فَضْلُ
شَهْرِ شَعْبانَ
إِنَّ الحَمدَ للهِ، نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ،
وَنَعوذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا، مَنْ
يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ
أَنْ لا إلهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا
عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ
تسلِيماً كَثِيراً. أمّا بعد، عِبادَ اللهِ:
اتَّقُوا اللهَ تَعالَى، وَاسْتَعِدُّوا قَبْلَ الْمَوْتِ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ،
وَتَزَوَّدُوا بِالأَعْمالِ الصَالِحَةِ قَبْلَ أَنْ يُحَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ
فِعْلِها والقِيامِ بِهَا، وَاحْرِصُوا يَا عِبادَ اللهِ عَلَى التَّفَقُّهِ فِي
دِينِكُمْ، وَمَعْرِفَةِ هَدْيِ النبيِّ صلى اللهُ عَلَيْه وسلم فِي العِبادَةِ، كَيْ
تُؤَدُّوها عَلَى أكْمَلِ وَجْهٍ، لِأَنَّ مِنْ شُرُوطِ قَبُولِ العَمَلِ:
الإخلاصَ للهِ، وُموافَقَةَ هَدْيِ النبيِّ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسلم. عِبادَ اللهِ:
لَقَدْ فَضَّلَ اللهُ تَعالَى بَعْضَ الأَزْمِنَةِ عَلَى بَعْضِ، وَجَعَلَ لَهَا
مِنْ الْمَزَايَا مَا يَحُثُّ الْمُؤمِنَ عَلَى الحِرْصِ عَلَى اسْتِغْلالِها، وَإِنَّ مِنْ هذِه الأزْمِنَةِ: شَهْرَ شَعْبانَ
فَقَدْ كانَ النبيُّ صلى اللهُ عليه وسلمَ أَكْثَرَ ما يَصُومُ فِي شَهْرِ
شَعْبانَ، قالتُ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: ( مَا
رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلمَ فِي شَهْرٍ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ
فِي شَعْبَانَ كَانَ يَصُومُهُ إِلَّا قَلِيلًا، بَلْ كَانَ يَصُومُهُ كُلَّهُ
). وعن أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رضي اللهُ عَنْهُما قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ
اللَّهِ: لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنْ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ
شَعْبَانَ؟ فقَالَ: ( ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفَلُ
النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبَ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ
الأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا
صَائِمٌ ). وَمِمَّا وَرَدَ فِي فَضْلِ شَهْرِ شَعْبانَ أيْضًا، ما رُوِيَ
عَن النبيِّ صلى اللهُ عليه وسلم أنَّه قال: ( إِنَّ
اللَّهَ لَيَطَّلِعُ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ
خَلْقِهِ إِلا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ )، وَفِي رِوايَةٍ قال: ( وَيَدَعُ أَهْلَ الحِقْدِ بِحِقْدِهِمْ حَتَّى يَدَعُوهُ ).
فَيَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَحْذَرَ مِنْ هذِهِ الذُّنُوبِ الثَّلاثَةِ: (
الشِّرْكُ، والشَّحْناءُ، والحِقْدُ ). أمَّا الشِّرْكُ: فَإِنَّهُ أَعْظَمُ الذُّنُوبِ،
قَال تَعَالَى: ( إنَّ اللهَ لاَ يغفرُ أن يُشْرَك
بهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء )، وَقال تَعالَى: ( وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ
لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ
). والشِّرْكُ هُوَ: أَنْ تَجْعَلَ للهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكْ: نِدًّا فِي
رُبُوبِيَّتِه، أَوْ عَبادَتِهِ، أَوْ أَسْمائِهِ وصفاته. فَمَنْ دَعا غَيْرَ
اللهِ فِيما لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إلا اللهُ، فَقَدْ أَشْرَكَ الشِّرْكَ
الأَكْبَرَ والذَّنْبَ الذي لا يُغْفَرُ. وَمَنْ جَعَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللهِ
واسِطَةً في دُعائِهِ، كَمَا يَفْعَلُهُ مَنْ يَعْكُفُ عِنْدَ القُبُورِ
وَيَدْعُونَ أَصْحابَها، فَيَسْأَلُونَهُمْ الشَّفاعةَ والزُّلْفَى، أَوْ الْمَدَدَ
والبَرَكَةَ، أَوْ حُصُولَ الرِّزْقِ وَتَنْفِيسَ الكُرُباتِ، بِحُجَّةِ أَنَّ
لِهَؤُلاءِ الْمَقْبُورِينَ قَدْرًا وَمَكانَةً عِنْدَ اللهِ، فَقَدْ وَقَعَ في
الشِّرْكِ الأَكْبَرِ والذَّنْبِ الذي لا يُغْفَرُ. إذْ لا فَرْقَ بَيْنَ مَنْ
يَدْعُو غَيْرَ اللهِ دُعاءً مُباشِرًا، أَوْ بِالواسِطَةِ، لِأَنَّ اللهَ تَعالى
لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الأَمْرَيْنِ، كَما قال تعالى: ( وَالَّذِينَ
اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا
إِلَى اللَّهِ زُلْفَىٰ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ
يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ )،
وَقال تعالى: ( ويَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ ما لا
يَضُرُّهم ولا يَنْفَعُهم ويَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ ).
