حَقُّ
الطريقِ وَوُجُوبُ التَّأَدُّبِ بِآدابِ الإسلامِ أِثْناءِ التَنَزُّهِ
إِنَّ الحَمدَ للهِ، نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ،
وَنَعوذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا، مَنْ
يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ
أَنْ لا إلهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا
عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ
تسلِيماً كَثِيراً. أمّا بعد، عِبادَ الله:
اتقُوا اللهَ تعالى، واعلَمُوا أَنَّ اللهَ قَدْ أَكْمَلَ لَنا الدِّينَ، وجَعَلَه
شامِلاً لِجَمِيعِ شُؤُونِ الحياةِ، والتي مِنْها: ما
اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِن آدابِ الطريقِ وحُقُوقِهِ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ
الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
قَالَ: ( إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ عَلَى الطُّرُقَاتِ
). فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَالَنا مِنْ مَجَالِسِنَا بُدٌّ نَتَحَدَّثُ
فِيهَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( إِنْ
أَبَيْتُمْ فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ ). قَالُوا وَمَا حَقُّ الطَّرِيقِ
يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: ( غَضُّ الْبَصَرِ،
وَكَفُّ الأَذَى، وَرَدُّ السَّلاَمِ، وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْىُ عَنِ
الْمُنْكَرِ ). وَمَا
وَرَدَ في هذا الحديثِ، هُوَ بَعْضُ حُقُوقِ الطَّريقِ وأَهَمُّها، وقَدْ بَيَّنَ
النبيُّ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّ الْمُسْلِمَ مَنْهِيٌّ عَنْ
الجُلُوسِ في الطُّرُقاتِ التي يَسْلُكُها الناسُ، إلا إذا قامَ بِحَقِّها
وآدابِها. أوَّلُها:
غَضُّ البَصَرِ، وَعَدَمُ تَتَبُّعِ العَوْراتِ
والبَحْثِ عَنْ مَوَاطِنِ الرِّيَبِ، وَعَدَمُ النَّظَرِ إلى ما يُثِيرُ
الشَّهْوَةِ، أَوْ الجُلُوسُ أَمامَ أبْوابِ البُيُوتِ وإِحْراجُ أَهْلِها. الثاني:
كَفُّ الأَذَى وعَدَمُ إيذاءِ الناسِ في أَبْدانِهِم أَوْ أَعراضِهِم. فَإِنَّ
الْمسلمَ مَنْ سَلِمَ الْمسلمونَ مِنْ لِسانِهِ ويَدِهِ. ويَدْخُلُ في كَفِّ الأَذَى: إزالَةُ
الأَذَى عَنْ الطريقِ، بَلْ إِنَّ ذلكَ مِنْ الإيمانِ، قال رسولُ اللهُ صلى الله
عليه وَسَلم: ( الإيمانُ بِضْعٌ وسِتُّونَ شُعْبَةٌ،
فَأَفْضَلُها قَوْلُ لا إله إلا اللهُ، وأَدْناها إِماطَةُ الأَذَى عَن الطريقِ،
والحَياءُ شُعْبَةٌ مِن الإيمانِ ). وَهُوَ مِن الصَّدَقاتِ، وبِسَبَبِهِ
أُدْخِلَ رَجُلٌ الجنةَ، قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ( بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطريقٍ, وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ
عَلَى الطريقِ فَأَخَّرَه، فَشَكَرَ اللهُ لَه فَغَفَرَ لَه ). ومِنْ ذلكَ: قَضاءُ
الحاجَةِ في طَرِيقِ الناسِ أَوْ ظِلِّهِمْ، أَوْ إِلقاءُ القاذُوراتِ والأَشْياءِ
الْمُؤْذِيَةِ في طُرُقِ الناسِ وَمَمَرَّاتِهِم وَأَماكِنِ جُلُوسِهِم
وَمُسْتَراحِهِم، وقَدْ قال صلى اللهُ عليه وسلم: ( اتَّقُوا اللّعَّانَيْنِ )، قالُوا: وما
اللَّعَّانانِ يا رسولَ الله؟ قال: ( الذي يَتَخَلَّى
في طَريقِ الناسِ أَوْ ظِلِّهِم ). ويَدْخُلُ في ذلك: الحُفَرُ
والتَعَرُّجاتُ التي تَكُونُ في الطُّرُقِ الفَرْعِيَّةِ والرئِيسِيَّةِ، والتي
تُلْحِقُ الضَّرَرَ بِمَرْكَباتِ الناسِ ومُمْتَلَكاتِهِم، وَتُسَبِّبُ كَثيرًا
مِنْ الحَوادِثِ، إِضافَةً إلى إِهمالِ بَعْضِ الْمُقُاوِلِينَ وَتَرْكِ
مُخَلَّفاتِ أعمالِهِمْ دُونَ تَسْوِيَةٍ لِأَثَرِ أعمالِهِم، وَإِنْ أَزالُوها
فَإِنَّهُم قَدْ لا يَعْتَنُونَ بِرَدْمِها وتَسْوِيَتِها كَمَا يَنْبَغِي
فَيَكُونُ أَثَرُها على الناسِ وسَيَّاراتِهِم ظاهِرًا. ويَدْخُلُ في ذلك: ما يَحْصُلُ في الأماكِنِ التي يَقْصِدُها الناسُ في
رَحَلاتِ البَرِّ، فإنَّه لا يَنْبَغِي لِمَنْ جَلَس فِيها، أَنْ يَتْرُكَ
مُخَلَّفاتِه بَعْدَ فَراغِه مِنْ نُزْهَتِه، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يُزِيلَها، أَوْ
