من حقوق الأخوة الإسلامية
إن الحمدَ للهِ نحمدُهُ ونستَعينُهُ ونستَغفرُهُ، ونعوذُ باللهِ من شرُورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالنا، منْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومنْ يضللْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ، وأشهدُ أن محمّداً عَبدُهُ ورسولُهُ، صلى اللهُ عليه وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً. أمّا بعد،
أيها المسلمون: اتقوا الله تعالى, واعلموا أن للأخوة منزلة عظيمة في بناء هذا الدين, ولها ثمرات كثيرة دلت عليها الآيات والأحاديث، ولها حقوق وآداب وشروط, منها ما هو واجب ومنها ما هو مستحب, ولأهمية ذلك, كَثُرَ ذكر هذه الحقوق, في القرآن والسنة. ومن هذه الحقوق ما رواه البخاري ومسلم, عن ابن عمر رضي الله عنهما, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لا يَظْلِمُهُ وَلا يُسْلِمُهُ، مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللهُ عَنْهُ بِهَا كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ عَلَى مُسْلِمٍ سَتَرَهُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ).
فالمسلم أخو المسلم: يعني في الدين، كما قال الله تبارك وتعالى: ﴿ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً ﴾. أي: في الدين, وقال الله تعالى: ﴿ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ ﴾. وأخوة الدين أوثق أنواع الأخوة، فهي أخوة ثابتة راسخة في الدنيا وفي الآخرة ، تنفع الإنسان في حياته وبعد مماته، ولكن لا يترتب عليها ما يترتب على أخوة النسب من التوارث ووجوب النفقة وما أشبه ذلك.
ثم قال: " لا يَظْلِمُهُ وَلا يُسْلِمُهُ ": لا يظلمه في ماله، ولا في بدنه، ولا في عرضه، ولا يخونه في أهله، ولا في نوع من أنواع الظلم. " وَلا يُسْلِمُهُ ", أي, لا يسلمه لمن يظلمه، فهو يدافع عنه ويحميه من شره، فهو جامع بين أمرين: بين كونه لا يظلمه, ولا يُسْلِمُه لمن يظلمه بل يدافع عنه. ولهذا قال العلماء: يجب على المسلم أن يدافع عن أخيه في عرضه وبدنه وماله. في عرضه: أي, إذا سمع أحداً يسبه ويغتابه، فإنه يدافع عنه. وكذلك أيضاً في بدنه: إذا أراد أحد أن يعتدي على أخيك المسلم وأنت قادر على دفعه، وجب عليك أن تدافع عنه، وكذلك في ماله: فلو أراد أحد أن يأخذ ماله ظلما وعُدواناً، فإنه يجب عليك أن تدافع عنه إذا كنت قادرا.
ثم قال في الحديث: " مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللهُ فِي حَاجَتِهِ ", أي إذا كان المؤمن في حاجة أخيه يقضيها ويساعده عليها؛ فإن الله تعالى يساعده في حاجته ويعينه عليها جزاءً وفاقاً. فقضاء حاجة المسلم يا عباد الله من أفضل ما يدل على صدق الأخوة, ومحبة النفع للمسلمين. والمسؤولون وموظفوا الدولة من أكثر المعنيين بذلك, لأنهم يقابلون المراجعين, وكثير من مصالح الناس ومعاملاتهم تحت أيديهم, فهنيئا للمسئول أو الموظف الذي يستشعر ذلك ويقضي مصالح المسلمين كأنه يقضيها لنفسه, وليبشر بالثواب الجزيل من الله في الدنيا والآخرة.
وليُعلم أيضا أنه إذا لم يكن في حاجة أخيه، فإن هذا يفوته الخير العظيم، وذلك بأن لا يكون الله في حاجته.
ثم قال في الحديث: " وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللهُ عَنْهُ بِهَا كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ", والكُرب ما يضيق على الإنسان ويشق عليه، ويجد له في نفسه هماً وغماً، فإذا فرجت عن أخيك هذه الكربة؛ فرج الله عنك كربة من كرب يوم القيامة. وتفريج الكربات يكون في أمور متعددة: فإذا كانت كربة مالية, فبإعطائه المال الذي تزول به الكربة، وإذا كانت كربة معنوية, مِن هم وغم, فبرفع معنويته ومساعدته في إيجاد الحلول التي يزول بها همه أو غمه, وبتذكيره بأن ما أصابه لم يخطئه, وما أخطأه لم يكن ليصيبه. وبحَثِّهِ على الصبر والإحتساب, وأن ذلك من مكفرات الذنوب. فالمؤمن مع أخيه المؤمن, في إعانته, وتشجيعه وتذكيره وتصبيره, وفي كل أحواله التي في صالحه.
باركَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم ؛ وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ الْحَكِيم؛ أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ ربِّ العَالَمِين, وَالعَاقِبةُ للمُتّقِين, وَلا عُدوانَ إِلا عَلَى الظَّالِمين, وَأَشهدُ أنْ لا إِلهَ إِلا اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ, وَأَشهدُ أَنَّ مُحَمّداً عَبدُهُ وَرَسُولُهُ, صَلَى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلّمَ تَسلِيماً كَثِيراً. أما بعد:
عباد الله: ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث: " وَمَنْ سَتَرَ عَلَى مُسْلِمٍ سَتَرَهُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ", وفي حديث آخر: " سَتَرَهُ اللهُ في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ", مَنْ سَتَرَ: أي, غطى عيبه ولم يبينه، فإن الله يستره في الدنيا والآخرة، ومن ذلك أيضاً أن تستر عنه العيب الخلقي، إذا كان فيه عيب في خلقته, لكنه خفي وليس ظاهراً لكل أحد, ويحب ألا يطلع عليه الناس فإنك تستره، فإذا سترته سترك الله في الدنيا والآخرة. وكذلك إذا كان سيئ الخلق لكنه يتظاهر للناس بأنه حسن الخلق وواسع الصدر، وأنت تعرف عنه خلاف ذلك، فاستره. ويستثن من ذلك ما إذا كان الشخص منهمكا في المعاصي, مجاهراً, مستهتراً, لا يبالي, فإنه لا يدخل في الحكم. وبعض الناس لا يستطيع أن يحبس لسانه عن الخوض في أعراض الناس, أو عيوبهم, فإذا عرف شيئاً مستوراً, فكأنه في سجن ما لم يطلق سراح لسانه في الخوض في الأمور المستورة فيما يخص أخاه المسلم أو أختهَ المسلمة, وهذا والعياذ بالله قد لا يسلم من أن يفضحه الله ويكشف سره وخفاياه في نفسه وأهله, كما فضح غيره. ولو أنه ستر عيب أخيه أو فضيحته, لوجد ثواب ذلك, بأن ينجيه الله من الفضيحة في الدنيا, وكذلك يوم القيامة.
فاتقوا الله أيها المسلمون, واعلموا أن المؤمنين إخوة, فقوموا بواجب هذه الأخوة كما أمركم الله.
اللهم ألّف بين قلوبنا وأصلح ذات بيننا, وخذ بأيدينا إلى الهدى والصلاح، اللهم آتِ نفُوسنا تقواها وزكّها أنت خير مَنْ زكَّاها, أنت وليّها ومولاها، اللهم أصلحْ لنا ديننا الذي هو عصمت أمرنا وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا واجعل الدنيا زيادة لنا في كل خير والموت راحة لنا من كل شر، اللهم أصلح أحوال المسلمين حكاماً ومحكومين، اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين وأذلَّ الشرك والمشركين واحم حوزةَ الدين، وانصر عبادك المؤمنين، اللهم ارفع البلاء عن المستضعفين من المؤمنين، اللهم ارحم المستضعفين من المؤمنين، اللهم انصر المستضعفين من المؤمنين، اللهم قَيِّضْ لدينك من ينصرُهُ ويُظهرُهُ, واكْبِت أعداءَه وَسَلِّط عليهم جُندَك التي لا تُغْلَب ولا تُقْهَر يا قوي يا عزيز، اللهم اغفر لموتى المسلمين الذين شهدوا لك بالوحدانية ولنبيك بالرسالة وماتوا على ذلك، اللهم اغفر لهم وارحمهم وعافهم واعف عنهم ووسع مدخلهم وأكرم نُزُلَهم واغسلهم بالماء والثلج والبرد ونقّهم من الذنوب والخطايا كما يُنقى الثوب الأبيض من الدنس وارحمنا إذا صرنا إلى ما صاروا إليه برحمتك يا أرحم الراحمين، ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ .
|