الشُّرُورُ التِي اسْتَعاذَ مِنْها الرسولُ صلى اللهُ
عليه وسلم
إِنَّ الحَمدَ للهِ، نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعوذُ
باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ
فَلا مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إِلا
اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ،
صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً. أمّا بعد،
عِبادَ اللهِ:
اتَّقُوا اللهَ تَعالَى، واعْلَمُوا أَنَّ الدُّعاءَ
مِن أَعْظَمِ أَسْلِحَةِ الْمؤمنِ، خَصُوصاً وَقْتَ الفِتَنِ والْمَخاوِفِ
والتِباسِ الأُمُورِ. ويَدْخُلُ في ذلك: الاستِعاذَةُ
باللهِ مِن الشُّرُورِ، وطَلَبُ الوِقايَةِ مِنها.
وخَيْرُ
الهَدْيِ في ذلك: هَدْيُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم.
حَيْثُ دَلَّنا عَلى قِراءَةِ الْمُعَوِّذَتَيْن، وأَنَّهُ لَمْ يَتَعَوَّذْ
أَحَدٌ بِمِثْلِهِما. وقال النبيُّ صلى اللهُ عليه وسلم: ( أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ نَفْسِي، وشَرِّ الشيطانِ
وشِرْكِهِ ) وقال أيضًا: ( اللَّهُمَّ إِنِّي
أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ سَمْعِي، وَمِنْ شَرِّ بَصَرِي، وَمِنْ شَرِّ لِسَانِي،
وَمِنْ شَرِّ قَلْبِي، وَمِنْ شَرِّ مَنِيِّي ). يَعْنِي فَرْجي.
واسْتَعاذَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم
مِن الهَمِّ والحَزَنِ والعَجْزِ والكَسَلِ،
والجُبْنِ والبُخْلِ، وَغَلَبَةِ الدَّيْنِ وَقَهْرِ الرجالِ، والقَسْوَةِ
والغَفْلَةِ، والقِلَّةِ والذِّلَّةِ والْمَسْكَنَةِ، والفَقْرِ والكُفْرِ،
والفُسُوقِ والشِّقاقِ والنِّفاقِ، والصَّمَمِ والبُكْمِ والجُنُونِ والجُذَامِ
والبَرَصِ وَسَيِّءِ الأَسْقامِ، والغَرَقِ والحَرَقِ والهَدْمِ والتَرَدِّي
والهَرَمِ، وَأَنْ يَتَخَبَّطَنِيَ الشيطانُ عِنْدَ الْمَوْت، وأَنْ أَمُوتَ في
سَبيلِكَ مُدْبِرا، وأَنْ أَمُوتَ لَدِيغا، وَمِنْ عذابِ جَهَنَّمَ، وعَذابِ
القَبْرِ، ومِن فِتْنَةِ الْمَحْيا والْمَماتِ، وَمِن فِتْنَةِ الْمَسِيحِ
الدَّجَّالِ.
وَمِن عِلْمٍ لا يَنْفَعُ، وَقَلْبٍ لا
يَخْشَع، وَنَفْسٍ لا تَشْبَع، ودُعاءٍ لا يُسْمَع. وَمِن يَوْمِ السُّوءِ،
وَلَيْلَةِ السُّوءِ، وساعةِ السُّوءِ، وصاحِبِ السُّوءِ، وجارِ السُّوءِ في دارِ
الْمُقَامَة. ومن زوال نعمتك، وتَحَوُّلِ عافيتك، وفُجَاءةِ نِقْمَتِكَ، وجَمِيعِ
سَخَطِكَ. وَمِنْ جَهْدِ البَلاءِ، ودَرَكِ الشَّقاءِ، وسُوءِ القَضاءِ، وشِماتَةِ
الأَعْداءِ. ومِن الْمَأْثَمِ والْمَغْرَمِ.
فَهذِهِ استِعاذاتٌ
تَجاوَزَت السِّتِينَ أَمْراً، جَمَعَتْ جَمِيعَ الشُّرُورِ والبَلايا.
وإذا اشْتَدَّ غَضَبُكَ، ونَزَغَكَ الشَّيْطانُ، فاسْتَعِذْ بِاللهِ.
