الوضوء فضائل ومسائل
إنَّ الْحَمْدَ للهِ نَحْمَدُه ونستعينُه،
ونستغفرُه، ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا، ومن سيئاتِ أعمالِنا، مَن يَهْدِهِ
اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومَن يُضْلِلْ فلا هادِيَ له، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ
وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُه ورسولُه. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ
الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ
مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ
بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا
اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا
اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ
لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا
عَظِيماً}
. أما بعدُ: فإنَّ خيرَ الكلامِ كلامُ اللهِ، وخيرَ الهديِ هديُ محمَّد صلَّى
اللهُ عليه وعلى آله وصحبِه وسلَّمَ، وشرَّ الأمورِ مُحْدَثَاتُها، وكلَّ محدثةٍ
بدعةٌ وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وكلَّ ضلالةٍ في النارِ.
عبادَ اللهِ : يقولُ اللهُ تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ
فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا
بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ)؛ هذه الآيةُ الكريمةُ
أصلٌ في وجوبِ الوُضوءِ الذي هو مفتاحُ الصلاةِ. وقد جعلَه الشارعُ الحكيمُ شرطاً
من شروطِ الصلاةِ، لِمَا رواه الشيخانِ من حديثِ أبي هريرةَ رضي الله عنه أنَّ
النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ قال : «لا يقبلُ
اللهَ صلاةَ أحدِكم إذا أحدَثَ حتى يتوضَّأَ» ، ولِعَظم شأنِ الوُضوءِ
شَرَعَه اللهُ تعالى على جميعِ الأُمَمِ، إلا أنَّ هذه الأمَّةَ اختُـصَّت
بالغُـرَّةِ والتحجيلِ، لقولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «إنَّ أمَّتي يُدعَون يومِ القيامةِ غرَّاً مُحجَّلينَ من
آثارِ الوُضوءِ» .
وللوُضوءِ فضائلُ كثيرةٌ منها:
أولا: تكفيرُ السيئاتِ والخطايا؛ لِمَا رواه مسلمٌ عن عثمانَ
رضيَ الله عنه أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: «مَنْ توضَّأَ فأحسنَ الوُضوءَ خَرَجَتْ خطاياه من جَسَدِه،
حتى تخرجَ من تحتِ أظفارِه».
وهذا الفضلُ المذكورُ في الحديثِ لا يحصُلُ إلا لمن أحسنَ
الوُضوءَ، أمَّا مَنْ لم يُحسِنِ الوُضوءَ فإنَّه لا يحصلُ له ما وَرَدَ في هذا
الحديثِ من الفضلِ، لأنَّ التكفيرَ مشروطٌ بإحسانِ الوُضوءِ، وذلك بأنْ يتوضَّأَ
العبدُ كما توضَّأَ الرسولُ عليه الصلاةُ والسلامُ من الإسباغِ وتركِ الإسرافِ في
صبِّ الماءِ، وتطبيقِ السُّنَّةِ. فحريٌّ بالمسلمِ أنْ يتعرَّفَ على هديِ النبيَّ
صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في الوُضوءِ كي يحصلَ له هذا الفضلُ.
ثانياً : أنَّه شَطْرُ الصـلاةِ؛ أي: نصفُها، لِمَا رواه مسلمٌ عن
أبي مالكٍ الأشعريِّ رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسَلَّمَ قال: «الطُّهُورُ شَطْرُ الإيمانِ»، والْمرادُ بالإيمانِ
هنا الصلاةُ . لقولِه تعالى: (وَمَا كانَ اللهُ لِيضِيعَ
إيمانَكُم) يعني : صلاتَكم عند البيتِ.
ثالثاً : أنَّه مِفْتَاحُ الصـلاةِ؛ لِمَا رواه أحمدُ وأبو داودَ عن
عليٍّ رضيَ اللهُ عنه أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ: «مفتاحُ الصلاةِ الطُّهورُ، وتحريمُها التكبيرُ وتحليلُها
التسليمُ» .
