تَعْظِيمُ
قَدرِ الصلاةِ وأَخْذْ الزِّينَةِ لَها وَبِيانُ أَثَرِها عَلى الْمُؤْمِنِ
إِنَّ الحَمدَ للهِ، نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ،
وَنَعوذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا، مَنْ
يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ
أَنْ لا إلهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا
عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ
تسلِيماً كَثِيراً. أمّا بعد،
عِبادَ
اللهِ: اتَّقُوا اللهَ تعالى، وَعَظِّمُوا قَدْرَ
الصّلاةِ في قُلُوبِكُمْ، واعْتَنُوا بها، فَإِنَّها رَأْسُ العِباداتِ
البَدَنِيَّةِ وَأَعْظَمُها، والرُّكْنُ الثانِي بَعْدَ الشَّهادَتَيْنِ،
وَأَعْظَمُ عَلاماتِ الإِيمانِ الظَّاهِرَةِ، ولذلك قال النبي صلى اللهُ عَلَيْه
وسلم: ( بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ والكُفْرِ
تَرْكُ الصلاةِ ).
وإِنَّ مِنْ
تَعْظِيمِها: أداءَها مَعَ الجَماعَةِ، وَلِذلِكَ أَوْجَبَ النبيُّ صلى
الله عليه وسلم عَلَى أُمَّتِهِ أَداءَها مَعَ الجَماعَةِ في الْمَساجِدِ.
ومِنْ
تَعْظِيمِها أيْضًا: الحِرْصُ عَلى مَعْرِفَةِ أَحْكامِها،
وَتَطْبِيقِها، لَقَوْلِ النبيِّ صلى اللهُ عَليه وسلم: ( صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي ).
وَمِنْ
تَعْظِيمِها أيْضًا: الخُشُوعُ فِيها، وتَدَبُّرُ أَذْكارِها، فَإِنَّ
الخُشُوعَ فِيها مِنْ أسْبابِ الفَلاحِ، وَقَدْ جَعَل اللهُ الخاشِعِينِ في
صَلاتِهِمْ مِنْ وَرَثَةِ الفِرْدَوْسِ الأَعْلى.
وَمِنْ
تَعْظِيمِ الصلاةِ أيْضًا: أَخْذُ الزِّينَةِ لَها، وَارْتِداءُ الْمَلَابِسِ
الحَسَنَةِ الجَمِيلَةِ، وَعَدَمُ لُبْسِ مَا لَا يَلِيقُ بِالْمُسلِمِ أَنْ
يَرْتَدِيَه بَيْنَ يَدَي رَبِّهِ فِي صَلَاتِه.
وَكَذَلِكَ
اجْتِنابُ الرَّوائِحِ الكَرِيهَةِ التي تُؤْذِي الْمُصَلِّينَ، كَرائِحَةِ
الثُّومِ والبَصَلِ والدُّخانِ ومَا شابَهَ ذلك.
ثُمَّ
اعْلَمُوا يا عِبادَ اللهِ: أَنَّ
لِلصَّلاةِ تَأْثِيرًا عَجِيبًا عَلى عَقِيدَةِ العَبْدِ وسُلُوكِهِ وأَخْلاقِهِ،
مَتَى ما أَقامَها كَما أَمَرَهُ اللهُ.
أَمَّا
أَثَرُها عَلى العَقيدَةِ: فَإِنَّ أَوَّلَ ما يَبْدَأُ بِهِ العَبْدُ
في صَلاتِهِ حِينَ يَسْمَعُ النِّداءَ بِها، وذلك حِينَما يُؤَذِّنُ الْمُؤَذِّنُ
وَيُنادِي بِالدَّعْوَةِ التَامَّةِ الْمُفْتَتَحَةِ بِالتَكْبِيرِ، ثُمَّ
بمِفتاحِ الجنةِ، وهُو الشهادتانِ، لِبيانِ أساسِ الدَّعْوةِ، وَهُوَ الأمْرُ
بِإفرادِ اللهِ بالعبادِةِ، وتَرْكِ عِبادَةِ ما سِواه، وَوُجُوبُ الإيمانِ
بِالنبيِّ صلى الله عليه وسلم، وتَصديقِه واتِّباعِه. مَعَ خِتامِها بِلا إلَهَ
إلا الله.