يَجْمَعَها في حاوِياتٍ كَيْ تَسْهُلَ إزالتُها. ومِن الْمُخَلَّفاتِ تَرْك النارِ، وعَدَمُ التَّأَكُّدِ مِنْ إِطْفائِها قَبْلَ
الْمُغادَرَةِ، لأنَّه قَدْ يتأذى بِها مَنْ يَأْتِي بَعْدَه مِنْ
إِخْوانِه المسلمين، فإنَّ إِزالَةَ مِثْلِ ذلكَ مِن شُعَبٍ الإيمانِ ومَحاسِنِ
الأَخْلاقِ. ويَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ فِي هذا الوَقْتِ،
ومَعَ مَواسِمِ الأَمْطارِ أَنْ يَحْذَرَ مِن مَخاطِر السُّيُولِ، وأَنْ لا
يتَعَرَّضَ لِمَجارِيها، فَيَضُرَّ نَفْسَه وَمَنْ مَعَه. وَيَجِبُ عَلينا جَمِيعًا: أَنْ
نَتَعاوَنَ في ذلك مَعَ بَعْضِنَا، وَمَعَ الجِهاتِ الْمُخْتَصّةِ، كالدِّفاعِ الْمَدَنِي،
وَوَزارَةِ البِيْئَةِ، لِأَنَّ هذا مِن التَعاوُنِ الْمُطْلُوبِ، لِمَا فِيهِ مِن
الْمَصْلَحَةِ للفَرْدِ والْمُجْتَمَعِ. باركَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ
الْعَظِيم، وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ
الْحَكِيم، أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ
الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم. الخطبة
الثانية الْحَمْدُ للهِ عَلى إِحسانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوفِيقِهِ
وَامتِنَانِهِ، وَأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وَأشهدُ أنَّ
مُحمّداً عَبدُهُ وَرسولُهُ، صلى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلمَ تسليماً
كثيراً . أَمّا بَعدُ عبادَ اللهِ: ومِنْ حُقُوقِ الطريقِ: رَدُّ السلامِ، فَهُوَ
تَحِيَّةُ أَهْلِ الجنةِ، وَهُوَ واجِبٌ عَلى الْمُسْلِمِ، قال تعالى: ( وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحَسَنَ مِنْها
أَوْ رُدُّوهَا)، فإِذا سَلَّمَ عَلَيْكَ أَخُوكَ الْمُسْلِمُ، فَإِنَّ الرَّدَّ
واجِبٌ، وإِذا كُنْتُمْ جَماعَةً، أَجْزأَ واحِدٌ عَن الجَمِيعِ. ومِنْ حَقِّ الطريقِ: الأَمْرُ بالْمَعْرُوفِ والنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ: وهذا
بابٌ عَظِيمُ الشَّأْنِ والقَدْرِ، بِهِ كانت هذهِ الأُمَّةُ خَيْرَ الأُمَمِ،
وبِتَرْكِهِ يَحِلُّ بِهِم العِقابُ. وفي
الأمْرِ بالمَعْروفِ والنَّهْيِ عَن الْمُنْكَرِ فَوائِدُ عَظيمَةٌ لِلْأُمَّةِ،
منها:
نَجاةُ سَفِينَةِ الْمُجْتَمَعِ مِن الهَلاكِ والغَرَقِ. وَمِنْها:
قَمْعُ الباطِلِ وأَهْلِهِ. ومِنْها: كَثْرَةُ
الخَيْراتِ، والحَدُّ مِن الشُّرُورِ. وَمِنْها:
اسْتِتْبابُ الأَمْنِ. وَمِنْها: نَشْرُ
الفَضِيلَةِ وَقَمْعُ الرَّذِيلَةِ. وَلَكِنْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الإنْكارُ
بِالرِّفْقِ واللِّينِ، وَبِالحِكْمَةِ والمَوْعِظَةِ الحَسَنِةِ، والضَّوابِطِ
الشَّرْعِيَّةِ. اللهمَّ اهْدِنَا لِأَحْسَنِ الأَخْلاقِ، لا يَهْدِي لِأَحْسَنِها
إلا أَنْتَ، واصْرِفْ عَنَّا سَيِّئَها لا يَصْرِفُ عَنَّا سَيِّئَها إلا أَنْتَ، اللهم
آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليّها ومولاها، اللهم خلصنا من حقوق خلقك، وبارك لنا في الحلال من رزقك، وتوفنا
مسلمين وألحقنا بالصالحين، اللهم أَلِّفْ بينَ
قُلُوبِنا وأصلِحْ ذاتَ بينِنا واهدنا سُبُلَ السلام، ونَجَّنا من الظُّلُماتِ إلى
النُّور يا ذا الجلال والإكرام، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمت أمرنا وأصلح
لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الدنيا
زيادة لنا في كل خير والموت راحة لنا من كل شر، اللهم أصلح أحوال المسلمين حكاماً ومحكومين، اللهم اجمع كلمة
المسلمين على كتابك وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، واجعلهم يداً واحدةً على
من سواهم، ولا تجعل لأعدائهم منةً عليهم يا رب العالمين، اللهم احفظ بلادنا من كيد
الكائدين وعدوان المعتدين، اللهم احفظ بلادنا مما يكيد لها، اللهم احفظ لهذه
البلاد دينها وأمنها وعزتها وعقيدتها وسيادتها، وأصلح أهلها وحكامها يا أرحم
الراحمين. اللهم
اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب
مجيب الدعوات ( وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ
وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ )
.
وللمزيد من الخطب
السابقة للشيخ أحمد العتيق تجدها هنا :
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=119
|