وُجُوبُ
مَعْرِفَةِ صِفَةِ الصلاةِ
إِنَّ الحَمدَ للهِ، نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ،
وَنَعوذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا، مَنْ
يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ
أَنْ لا إلهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا
عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ
تسلِيماً كَثِيراً. أمّا بعد،
عِبادَ اللهِ:
اتَّقُوا اللهَ تعالى وراقِبُوه، واجْتَهِدُوا في عِبادَتِكُمْ، واحْرِصُوا عَلَى
أَدائِها كَمَا أَمَرَكُمْ اللهِ، فَإِنَّ العِبادَةَ لا تَصِحُّ مِن العَبْدِ
حَتى تَكُونَ عَلَى السُّنَّةَ.
وأَعْظَمُ
العِباداتِ البَدَنِيَّةِ: الصلاةُ. وَقَدْ
بَيَّنَتْ السُّنَّةُ صِفَتَها أَحْسَنَ بَيانٍ، بِحَيْثُ لا يَكُونُ لِأَحَدٍ
عُذْرٌ في عَدَمِ تَعَلُّمِ صِفَتَها. فَمَا عَلَيْكَ إلَّا أَنْ تَرْجِعَ إلى
الأَدِلَّةِ الوارِدَةِ فِيها، وَقِراءَتِها مَعَ شُرُوحِها، وَالسُّؤالِ عَمَّا
أَشْكَلَ عَلَيْكَ فَهْمُه، وَلَنْ تَجِدَ ما يُعِيقُكَ عَنْ ذلكَ بِإِذْنِ اللهِ.
والأَدِلَّةُ الوارِدَةُ في صِفَةِ الصَّلاةِ كَثِيرَةٌ،
لا تَسَعُها خُطْبَةٌ أَوْ كَلِمَةٌ، وسَنَذْكُرُ حَدِيثًا واحِدًا في ذلكَ
يَتَكَلَّمُ عَنْ شَيْءٍ مِنْ صِفَتِها. قال أَبُو حُمَيْدٍ اَلسَّاعِدِيِّ رَضِيَ للَّهُ عَنْهُ: ( رَأَيْتُ
النَّبِيَّ صَلى اللهُ عَلَيْهِ وَسلم إِذَا كَبَّرَ جَعَلَ يَدَيْهِ حَذْوَ
مَنْكِبَيْهِ، وَإِذَا رَكَعَ أَمْكَنَ يَدَيْهِ مِنْ رُكْبَتَيْهِ، ثُمَّ هَصَرَ
ظَهْرَه، فَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ اسْتَوَى حَتَّى يَعُودَ كُلُّ فَقَارٍ
مَكَانَهُ، فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَ يَدَيْهِ غَيْرَ مُفْتَرِشٍ وَلَا قَابِضِهِمَا،
وَاسْتَقْبَلَ بِأَطْرَافِ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ اَلْقِبْلَةَ، وَإِذَا جَلَسَ فِي
اَلرَّكْعَتَيْنِ جَلَسَ عَلَى رِجْلِهِ اَلْيُسْرَى وَنَصَبَ اَلْيُمْنَى،
وَإِذَا جَلَسَ فِي اَلرَّكْعَةِ اَلْأَخِيرَةِ قَدَّمَ رِجْلَهُ اَلْيُسْرَى
وَنَصَبَ اَلْأُخْرَى، وَقَعَدَ عَلَى مَقْعَدَتِهِ ). والْمُرادُ بِقَوْلِهِ إذا كَبَّرَ: أَيْ
تَكْبِيرَةَ الإِحرامِ. فَإِنَّهُ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْه، أَيْ
مُقابِلَ الكَتِفَيْنِ، وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: ( فُرُوعَ
أُذُنَيْهِ ). فالسُّنَّةُ رَفْعُ اليَدَيْنِ حَذْوَ الْمَنْكِبَيْنِ، أو
فُرُوعِ الأُذُنَيْنِ، وهذا مِنْ سُنَنِ الصلاةِ. وهو مُخَيَّرٌ، إِنْ شاءَ رَفَعَ
يَدَيْهِ مَعَ قَوْلِهِ: اللهُ أَكْبَرُ. وَإِنْ شاءَ رَفَعَ يَدَيْهِ قَبْلَ
قَوْلِهِ: اللهُ أَكْبَرُ. وإِنْ شاءَ رَفَعَ يَدَيْهِ بَعْدَ التَّكْبِيرِ. كُلُّ
ذلك صَحَّ عَن الصحابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ في وَصْفِهِمْ لِصَلاةِ النبيِّ
صلى اللهُ عَليه وسلم. فالأمْرُ واسِعٌ والحَمْدُ للهِ. وَمِثْلُ ذلك: إذا كَبَّرَ
للرُّكُوعِ، أَوْ قال سمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَه في الرَّفْعِ مِن الرُّكُوعِ،
