شهرُ شوال وبعضُ ما وردَ فيه من السُّنَنِ والأحكام
إِنَّ الحَمدَ للهِ، نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعوذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً. أمّا بعد،
أيها المُسلمون: اتقوا الله تعالى, واعلموا أن عَدَدَ الشُّهورِ في كِتابِ اللهِ وَحُكْمِه, اثنا عَشَرَ شَهراً, كما قال تعالى: ( إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ ). وهذِه الأشهُرُ تَتَفاوَتُ في فَضْلِها وأَحْكامِها. وَمِن هذِهِ الأشْهُر: شَهْرُ شوال, وهو الشهْرُ العاشِرُ مِن أَشْهُرِ السنةِ الهِجْرِيةِ القَمَريَّة, والذي يَتَعَلَّقُ بِهِ بعضُ الفَضائِلِ والأحكام:
أولُها: أَنَّ أفْضَلَ وقْتٍ لِصَدَقَةِ الفِطْرِ هي صَبِيحَةُ أَوَّلِ يَومٍ مِن شوال, قبْلَ صلاةِ العيد. وأما بَعْدَ الصلاةِ فإنما هي صَدَقَةٌ من الصدقات. لِما رواه البخاري ومسلم عن بنِ عمرَ رضي اللهُ عنهما قال: ( وأَمَرَ بها أن تُؤَدَّى قبلَ خروجِ الناسِ إلى الصلاة ).
الثاني: أن المسلمين يَحْتَفِلُون في أوّلِ يومٍ فيه بعيدِ الفِطر, فَهُوَ أَحَدُ أعيادِ المسلمين ومَواسِمِها العظيمة, قال أنس ابنُ مالكٍ رضي الله عنه: ( قدِمِ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم المدينةَ, ولهم يومان يلعبون فيهما, فقال: ( ما هذان اليومان؟ ), قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن اللهَ قد أبدلكم بهما خيرا منهما, يوم الأضحى, ويوم الفطر ).
الثالث: أنه يَحْرُمُ صومُ اليومِ الأولِ منه, فقد نهى النبيُّ صلى اللهُ عليه وسلم عن صَومِ يومَيْ الفِطْرِ والأضحى. عن عمرَ بنِ الخطابِ رضي الله عنه قال: ( إن هذينِ يومانِ, نهى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عن صيامِهما, يومُ فِطْرِكُم مِن صيامِكم, والآخرُ يوم تأكلون فيه من نُسُكِكُم ). فَمَنْ صامَهُما تَطَوُّعاً فَهُوَ آثِمٌ, وَصَوْمُه باطِل. وَمَن صامَ قضاءً أو وفاءً لِنَذْرٍ أو كَفارة, لَمْ يُجْزِه صومُه, ويَجِبُ عليه أن يُعِيدَ صَوْمَه.
الرابع: أَن شَهْرَ شوال هو أوّلُ أَشْهُرِ الحج, وهي: شوال, وذو القِعدة, وعَشْرٌ من ذي الحِجة. فلا يَجُوزُ لأحدٍ أن يُحْرِمَ بالحجِّ في غيرِها, قال ابنُ عمرَ رضي اللهُ عنهما: " أشهُرُ الحجِّ: شوال, وذو القعدة, وعَشْرٌ مِن ذي الحجة ".
الخامس: أنَّ بَعْضَ السَّلَفِ كان يستحب النكاحَ في شوال, لما رواه الإمام مسلمٌ في صحيحه, عَنْ عَائِشَةَ رضي اللهُ عنها قَالَتْ: " تَزَوَّجَنِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فِي شَوَّالٍ وَبَنَى بِي فِي شَوَّالٍ فَأَيُّ نِسَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ أَحْظَى عِنْدَهُ مِنِّى؟ ". قَالَ: فكَانَتْ عَائِشَةُ تَسْتَحِبُّ أَنْ تُدْخِلَ نِسَاءَهَا فِي شَوَّالٍ .
السادس: استحباب صومِ سِتةِ أيامٍ من شوال, قال رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم: ( مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْر ). ولا يُشْتَرَطُ في هذه الأيامِ التتابُع. ولا تُصامُ هذهِ الأيامُ قبلَ القضاء, لأن صيامَ السِّتِّ مِن شوال إنما هو كالراتِبةِ بعد رمضان, فهو مُرتبِطٌ بشهرِ رمضان. بِخِلافِ غَيرِها مِن الأيام, كَمَن أدْرَكَهُ يومُ عَرفةَ أو عاشوراء, وعليهِ أيامٌ مِن رمضان, فإنَّ له أن يَصومَهُما قَبْلَ القضاء, لأنه لا تَعَلُّقَ لَهُما بِرمضان.
باركَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم، وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ الْحَكِيم، أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ عَلى إِحسانِهِ، وَالشكرُ لَهُ عَلى تَوفِيقِهِ وَامتِنَانِهِ، وَأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وَأشهدُ أنَّ مُحمّداً عَبدُهُ وَرسولُهُ، صلى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلمَ تسليماً كثيراً. أَمّا بَعدُ،
عبادَ الله: السابع مِن الأحكامِ المتعلقة بشوال: أن مَنْ اعْتادَ على الاعتِكافِ في العَشْرِ الأواخِرِ, ثَمَّ تَرَكَه لِعُذْرٍ فإنَّه يُسْتَحَبُّ له أَن يَقْضِيَهُ في شهرِ شوال, عن عائشة رضي الله عنها: " أن النبي صلى الله عليه وسلم, كان يعتكف في كل رمضان، فإذا صلَّى الغَدَاةَ، جاءَ مكانه الذي اعتَكَف فيه، قال: فاستأذَنَتْه عائشةُ أنْ تَعْتكف، فأذِنَ لها، فضربتْ فيه قُبَّةً، فسمِعَتْ بها حَفْصَةُ، فضربتْ فيه قُبَّةً، وسمِعَتْ زينبُ، فضربتُ قُبَّةً أخرى، فلما انصرف رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مِنَ الغَدَاةِ، أبْصَرَ أرْبَعَ قِبابٍ، فقال: ( ما هذا ؟ ) فأُخْبِرَ خَبَرَهُن. فقال: ( انْزِعوها، فلا أَراها )، فنُزِعَت، فَلَمْ يَعتكف في رمضان حتى اعتكفَ في آخِرِ العشرِ مِن شوال .
الثامن: أنه يُسْتَحَبُّ لِمَنْ لَمْ يَصُمْ شَيْئًا مِنْ شَعبانَ, أن يَصومَ يومين في شوال, لِما رواه مُسلِمٌ في صحيحِه عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنهما, أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ أَوْ لآخَرَ: ( أَصُمْتَ مِنْ سَرَرِ شَعْبَانَ ؟ ) قَالَ لاَ. قَالَ: ( فَإِذَا أَفْطَرْتَ فَصُمْ يَوْمَيْنِ ). والسرر: قيل أول الشهر، وقيل وسطه، وقيل آخره.
اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا، وفقهنا في دينك يا ذا الجلال والإكرام، اللهم أعِنّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم لا تدع لنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا مُبتلىً إلا عافيته، ولا عسيراً إلا يسرته، ولا حاجة من حوائج الدنيا والآخرة هي لك رضاً ولنا فيها صلاح إلا أعنتنا على قضائها ويسّرتها، برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم احفظنا بالإسلام قائمين واحفظنا بالإسلام قاعدين واحفظنا بالإسلام راقدين ولا تُشمت بنا أعداء ولا حاسدين، اللهم أصلح أحوال المسلمين، اللهم أصلح أحوال المسلمين حكاماً ومحكومين، اللهم أرهم الحق حقاً وارزقهم اتباعه وأرهم الباطل باطلاً وارزقهم اجتنابه، وولّ عليهم خيارهم، واجعل ولايتهم فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا ذا الجلال والإكرام، اللهم اجمع كلمة المسلمين على الكتاب والسنة، واجعلهم يداً واحدةً على من سواهم، ولا تجعل لعدوهم منةً عليهم يا ذا الجلال والإكرام، اللهم ألّف بين قلوب المؤمنين وأصلح ذات بينهم واهدهم سبل السلام ونجهم من الظلمات إلى النور وانصرهم على عدوك وعدوهم يا قوي يا عزيز، اللهم احقن دماء المسلمين، اللهم احقن دماء المسلمين، اللهم انصر المستضعفين من المؤمنين، اللهم ارحم المستضعفين من المؤمنين في كل مكان، اللهم ارفع البلاء عن المستضعفين من المؤمنين في كل مكان، اللهم نج المستضعفين من المؤمنين في كلِّ مكانٍ، اللهم انصر المجاهدين الذين يجاهدون في سبيلك في كل مكان، اللهم انصرهم في كل مكان يا قوي يا عزيز، اللهم احفظ بلادنا ممن يكيد لها، اللهم احفظ بلادنا ممن يكيد لها، اللهم أصلح أهلها وحكامها يا أرحم الراحمين، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ أحمد العتيق تجدها هنا :
http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=119 |