ولا تَنْسَ
إِذا نَزَلْتَ مَنْزِلاً أَنْ تَقُولَ: ( أَعُوذُ
بِكَلِماتِ اللهِ التامَّاتِ مِن شَرِّ ما خَلَقَ ). فَإِنَّ ذلك
يَنْفَعُكَ في كُلِّ مَنْزِلٍ تَنْزِلُ فيه، أَو مَجْلِسٍ تَجْلِسُ فيه، سَواءً
كُنْتَ في سَفَرٍ أَو نُزْهَةٍ، أَو في الطَيَّارةِ، أَو السيارةِ أَو على كُرْسِي
الكَشْفِ عِنْد الطَّبِيبِ أَو الحَلاَّقِ أَو الفُنْدُقِ. فَإِنّه يَنْفَعُكَ
بِإِذْنِ الله.
فَلَوْ
أَنَّ العَبْدَ وَاظَبَ عَلَي هذِهِ الاسْتِعاذاتِ،
خُصُوصاً في أَوقاتِ الإجابَةِ، كالثُّلُثِ الأخِيرِ مِن الليلِ والساعَةِ
الأَخِيرَةِ مِن يَومِ الجُمُعَةِ.
وأَضافَ
إلى ذلكَ بَعْضَ الأَدْعِيَةِ النَّبَوِيَّةِ الجَوامِعِ، مِثْلُ: (
اللَّهُمَّ اقْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا
يَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعَاصِيكَ، وَمِنْ طَاعَتِكَ مَا تُبَلِّغُنَا بِهِ
جَنَّتَكَ، وَمِنَ اليَقِينِ مَا تُهَوِّنُ بِهِ عَلَيْنَا مُصِيبَاتِ الدُّنْيَا،
وَمَتِّعْنَا بِأَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَقُوَّتِنَا مَا أَحْيَيْتَنَا،
وَاجْعَلْهُ الوَارِثَ مِنَّا، وَاجْعَلْ ثَأْرَنَا عَلَى مَنْ ظَلَمَنَا،
وَانْصُرْنَا عَلَى مَنْ عَادَانَا، وَلاَ تَجْعَلْ مُصِيبَتَنَا فِي دِينِنَا،
وَلاَ تَجْعَلِ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّنَا، وَلاَ مَبْلَغَ عِلْمِنَا، وَلاَ
تُسَلِّطْ عَلَيْنَا مَنْ لاَ يَرْحَمُنَا ). ( اللهُمَّ
أَصْلِحْ لِي دِينِيَ الذي هُو عِصْمَةُ أَمْرِي، وأَصْلِحْ لِي دُنْيايَ التي
فِيها مَعاشِي، وَأَصْلِحْ لِي آخِرَتِيَ التي فِيها مَعادِي، واجْعَلْ الحَياةَ
زِيادَةً لي في كُلِّ خَيْرٍ، واجْعَلْ المَوْتَ راحَةً لِي مِنْ كُلِّ شَرّ
).
فَهذِهِ
اسْتعاذاتٌ وأَدْعِيَةٌ نَبَوِيَّةٌ جَوامِعٌ. تَأَمَّلْ أَيُّها المُسْلِمُ:
وَأَنْتَ تَدْعُو اللهَ بِها كُلَّ يَومٍ، أَو كٌلَّ لَيْلَةٍ، وتَذَكَّرْ أَنَّ
اللهَ يُرِيدُ مِنْكَ أَنْ تَدْعُوَه، وَأَنَّه يُحِبُّ ذلك مِنْكَ. واللهِ إِنَّه
حَرِيٌّ أَنْ يُعْطِيَكَ اللهُ كُلَّ ما سَأَلتَه، وأَنْ يُعْطِيَكَ هذِهِ
الدَّعَواتِ الْمُباركاتِ. فَإِنَّه أَرَحُمُ الراحِمِين، وخَيْرُ الرازِقِين.
أَرْحَمُ مِن الوالِدَةِ بِوَلَدِها.
واحْرِصِ
على تَعْلِيمِ أَهْلِكَ وأَوْلادِكَ ذلك، فَإِنَّهُم
إِنْ حَفِظُوها وَواظَبُوا عَلَيْها، فازُوا بِخَيْرِ الدنيا والآخِرةِ. وعاشُوا
سُعَداءَ، مَحْفُوظِين، آمِنِين مِن كُلِّ ما يُخِيفُهُم، مُطْمَئِنِّين، سالِمِين
مِن الشُّرُورِ كُلِّها ومِن تَسَلُّطِ الأَعْداءِ، ومُعافَيْنِ في أَبدانِهِم
وأَدْيانِهِم. وكُلُّ رَبِّ أُسْرَةٍ يُرِيدُ ذلك ويَتَمَناه لِأَهْلِهِ
وأُسْرَتِه، فَوَاللهِ إِنَّها خَيْرٌ لَهُم مِن كُنُوزِ الدنيا كُلِّها.
