الفوز بمحبة الله تعالى إن الحمد
لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده
فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد
أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد:-
عباد الله: اتقوا
الله تعالى واعلموا أن الفوز بمحبة الله تعالى مطلب يتمناه كل مؤمن حريص على مرضاة
الله والفوز برحمته والنجاة من عذابه. فإن من أحبه الله لابد وأن يفوز بأربعة فضائل: أولها:
ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي الذي يرويه عن ربه, أن الله
تعالى قال عن عبده المحبوب: ( فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به, وبصره الذي يبصر
به, ويده التي يبطش بها, ورجله التي يمشي بها )، والمراد في الحديث: هو حفظ جوارح العبد
وحواسه. أي أن الله تعالى يحفظ سمع عبده المحبوب ويعينه على ذلك, فتجده لا يتلذذ إلا
بسماع القرآن والحديث والكلام الطيب, ويشمئز حينما يسمع ما لا يرضي الله, فيحرص على
تجنب المجالس التي يُذكر فيها ما يسخط الله. كما قال تعالى: ( والذين هم عن اللغو معرضون
). وهذا هو معنى قوله: ( كنت سمعه الذي يسمع به ). وكذلك قوله كنت ( بصره), أي: أن
الله يحفظ بصره عن النظر الحرام وعن كل ما يوقد نار الشهوة ويفسد القلب, قال تعالى:
( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ). ومعنى قوله: ( ويده التي يبطش بها ), أي: أن الله تعالى يحفظ
يده عن العمل الحرام, فلا تتحرك إلا في طاعة أو أمر مباح. تتحرك في التسبيح والتهليل,
وتقليب صفحات المصحف والكتب النافعة, وفي خدمة الوالدين والكسب الحلال, وغير ذلك. ومعنى
قوله: ( ورجله التي يمشي بها ), أي: أن الله يحفظ رجله فلا تقوده إلى مكان محرم أو
سفر محرم, وإنما تقوده إلى طاعة أو عمل مباح. الفضل
الثاني الذي يفوز به من أحبه الله: استجابة الدعاء. لأن الله تعالى قال في نفس الحديث:
( ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه )، فهنيئا له, كلما رفع يديه يسأل الله
من خير الدنيا والآخرة أعطاه, وكلما استعاذ بالله من شرور الدنيا والآخرة وقاه. الفضل
الثالث: القبول عند أهل السماء وأهل الأرض, يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن الله
إذا أحب عبدا نادى جبريل: إني أحب فلاناً فأحببه ) يسميه الله باسمه ويخبر سيد الملائكة
جبرائيل بأنه سبحانه يحبه, فيا له من شرف! ( إني أحب فلاناً فأحببه, فيحبه جبريل, ثم
ينادي جبريل في أهل السماء, إن الله يحب فلاناً فأحبوه )، ينادي: في أهل السماء في
مجتمع الملائكة باسم هذا العبد المحبوب ( إن الله يحب فلانا فأحبوه, فيحبه أهل السماء
ثم يوضع له القبول في الأرض ). الفضل
الرابع: النجاة من النار, وهذا هو الفوز العظيم. روى الحاكم بسند جيد عن أنس ابن مالك
رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والله لا يُلقي الله حبيبه في
النار ). يحلف النبي صلى الله عليه وسلم, وهو الصادق وإن لم يحلف, أن الله تعالى لا
يعذب حبيبه في نار جهنم. فهذه
يا عباد الله أربعة فضائل يفوز بها العبد إذا أحبه الله. وهي [ حفظ الجوارح واستعمالها
في الطاعة. واستجابة الدعاء. والقبول في الأرض. والنجاة من النار]. وهذه الأربع يا
عباد الله, هي حسنة الدنيا والآخرة, وسعادة الدنيا والآخرة. نسأل الله من واسع فضله. بارك
الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول
هذا القول واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم. الخطبة
الثانية: الحمد
لله الرحيم الرحمـن الملك الديان، أحمده سبحانه يسأله من في السماوات والأرض كل يومٍ
هو في شأن، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله
صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسلماً كثيراً أما بعد:- عباد
الله: إن محبة الله تعالى لا ينالها كل أحد, وإنما ينالها من بذل أسبابها المذكورة
في القرآن والسنة. فإذا أردت أن تفوز بهذه الفضائل يا عبد الله فاحرص على القيام بالأعمال
الموجبة لذلك, فمنها : الحرص على تطبيق هدي النبي صلى الله عليه وسلم, قال تعالى:
( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم )، ومنها قوله تعالى:
( إن الله يحب المتقين ), ( والله يحب المحسنين ), ومنها الحب في الله والبغض في الله,
قال صلى الله عليه وسلم: ( قال الله تعالى: " وجبت محبتي للمتحابين في "
). وغير ذلك من الأسباب المذكورة في القرآن والسنة .
اللهم
إنا نسألك حبك وحب من يحبك وحب العمل الذي يقربنا إلى حبك يا ذا الجلال والإكرام، اللهم
أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا
عذاب النار |