَى بِهِنَّ )، أَيْ في الْمَساجِدِ.
فَمَنْ أرادَ الثَّباتَ عَلى الإسلامِ حَتَّى الْمَمَاتِ،
فَيَمُوتَ مُسْلِمًا، ويُبْعَثَ مُسْلِمًا، فَلُيُحافِظْ عَلى الصلاةِ مَعَ
الجَماعَةِ في المَساجِدِ.
وَمِن آثارِ
الصلاةِ عَلى العَبْدِ: أَنَّها تَنْهَى عَن الوُقُوعِ في المَعاصِي والْمُنْكَراتِ،
وَتَرْفَعُ مِنْ مُسْتَوَى أخْلاقِهِ، إذا أَقامَها العَبْدُ كَما أَمَرَهُ الله.
قال تعالى: ( وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ
تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ). ونُلاحِظُ في الآيَةِ أَنَّ
اللهَ أَمَرَ بِإِقامَتِها، لا بِمُجَرَّدِ الأَداءِ الظاهِرِ، ولا يَكُونُ ذلك
إلا بِالإخْلاصِ، وَحُضُورِ القَلْبِ، ومُوافَقَةِ هَدْيِ النبيِّ صلى اللهُ عَليه
وسلم في تَطْبِيقِها.
ومِنْ آثارِ
الصلاةِ عَلى العَبْدِ: أَنَّها تُعِينُ عَلى ضَبْطِ النَّفْسِ،
وَتَرْوِيضِها وَتَهْذِيبِها، والتَوَسُّطِ والاعْتِدالِ، وعَدَمِ الانْفِعالِ
والتَضَجُّرِ، والبُخْلِ وشُحِّ النَّفْسِ، قال تعالى: ( إِنَّ
الإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ
الخَيْرُ مَنُوعًا * إلَّا المُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ
دائِمُون ).
باركَ اللهُ لِي وَلَكُم
فِي القُرآنِ الْعَظِيم، وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ
وَالذّكرِ الْحَكِيم، أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم
وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الْحَمْدُ للهِ عَلى
إِحسانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوفِيقِهِ وَامتِنَانِهِ، وَأشهدُ أن لا إله
إلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وَأشهدُ أنَّ مُحمّداً عَبدُهُ وَرسولُهُ، صلى
اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلمَ تسليماً كثيراً . أَمّا بَعدُ
عِبادَ اللهِ:
ومِنْ آثارِ الصلاةِ: أَنَّها سَبَبٌّ لِصَلاحِ أَمْرِ المُسْلِمِ مَعَ أُسْرَتِهِ،
وسَلامَتِها مِن التَشَتُّتِ والضَّياعِ وانْفِصالِ الزَّوجَيْنِ بِالطَّلاقِ
وَغَيْرِهِ. فإنَّ اللهَ تَعالى، لَمَّا ذَكَرَ الطَّلاقَ وَأَحْكامَهُ وبَعْضَ
أَحْكامِ النِّكاحِ والخُلْعِ في سُورَةِ البَقَرَةِ، ذَكَرَ بَعْدَها
المُحافَظَةَ عَلى الصلاةِ، فَقالَ: ( حَافِظُوا
عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىٰ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ
)، لِمَا فِيها مِن الإِعانَةِ لِلْعَبْدِ وتَحَمُّلِ الْمَشاقِ، والصَّبْرِ عَلى
المَتاعِبِ التي تَعْرِضُ لَهُ، والحِرْصِ عَلى إيجادِ الحُلُولِ التي يَتَفادَى
الزَّوْجانِ مِن خِلالِها ما قَدْ يَعْرِضُ لَهُما مِنْ مَشاكِلٍ. بَلْ هِيَ مِنْ
أَعْظَمِ ما يُعِينُ عَلى تَحَمُّلِ الْمَشاقِّ وصُعُوباتِ الحَياةِ قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ
وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ).
ومِنْ آثارِ الصلاةِ: أَنَّها تُعِينُ الْمُؤْمِنَ
عَلى تَنْظِيمِ وَقْتِهِ، واحْتِرامِ مَواعِيدِه، وإِدارَةِ عَمَلِهِ في اليَوْمِ
واللَّيلةِ.
فَيَا مَنْ
يُرِيدُ إصْلاحَ نَفْسِهِ وحالِهِ، فَلْيُحافِظْ عَلى هذِه الصلاةِ كَمَا
أَمَرَ اللهُ، في الْمَسْجِدِ.
وَيَا مَنْ يُرِيدُ طَرِيقًا يَخْتَصِرُ
عَلَيْهِ الجُهْدَ في تَرْبِيَةِ أَوْلادِه وأَهْلَ بَيْتِهِ، ويُغْنِيهِ عَنْ
كَثِيرِ مِن الحُلُولِ، فَلْيأْمُرْهُمْ بِالْمُحافَظَةِ عَلى الصلاةِ،
ولْيَجْتَهِدْ مَعَهُمْ في ذلكَ، وسَوْفَ يَرَى فِيهِمْ بِإِذْنِ اللهِ ما تَقَرُّ
بِهِ عَيْنُه.
رَبَّنَا اجْعَلْنا مُقِيمِي الصَّلاةِ ومِنْ ذُرِّيَّتِنا،
رَبَّنا وَتَقَبَّلْ دُعاءَنا.
اللَّهُمَّ وَفِّقْنا لِلمُحافَظَةِ عَلى
الصلاةِ، وَتَعْظِيمِ قَدْرِها.
اللهم أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِكِ وشُكْرِكَ
وَحُسْنِ عِبادَتِكَ.
اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها أنت
خير من زكاها أنت وليّها ومولاها،
اللهم إنا نعوذ بك من جهد البلاء
ودرك الشقاء وسوء القضاء وشماتة الأعداء،
اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك
وتحول عافيتك وفجأة نقمتك وجميع سخطك، اللهم ارفع عنا الوباء والبلاء يا أرحم
الراحمين،
اللهم احفظ بلادنا من كيد
الكائدين وعدوان المعتدين،
اللهم من أراد بلادنا بسوءٍ فأشغله بنفسه واجعل كيده في نحره واجعل
تدبيره تدميرًا له يا سميع الدعاء،
اللهم وفقّ ولاة أمرنا بتوفيقك وأيّدهم بتأييدك واجعلهم من أنصار
دينك، وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة لهم يا أرحم الراحمين،
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات
والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات
( وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى
عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ
مَا تَصْنَعُونَ ) .
وللمزيد من
الخطب السابقة للشيخ أحمد العتيق تجدها هنا :
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=119
|