باركَ اللهُ لِي وَلَكُم
فِي القُرآنِ الْعَظِيم، وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ
وَالذّكرِ الْحَكِيم، أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم
وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ للهِ عَلى إِحسانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوفِيقِهِ
وَامتِنَانِهِ، وَأشهدُ أن لا إلهَ إِلا اللهُ وحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأشهدُ أنَّ
مُحمّداً عَبدُهُ وَرسولُهُ، صلى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلمَ تسليماً كثيراً
. أَمّا بَعدُ
عِبادَ الله: وَمِن الأَدْعِيَةِ الجَوَامِعِ التي لا تَتْرُكُ شيئاً مِنْ
خَيْرَيِ الدنيا والآخِرة إلا شَمَلَتْه. قَوْلُ النبيِّ صلى اللهُ عليه
وسلمَ: ( اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنَ
الْخَيْرِ كُلِّهِ، عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ
أَعْلَمْ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّرِّ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا
عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ. اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ
مَا سَأَلَكَ عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا اسْتَعَاذَ
بِكَ مِنْهُ عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ. اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ،
وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ
وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ، وَأَسْأَلُكَ أَنْ تَجْعَلَ
كُلَّ قَضَاءٍ قَضَيْتَهُ لِي خَيْرًا ). فَهذا دعاءٌ عظيمٌ، واسِعُ
المَعْنَى، جامِعٌ شامِلٌ، احْتَوى على أَجَلِّ الْمَقاصِدِ وأعْلَى الْمَطالِبِ،
لأنه ما مِن خَيْرٍ يَتَمَنَّاه الْمُؤْمِنُ مِمَّا يَعْلَمُه، ومِمَّا لا يَعْلَمُه،
في أَمْرٍ الدنيا والآخرةِ، إلا وَقَد دَخَلَ فيه. وَفِيهِ
مِيزَةٌ لَطِيفَةٌ، وَهِيَ: أنَّ الداعِيَ بِهذا الدُّعاءِ، يُقِرُّ
ويَعْتَرِفُ بِأنَّ دُعاءَ رسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم، خَيْرٌ مِن دعائِه،
واختِيارَهُ خيرٌ من اخْتِيارِه. ولأنه يَشْمَلُ كُلَّ ما فاتَ العَبْدَ مِنْ
أدعِيةِ الرسولِ صلى اللهُ عليه وسلم، التي لَمْ تَبْلُغْهُ ولَمْ يَسْمَعْ بها.
سواءً في سُؤالِ الخيرِ، أو الاستِعاذَةِ من الشُّرُور، بِأَوْجَزِ لَفْظٍ
وأَشْمَلِ مَعْنَى.
اللهم عَلِّمْنا ما يَنْفَعُنا، وانْفَعْنا بِما
عَلَّمْتَنا وَفَقْهِنا في دِينِكَ يا ذا الجَلال والإِكْرام. اللهُمَّ أَعِنَّا
عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبادَتِك، اللهم آتِ نفُوسَنا تقواها وزكّها
أنت خيرُ من زكاها أنت وليّها ومولاها، اللهم خلصنا من حقوق خلقك، وبارك لنا في
الحلال من رزقك، وتوفنا مسلمين وألحقنا بالصالحين، اللهم أصلح أحوال المسلمين،
اللهم أصلح أحوال المسلمين حكاماً ومحكومين، اللهم إنا نعوذ بك من جهد البلاء ودرك
الشقاء وسوء القضاء وشماتة الأعداء، اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك وتحول عافيتك
وفجأة نقمتك وجميع سخطك، اللهم ارفع عنا الوباء والبلاء يا أرحم الراحمين، اللهم
احفظ بلادنا من كيد الكائدين وعدوان المعتدين، اللهم أخرجها من الفتن والشرور
والآفات ومن هذا البلاء، واجعلها أقوى مما كنت، وأمكن مما كانت، وأغنى مما كانت،
وأصلح مما كانت، اللهم أصلح حكامها وأهلها واجمع كلمتهم وألف بين قلوبهم واجعلهم
يدا واحدة على من عداهم يا قوي يا عزيز، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين
والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات ( وَأَقِمِ
الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ
اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ )
وللمزيد من
الخطب السابقة للشيخ أحمد العتيق تجدها هنا :
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=119
|