المسلم
من سلم المسلمون من لسانه ويده
إن الحمدَ للهِ نحمدُهُ ونستَعينُهُ ونستَغفرُهُ، ونعوذُ باللهِ من شرُورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالنا، منْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومنْ يضللْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ، وأشهدُ أن محمّداً عَبدُهُ ورسولُهُ، صلى اللهُ عليه وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً. أمّا بعد،
أيها المسلمون: اتقوا الله تعالى, واعلموا أن الله تعالى قد أكمل لنا الدين وأتم علينا النعمة, ورضي لنا الإسلام دينا. فواجب علينا أن نحمد الله على ذلك, وأن نعتز بهذا الدين.
ثم اعلموا يا عباد الله, أن إسلام المرء لا يتم إلا بمعرفة شعائر الإسلام وتطبيقها. واعلموا أيضاً أن لِحُسْنِ إسلامِ المرءِ علامات, مِنْها ما رواه البخاري عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده, والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه ). فهذا الحديث العظيم يدل على أن المسلم الحقيقي هو من أدى حق الله تعالى, وحق خلقه. ومن حقوق المسلمين عليه أن يكف أذاه عنهم.
أما كف اللسان, فيكون بترك الغيبة, وهي ذكرك أخاك بما يكره. وكذلك بترك النميمة, وهي نقل الكلام الذي يثير العداوة والبغضاء ويفرق بين المسلمين. وكذلك يكون بترك السب والشتم واللعن والسخرية والعبارات التي تدل على احتقار المسلم والتعالي عليه, أو إهانته. ومن ذلك التُّهَم التي تُلقَى جزافا بلا بينة, يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من قال في مؤمن ما ليس فيه أسكنه الله ردغة الخَبَال حتى يخرج مما قال ).
ثم اعلم أيها المسلم أنك قد تتسرع وتطلق كلمة فتندم عليها عُمُرَك, وتتمنى أنك سكتت ولم تقلها, فإن العبد يملك نفسه ما دام صامتا, فإذا تكلم فلا بد أن يراقب لسانه, فيجعله كمن يمشي حافيا على أرض ذات شوك, لا يخطو إلا بحذر, وصدق من قال: " ما ندمت على السكوت قط, ولكني ندمت على الكلام مرارا ".
وكذلك: المسلم من سلم المسلمون من شر يده, فلا يؤذِ أحداً بِضَرْبٍ أو قَتْلٍ, أو سرقة, أو كتابةِ ما يضر المسلمين في عقيدتهم وأخلاقهم, أو يخدش في أعراضهم. ويدخل في ذلك الاستيلاء على حقوقهم عن طريق الظلم والمعاملات المحرمة. وينبغي للمسلم أن يعلم بأن أذية المسلمين من أعظم ما يقضي على حسنات المرء في الآخرة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن المفلس من أمتي، يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا. فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته, فإن فنيت حسناته، قبل أن يقضى ما عليه، أخذ من خطاياهم فطرحت عليه. ثم طرح في النار ). وقال أبو ذر الغفاري رضي الله عنه: ( سألت النبي صلى الله عليه وسلم: أي العمل أفضل؟ قال: إيمان بالله، وجهاد في سبيله. قلت: فأي الرقاب أفضل؟ قال: أغلاها ثمنا، وأنفسها عند أهلها. قلت: فإن لم أفعل؟ قال: تعين صانعا، أو تصنع لأخرق. قال: فإن لم أفعل؟ قال: تدع الناس من الشر، فإنها صدقة تصدق بها على نفسك ).
باركَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم، وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ الْحَكِيم، أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ عَلى إِحسانِهِ، وَالشكرُ لَهُ عَلى تَوفِيقِهِ وَامتِنَانِهِ، وَأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وَأشهدُ أنَّ مُحمّداً عَبدُهُ وَرسولُهُ، صلى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلمَ تسليماً كثيراً . أَمّا بَعدُ،
عباد الله: وجاء في الحديث أيضاً: ( والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه ). أي: من هجر السيئات وَفَرَّ بِدِينِه من الفتن. وَهَجْرُ السيئاتِ هو تركها, وترك ما يُسَبِّبُ الوقوع فيها. وهذا يشمل الذنوب الخفية, من الرياء والإرادات الفاسدة, والحسد والكبر والعُجْبِ. ويشملُ أيضاً الذنوب الظاهرة التي تظهر على لسان العبد وجوارحه.
فالمهاجر الحقيقي هو من هجر الذنوب طَلَباً لِمَرضاتِ الله وخوفاً من عقابه. والمهاجر أيضاً, هو الذي يفر بدينه من الفتن, فلا يبقى في أرض يخشى على نفسه الفتنة فيها. ولا يبقى مع رفقة يخشى على دينه بسبب صحبتها. ولا يلازم عملا يعلم أنه يضر دينه. ولذلك أوجب الله الهجرة من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام. وذكر النبي صلى الله عليه وسلم قصة الرجل الذي قتل مائة نفس, فإنه لما سأل العالِمَ عن التوبة فقال: إني قتلت مائة نفس, فهل لي من توبة؟ قال له العالم: ( ومن يحول بينك وبين التوبة؟ أخرج من القرية الخبيثة التي أنت فيها, إلى القرية الصالحة, قريةِ كذا وكذا, فاعبد ربك فيها. وفي رواية: ولا ترجع إلى أرضك, فإنها أرض سوء ). فأمره العالِمُ أن يَفِرَّ بدينه إلى أرض يستطيع أن يُغير من حالِه ويتوب توبة نصوحاً, لأنه لو بقي في أرضه لاستمر في ذنبه الكبير ولم يستطع تركه. وليس شرطاً أن ينتقل التائب من أرض إلى أرض, بل يكفيه أن يُغيِّرَ صُحبَتَه وجلساءه, فيختار لنفسه من الأصحاب من يعينه على طاعة الله والبعد عن معصية الله. المُهِم أن يبذل العبدُ من الأسباب ما يعينه على الثبات على دين الله.
اللهم ثبتنا بقولك الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، اللهم آتِ نفُوسنا تقواها وزكّها أنت خير مَنْ زكَّاها, أنت وليّها ومولاها، اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنّا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت يا ذا الجلال والإكرام، اللهم أصلحْ لنا ديننا الذي هو عصمت أمرنا وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا واجعل الدنيا زيادة لنا في كل خير والموت راحة لنا من كل شر، اللهم أصلح أحوال المسلمين حكاماً ومحكومين، اللهم أنزل على المسلمين رحمة عامة وهداية عامة يا ذا الجلال والإكرام، اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين وأذلَّ الشرك والمشركين واحمِ حوزةَ الدين، وانصر عبادك المؤمنين، اللهم ارفع البلاء عن المستضعفين من المؤمنين، اللهم ارحم المستضعفين من المؤمنين، اللهم انصر المستضعفين من المؤمنين، اللهم احقن دماء المسلمين، اللهم نج إخواننا المستضعفين في سوريا، اللهم احفظهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ومن فوقهم ومن تحتهم، اللهم ليس لهم حول ولا قوة إلا بك اللهم ليس لهم إلا أنت يا قوي يا عزيز فانصرهم على من ظلمهم وعاداهم، اللهم عليك بالكفرة والملحدين وحِزب البَعث العلويين الذين يصدون عن دينك ويقاتلون عبادك المؤمنين، اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك، اللهم زلزلهم وزلزلِ الأرض من تحت أقدامهم، اللهم سلط عليهم مَنْ يسومهم سُوء العذاب يا قوي يا متين، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ .
|