ثُمَّ يَفْتَتِحُ الصَّلاةَ بالتَّكْبِيرِ،
لِيَعْلَمَ الْمُسْلِمُ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ يَجِبُ أَنْ يَصْغُرَ وَقْتَ الصلاةِ
والوُقُوفِ بَيْنَ يَدَي اللهِ.
ثُمَّ يقْرَأُ سُورَةَ الفاتِحَةِ، أَعْظَمِ
سُورَةٍ في القُرْآنِ، وهِيَ رُكْنٌ في كُلِّ رَكْعَةٍ، اشْتَمَلَتْ عَلى أصُولِ
العَقيدَةِ وأَنْواعِ التوحيدِ. وفي الصلاةِ وُجُوبُ التَّشَهُّدِ، لِمَا فيه مِن
الأَمْرِ بِأَنْ تَكُونَ جَمِيعُ التَّحِيّاتِ والدَّعَواتِ للهِ وَحْدَهُ لا
شَريكَ لَهُ. مَعَ خِتامِ التَشَهُّدِ بِالنُّطْقِ بِالشهادَتَينِ.
وَمِنْ
أَثَرِ الصلاةِ عَلى العَقيدَةِ: أَنَّ أَداءَها مَعَ الجَماعَةِ في الْمَسْجِدِ،
سَبَبٌ لِلثَّباتِ عَلى الإسلامِ حَتَّى الْمَماتِ، قال ابنُ مَسْعُودٍ رضي اللهُ
عَنْه: ( مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى اللهَ غَدًا
مُسْلِمًا، فَلْيُحافِظْ عَلى هذِهِ الصَّلَواتِ حَيْثُ يُنادَى بِهِنَّ ) ،
أَيْ في الْمَساجِدِ.
وَمِن آثارِ
الصلاةِ عَلى العَبْدِ: أَنَّها تَنْهَى عَن الوُقُوعِ في الْمَعاصِي
والْمُنْكَراتِ، وَتَرْفَعُ مِنْ مُسْتَوَى أخْلاقِهِ، إذا أَقامَها العَبْدُ كَما
أَمَرَهُ الله. قال تعالى: ( وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ
الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ).
ومِنْ آثارِ
الصلاةِ عَلى العَبْدِ: أَنَّها تُعِينُ عَلى ضَبْطِ النَّفْسِ،
وَتَرْوِيضِها وَتَهْذِيبِها، والتَوَسُّطِ والاعْتِدالِ، وعَدَمِ الانْفِعالِ
والتَضَجُّرِ، والبُخْلِ وشُحِّ النَّفْسِ، قال تعالى: ( إِنَّ
الإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ
الخَيْرُ مَنُوعًا * إلَّا المُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ
دائِمُون ).
باركَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم، وَنَفَعنِي
وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ الْحَكِيم، أَقُولُ مَا
تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ
ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية
الْحمدُ للهِ ربِّ العَالَمِين، وَالعَاقِبةُ للمُتّقِين، وَلا
عُدوانَ إِلا عَلَى الظَّالِمين، وَأَشهدُ أنْ لا إِلهَ إِلا اللهُ وَحدَهُ لا
شَرِيكَ لَهُ، وَأَشهدُ أَنَّ مُحَمّداً عَبدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَى اللهُ عَليْهِ
وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلّمَ تَسلِيماً كَثِيراً. أما بعد:
عِبادَ اللهِ: ومِنْ آثارِ الصلاةِ:
أَنَّها سَبَبٌّ لِصَلاحِ أَمْرِ الْمُسْلِمِ مَعَ أُسْرَتِهِ، وسَلامَتِها مِن
التَشَتُّتِ والضَّياعِ وانْفِصالِ الزَّوجَيْنِ بِالطَّلاقِ وَغَيْرِهِ. فإنَّ
اللهَ تَعالى، لَمَّا ذَكَرَ الطَّلاقَ وَأَحْكامَهُ وبَعْضَ أَحْكامِ النِّكاحِ
والخُلْعِ في سُورَةِ البَقَرَةِ، ذَكَرَ بَعْدَها الْمُحافَظَةَ عَلى الصلاةِ،
فَقالَ: ( حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ
الْوُسْطَىٰ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ )، لِمَا فِيها مِن الإِعانَةِ
لِلْعَبْدِ وتَحَمُّلِ الْمَشاقِ، والصَّبْرِ عَلى الْمَتاعِبِ التي تَعْرِضُ لَهُ،
والحِرْصِ عَلى إيجادِ الحُلُولِ التي يَتَفادَى الزَّوْجانِ مِن خِلالِها ما قَدْ
يَعْرِضُ لَهُما مِنْ مَشاكِلٍ. بَلْ هِيَ مِنْ أَعْظَمِ ما يُعِينُ عَلى
تَحَمُّلِ الْمَشاقِّ وصُعُوباتِ الحَياةِ قال تعالى: ( يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ
مَعَ الصَّابِرِينَ ).
فَيَا مَنْ
يُرِيدُ إصْلاحَ نَفْسِهِ وحالِهِ، فَلْيُحافِظْ عَلى هذِه الصلاةِ
كَمَا أَمَرَ اللهُ في الْمَسْجِدِ. وَيَا مَنْ
يُرِيدُ طَرِيقًا يَخْتَصِرُ عَلَيْهِ الجُهْدَ في تَرْبِيَةِ
أَوْلادِه وأَهْلِ بَيْتِهِ، ويُغْنِيهِ عَنْ كَثِيرِ مِن الحُلُولِ،
فَلْيأْمُرْهُمْ بِالْمُحافَظَةِ عَلى الصلاةِ، ولْيَجْتَهِدْ مَعَهُمْ في ذلكَ،
وسَوْفَ يَرَى فِيهِمْ بِإِذْنِ اللهِ ما تَقَرُّ بِهِ عَيْنُه.
رَبَّنَا
اجْعَلْنا مُقِيمِي الصَّلاةِ ومِنْ ذُرِّيَّتِنا، رَبَّنا وَتَقَبَّلْ دُعاءَنا. اللَّهُمَّ
وَفِّقْنا لِلمُحافَظَةِ عَلى الصلاةِ، وَتَعْظِيمِ قَدْرِها. اللَّهُمَّ أَعِنَّا
عَلَى ذِكْرِكِ وشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبادَتِكَ، اللهُمَّ احفظْنا بالإسلامِ
قائمينَ وَاحفظْنا بالإسلامِ قاعدِين وَاحفظْنا بالإسلامِ راقدِين وَلا تُشْمِتْ
بنا أعداءَ وَلا حاسدينَ، اللهُمَّ أصلحْ أحوالَ المسلمينَ حُكَّاماً ومحكُومين،
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ وَأَذِلَ الشِّرْكَ
وَالْمُشْرِكِينَ وَدَمِّرْ أَعْدَاءَ الدِّينِ يا قويُّ يا عزيزُ، اللهُمَّ احفظْ
بلادَنا من كيدِ الكائدين وعدوانِ المعتدين، اللهُمَّ وَفِّقْ وُلاةَ أَمرِنا
بتوفيقِك، وأيِّدْهم بتأييدِك، واجعلهم مِن أَنصارِ دينِك، وارزقْهُم البطانةَ
الصالحةَ الناصحةَ يا ذا الجلالِ والإكرامِ، اللهُمَّ اغفرْ للمُسلمينَ والْمُسْلِماتِ
والْمُؤمِنينَ والْمُؤمِناتِ الأَحياءِ مِنهم وَالأَمْواتِ ، إِنك سميعٌ قريبٌ
مجيبُ الدَّعَواتِ، ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ
إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ
أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾.
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ أحمد العتيق
تجدها هنا : http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=119
|