الخطبة
الأولى
الحمد
للهِ الملكِ القهار، القويِّ العزيزِ الجبار، ذلّت لعظمته الصِّعاب وحصرت عن بلوغ
غاية حكمته الألباب، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له، له الأولى والآخرة
واليه المآب، وأشهد أن محمد عبده ورسوله المصطفى بأفضل كتاب، صلى الله عليه وعلى اله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان وسلم تسليما إلى يوم الحساب
أما
بعد قال تعالى (وما بكم من نعمة فمن الله)
أيها
الناس : روى الإمام الترمذي وغيره من حديث عبيدالله بن محصن الخطمي: أن النبي صلى
الله عليه وسلم قال: "من أصبح منكم آمنًا في سربه، معافى في جسده، عنده قوت
يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها)
حديث
مبارك اشتمل على مطالب عظيمة وغايات حميدة
لمن أراد أن يملك الدنيا بحذافيرها وأن يعيش حياة مطمئنة وسعيدة,
حديث
اشتمل على ثلاث جمل بأبسط إشارة وأحسن عبارة
بدأها
r بقوله: "من أصبح" أي: أصبح في ذلك اليوم، وفيه إشارة
إلى أن المؤمن عليه ألا يحمل همّ المستقبل، لأنه بيد الله وعليه أن يُحسن الظن
بربه، ويتفاءل بالخير ويفعل الاسباب ولا يعتمد عليها .
قوله:
"آمنًا في سربه" فهو آمن أن يقتله أحد، أو يسرق بيته، أو ينتهك عرضه.
والأمن
من أعظم نعم الله على عباده بعد نعمة الإيمان والإسلام، ولا يشعر بهذه النعمة إلا
من فقدها، كالذين يعيشون في البلاد التي يختل فيها النظام والأمن، أو الذين عاصروا
الحروب الطاحنة التي تهلك الحرث والنسل، فهم ينامون على أزيز الطائرات وأصوات
المدافع، ويضع الواحد منهم يده على قلبه ينتظر الموت في أي لحظة، قال تعالى: ﴿
الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ - أي بشرك -أُولَئِكَ
لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾ [الأنعام: 82].
وهذا
مما أنعم الله وتفضل به علينا في بلادنا السعودية فالأمن ظاهر في حياتنا الدنيوية
قد حبانا الله عز وجل , بل ولأهمية الأمن دعا به ابراهيم ﷺ
ربه قبل حصول الرزق قوله تعالى{وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلداً آمنا وارزق أهله
من الثمرات} وذلك لأهميته وفضله ولو كان عيشه على خبزة يابسه.
قوله:
«مُعَافًى فِي بَدَنِهِ»، أي: صحيحًا سالمًا من العلل والأسقام, وكان النبي
صلى الله عليه وسلم يسأل ربه صباحًا ومساءً هذه العافية في دينه ودنياه ونفسه
وأهله وماله، وأمر أصحابه بذلك، روى أبوداود من حديث عبد الله بن عمر- رضي الله عنه
– قال: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدع هؤلاء الدعوات حين يمسي وحين
يصبح: "اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك العفو
والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي.."
قوله:
"عنده قوت يومه"، أي: قدر ما يغديه ويعشيه، ولو على الشيء اليسير قال
تعالى: ﴿ فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ
وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ ﴾ [قريش: 3، 4].
ولقد
كان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل ربه الكفاف، أي مقدار ما يكفيه، روى البخاري
ومسلم من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه -: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول:
"اللهم اجعل رزق آل محمد قوتًا".
ومما
تقدم يتبين أن من اجتمعت له هذه الخصال الثلاث في يومه، فكأنما ملك الدنيا كلها،
وقد اجتمع لكثير من الناس أضعاف أضعاف ما ذكر في هذا الحديث، ومع ذلك فهم منكرون
لها، محتقرون ما هم فيه، فهم كما قال تعالى: ﴿ يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ ثُمَّ
يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [النحل: 83].
روى مسلم في صحيحه من
حديث عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنه -: أن رجلًا سأله فقال: ألسنا من
فقراء المهاجرين؟ فقال له عبد الله: ألك امرأة تأوي إليها؟ قال: نعم. قال: ألك
مسكن تسكنه؟ قال: نعم. قال: فأنت من الأغنياء. قال: فإن لي خادمًا. قال: فأنت من
الملوك.
فماذا نحن قائلون
؟! فكلنا ملوك
أقول هذا القول، واستغفر الله لي ولكم ولكافة
المسلمين من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد
لله حمدا كثيرا، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد عبده
ورسوله صلى الله عليه وعلى اله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا.. أما بعد:
فإن
مقومات الأمن والمحافظة عليه كثيرة وجديرة بالعناية :
فمنها إصْلاحُ
العقيدةِ وتَحْقِيقُ شهادةِ أَنْ لا إله إلا اللهُ، وذلك بإفرادِ اللهِ بالعِبادةِ
وَتَرْكِ الشِّركِ , ومنها اتِّباعُ النبيِّ صلى اللهُ عليه وسلم، والتَّمَسُّكُ
بِهَدْيِه والدَّعْوَةُ إلى سُنَّتِهِ، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ
حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾، والحَسْبُ هو الكافِي.ومنها تَحْقِيقُ
عَقِيدَةِ الوِلاءِ والبَراءِ، والحُّبِّ فِي اللهِ والبُغْضِ في الله.وبثها بين الصغار
والكبار والمحافظة عليها )مَن
أحبَّ لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله، فقد استكمل الإيمان) , ومنها المحافظة
على الصلوات في المساجد ففيها الألفة والتواد.ومنها ترك المعاصي والذنوب فخطرها
على الأمن والأمان عظيم (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم
بعض الذي عملوا)
ثم صلوا وسلموا........
فاللهم
يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام، اللهم إنا نسألك بأنك أنت الله لا إله إلا
أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد : اللهم أحينا على
الإسلام والسُنة وأمتنا على الإسلام والسُنة. اللهم اجعلنا من أنصار دينك ،
وحُماةٍ لشريعتك ، ونسألك القيام بحقك ، والغضب لحُرمتك ، ونعوذ بك من هيبة الناس
أو الفقر إليهم - يا غني يا حميد ..
=
اللهم ونسألك قلوبا سليمة وألسن صادقة وأنفساً زكية ، ونسألك اللهم علما نافعا
وعملا متقبلا وذرية طيبة وحياة في عافية وتوبة قبل الموت وراحة بعد الموت يا أرحم
الراحمين .
=
اللهم وفقّ ولاة أمرنا بتوفيقك، وأيّدهم بتأييدك واجعلهم من أنصار دينك يا ذا
الجلال والإكرام، وارزقهم بطانة صالحة مصلحة، آمرة بالمعروف ناهية عن المنكر،
معظمة لشريعتك، اللهم من أرادنا وأراد ديننا وبلادنا ونسائنا بسوء اللهم فأشغله في
نفسه واجعل كيده في نحره واجعل تدبيره تدميراً عليه يا رب العالمين، اللهم اغفر
للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات انك سميع قريب مجيب
الدعوات. اللهم صلّ وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والحمد لله رب
العالمين .
وللمزيد
من الخطب السابقة للشيخ الوليد الشعبان تجدها هنا:
http://www.islamekk.net/catsmktba-129.html
|