مسائل
مهمة تَتَعلَّق بالصفوف في الصلاة
إِنَّ الحَمدَ للهِ، نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ،
وَنَعوذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا، مَنْ
يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ
أَنْ لا إلهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا
عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ
تسلِيماً كَثِيراً. أمّا بعد،
عباد الله:
اتقوا الله تعالى، واعلموا أَن الصلاةَ عَمُودُ الدِّينِ وآكَدُ أركانِهِ بَعدَ
الشهادَتَين، وَأَوَّلُ ما أوصَى به النبيُّ صلى الله عليه وسلم عِندَ مَوتِه،
وأَوَّلُ ما يُحاسَبُ عنه العبدُ يَومَ القيامَة. وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم
يأمُرُ بالإحسانِ في أدائِها وَيُؤَكِّدُ على ذلك بِقَولِه: ( صَلُّوا كَما
رأَيتُمُوني أُصَلِّي ). وَمِنَ الإحسانِ في أدائِها: تَسْوِيةُ الصُّفُوفِ، قال
رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: ( سَوُّوا صُفُوفَكُمْ، فَإنَّ تَسْوِيَةَ
الصُّفُوفِ مِنْ إقامَةِ الصلاةِ ). وهذا نَصٌّ صَريحٌ في مَشْرُوعِيَّةِ ذلك عَلى
الأُمَّةِ، تُلامُ عَلى تَرْكِهِ، إلا عِنْدَ العَجْزِ، أَوْ في حالِ الضَّرُورَةِ،
أَوْ خَوْفِ الضَّرَرِ، مِثْلُ الخَوْفِ مِنْ انْتِشارِ المَرضِ، كَما مَرَ
عَلَينا في جائِحَةِ كُرُونا، فإنَّها مِن النَّوازِلِ التي سَقَطَ بِسَبَبِها
وُجُوبِ التَراصِّ في الصُفُوفِ. وأَمَّا مَعَ الأَمْنِ والسلامَةِ وَزَوالِ
السَّبَبِ، فإنَّ الواجِبَ عَلى المُصَلِّينَ جَماعَةً، هُو التَّراصُّ
وتَسْوِيَةُ الصُفِّ امْتِثالاً لِأَمْرِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، حَيْثُ قال:
( عبادَ الله لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكم أو لَيُخالِفَنَّ اللهُ بين وُجُوهَكم ).
وهذا يَدُلُّ على وُجُوبِ تَسوِيَةِ الصُّفُوفِ، وأهميَّةِ العنايَةِ بها
وبِأحكامِها. ويَدُلُّ على أن الناسَ إذا تَركوا السُّنةَ عوقِبُوا باختِلافِ
القلوب، وإذا عَمِلُوا بها اجتمعَت قُلُوبُهم. قال أنس بنُ مالكٍ رضي الله عنه:
" كان أحدُنا يُلْصِقُ مَنْكِبَه بِمنكِبِ صاحبِه، وقَدَمَه بِقَدَمِه
".
ومِمَّا وَرَدَ في
شأنِ العِنايَةِ بالصُّفُوفِ قَولُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم لأصحابِه: (
ألا تَصُفُّونَ كما تَصُفُّ الملائكةُ عند ربِّها عز وجل؟ ) قالوا: وكيف تَصُفُّ
الملائكةُ عند ربِّها؟ فقال: ( يُتِمُّونَ الصُفُوفَ الأُوَل، ويَتَراصُّونَ في
الصف ). أي: يَتَراصُّون، ولا يَتْرُكُونَ فُرْجَةً، ولا يَشْرَعُونَ في صَفٍّ حتى
يُتِمُّوا الصَّفَّ الذي قَبْلَه.
ومِن المَسائلِ
المُتَعَلِّقَةِ بالصفوف: أهميةُ الصّفِّ الأَوَّل، وأَنَّه خيرُ صُفوفِ
الرجال، قال رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم: ( إن اللهَ وملائكتَه يُصَلونَ على
الصفِّ المُقَدَّم ) ، وقال أيضاً: ( لو يَعلمُ الناسُ ما في النداءِ والصَّفِّ
الأول ثم لم يَجِدُوا إلا أن يَسْتَهِمُوا عليه، لاستَهموا عليه ). ومعنى
يستهِموا: أي يَقْتَرِعُوا.