رابعاً : أنَّه من علاماتِ الإيمانِ لمنْ حافظَ عليه؛ لقولِه صلَّى
اللهُ عليه وسَلَّمَ: «ولا يُحافِظُ على الوُضوءِ إلا
مؤمِنٌ» .
خامساً : أنَّ أمَّةَ محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ تُعرَفُ
يومَ القِيامةِ بآثارِ الوُضوءِ؛ كما أخبرَ بذلك الرسولُ عليه الصلاةُ والسلامُ
بقولِه: «إنَّ أمَّتي يُدْعَونَ يومَ القيامةِ غُرَّا
مُحجَّلينَ من أَثَرِ الوُضوءِ».
سادساً : أنَّه يُطْفئ نارَ الغَضَبِ ؛ لقولِه صلَّى اللهُ عليه
وسلَّمَ : «إذا غَضِبَ أحدُكم فلْيَتَوَضَّأْ»
.
سابعاً: أنَّه يُقَوِّيْ البدَنَ ويُنَشِّطُه؛ ولذلكَ شَرَعَ
الرسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لمنْ جامَعَ زوجتَه ثمَّ أرادَ أنْ يأتيَها مرةً
أخرى بأنْ يتوضَّأَ فقالَ: «إِذا أَتى أحدُكم أهلَه
ثم أرادَ أنْ يعودَ فلْيَتَوضَّأْ بين ذلك وُضـوءاً فإنَّه أنشطُ للعَوْدِ»
.
ثامناً: أنَّه بِسَبَبِه تُفْتَحُ أبوابُ الجنَّةِ الثمانيةِ؛
لِمَا رواه مسلمٌ عن عمرَ رضيَ اللهُ عنه قالَ: قالَ رسولُ اللهَ صلَّى اللهُ عليه
وسلَّمَ: «ما منكم من أحدٍ يتوضَّأُ فيسبِغُ الوضوءَ
ثم يقولُ: أشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمَّداً
عبدُه ورسولُه، إلا فُتِحَتْ له أبوابُ الجنَّةِ الثَّمَانيةِ يدخلُ من أيِّها
شاءَ»، زاد الترمذِيُّ : «اللهُمَّ اجْعَلْني
من التوَّابين واجْعلني من الْمتَطَهِّرينَ» .
باركَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ
الْعَظِيم، وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ
الْحَكِيم، أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ
الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية
الْـحمدُ للهِ ربِّ العَالَمِين،
وَالعَاقِبةُ للمُتّقِين، وَلا عُدوانَ إِلا عَلَى الظَّالِمين، وَأَشهدُ أنْ لا
إِلهَ إِلا اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشهدُ أَنَّ مُحَمّداً عَبدُهُ
وَرَسُولُهُ، صَلَى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلّمَ تَسلِيماً
كَثِيراً. أما بعد:
فَمِنْ مسائلِ الوُضوءِ يا عبادَ اللهِ:
أولاً : أنَّه يُسْتَحَبُّ لكلِّ صلاةٍ ، لعمومِ قوله تعالى : (إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ
وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ) الآيةَ، وهذا الأمرُ عندَ أهلِ العلمِ
يكونُ للوجوبِ في حَقِّ الـمُحْدِثِ، ويكونُ للاستحبابِ في حَقِّ مَنْ لم
يُحْدِثْ.
وقد ثبتَ في صحيحِ البخاريِّ من حديثِ أنسِ بنِ مالكٍ رضيَ
اللهُ عنه أنَّه قالَ: كانَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يتوضَّأُ لكلِّ
صلاةٍ، وكان يُجزئُ أحدَنا الوُضوءُ ما لم يحدِثْ . وثبتَ في الصحيحين من
حديثِ أبي هريرةَ رضيَ اللهُ عنه أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ قال : «لولا أنْ أَشُقَّ على أمَّتي لأمرْتُهم بالوُضوء عندَ كلِّ
صلاةٍ» . فدلَّ هذا على أنه ينبغي للمسلمِ أنْ يتوضَّأَ لكلِّ صـلاةٍ.
