دعاء عظيم
إن الحمدَ للهِ نحمدُهُ ونستَعينُهُ ونستَغفرُهُ، ونعوذُ باللهِ من شرُورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالنا، منْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومنْ يضللْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ، وأشهدُ أن محمّداً عَبدُهُ ورسولُهُ، صلى اللهُ عليه وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً. أمّا بعد،
أيها الناس: اتقوا الله تعالى, وراقبوه, واتَّبِعوا رسولَهُ محمدا صلى الله عليه وسلم, الذي ما ترك خيراً إلا بيَّنَه ودلنا عليه, وما ترك شراً إلا بيَّنَه وحذَّرَنا منه. ألا وإن من الخير الذي بَيَّنَه ودَلنا عليه: الدعاء, فإنه من أعظم الأبواب التي يَلِجُها المؤمِن, كي يَحْصُلَ على مصالِحِه الدينية والدنْيَوِيَّه. ومِمَّا عَلَّمَنا في شأْنِ الدعاء: أن يكون من الجوامع التي لا تَتْرُكُ شيئاً مِنْ خَيْرَيِ الدنيا والآخِرة إلا شَمِلَتْه. ومن ذلك: ما رواه الترمذي عن عبدالله بنِ عمرَ بنِ الخطاب رضي الله عنهما قال: قَلَّمَا كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُومُ مِنْ مَجْلِسٍ حَتَّى يَدْعُوَ بِهَؤُلاَءِ الدَّعَوَاتِ لأَصْحَابِهِ: ( اللَّهُمَّ اقْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا يَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعَاصِيكَ، وَمِنْ طَاعَتِكَ مَا تُبَلِّغُنَا بِهِ جَنَّتَكَ، وَمِنَ اليَقِينِ مَا تُهَوِّنُ بِهِ عَلَيْنَا مُصِيبَاتِ الدُّنْيَا, وَمَتِّعْنَا بِأَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَقُوَّتِنَا مَا أَحْيَيْتَنَا، وَاجْعَلْهُ الوَارِثَ مِنَّا، وَاجْعَلْ ثَأْرَنَا عَلَى مَنْ ظَلَمَنَا، وَانْصُرْنَا عَلَى مَنْ عَادَانَا، وَلاَ تَجْعَلْ مُصِيبَتَنَا فِي دِينِنَا، وَلاَ تَجْعَلِ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّنَا، وَلاَ مَبْلَغَ عِلْمِنَا، وَلاَ تُسَلِّطْ عَلَيْنَا مَنْ لاَ يَرْحَمُنَا ). يا له من دعاء عظيم شامل, ينبغي للمسلم الناصِحِ لِنفسِه أن يَحفظه ويُدَاوِمَ عليه. فإنه لم يترك من الخير أمراً إلا وتضمن أكمل ما فيه وأحسنه.
ففي أَوَّلِهِ قال: ( اللهم اقسم لنا من خشيتك ) أي: اجعل لنا من خوفك نصيباً, يمنعنا من الوقوع في معصيتك, سواء كان ذلك في السر أو العلن. لأن القلب إذا امتلأ خوفاً من الله, امتنعت الأعضاء عن المعاصي. امتنعت عن الزنا, وعن أكل الربا, والرشوة وقول الزور, والغيبة, والكذب, والنميمة, وكذلك ذنوب الخلوات عندما يكون العبد خاليا وحده لا يَطَّلِعُ عليه إلا الله.
وقال أيضاً: ( ومن طاعتك ما تُبَلِّغُنا به جَنَّتَك ): لأن الجنة هي سلعة الله, وَسِلْعَةُ الله غالية, لا تُنال بالأماني والدَّعاوَى, وإنما تُنالُ بعد رحمة الله, بالأسباب التي أَمَرَ الله بها.
وقال أيضاً: ( ومن اليقين ما تُهَوِّن به علينا مصائب الدنيا ), لأن الدنيا لا تساوي شيئاً فلا ينبغي أن نأسف عليها, ولأنها ليست دار مقر, ولأن مصيبتها ليست بشيء عند مصيبة الدين, فارزقنا من الإيمان واليقين ما يعيننا على مواجهة مصائب الدنيا بالصبر والإحتساب, وتَذَكُّرِ زوال الدنيا, وكذلك وفقنا لكمال الإيمان بالقَدَر حتى نعلم أن ما أصابنا, لم يكن ليخطئنا, وما أخطأنا لم يكن ليصيبنا. وأن كل ذلك يجري لحكمة بالغة.
وقال أيضاً: ( ومتّعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ) أي: إحفظ لنا أسماعنا وأبصارنا وسائر ما يتعلق بأبداننا وعقولنا, فاحفظ أبداننا من الأسقام السيئة, وعقولنا من النقص والخَرَفِ وسُوءِ الكبر. اجعلها كلها سالمة من الآفات والأمراض, واجعلها تعمل في طاعتك. ( ما أحييتنا ) أي : مدة حياتنا. ( واجعله الوارثَ مِنَّا ) أي: الباقي. ( منا ) أي : بأن يبقى إلى الموت. فما دمت أيها المسلم تتمنى بأن تبقى سليما معافى في سمعك وبصرك وبدنك وقوتك وعقلك, فلا تحتاج لأحد حتى من أقرب الناس إليك إلى أن تلقى الله, فعليك بهذا الدعاء كل يوم, في صلاتك ووردك وأوقات الإجابة, فإنه أفضل وأضمن من الأدوية والحمية وانشغال الذهن بالبرامج الغذائية. وقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم ليزيد بن الأسود فقال: ( اللهم متعه بسمعه وبصره وقوته ). قال الراوي: فرأيت يزيد قد بلغ التسعين وهو رجل جلد. أي رجل قوي سالم من آفات الكِبَر.
