أصول مسائل الإقتصاد وبعض المخالفات في بيوع العقار
إِنَّ الحَمدَ للهِ، نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعوذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً. أمّا بعد،
عباد الله: اتقوا الله تعالى, واعلموا أن من القضايا المهمة التي عالجها الإسلام, ما يتعلق بمسألة الاقتصاد, فقد أوضح النبي صلى الله عليه وسلم أصولها التي يرجعُ إليها جميع الفروع بقوله: ( لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعٍ ... وذكر منها: وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ ، وَفِيمَا أَنْفَقَهُ ).
فتبيّن من هذا الحديث أن مسائل الاقتصاد راجعة إلى أصلين:
الأول: حسن النظر في اكتساب المال.
والثاني: حسن النظر في صرفه في مصارفه.
ولقد فتح الله الطرق إلى اكتساب المال بالأسباب المناسبة للمروءة والدين, وأنار السبيل في ذلك فقال تعالى: ﴿ فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ ﴾، وقال تعالى: ﴿ وَأَحَلَّ اللَّهُ البَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ﴾, وقال تعالى: ﴿ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً ﴾.
وحرّم الله الاستيلاء على أموال الناس بالغصب وانتزاعها بالقوة من غير مبرر شرعي، وحرّم السرقة وحرم ظلم الأَجير، وحرّم بيع الأشياء المحرمة كالخمر وآلات الطرب والصور.
وبيّن الشارع الحكيم أحكام المعاملات والعقود وأنها ترجع إلى قواعد ثلاث:
القاعدة الأولى: قاعدة الربا،
القاعدة الثانية: قاعدة الغرر والجهالة،
القاعدة الثالثة : قاعدة الخداع والتغرير.
أما ما يتعلق بالربا فقد قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ﴾، أي: لا يقومون من قبورهم يوم القيامة إلا كما يقوم المصروع الذي صرعه الجن, فهو يقوم ويسقط لتضخم قلبه وبطنه بالربا, وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ ﴾، وقال عليه الصلاة والسلام: ( لعن الله آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه).
القاعدة الثانية: قاعدة الغرر والجهالة: والغرر: ما كان ظاهره يغرر, وباطنه مجهول, فهو مجهول العاقبة لأنه مبنى على المخاطرة، فيدخل فيه بيع ما في بطون الأنعام، وبيع الجمل الشارد, وما شابهه في الحكم. وبيع الثمار قبل بدو صلاحها. وكذلك عقود التأمين التجارية بجميع أنواعها, والتي ابتُلِي المسلمون بها اليوم لدى شركات التأمين. ومن ذلك أيضا: المَيْسِرُ والمغالباتُ على عِوَض, أو ما يسمى بالمراهنات, بين طرفين أحدهما غانم رابح, والآخر غارم خاسر. ويكثر في مجتمعنا اليوم لعب الورقة أو الكرة على عوض بين المتبارين, يدفعه المغلوب منهم, وقد يكون العِوَضُ نقوداً أو وليمة أو غير ذلك, وهذا من القمار, فلا يجوز فعله.
القاعدة الثالثة: قاعدة الخداع والتغرير: وهي المعاملات التي مبناها على الخداع والتغرير والتدليس لما تجره من غش, ويترتب عليها العداوة والبغضاء وأكل أموال الناس بالباطل, ولذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن النجش: وهو أن يزيد ثمن السلعة من لا يريد شراءها كما هو الحاصل الآن.
ومر النبي صلى الله عليه وسلم على صُبْرَةٍ من طعام فأدخل يده فيها فنالت أصابِعُهُ بَللاً، فقال: ( ما هذا يا صاحب الطعام؟ ) فقال: أصابته السماء - يريد بذلك المطر - فقال عليه الصلاة والسلام: ( أَفَلاَ جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ كَيْ يَرَاهُ النَّاسُ ، مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي ).
باركَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم، وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ الْحَكِيم، أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ عَلى إِحسانِهِ، وَالشكرُ لَهُ عَلى تَوفِيقِهِ وَامتِنَانِهِ، وَأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وَأشهدُ أنَّ مُحمّداً عَبدُهُ وَرسولُهُ، صلى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلمَ تسليماً كثيراً . أَمّا بَعدُ،
عباد الله: هناك مخالفات في بعض المعاملات المتعلقة ببيع العقار, يجب التنبيه عليها:
أولها: بيع قرض الصندوق العقاري, لأنه بيعُ شيءٍ مرهون. فإن البنك سيرهن الأرض التي هي باسم من اشتُرِيَتْ منه, ولا يجوز التصرف في المرهون ببيع ونحوه إلا بإذن الراهن. وما يفعله كثير من الناس اليوم من بيع المرهون, إنما هو تَصَرُّفٌ داخلي يتداولُهُ الناس فيما بينهم, بِطُرُقٍ غيرِ رسمية, وأما العقار فإنه باقٍ بِصِفَةٍ رسمية على الاسم الأول.
الثانية: بيع أرقام أراضي الِمنَح. والحُكمُ فيها كالحُكْمِ في بيع قرض الصندوق العقاري.
الثالثة: بعض تجار العقار, يبيع أرضاً بالأقساط, ويرهنها عنده, فلا يُفْرِغُها للمشتري إلا بعد سدادِ كاملِ الأقساط, وهذا جائز. ولكن البائِعَ يرتكبُ خطأً آخر: فيَشتَرط على المشتري في حالِ تَوَقُّفِه عن السداد إلغاءَ البيعِ, وتكونُ الأقساطُ المدفوعةُ أجرةً عن المدة الماضية. وهذا لا يجوز, والشَّرط في هذه الحالة باطل, ولو كان بموافقة الطرفين. لأن الأرض انتقلت إلى مُلكِ المشتري, حتى ولو رهنَها البائعُ عِندَه. لكنه يستفيد من الرهن: عدمَ الإفراغ إلا بعد تمام السداد. ويكون له الحقُّ بالمطالبة ببيع الأرض واستيفاء بقية الثمن.
عباد الله : وكما أن الله تعالى أمر بِحُسْنِ النظرِ في اكتساب المال, كذلك أمر بحسن النظر في صرفه في مصارفه. ( وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ ). أمِن حلال أم من حرام؟ (وَفِيمَا أَنْفَقَهُ )، في طاعة الله أم في معصيته, والنفقة في الطاعة يدخل فيها الواجبة والمستحبة, وما زاد على ذلك من بِرِّ قريبٍ وصلةِ رَحِمٍ وصدقةٍ على محتاج ونشرٍ للعلم وفي مشروعٍ نافع للمسلمين.
اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك, وأغننا بفضلك عمن سواك، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وفقهنا في دينك يا ذا الجلال والإكرام، اللهم آتِ نفوسنا تقواها وزكّها أنت خير من زكاها, أنت وليّها ومولاها، اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم احفظنا بالإسلام قائمين واحفظنا بالإسلام قاعدين واحفظنا بالإسلام راقدين ولا تُشمت بنا أعداء ولا حاسدين، اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين وأذلَّ الشرك والمشركين واحمِ حوزةَ الدين، وانصر عبادك المؤمنين في كل مكان، اللهم أصلح أحوال المسلمين، اللهم انصر المجاهدين الذين يجاهدون في سبيلك في كل مكان، اللهم انصر المستضعفين من المؤمنين، اللهم احقن دماء المسلمين، اللهم ارفع البلاء عن المستضعفين من المؤمنين في كل مكان، اللهم ارفع البلاء عن إخواننا في سوريا ، اللهم ارفع البلاء عنهم واكشف كربهم واشفِ مريضهم وفكّ أسيرهم واربط على قلوبهم، وانصرهم على من ظلمهم وعاداهم يا قوي يا عزيز ، اللهم عليك بالكفرة والملحدين الذين يصدون عن دينك ويقاتلون عبادك المؤمنين اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك، اللهم زلزلهم وزلزلِ الأرض من تحت أقدامهم، اللهم فرّق كلمتهم وشتت شملهم وسلط عليهم مَنْ يسومهم سُوء العذاب، اللهم لا تجعل لهم منة على المؤمنين، واجعلهم غنيمة سائغة للمؤمنين يا قوي يا متين يا رب العالمين، اللهم احفظ لهذه البلاد دينها وعقيدتها وأمنها وعزتها وسيادتها، اللهم احفظها ممن يكيد لها، اللهم وفق حكامها وأعوانهم لما فيه صلاح أمر الإسلام والمسلمين، وبصّرهم بأعدائهم يا حي يا قيوم، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾.
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ أحمد العتيق تجدها هنا :
http://www.islamekk.net/catsmktba-119.html
|