وَكَذلكَ: مَنْ اعْتَقَدَ أَنَّ غَيْرَ اللهِ يَعْلَمُ الغَيْبَ، أَوْ يَتَصَرَّفُ
فِي الكَوْنِ، أَوْ أعْطَى الْمَخْلُوقَ مِن الخَصائِصِ مَا لَا يَجُوزُ إلَّا
للهِ، فَقَدْ نَقَضَ تَوْحِيدَه، وَصارَ مِنْ الْمُشْركِين، وَإِنْ صلَّى وصامَ
وَزَعَمَ أَنَّه مسلم. نسألُ اللهَ تَعَالَى أنْ يُجَنبَنا الشركَ كبيرِهِ وصغيرِه، وأنْ
يُكْملَ التوحيدَ فِي قُلُوبِنا، وأنْ يغفرَ لَنا وَلِوالِدِينا وَلِـجمِيعِ الْمُسلِمِين
إِنَّه هُو الغُفُورُ الرَّحِيم. الخطبة
الثانية الْحَمْدُ للهِ عَلى إِحسانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوفِيقِهِ
وَامتِنَانِهِ، وَأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وَأشهدُ أنَّ
مُحمّداً عَبدُهُ وَرسولُهُ، صلى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلمَ تسليماً
كثيراً . أَمّا بَعدُ عِبادَ اللهِ: وأَمَّا الشَّحْناءُ،
فإنَّها تُفْسِدُ القُلُوبَ وَتُفْضِي إلى العَدَاوَةِ والبَغْضاءَ، وَيَحْصُلُ
بِسَبَبِها القَطِيعَةُ والتَّهاجُرُ، وَقَدْ قال النبيُّ صلى اللهُ عليه وَسَلَّمُ:
( تُعْرَضُ الأعْمالُ عَلَى اللهِ يَوْمَ الاثنينِ
والخَمِيسِ، فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لِا يُشْرِكُ باللهِ شَيْئًا، إلَّا الْمُتَشاحِنَيْنِ،
يَقُولُ اللهُ: أنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا )، وقالَ صلى اللهُ
عليهِ وسلم: ( لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ
أخاهُ فَوْقَ ثَلَاثٍ، فَمَنْ هَجَرَ أخاهُ فَوْقَ ثَلَاثٍ فَمَاتَ دَخَلَ النارُ
). وَهَكَذَا الحِقْدُ فَإِنَّه مِنْ
عَلَاماتِ فَسادِ القَلْبِ، وَهًوَ خُلُقُ إبِلِيسِ اللَّعِينِ، وَمِنْ أَبْرَزِ
صِفاتِ اليَهُودِ، قال عَلَيْهِ الصلاةُ والسلامُ: ( إِنَّ
اليَهُودَ قَوْمٌ حُسَّدٌ ). وَالحِقْدُ
أيْضًا مُنافٍ لِلْأُخُوَّةِ الإيمانِيَّةِ، قَالَ صلى اللهُ عليه
وسلم: ( لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ
لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ ). فَاتَّقُوا اللهَ عِبادَ اللهِ،
وَتَفَقَّدُوا قُلُوبَكُمْ، وَرَاجِعُوا تَوْحِيدَكُمْ وَلَا تَغْتَرُّوا،
وَنَقُّوا قُلُوبَكُمْ تُجاهَ إِخْوانِكُمْ. اللَّهُمَّ عَلِّمْنَا مَا يَنْفَعُنَا وَانْفَعْنَا بِمَا
عَلَّمْتَنَا وَزِدْنَا عِلْمًا يا ذَا الجَلَالِ والإكْرامِ، اللَّهُمَّ
فَقِّهْنَا في دِينِكَ وأَصْلِحْ أعمالَنَا وَقُلُوبَنَا، اللَّهُمَّ حَبِّبْ
إلَيْنَا الإيمانَ وَزَيِّنْه فِي قُلُوبِنَا وَكَرِّهْ إلَيْنَا الكُفْرَ
والفُسُوقَ والعِصْيانَ وَاجْعَلْنَا مِنْ الراشِدِين، اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا
دِينَنَا الّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الّتِي
فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الّتِي إِلَيْهَا مَعَادُنَا،
وَاجْعَلْ الحَيَاةَ زِيَادةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلْ الْمَوْتَ
رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ خَيْرَ أَعْمَارِنَا
آخِرَهَا، وَخَيْرَ أَعْمَالِنَا خَوَاتِمَهَا، وَخَيْرَ أَيَّامِنَا يَوْمَ لِقَائِكَ،
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِيْنَ، وَأَذِلَّ الشِّرْكَ
وَالْمُشْرِكِيْنَ، وَانْصُرْ عِبَادَكَ الْمُوَحِّدِيْنَ، اللهُمَّ أصلحْ أحوالَ
المسلمين، اللهُمَّ ارفع البلاءَ عن الْمستضعفينَ من الْمؤمنين في كلِّ مكانٍ،
اللهُمَّ احِقن دماءَ الْمُسلِمِين يا ربَّ العَالَمِين، اللهُمَّ احفظْ بلادَنا
مِن كيدِ الكائدينَ وعُدْوانِ الْمُعتدينَ، اللهُمَّ وَفِّقْ ولاةَ أمرِنا
بتوفيقِك، وأيِّدْهم بتأييدِك، واجعلهم من أنصارِ دينِك، وارزقْهُم البطانةَ الصالحةَ
الناصحةَ يا ذا الجلالِ والإكرامِ، اللهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ
وَالمُسْلِمَاتِ، وَالمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ، الأحْيَاءِ مِنْهُم
وَالأمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيعٌ قَرِيبٌ مُجِيبُ الدَّعَوَاتِ، (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ
وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) . وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ أحمد العتيق
تجدها هنا :
http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=119
|