أسماء الله كلها حسنى
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله -صلى الله عليه وسلم- وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
عباد الله اتقوا الله واعلموا أن من أنواع التوحيد التي يجب على كل مكلف الإيمان بها توحيد الأسماء والصفات ولقد امتدح الله في القرآن الكريم أسماءه العظيمة، ووصفها كلها أنها حسنى، وتكرر وصفها بذلك في القرآن في مواضع منها:
* قال تعالى: {وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}، وقال تعالى: {قُلِ ادْعُواْ اللّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَـنَ أَيّاً مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى}.
ففي هذه الآيات، وصفٌ لأسمائه سبحانه جميعَها بأنها حسنى، أي بالغة في الحسن كماله ومنتهاه قال تعالى: {وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}، أي الكمال الأعظم في ذاته، وأسمائه، وصفاته، ولذا كانت أحسنَ الأسماء بل ليس في الأسماء أحسنُ منها، ولا يسدُّ غيرُها مسدَّها، ولا يقوم غيرُها مقامَها، ولا يؤدي معناها.
ولهذا، فإن كل اسم من أسماء الله، دال على معنىً من صفات الكمال، ليس هو المعنى الذي دل عليه الاسم الآخر، فالرحمن مثلاً: يدل على صفة الرحمة، والعزيز يدل على صفة العزة، والخالق يدل على صفة الخلق، والكريم يدل على صفة الكرم، والمحسن يدل على صفة الإحسان وهكذا.
وإن كانت جميعها متفقة في الدلالة على الرب تبارك وتعالى.
قال العلامة ابن القيم –رحمه الله-: أسماء الرب -تبارك وتعالى- كلها أسماء مدح، ولو كانت ألفاظا مجردة لا معاني لها، لم تدل على المدح، وقد وصفها الله سبحانه بأنها حسنى كلَّها، فقال: {وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}، فهي لم تكن حُسنى لمجرد اللفظ بل لدلالتها على أوصاف الكمال.
ولهذا لمَّا سمع بعض الأعراب قارئاً يقرأ: والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالاً من الله والله غفور رحيم، قال: ليس هذا بكلام الله تعالى، فقال القارئ: أتُكذب بكلام الله، قال: لا ، ولكن ليس هذا بكلام الله، فعاد القارئ إلى حفظه، وقرأ: والله عزيز حكيم، فقال الأعرابي: صدقت عزّ فحكم فقطع، ولو غفر ورحم لما قطع. ولهذا إذا ختمت آية الرحمة باسم عذاب أو بالعكس، ظهر تنافر الكلام وعدم انتظامه. وعليه فإن دعاء الله بأسمائه المأمور بها في قوله تعالى: { فَادْعُوهُ بِهَا}، لا يتأتى إلا مع العلم بمعانيها، فإنه إن لم يكن عالماً بمعانيها، ربما جعل في دعائه الاسم في غير موطنه، كأن يختم طلب الرحمة باسم العذاب أو العكس، فيظهر التنافر في الكلام وعدم الاتفاق.
ومن يتدبّر الأدعية الواردة في القرآن الكريم، أو في سنة النبي –صلى الله عليه وسلم- يجد أنه ما من دعاء منها يختم بشيء من أسماء الله الحسنى إلا ويكون في ذلك الاسم ارتباط، وتناسب مع الدعاء المطلوب، كقوله تعالى: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}، وقوله: { رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ}، وقوله تعالى: {رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ}، وهكذا الشأن في عامة الدعوات المأثورة.
بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة، ونفعنا بما فيها من الآيات والحكمة. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله تعالى لي ولكم من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق المبين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
أيها المسلمون إن معرفة المسلم لهذا الوصف العظيم لأسماء الله تعالى، يزيد فيه التعظيم لها، والإجلال، والحرص، على فهم معانيها الجليلة، ومدلولاتها العظيمة، ويبعده عن منزلقات المنحرفين، وتأويلات المبطلين، وتخرَّصات الجاهلين.
هذا ويمكن أن نلخِّص المعاني المستفادة والثمار المجْنية من هذا الوصف لأسماء الله فيما يلي:
الأول: أنها أسماء دالة على أحسن مسمىً وأجلّ موصوف، وهو الله –تبارك وتعالى- ذو الجلال، والجمال، والكمال.
الثاني: أن فيها إجلالاً لله، وتعظيمًا، وإكبارًا، وإظهارًا لعظمته، ومجده، وكماله، وجلاله، وكبريائه سبحانه.
ثالثاً: أن كل اسم منها دال على ثبوت صفات كمال الله –جلَّ وعلا- ولذا كانت حسنى، وصفاته –تبارك وتعالى- كلها صفات كمال، ونعوته كلها نعوت جلال، وأفعاله كلها حكمة ورحمة، ومصلحة وعدل.
رابعاً: أنها ليس فيها اسمًا يحتوي على الشر، أو يدلُّ على نقص، فالشر ليس إليه فلا يدخل في صفاته، ولا يلحق ذاته، ولا يكون شيء من أفعاله، فلا يُضاف إليه فعلاً ولا وصفاً.
الخامس: أن الله أمر عباده بدعائه بها، بقوله: { فَادْعُوهُ بِهَا}، وهذا شامل لدعاء العبادة، ودعاء المسألة، وهذا من أجل الطاعات، وأعظم القُرب.
السادس: أن الله وعد من أحصى تسعة وتسعين اسماً منها، حفظًا، وفهمًا، وعملاً بما تقتضيه، بأن يدخله الجنة، وهذا من بركات هذه الأسماء.
اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين وأذلّ الشرك والمشركين ودمّر أعداء الدين وأهلك الزنادقة والكافرين، اللهم مَنْ أرادنا وأراد أمننا وإيماننا وعلماءنا وشبابنا ونساءنا بسوءٍ فأشغله بنفسه واجعل كيده في نحره يا قوي يا عزيز، اللهم آمنَّا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا واجعلهم هداة مهتدين، واجعل اللهم ولايتنا فيمَنْ خافك واتقاك واتبع رضاك يا أرحم الراحمين، اللهم أصلح أحوال المسلمين حكاماً ومحكومين اللهم اجمع كلمتهم على الحق وردهم إلى دينك رداً جميلاً، اللهم احفظنا بالإسلام قائمين واحفظنا بالإسلام قاعدين واحفظنا بالإسلام راقدين ولا تشمت بنا أعداء ولا حاسدين، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات إنك يا ربنا سميع كريم مجيب الدعوات، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من الآيسين، اللهم اسقنا وأغثنا اللهم إنّا خلقٌ من خلقك فلا تمنع عنّا بذنوبنا فضلك، اللهم اسق بلادك وعبادك وبهائمك وانشر رحمتك، اللهم إنّا نستغفرك إنك كنت غفاراً فأرسل السماء علينا مدراراً، نستغفرك اللهم ونتوب إليك ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا واغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار،{ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ } .
|