فلا تحرم نفسك وأهلك وأولادك أيها المؤمن هذا الدعاء ما حييت.
باركَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم ؛ وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ الْحَكِيم؛ أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ ربِّ العَالَمِين, وَالعَاقِبةُ للمُتّقِين, وَلا عُدوانَ إِلا عَلَى الظَّالِمين, وَأَشهدُ أنْ لا إِلهَ إِلا اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ, وَأَشهدُ أَنَّ مُحَمّداً عَبدُهُ وَرَسُولُهُ, صَلَى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلّمَ تَسلِيماً كَثِيراً. أما بعد:
ومما جاء في هذا الدعاء العظيم قوله: ( واجعل ثأرنا على من ظلمنا ) أي: إدراك ثأرنا. ( على من ظلمنا ) أي: مقصوراً عليه، ولا تجعلنا ممن تعدى في طلب ثأره فأخذ به غير الظالم كما كان معهوداً في الجاهلية، فنرجع ظالمين بعد أن كنا مظلومين. وقال أيضاً: ( وانصرنا على من عادانا ): من الكفار والمنافقين والمتسلطين بغير حق.
وقال أيضاً: ( ولا تجعل مصيبتنا في ديننا ) أي : لا تصبنا بما ينقص ديننا من العقائد الباطلة، وأكل الحرام، والفتور عن العبادة ، وغيرها. لأن أعظم المصائب هي المصيبة في الدين.
( ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ) أي: لا تجعل طلب المال والجاه وحطام الدنيا أكبر قصدنا أو حزننا ، بل اجعل أكبر قصدنا أو حزننا مصروفاً في عمل الآخرة، ولا تجعل الدنيا أيضا غاية علمنا، أي: لا تجعلنا حيث لا نعلم ولا نتفكر إلا في أمور الدنيا، بل اجعلنا متفكرين في أحوال الآخرة، متفحصين من العلوم التي تتعلق بالله تعالى وبالدار الآخرة.
( ولا تسلط علينا من لا يرحمنا ) أي: لا تجعلنا مغلوبين للكفار والظلمة، ومن لا يرحمون من الرؤساء والمسؤولين والحكام فإن ذلك من البلاء العظيم.
فيا له من دعاء عظيم ينبغي لنا أن نحفظه ونحافظ عليه.
اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وفقهنا في دينك يا ذا الجلال والإكرام، اللَّهُمَّ اقْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا يَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعَاصِيكَ، وَمِنْ طَاعَتِكَ مَا تُبَلِّغُنَا بِهِ جَنَّتَكَ، وَمِنَ اليَقِينِ مَا تُهَوِّنُ بِهِ عَلَيْنَا مُصِيبَاتِ الدُّنْيَا, وَمَتِّعْنَا بِأَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَقُوَّتِنَا مَا أَحْيَيْتَنَا، وَاجْعَلْهُ الوَارِثَ مِنَّا، وَاجْعَلْ ثَأْرَنَا عَلَى مَنْ ظَلَمَنَا، وَانْصُرْنَا عَلَى مَنْ عَادَانَا، وَلاَ تَجْعَلْ مُصِيبَتَنَا فِي دِينِنَا، وَلاَ تَجْعَلِ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّنَا، وَلاَ مَبْلَغَ عِلْمِنَا، وَلاَ تُسَلِّطْ عَلَيْنَا مَنْ لاَ يَرْحَمُنَا يا أرحم الراحمين، اللهم احفظنا بالإسلام قائمين واحفظنا بالإسلام قاعدين واحفظنا بالإسلام راقدين ولا تُشمت بنا أعداء ولا حاسدين، اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين وأذلَّ الشرك والمشركين واحمِ حوزةَ الدين، وانصر عبادك المؤمنين في كل مكان، اللهم أصلح أحوال المسلمين حكاماً ومحكومين، اللهم انصر المستضعفين من المؤمنين، اللهم احقن دماء المسلمين، اللهم ارفع البلاء عن المستضعفين من المؤمنين، اللهم نج إخواننا في سوريا المستضعفين، اللهم ليس لهم حول ولا قوة إلا بك اللهم ليس لهم إلا أنت يا قوي يا عزيز اللهم انصرهم على من ظلمهم وعاداهم، اللهم عليك بالكفرة والملحدين وحِزب البَعث العلويين الذين يصدون عن دينك ويقاتلون عبادك المؤمنين اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك، اللهم زلزلهم وزلزلِ الأرض من تحت أقدامهم، اللهم سلط عليهم مَنْ يسومهم سُوء العذاب يا قوي يا متين، اللهم احفظ لهذه البلاد دينها وعقيدتها وأمنها وعزتها وسيادتها، اللهم احفظها ممن يكيد لها، اللهم وفق حكامها وأعوانهم لما فيه صلاح أمر الإسلام والمسلمين، وبصّرهم بأعدائهم يا حي يا قيوم، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾.
|