فَإِنَّ الأَفْضَلَ أَنْ يُكَبِّرَ لِلرُّكُوعِ حالَ الانْحِناءِ، أَوْ يَقُولَ
سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَه حالَ الرَّفْعِ. فَيَكُونُ ذلكَ ما بَيْنَ
الرُّكْنَيْنِ. وَلكِنْ لا يُشْتَرَطُ ذلكَ: فَلَوْ قال: اللهُ أكْبَر ثُمَّ
رَكَعَ. أَوْ انْحَنَى وَرَكَعَ ثُمَّ قال: اللهُ أَكْبَرُ. أَوْ رَفَعَ مِن
الرُّكُوعِ ثُمَّ قال سَمِعَ اللهُ لٍمَنْ حَمِدَه، بَعْدَ اسْتِتْمامِ قِيامِهِ
فَلا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَكِنَّهُ تَرَكَ الأَفْضَل. وَصَلاتُهُ صحِيحَة، وَمَنْ
قال بِبُطْلانِ صَلاتِهِ فإِنَّه لا دَلِيلَ عَلى قَوْلِهِ، وَمَنْ نَقَلَ عَنْ
بَعْضِ عُلَمائِنا أَنَّه يقُولُ بِبُطْلانِ صَلاتِهِ فَقَدْ أَخْطَأَ في
النَّقْلِ عَنْهُ، وَأَوْقَعَ الناسَ في الحَرَجِ، فَإِنَّ هذا الفِعْلَ
يَتَكَرَّرُ في الصلاةِ كَثِيرًا، وَيُبْتَلَى بِهِ الْمُصَلُّونَ، فَيَسْتَحِيلُ
أَنْ يُسْكَتَ عَنْه دُونَ بَيانٍ لِحُكْمِهِ، وَلَوْ كانت الصلاةُ تَبْطُلُ
بِسَبَبِهِ لَبَيَّنَه النبيُّ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، وَلِأَنَّ
التَّدْقِيقَ في ذلكَ تَشْدِيدٌ عَلى الناسِ، لِأَنَّهُ يَصْعُبُ ضَبْطُه، حَتَّى
مِنْ قِبَلِ طُلَّابِ العِلْمِ، وَلِذلكَ سَكَتَ عَنْهُ النبيُّ صَلى اللهُ
عَلَيْهِ وَسلم.
وَيَجِبُ
بَعْدَ تَكْبِيرَةِ الإِحْرامِ وَضْعُ اليَدِ اليُمْنَى عَلَى اليَدِ اليُسْرَى،
عَلَى الصَّدْرِ أَوْ فَوْقَ السُّرَّةِ أَوْ عَلَى السُّرَّةِ أَوْ تَحْتَها، فَإِنَّ
الأَمْرَ واسِعٌ في ذلكَ.
وَلا
يَضَعُ يَدَيْهِ عَلى خاصِرَتِهِ، أيْ عَلى جَنْبَيْهِ، وَهُوَ الْمَوضِعُ الذي
يَكُونُ فَوْقَ الوَرْكِ تَحْتَ الأضلاعِ، فَقَدْ دَلَّتْ السُّنَّةُ أَنَّه
فِعْلُ اليَهُودِ في صَلاتِهِم.
باركَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم، وَنَفَعنِي
وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ الْحَكِيم، أَقُولُ مَا
تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ
ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة
الثانية
الْحَمْدُ للهِ عَلى إِحسانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوفِيقِهِ
وَامتِنَانِهِ، وَأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وَأشهدُ أنَّ
مُحمّداً عَبدُهُ وَرسولُهُ، صلى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلمَ تسليماً
كثيراً . أَمّا بَعدُ
عِبادَ اللهِ: لَقَدْ دَلَّ الحَدِيثُ
عَلَى أَنَّ العَبْدَ إذا رَكَعَ، فَإنَّه يُمَكِّنُ يَدَيْهِ مِنْ رُكْبَتَيْهِ،
فَيَضَعُ راحَتَهُ عَلَى الرُّكْبَةِ، ثُمَّ يُحِيطُ أصابِعَهُ عَلَيْها كَأَنَّه
قابِضٌ رُكْبَتَه، وَلا يَجُوزُ في الرُّكُوعِ أَنْ يَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى
فخِذِهِ.
وَدَلَّ الحَدِيثُ عَلَى اسْتِحْبابِ مَدِّ
الظَّهْرِ واسْتِوائِهِ مَعَ الرَّقَبَةِ والرَّأْسِ في الرُّكُوعِ لِمَنْ قَدِرَ
عَلى ذلك. لِقَوْلِهِ: ( ثُمَّ هَصَرَ ظَهْرَه
).
وَدَلَّ الحَدِيثُ عَلَى وُجُوبِ الطُمأَنِينَةِ
بَعْدَ الرَّفْعِ مِن الرُّكُوعِ، لِقَوْلِهِ: ( فَإِذَا
رَفَعَ رَأْسَهُ اسْتَوَى حَتَّى يَعُودَ كُلُّ فَقَارٍ مَكَانَهُ ).
