حَصائِدُ الأَلْسُنِ وأَمانَةُ الكَلِمَةُ
والتَّحْذِيرُ مِن الاسْتِطالَةِ عَلَى عِرْضِ المسلمِ
إن الحمدَ للهِ نحمدُهُ ونستَعينُهُ ونستَغفرُهُ، ونعوذُ باللهِ من
شرُورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالنا، منْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومنْ يضللْ فلا
هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ، وأشهدُ أن محمّداً
عَبدُهُ ورسولُهُ، صلى اللهُ عليه وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً
كَثِيراً. ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ
اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾.﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ
اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا
زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ
الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾.﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِين ءَامَنُواْ
اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ
وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ
فَوْزًا عَظِيمًا ﴾. أمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ خَيْرَ الكلامِ كلامُ اللَّهِ، وَخَيْرَ الْهَدْي هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَى
اللهُ عَلَيْهِ وعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا،
وَكُلَّ مُحْدّثّةٍ بِدْعَة، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ، وكُلَّ ضَلاَلَةٍ فِي
النَّارِ.
أيُّها الناسُ: اتَّقُوا اللهَ تعالَى، واعْلَمُوا أَنَّ الكَلِمَةَ في الإسلامِ لها وَزْنُها،
وَلَها مَسْؤُولِيَّتُها، وَأَنَّ العَبْدَ مَأْمُورٌ بِالقَوْلِ السَّدِيدِ،
وَحِفْظِ اللِّسانِ إلَّا عَن الخَيْرِ، وَمُؤَاخَذٌ بِمَا يَقُولُ فِي الدنيا
والآخرةِ. وَلَيْسَ حُرًّا في ذلك. وَلَيْسَ في الإسلامِ مَا يُسَمَّى
بِحُرِّيَّةِ الكَلِمَةِ – أَعْنِي بِذلِكَ: الحُرِّيَّةَ الْمُطْلَقَة -
وَإِنَّمَا هُوَ مَحْكُومٌ بِنُصُوصِ الشريعةِ، أَوْ بِمَا لَا يُخالِفُ
الشَّرْعَ. ولِذلِكَ صارَ سُكُوتُ اللِّسانِ إلَّا عَن الخَيْرِ مِنْ عَلاماتِ
كَمالِ الإيمانِ، قال رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: ( مَنْ كانَ يُؤْمِنُ باللهِ واليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ
لِيَصْمُتْ ). فَالعَبْدُ مُؤَاخَذٌ بِمَا يَقُولُ، قالَ مُعَاذُ بْنُ
جَبَلٍ رضي اللهُ عَنْه لِلنَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم: ( وإنَّا لَمُؤاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟ فقال:
ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يا مُعاذُ، وَهَلْ يَكُبُّ الناسَ في النارِ عَلَى وُجُوهِهِم،
أَوْ قالَ عَلَى مَنَاخِرِهِم إلا حصائدُ ألسنتِهِم؟ ).
عِبادَ اللهِ: آفاتُ اللِّسانِ كَثِيرَةٌ
وَخَطِيرَةٌ، وأَخْطَرُها:
أَوَّلًا:
ما يَتَعَلَّقُ بِالشِّرْكِ والكُفْرِ، فَإِنَّ العَبْدَ قَدْ يَخْرُجُ
مِنْ دائِرَةِ الإِسْلامِ بِسَبَبِ لِسانِه، كَأَنْ يَدْعُوَ غَيْرَ اللهِ، أَوْ
يَسْتَغِيثَ بِغَيْرِ اللهِ، فَيَدْعُوَ الأَمْواتِ، أَو الجِنَّ أَو الغائِبِينَ،
وَيَسْأَلَـهُـم الْمَدَدَ وَتَفْرِيجَ الكُرُباتِ. أَوْ يَتَنَقَّصَ القُرْآنَ،
أِوْ يَسْتَهْزِئَ بِالدِّينِ. وَقَدْ يَتَلَفَّظُ بِشَيْءٍ مِنْ وَسائِلِ
الشِّرْكِ، كَأَنْ يَقُولَ لَوْلَا اللهُ وَفُلانُ، وما شاءَ اللهُ وَشاءَ فُلانٌ،
أَوْ يَحْلِفَ بِغَيْرِ اللهِ، كَمَنْ يَحْلِفُ بِأَبِيهِ، وبِوَلَدِهِ،
وبِحَياتِهِ، وَبِالنِّعْمَةِ، وَبِالأَمانَةِ، وبِالذِمَّةِ.
فَإنَّ ما تَقَدَّمَ هُوَ أَشَرُّ آفاتِ
اللِّسانِ، لِأَنَّه مُتَعَلِّقٌ بِالعَقِيدَةِ.