ومن المَسائِلِ
أيضاً: عِظَمُ ثَوابِ وَصْلِ الصفِّ وسَدِّ الخَلَل، وعِظَمُ ذَنْبِ مَنْ
قَطَعَ الصفَّ، قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (أقيموا الصُّفوف، وحاذُوا
بين المناكب، وسُدُّوا الخَلَل، وَلِينُوا بأيدي إخوانِكم، ولا تذَروا فُرُجاتٍ
لِلشيطانِ، ومَنْ وصَلَ صَفًّا وصَلَه الله، ومَن قَطَعَ صَفًّا قَطَعَه الله ).
ومعنى وصَلَ صفاً: أي سَدَّ فُرْجَةً في الصف. ومَعنى قَطَعَ صفاً: أي وضَعَ شيئاً
في الصفِّ يَمنَعُ اتِّصالَ الصفِّ، أو خَرجَ مِنَ الصفِّ بِلا عُذْرٍ وتَرَكَ
مكانَه خالياً. وفي الحديثِ دليلٌ على أن الشياطين تَتَخلَّلُ الصُّفُوف.
ومِنَ المَسائِلِ أيضاً:
أنه لا يجوزُ إنشاءُ صَفٍّ جديدٍ إلا بَعدَ إتمامِ الصفِّ الذي قَبْلَه، لِما
تقدَّم في وَصْفِ صُفُوفِ الملائكةِ.
ومِنَ المَسائِلِ
أيضاً: أَنَّه إذا لم يُصَلِّي مع الإمامِ إلا شَخْصٌ واحدٌ، فإنَّه يكونُ
عن يمينِه مُحاذِياً له، لا مُتأخِّراً عنه. وَلَوْ صلى عن يسارِه صَحَّتِ الصلاةُ،
لكن الأفضلُ أن يكونَ عن يمينِه.
ومن المَسائِلِ
أيضًا: صَلاةُ المُنفرِدِ خَلْفَ الصفِّ، فإنها لا تَجُوزُ لِنَهْيِ
النبيِّ صلى الله عليه وسلم عن ذلك، إلا عِنْدَ الضَّرُورةِ, بِحَيْثُ لا يجِدُ
الشَّخْصُ الداخلُ فُرْجَةً في الصفِّ، وَخَشِيَ فَواتَ الركعة.
ويَتَفَرَّعُ
عن هذِه المسألة: عَدَمُ جوازِ الصلاةِ أمامَ الإمامِ
بلْ وَبُطْلانُها، إلا عندَ الضرورة، بَحَيثُ لا يَجِدُ المأمومُ مكاناً داخِلَ
المسجدِ، ولا خارِجَهُ إلا أمامَ المَسجِد، وهذا قد يحصُلُ في الحرمِ فيُشْكِلُ
حُكْمُه على الناس.
باركَ اللهُ لِي وَلَكُم
فِي القُرآنِ الْعَظِيم، وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ
وَالذّكرِ الْحَكِيم، أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم
وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة
الثانية
الْحَمْدُ للهِ عَلى إِحسانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوفِيقِهِ
وَامتِنَانِهِ، وَأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وَأشهدُ أنَّ
مُحمّداً عَبدُهُ وَرسولُهُ، صلى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلمَ تسليماً
كثيراً . أَمّا بَعدُ
عباد الله: ومن
المسائِلِ المُتَعَلِّقَةِ بِالصُّفُوفِ أيضًا: أنَّ المَرأةَ إذا أَمَّتِ
النساءَ فإنَّها تَقُومُ وَسْطَهُن. وإذا أمَّ الرّجُلُ زوجَتَه أو إحْدَى
مَحارِمِه فإنها تقومُ خَلْفَه.
ومن المَسائِلِ
أيضًا: عَدَمُ جوازِ الصلاةِ بينَ الأعمِدَة، وهي السَّواري، إلا عند
الضرورة وهي ازدحامُ الصُّفُوفِ وامتِلاؤُها.