وَدَلَّ الحَدِيثُ عَلَى أَنَّ العَبْدَ إذا سَجَدَ
فَإنَّه لا يَبْسُطُ ذِراعَيهِ عَلَى الأَرْضْ، ولا يَضُمُّهُما إلى جَنْبِهِ وَلا
تَحْتَ بَطْنِهِ، بَلْ يَرْفَعُهُما عَن الأَرْضِ وَيُجافِيهِما عَنْ جَنْبِهِ.
وَيُوَجِّهُ أَطْرافَ أَصابِعِ الرِّجْلَيْنِ إلى القِبْلَةِ، وهذا مِنْ سُنَنِ
الصلاةِ.
وَدَلَّ الحَدِيثُ عَلَى أَنَّهُ إذا كانَ في الصَّلاةِ
تَشَهُّدانِ، فَإنَّه في التَشَهُّدِ الأَخِيرِ يَتَوَرَّكُ، أَيْ أَنَّه لا
يَجْلِسُ عَلَى رِجْلِه اليُسْرَى، وإِنَّما يُقَدِّمُها، وَيَقْعُدُ عَلى
مَقْعَدَتِهِ.
وَدَلَّتْ
الأَدِلَّةُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ في التَّشَهُّدِ الأَوَّلِ والأَخِيرِ:
أَنْ يَبْسُطَ يَدَهُ اليُسْرَى عَلى فخِذِهِ اليُسْرَى، وَيَضَعَ اليُمْنَى عَلى
فَخِذِهِ اليُمْنَى، وَيَقْبِضُها، وَيُشِيرُ بَأَصْبُعِهِ السَّبَّابَةِ، مِنْ
غَيْر تَحْريكٍ، إلى أَنْ يُسَلِّمَ.
اللهم
عَلِّمنا مَا يَنفعُنا، وانفعْنا بما عَلَّمْتَنا، وفَقّهِنَا في دِينك يَا ذا
الجلالِ والإِكرام، اللَّهُمَّ استعملنا في طاعتِك، وثَبِّتْنا على دينِك،
وارزقْنَا الإخلاصَ في أقوالِنا وأعمالِنا، وخَلِّصْنا من حقوقِ خلقِك، وباركْ لنا
في الحلالِ من رزقِك وتوفَّنَا مسلِمِين وألْحِقْنا بالصالحينَ، اللهُمَّ احفظْنا
بالإسلامِ قائمينَ واحفظْنا بالإسلامِ قاعدِين واحفظْنا بالإسلامِ راقدِين ولا
تُشْمِتْ بنا أعداءَ ولا حاسدينَ، اللهُمَّ أصلحْ أحوالَ المسلمينَ حُكَّاماً
ومحكُومين، اللهُمَّ أنزلْ على المسلمينَ رحمةً عامَّةً وهدايةً عامَّةً يا ذا
الجلالِ والإكرامِ، اللهُمَّ اجمعْ كلمةَ المسلمين على كتابِك وسُنَّةِ نبيِّك
محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ، اللهُمَّ اجعلْ كلمتَهم واحدةً ورايتَهم
واحدةً، واجعلْهم يداً واحدةً وقوةً واحدةً على من سُواهم، ولا تجعلْ لأعدائِهم
مِنَّةً عليهم يا قويُّ يا عزيزُ، اللهُمَّ احقنْ دماءَ المسلمين، اللهُمَّ احقنْ
دماءَ المسلمين، اللهُمَّ انصر المجاهدين في سبيلِك في كلِّ مكان، اللهُمَّ عليك
بالكفرةِ والْملحدينَ يَصُدُّون عن دينِك ويقاتِلونَ عبادَك المؤمنين، اللهُمَّ
عليك بهم فإنَّهم لا يعجزُونَك، اللهُمَّ زَلْزلِ الأرضَ مْنْ تحتِ أقدامِهم،
اللهُمَّ سَلِّطْ عليهم مَنْ يسومُهم سُوءَ العذابِ يا قويُّ يا متينُ، اللهُمَّ
احفظْ بلادَنا مِمَّنْ يكيدُ لها، وأَعِذْهَا من شرِّ الأشرارِ وكَيْدِ
الفُجَّارِ، اللهُمَّ وَفِّقْ ولاةَ أمرِنا
بتوفيقِك، وأيِّدْهم بتأييدِك، واجعلهم من أنصارِ دينِك، وارزقْهُم البطانةَ
الصالحةَ الناصحةَ يا ذا الجلالِ والإكرامِ، اللهُمَّ
اغفرْ للمسلمينَ والمسلماتِ والمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءِ منهم والأمواتِ، إنك
سميعٌ قريبٌ مجيبُ الدَّعَواتِ، ﴿وَأَقِمِ
الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ
اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾.
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ أحمد العتيق
تجدها هنا :
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=119
|