فضل
الإستعاذة
إِنَّ الحَمدَ للهِ، نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعوذُ
باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ
فَلا مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إِلا
اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ،
صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً. أمّا بعد،
عباد
الله: اتقُوا اللهَ تعالى، واعلَمُوا أَن الإستِعاذَةَ عِبادةٌ مِن أَجَلِّ
العِباداتِ التي تَتَعَلَّقُ بِتَوحيدِ اللهِ. وَرَدَ ذِكْرُها في كِتابِ اللهِ
عَزَّ وَجَلَّ وَسُنَّةِ رسولِهِ صلى الله عليه وسلم لِأَنَّها مِن أَعْظَمِ
مَعالِمِ التوحيدِ لَدَى المُسْلِم، ومِن أَهَمِّ وَسائِلِ طَرْدِ الشَّيْطانِ
والسَّلامّةِ مِن الشُّرُور. عَرَّفَها العُلَماءُ بِأَنَّها: الالتِجاءُ إلى
اللهِ والالْتِصاقُ بِجَنابِهِ مِن شَرِّ كُلِّ ذِي شَرّ، وقَدْ أَمَرَنا اللهُ
عَزَّ وَجَلَّ بالإِسْتِعاذَةِ مِن الشيطانِ الرجيمِ الذي هُوَ أَصْلُ الشُّرِّ، ومِن سائِرِ الشُّرُورِ في عِدَّةِ مَواضِعَ مِن كِتابِهِ، قال تعالى: ( فَإِذا
قَرَأْتَ القُرآنَ فاسْتَعِذْ بِاللهِ مِن الشيطانِ الرَّجيم )، وقال تعالى: (
وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِن الشَّيْطانِ نَزْغٌ فاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ
سَمِيعٌ عَلِيم )، وقال تعالى: ( وَقُلْ ربِّ أَعُوذُ بِكَ مِن هَمَزاتِ
الشِّياطِين * وأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُون )، وأَنْزَلَ اللهُ في
كِتابِهِ سُورتَينِ عَظِيمَتَين خاصّتَيْنِ بِالإسْتِعاذَةِ، وأَخْبَرَ النَّبيُّ
صلى الله عليه وسلم أَنَّه لَمْ يَتَعَوَّذِ الخَلائِقُ بِمِثْلَيْهِما، "
سُورَتَيْ الفَلَقِ والناسِ ". فالمُسْتَعاذُ هُو اللهُ وَحْدَه، رَبُّ
الفَلَق، قال تعالى: ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الفَلَق )، والمُسْتَعاذُ بِهِ هُو
رَبُّ الناسِ ومَلِكُ الناسِ وإِلَهُ الناسِ، قال تعالى: ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ
* مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ ). فهو سُبْحانَه مَعاذُ الناسِ ومَلاذُهُم، وهُو الذي يُعِيذُ المُسْتَعِيذِين ويَعْصِمُهُم ويَمْنَعُهُم مِن شَرِّ ما
اسْتَعاذُوا مِن شَرِّه، وقَدْ أَخْبَرَ اللهُ تعالى في كِتابِهِ أَنَّ مَن
اسْتَعاذَ بِخَلْقِه فَإِنَّه لا يَحْصُلُ له ما يُرِيد، ولا يَجْنِي إلا
النَّقْصَ والخَسارَةَ، كَما قال تعالى: ( وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِن الإِنْسِ
يَعُوذُون بِرِجالٍ مِن الجِنِّ فَزادُوهُم رَهَقا ).
وتُشْرَعُ الإِسْتِعاذَةُ يا عِبادَ اللهِ
في عِدَّةِ أَحْوال:
فَمِن هذِه الأحوال: الغَضَب، فَإِنَّه
لَمَّا اسْتَبَّ رَجُلانِ عِنْدَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فاحْمَرَّ وَجْهُ
أَحَدِهِما وانْتَفَخَت أَوداجُه، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ( إِنِّي
لَأَعْلَمُ كَلِمَةً لَو قالَها، ذَهَبَ عَنْه ما يَجِد، لَو قالَ: أَعُوذُ باللهِ
مِن الشيطانِ، ذَهَبَ عنه ما يَجِد ).