ثانِيًا:
الأَقْوالُ الْمُبْتَدَعَةُ، لِأَنَّ البِدَعَ تَأْتِي في الْمَرْتَبَةِ
الثانِيَةِ بِعْدَ الشِّرْكِ، كأَذْكارِ الصُّوفِيَّةِ الْمُحْدَثَةِ الْمُخالِفَةِ
لِلشَّرْعِ، والصَّلَواتِ والأَوْرادِ الْمُخالَفَةِ لِلشَّرْعِ، وَكَذلكَ سَبُّ
الدَّهْرِ، وإلْقاءُ اللَّوْمِ عَلَى القَدَرِ، والاحْتِجاجُ بِالقَدَرِ عَلى الْمَعاصِي.
وَمِنْ
آفاتِ اللِّسانِ: الفَتْوَى بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَإنَّها بابٌ خَطِيرٌ،
لا يَجْرُؤُ عَلَيْها إلَّا الجُهَّالُ وضُعَفاءُ الإِيمانِ، والْمُتُعالِمُونَ،
والْمُراؤُونَ، والباحِثُونَ عَنْ الشُّهْرَةِ. وَقَدْ بَيَّنَ اللهُ في كِتابِهِ،
أَنَّ القَوْلَ عَلى اللهِ بَغِيْرِ عِلمٍ قَرِينُ الشِّرْكِ.
وَمِنْ
آفاتِ اللِّسانِ: الكَذِبُ، فَإنَّه منْ عَلاماتِ النِّفاقِ الظاهِرَةِ،
وُهُوَ مِن كَبائِرِ الذُنُوبِ، لا يَجُوزُ وَلَوْ كانَ الشَّخْصُ مازِحًا،
وأَخْطَرُ الكَذِبِ: الكَذِبُ عَلَى اللهِ
وَرَسُولٍهِ، وَيُشارِكُ ذلكَ في الخُطُورَةِ: الكَذِبُ
باسْمِ الدَّعْوَةِ إلى اللهِ، كَمَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنْ دُعاةِ
أَهْلِ البِدَعِ.
وَمِنْ
آفاتِ اللِّسانِ: شَهادَةُ الزُّورِ، وَهِيَ مِن أَكْبَرِ الكَبائِرِ
وأشَدِّها، وَهِيَ أَنْ يَشْهَدُ الشَّخْصُ لِأحَدِ بِمَا لا يَعْلَم، أَوْ
يَشْهَدُ عَلَى أَحَدٍ بِمَا لا يَعْلَم. أَوْ يَشْهَدُ في أَمْرٍ وَهُوَ كاذِبٌ
والعِياذُ بِاللهِ.
وَمِنْ
آفاتِ اللِّسانِ: النَمِيمَةُ، وَهِيَ نَقْلُ الكَلامِ الذي يُثِيرُ
الضَّغِينَةَ والحِقْدَ، وَيَنْشُرُ العَداوَةَ والبَغْضاءَ. فالنَمَّامُ هُوَ
الذي يَنْقُلُ الكَلامَ بَيْنَ شَخْصَيْنِ فَيَتَسَبَّبُ في تَفْرِقَتِهِمَا، أَوْ
يَنْشُرُ الكَلامَ في أَوْساطِ أَقارِبِهِ وأصْحابِهِ وَزُمَلائِهِ فَيَتَسَبَّبُ
في تَباغُضِهِمْ وَتَقاطُعِهِمْ. أَوْ يَبُثُّ الإشاعاتِ الْمُغْرِضَةِ،
وَيَنْشُرُ الْفَوْضَى في بَلَدِهِ، وُيُثِيرُ الضّغِينَةَ في الْمُجْتَمَعِ،
لِيُفْسِدَ العَلاقَةَ الأُسَرِيَّةَ، والعَلاقَةَ بَيْنَ الْمُجْتَمَعِ
وَوُلاتِهِ. فَالنَّمامُ خَبِيثُ النَّفْسِ، مُفْسِدٌ في الأَرْضِ. وَجَريمَتُهُ
مِنْ أسْبابِ عَذابِ القَبْرِ، وقال عليه الصلاةُ والسلامُ فِي شَأنِهِ: ( لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ نَمَّامٌ ).
وَمِنْ
آفاتِ اللِّسانِ: الغِناءُ، مِزْمارُ الشَّيْطانِ، وَبَرِيدُ الزِنا،
وَمَنْبَتُ النِّفاقِ. اتَّفَقَ الصَحابَةُ وأَئِمَّةُ التابِعِينَ والأَئِمَّةُ
الأَرْبَعَةُ عَلى تَحْرِيِمِه، وحَلَفَ عَبْدُ اللهِ بنُ مَسْعُودٍ رَضِي اللهُ
عَنْهُ، أَنَّه لَهْوُ الحَدِيثِ المَذْكُورُ في القُرْآنِ.
باركَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم، وَنَفَعنِي
وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ الْحَكِيم، أَقُولُ مَا
تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ
ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ للهِ عَلى إِحسانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوفِيقِهِ
وَامتِنَانِهِ، وَأشهدُ أن لا إلهَ إِلا اللهُ وحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأشهدُ أنَّ
مُحمّداً عَبدُهُ وَرسولُهُ، صلى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلمَ تسليماً كثيراً
. أَمّا بَعدُ
عِبادَ
اللهِ: وَمِنْ أَعْظَمِ آفاتِ اللِّسانِ: الاسْتِطالَةُ عَلَى عِرْضِ الْمُسْلِمِ، فَإنَّها
مِنْ وَرْطاتِ الأُمُورِ التي نَتَساهَلُ فِيها في مَجالِسِنَا، وَكِتاباتِنَا،
وَمُشارَكاتِنَا في وَسائِلِ التَّواصُلِ، وَتَشْمَلُ أُمُورًا ثَلاثةً:
أَوَّلُها
القَذْفُ: أَحَدُ الْمُوبِقاتِ السَّبْعِ العِظامِ، وَهُوَ اتِّهامُ الْمُسْلِمِ
أَوْ الْمُسْلِمَةِ بِالزِّنَا أوْ اللِّواطِ أَو الفاحِشَةِ، وَغَيْرُ ذلكَ
مِمَّا يُدَنِّسُ العِرْضَ.
والثانِي:
القَوْلُ في الْمُسلِمِ بِما لَيْسَ فِيهِ، أَوْ اتِّهامُه بِتُهْمةٍ
باطِلَةٍ، أَوْ وَصْفُهُ بِمَا يُشَوِّهُ سُمْعَتَه وَهُوَ عَلى خِلافِ ذلكَ.
وَهذا هُو البُهْتانُ، وَهُوَ أَشَدُّ مِن الغِيبَةِ.
الثالِثُ:
الغِيبَةُ، وَهِيَ ذِكْرُكَ أَخاكَ الْمُسْلِمَ بِمَا يَكْرَه، قال رسول
اللهِ صلى الله عليه وسلم: ( لَمَّا عُرِجَ بِي
مَرَرْتُ بِقَوْمٍ لَهُمْ أَظْفَارٌ مِنْ نُحَاسٍ يَخْمِشُونَ وُجُوهَهُمْ
وَصُدُورَهُمْ، فَقُلْتُ: مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ؟! قَالَ: هَؤُلَاءِ
الَّذِينَ يَأْكُلُونَ لُحُومَ النَّاسِ وَيَقَعُونَ فِي أَعْرَاضِهِمْ ).
ومِنْ آفاتِ
اللِّسانِ يا عِبادَ اللهِ: السَّبُّ
واللَّعْنُ والسُّخْرِيَةُ، وَغَيْرُ ذلكَ مِمَّا حَرَّمَ اللهُ
التَلَفُّظَ بِهِ. يَجِبُ تَقْوَى اللهِ وحِفْظُ اللِّسانِ عَنْها.
اللهمَّ إنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ
أَسْماعِنَا، وأَبْصارِنا، وأَلْسِنَتِنا، وَقُلُوبِنا، وَفُرُوجِنا، اللهم آت
نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليّها ومولاها، اللهم خلصنا من حقوق
خلقك، وبارك لنا في الحلال من رزقك، وتوفنا مسلمين وألحقنا بالصالحين، اللهم أصلح
أحوال المسلمين، اللهم أصلح أحوال المسلمين حكاماً ومحكومين، اللهم إنا نعوذ بك من
جهد البلاء ودرك الشقاء وسوء القضاء وشماتة الأعداء، اللهم إنا نعوذ بك من زوال
نعمتك وتحول عافيتك وفجأة نقمتك وجميع سخطك، اللهم احفظ بلادنا من كيد الكائدين
وعدوان المعتدين، اللهم أخرجها من الفتن والشرور والآفات، واجعلها أقوى مما كنت،
وأمكن مما كانت، وأغنى مما كانت، وأصلح مما كانت، اللهم أصلح حكامها وأهلها واجمع
كلمتهم وألف بين قلوبهم واجعلهم يدا واحدة على من عداهم يا قوي يا عزيز، اللهم
اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب
مجيب الدعوات ( وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ
وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ )
وللمزيد من الخطب
السابقة للشيخ أحمد العتيق تجدها هنا :
http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=119
|