ثانياً : أنَّ الوُضوءَ مستحبٌّ بعدَ كلِّ حدثٍ . لِمَا رواه أحمدُ
والترمذِيُّ عن بريدةَ بنَ الحُصَيْبِ رضيَ اللهُ عنه أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ
عليه وسَلَّمَ قالَ لبلالٍ : «يا بلالُ، بِمَ
سَبَقْتَني إلى الجنةِ؟ إنني دخلتُ البارحةَ الجنَّةَ فَسَمِعْتُ خَشْخَشَتَك أمامي؟»،
فقال بلالٌ: يا رسولَ اللهِ، ما أذَّنتُ قَطُّ إلا صلَّيتُ ركعتينِ، ولا أصَابَني
حَدَثٌ قَطُّ إلا توضَّأْتُ عندَه، فقالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «بهذا» .
فدلَّ هذا الحديثُ على أنَّه يستَحَبُّ للعبدِ كلَّما
أحدَثَ أنْ يتوضَّأَ، لأنَّ المسلمَ قد يذكُرُ اللهَ ويقرأُ القرآنَ عن ظهرِ قلبٍ
وقد يُتابِعُ الْمؤذِّنَ، وقد يصلِّي على النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وهذه
أذكارٌ ينبغي أنْ يذكرَها المسلمُ وهو طاهرٌ، لعمومِ قولِه صلَّى اللهُ عليه
وسلَّمَ: «إني كَرِهْتُ أنْ أذكرَ اللهَ على غير طهارةٍ»،
فاتَّقُوا اللهَ تعالى عبادَ اللهِ واحرِصُوا على التَّفَقُّهِ في أحكامِ دينِكم
كي تعبدُوا ربَّكم على بصيرةٍ.
اللهم عَلِّمْنا مَا يَنْفَعُنَا
وَانْفَعْنَا بِمَا عَلَّمْتَنَا، وفَقْهِنَا في دِينِكَ، يا ذا الجلالِ
والإكرامِ، اللهُمَّ حَبِّبْ إلينا الإيمانَ وزَيِّنْه في قلوبِنا وكَرِّه إلينا
الكفرَ والفسوقَ والعصيانَ واجعلنا من الراشدين، اللهُمَّ أَصلِحْ لَنا دِيننَا
الذي هُو عِصمَتُ أَمْرِنا، وأصْلِحْ لَنَا دُنْيَانا التَّي فِيها مَعَاشُنا،
وَأَصْلِحْ لَنا آخِرَتَنا التَّي فِيها مَعَادُنا، وَاجْعَلِ الدُّنيا زِيَادةً
لَنا فِي كلِّ خَيْرٍ، وَالْمَوتَ رَاحةً لَنا مِن كُلِّ شَرٍ، اللهم خَلِّصْنا من
حقوقِ خلقِك، وباركْ لنا في الحلالِ من رزقِك، وتوفَّنا مسلِمِين وألحقْنَا
بالصالحينَ، اللهُمَّ أصلحْ قلوبَنا وأعمالَنا وأحوالَنا ، اللهُمَّ أصلحْ أحوالَ
المسلمين، اللهُمَّ أنزلْ على الْمسلمينَ رحمةً عامَّةً وهدايةً عامَّةً، اللهُمَّ
ارفع البلاءَ عن الْمستضعفينَ من المؤمنين في كلِّ مكانٍ، اللهم احفظْ بلادَنا من
كيدِ الكائدينَ وعُدْوانِ المعتدينَ، اللهُمَّ وَفِّقْ ولاةَ أمرِنا بتوفيقِك،
وأيِّدْهم بتأييدِك ، واجعلهم من أنصارِ دينِك، وارزقْهُم البطانةَ الصالحةَ
الناصحةَ يا ذا الجلالِ والإكرامِ، اللهُمَّ اغفرْ للمسلمين والمسلماتِ والمؤمنين
والمؤمناتِ الأحياءِ منهم والأمواتِ ، إنك سميعٌ قريبٌ مجيبُ الدعواتِ ، {وَأَقِمِ
الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ
اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} .
|