ومِنَ المسائِلِ
أيضاً: ما يَتَعَلَّقُ بالصلاةِ على الكُرْسِيِّ، فإنَّ حُكْمَ
المُصافَّةِ فيها يَخْتَلِفُ باختِلاف حاجَةِ المُصَلِّين: فإذا كان المُصَلِّي
مُلازِماً لِلكُرسيّ وجالِسًا على الكُرسيِّ مِن أولِ الصلاةِ إلى آخِرِها فإنه
يجلِسُ وكَتِفُه مُحاذِياً لِمَن بجانِبِه، بِحَيثُ تكونُ قوائِمُ الكُرْسيِّ
الخَلْفِيَّةِ قَريبَةً مِن أَكْعُبِ المُصَلّين. وإن كانَ يُصَلِّي قائِماً، ولا
يَسْتَعْمِلُ الكُرْسيَّ إلا حالَ السُّجُود لِعَدَم تَمَكُّنِه مِنَ السُّجُودِ
والجُلُوس، فإنه يَقَفُ وَكَتِفُهُ مُحاذياً لِمَن بِجانِبِه، بَحيثُ تَكونُ
قوائِمُ الكُرسيِّ الأمامِيةِ، مُحاذيَةً لِأَقدامِ المُصَلّين. وقوائِمُ
الكُرسيِّ الخَلْفيةِ خَلْفَ الصَّفِ، لكن بِشَرْطِ أن لا يَتَأَذّى مَن خَلْفَه،
فإِنْ كانَ يَتَأَذَّى مَن خَلْفَهُ فإنَّه يَتَقَدَّمُ قليلاً لِلضَّرُورة.
اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا، وفقهنا في دينك يا ذا الجلال والإكرام، اللهم أعِنّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم آتِ نفوسنا تقواها وزكّها أنت خير من زكّاها أنت وليّها ومولاها، اللهم أصلحْ لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا واجعل الدنيا زيادة لنا في كل خير والموت راحة لنا من كل شر، اللهم احفظنا بالإسلام قائمين واحفظنا بالإسلام قاعدين واحفظنا بالإسلام راقدين ولا تُشمت بنا أعداء ولا حاسدين، اللهم أصلح أحوال المسلمين، اللهم أصلح أحوال المسلمين حكاماً ومحكومين، اللهم أرهم الحق حقاً وارزقهم اتباعه وأرهم الباطل باطلاً وارزقهم اجتنابه، وولّ عليهم خيارهم، واجعل ولايتهم فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا ذا الجلال والإكرام، اللهم اجمع كلمة المسلمين على الكتاب والسنة، واجعلهم يداً واحدةً على من سواهم، ولا تجعل لعدوهم منةً عليهم يا ذا الجلال والإكرام، اللهم ألّف بين قلوب المؤمنين وأصلح ذات بينهم واهدهم سبل السلام ونجهم من الظلمات إلى النور وانصرهم على عدوك وعدوهم يا قوي يا عزيز، اللهم احقن دماء المسلمين، اللهم احقن دماء المسلمين، اللهم انصر المستضعفين من المؤمنين، اللهم ارحم المستضعفين من المؤمنين في كل مكان، اللهم ارفع البلاء عن المستضعفين من المؤمنين في كل مكان، اللهم نج المستضعفين من المؤمنين في كلِّ مكانٍ، اللهم انصر المجاهدين الذين يجاهدون في سبيلك في كل مكان، اللهم انصرهم في كل مكان يا قوي يا عزيز، اللهم عليك بالكفرة والملحدين الذين يصدون عن دينك ويقاتلون عبادك المؤمنين اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك، اللهم زلزلهم وزلزلِ الأرض من تحت أقدامهم، اللهم فرّق كلمتهم وشتت شملهم وسلط عليهم مَنْ يسومهم سُوء العذاب، اللهم لا تجعل لهم منة على المؤمنين، واجعلهم غنيمة سائغة للمؤمنين يا قوي يا متين يا رب العالمين، اللهم احفظ بلادنا ممن يكيد لها، اللهم احفظ بلادنا ممن يكيد لها، اللهم أصلح أهلها وحكامها يا أرحم الراحمين، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ أحمد العتيق تجدها هنا :
http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=119 |