ومِن ذلك: إذا نَزَلَ العَبْدُ مَنْزِلاً أو
مَكانًا، فإِنَّه يَنْبَغِي لَه أَنْ يَقُولَ ما أَرْشَدَ إِلَيْهِ النبيُّ صلى
الله عليه وسلم بِقَولِه: ( مَن نَزَلَ مَنْزلا ثُمَّ قال: أَعْوذُ بِكَلِماتِ
اللهِ التامَّاتِ مِن شَرِّ ما خَلَقَ، لَم يَضُرَّهُ شَيْءٌ حَتَّى يَرْحَلَ مِن
مَنْزِلِه ذلك ). والحُكْمُ عامٌّ في كُلِّ مَنْزِلٍ يَنْزِلُ فيه، أَو مَجْلِسٍ
يَجْلِسُ فيه، سَواءً كان في سَفَرٍ أَو نُزْهَةٍ، وسَواءً كان في الطَيَّارةِ، أَو السيارةِ أَو على كُرْسِي الكَشْفِ عِنْد الطَّبِيبِ أَو الحَلاَّقِ أَو
الفُنْدُقِ، فَإِنَّه يَقُولُ هذا الذِّكْرَ النَّبَوِيَّ العَظِيمَ فَيَجْنِي
ثَمَرَتَه ويَسْلَمَ مِمَّا يَخافُ ويَحْذَرُ مِن الشُّرُورِ بِإِذْنِ الله.
ومِن أَعْظَمِ الشُّرُورِ ما كان
يَتَعَوَّذُ مِنْه النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم في صَلاتِه: ( اللَّهُمَّ إِنِّي
أَعُوذُ بِكَ مِن عذابِ القَبْرِ، وأَعُوذُ بِكَ مِن فِتْنَةِ المَسِيحِ
الدَّجَّالِ، وأَعُوذُ بِكَ مِن فِتْنَةِ المَحْيا والمَماتِ، اللَّهُمّ إِنِّي
أَعُوذُ بِكَ مِن المَأْثَمِ والمَغْرَمِ، فقال له قائِلٌ: ما أَكْثَرَ ما
تَسْتَعِيذُ مِن المَغْرَمِ؟ فقال: إِنَّ الرَّجُلَ إّذا غِرِمَ حَدَّثَ فَكَذَبَ، وَوَعَدَ فَأَخْلَفَ ).
ويَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ أَنْ يُواظِبَ على
الإسْتِعاذَةِ مِن الفِتَنِ ما ظَهَر مِنْها وما بَطَن، لِأَمْرِ النبيِّ صلى الله
عليه وسلم أَصْحابَه بذلك.
ولَيْسَ الأَمْرُ مقْصُوراً عَلَى
الشُّرُورِ الخارِجِيَّة، بَلْ حَتَّى النَّفْسُ فَإِنَّ لَها شُرُوراً يسْتَعاذُ
مِنها، ولِذلك كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يقولُ في خُطَبِهِ: ( ونَعُوذُ
بِاللهِ مِن شُرُورِ أَنْفُسِنا وسَيِّئَاتِ أَعْمالِنا )، وكان يَقُولٌ أَيْضًا:
( اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ سَمْعِي، وَمِنْ شَرِّ بَصَرِي،
وَمِنْ شَرِّ لِسَانِي، وَمِنْ شَرِّ قَلْبِي، وَمِنْ شَرِّ مَنِيِّي ).
باركَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم، وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ
بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ الْحَكِيم، أَقُولُ مَا تَسْمَعُون
وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ
إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية
الْحمدُ
للهِ ربِّ العَالَمِين، وَالعَاقِبةُ للمُتّقِين، وَلا عُدوانَ إِلا عَلَى
الظَّالِمين، وَأَشهدُ أنْ لا إِلهَ إِلا اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشهدُ
أَنَّ مُحَمّداً عَبدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ
وَصَحْبِهِ وَسَلّمَ تَسلِيماً كَثِيراً. أما بعد:
عِبادَ
الله: ومِن أَعْظَمِ الأُمُورِ التي يَخافُ مِنْها العَبْدُ ويَحْذَرُ مِنها، أَنْ
يَمُوتَ بِسُوءِ الخاتِمَةِ، أَوْ غَرَقاً بالماءِ، أَو بَسَبَبِ الحَرِيقِ، أَوْ
أَنْ يَنْهَدِمَ عَلَيْهِ بَيْتٌ أَو جِدارٌ، أَو أَنْ يَسْقُطَ مِن الأَماكِنِ
العَالِيَةِ، أَو بِلَدْغَةِ ذَواتِ السُّمُومِ مِن الحَيَّاتِ والعَقَارِبِ.
وقَدْ خَصَّ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم هذِهِ الأُمُورَ بالإسْتِعاذَةِ فقال: (
اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِن الهَدْمِ، وأَعُوذُ بِكَ مِن الغَرَقِ
والحَرَقِ والهَرَمِ، وأَعُوذُ بِكَ أَنْ يَتَخَبَّطَنِيَ الشيطانُ عِنْدَ
المَوْتِ، وأَعُوذُ بِكَ أَنْ أَمُوتَ في سَبيلِك مُدْبِرا، وأَعُوذُ بِكَ أَنْ
أَمُوتَ لَدِيغًا ).
والأُمُورُ التي وَرَدَت الإِسْتِعاذَةُ
مِنْها كَثيرَةٌ في القُرآنِ والسنة، مَن ابْتَغاها وَجَدها، وجِماعُ ذلك كُلِّهِ، قَوْلُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: ( اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنَ
الْخَيْرِ كُلِّهِ، عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ
أَعْلَمْ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّرِّ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا
عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ. اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ
مَا سَأَلَكَ عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا اسْتَعَاذَ
بِكَ مِنْهُ عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ ).
اللهم
علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وفقهنا في دينك يا ذا الجلال والإكرام، اللهم
احفظنا بالإسلام قائمين واحفظنا بالإسلام قاعدين واحفظنا بالإسلام راقدين ولا
تُشمت بنا أعداء ولا حاسدين، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمت أمرنا وأصلح لنا
دنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الدنيا زيادة
لنا في كل خير والموت راحة لنا من كل شر، اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليّها
ومولاها، اللهم خلصنا من حقوق خلقك، وبارك لنا في الحلال من رزقك، وتوفنا مسلمين
وألحقنا بالصالحين، اللهم أصلح أحوال المسلمين، اللهم أصلح أحوال المسلمين حكاماً
ومحكومين، اللهم ألّف بين قلوب المؤمنين وأصلح ذات بينهم واهدهم سبل السلام ونجهم
من الظلمات إلى النور وانصرهم على عدوك وعدوهم يا قوي يا عزيز، اللهم احفظ بلادنا من
كيد الكائدين وعدوان المعتدين، اللهم احفظ لبلادنا دينها وأمنها وعزتها وعقيدتها
وسيادتها، اللهم انصرها على من يكيد لها في داخلها وخارجها، اللهم أخرجها من الفتن
والشرور، واجعلها أقوى مما كنت، اللهم أصلح أهلها وحكامها واجمع كلمتهم وألف بين
قلوبهم واجعلهم يدا واحدة على من عداهم يا قوي يا عزيز، اللهم اغفر للمسلمين
والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات (
وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ
وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ) .
وللمزيد من
الخطب السابقة للشيخ أحمد العتيق تجدها هنا :
http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=119
|